|
من تجارب راهن مغرب الصحافة ..
عبد السلام انويكًة
باحث
الحوار المتمدن-العدد: 8182 - 2024 / 12 / 5 - 22:44
المحور:
الصحافة والاعلام
ما هو جمعوي بكل أثاثه الرمزي وأنشطته، كان هو مدرسته الأولى التي تعلم فيها قيم الانسانية وقيم مجتمع ووطن، حيث ستينات القرن الماضي والكشفية الحسنية كأهم منظمة موازية لحزب الاستقلال آنذاك. هذا ما أورده في مدخل مذكرات نتمنى أن ترى النور قريبا، مشيرا لِما كان لجريدة العلم التي كانت تؤثث بيت الأسرة يوميا، من أثر في توسيع مداركه المعرفية وتكوينه عبر ما كانت تحتويه من مقالات لأقلام مغربية متميزة، من قبيل الأستاذ عبد الكريم غلاب وعبد المجيد بن جلون وغيرهم. ولعل ابن البيت الاستقلالي، كان أكثر اهتماما بقراءة ما هو ثقافي في هذه اليومية، قبل انفتاحه على ما كان يتصدرها من افتتاحيات وخطب زعماء وطنيين مغاربة وهو في سن مبكر. علما أن والد صاحبنا استقلالي حتى النخاع وبأصول شريفة، حيث كان نقيبا للشرفاء العلويين بتازة "مزوار" بظهير ملكي منحه له الراحل الملك الحسن الثاني، فضلا عن جده الذي كان بنفس الصفة والمهمة بظهير منحه له السلطان المولى يوسف. مع أهمية الإشارة الى أن والده كان نائب رئيس غرفة التجارة بتازة في أول انتخابات سنة ألف وتسعمائة وثلاثة وستين، ثم رئيسا لنفس الغرفة نهاية الستينات وبداية السبعينات. وأن أحد أعمامه كان نائبا لرئيس مجلس تازة البلدي، في أول انتخابات جماعية بداية ستينات القرن الماضي. وأن ابن تازة هذا تعرف وهو لا يزال طفلا، على عبد الخالق الطريس اثناء ترؤسه لتجمع عام في بيت أسرته الاستقلالية، بمناسبة أول انتخابات تشريعية مطلع مغرب الستينات، ونفسه البيت الذي استقبل نهاية الخمسينات الزعيم علال الفاسي، وكانت مناسبة سمحت له بالسلام والتعرف عليه عن قرب. ذلكم هو الأستاذ عبد الكريم الأمراني، الذي أورد عنه أحد رفاق دربه السياسي ويتعلق الأمر بالأستاذ سعيد الطاهري التازي، أنه عرفه منذ حوالي خمسين سنة مشيرا الى أنه أحد أبرز علامات سبعينات مدينة تازة، اسم لا زال ذكره يجري على ألسن مجايليه وقد نشأ على الوطنية وترعرع عليها، وأنه من مؤسسي تجربة الشبيبة الاتحادية بعد المؤتمر الاستثنائي لحزب القوات الشعبية وهو لا يزال طالبا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، مضيفا عنه أنه أحد مؤسسي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بتازة كأستاذ بثانوية علي بن بري آنذاك، وأنه أبلى البلاء الحسن على أكثر من صعيد طردا وسجنا ومحاكمة إثر اضرابات أبريل 1979، قبل أن يشد رحاله صوب الدار البيضاء ويلتحق بجريدة الاتحاد الاشتراكي ثم جريدة الأحداث المغربية انتهاءا بتأسيسه لجريدة صوت الناس. مضيفا عنه أنه بشخصية صلبة ومواقف وكتابات لا مجاملة فيها، فضلا عما يطبعها من جهر برأي لا تأخذه فيه لومة لائم، مشيرا الى أنه بمسار نضالي متفرد وذاكرة سياسية وطنية قوية، فضلا عن حرقة على مآلات نضال ديمقراطي، كونه عندما يحدث الآخر يحدثه بنَفس فيه حدّة صدق ووطنية مستحضرا تاريخا وأحداث وشهداء وقادة، مع أسف على ما ضاع من فرص لتحقيق ما كان منشودا لفائدة البلاد، مضيفا عنه أن مثقف عميق وكاتب وشاعر متمكن يعرّج استشهادا واستعارة بأبيات شعر ووقائع، فضلا عن كونه قارئا نهم تأخذك جاذبية الحديث معه بمتعة لا تتوقف. ولعل الأمراني هذا الذي ارتبط اسمه وصداه وخطه التحريري في الاعلام الوطني، بجريدة الاتحاد الاشتراكي أولا منذ سنوات الطلب حيث سبعينات القرن الماضي، ثم ثانيا بتجربة الصحافة المكتوبة المستقلة من خلال جريدة الاحداث المغربية حيث فترة التسعينات. هو هوية وهيبة خاصة في زمن اليسار المغربي لعقود من الزمن، بقدر ما كان عليه من اسهامات ضمن خيار وقناعة وحلم بمغرب جديد، بقدر ما يسجل له فضله في تطوير فعل الاعلام المكتوب مع سبقه في تأسيس صحافة مستقلة، ارتبطت بتجربة يومية الأحداث المغربية التي عمل رئيسا لتحريرها، وقد كان بوقع صحفي متميز غير خاف عن سلف وخلف لسنوات وسنوات. عبد الكريم الأمراني هذا، كاد أن يكون "اخوانيا" بحسب ما أورده في مذكراته مشيرا الى أنه قرأ في سن مبكرة للسيد قطب عدة مؤلفات من قبيل "في ظلال القرآن" ثم "معالم في الطريق"...الخ، قبل تعرفه على شخص قال عنه أنه كان بأثر ودور كبير في حياته وقد تحول الى صديق له، ويتعلق الأمر هنا بالأستاذ عبد الرحمن عاشور مدير الإذاعة السابق والاطار أيضا بوزارة الداخلية. وهذا الأخير الذي كان زميلا له في الدراسة بالسلك الثانوي، يقول عنه أنه كان بأثر عميق في تغيير قناعاته وتوجهه الفكري، من خلال ما كان يزوده به من كتب لم يكن سهلا الحصول والاطلاع عليها من قبيل كتاب "مذكرات شي غيفارا" ... الخ، وأنه عبر صديقه وما توفر من أثاث فكري، بقدر ما اتسع وعاءه المعرفي خاصة منه المتعلق بالفكر الاشتراكي، بقدر ما تشبع وأعجب بما هو خطاب ثوري متأثرا بشروط موازية، من قبيل ما كان عليه من احتكاك في الوسط المدرسي (الثانوية)، ومن حركة احتجاجية تلاميذية بتازة. وأن كل هذا كان بأثر في توسيع مداركه وانفتاحه، مستفيدا مما عاشه من أحداث وتفاعلات وخبايا قبل حصوله على شهادة الباكالوريا والتحاقه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، متى قرر الانخراط في صفوف حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فيما بعد)، حيث تعرف بالكلية على أول من تعرف عليه وكان هو الأستاذ "عبد الهادي خيرات"، الذي كان مسؤولا عن التنظيم بالحي الجامعي ظهر المهراز بفاس، مشيرا في مذكراته أنه بتشجيع من هذا الأخير بدأت ثماره الأولى في المجال الصحفي، من خلال إنجازه لأول استطلاع حول الوضع الاجتماعي لأحد أحياء مدينة فاس المهمشة "دوار ريافة". ولعله الاستطلاع الذي نشر في جريدة المحرر مطلع سبعينات القرن الماضي، قبل أن تتوالى مراسلاته حول جملة قضايا انفتح فيها على الجامعة والطلبة الجامعيين والحي الجامعي، فضلا عن قضايا توجه فيها بالعناية لوقائع وأحوال مدينة تازة بتوجيه وفضل من الأستاذ خيرات - يضيف -، والذي خلفه بعد انتقاله الى الرباط، على رأس التنظيم الطلابي الاتحادي بفاس، فضلا عن اشرافه التام على التنظيم الحزبي بتازة أواسط سبعينات القرن الماضي. بعض من ذاكرة ونشأة وتنشئة وبدايات الأستاذ الأمراني، هذه المدرسة السياسية والفكرية والإعلامية التي طبعها ما طبعها من نكران ذات وقد نهل منها الكثير بشهادة كثير، وطبعها ما طبعها من كلمة حرة على امتداد حوالي نصف قرن من الزمن. مدرسة غرست في جيل سبعينات القرن الماضي التلاميذي، حب الانتماء السياسي للفكر اليساري (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، الفترة الحرجة التي تم فيها اعتقاله عدة مرات ومحاكمته حيث قضى فترة في السجن، فضلا عن توقيفه عن العمل الى جانب عدد من المناضلين قبل قرار عفو عام. دون نسيان أنه كان جسرا لإلتحاق مساحة هامة من شباب تازة بالشبيبة الاتحادية، وهو ما جعل المدينة لسنوات وسنوات واحدة من قلاع المغرب الاتحادي. أحيط بتقدير خاص في مدينته تازة ولا يزال، وكذا خارج تازة هنا وهناك رغم اختلاف البعض معه في مواقفه حول هذا وذاك داخل البيت الاتحادي. كتاباته الصحافية كانت بصدى وتتبع واسع ضمن الملف الاسبوعي لجريدة الأحداث المغربية، خاصة صفحته الشهيرة الموسومة ب "ضد التيار" كل يوم سبت. هكذا هو الأستاذ الأمراني، طاقة وقامة اعلامية وطنية اعطت الكثير للصحافة المغربية منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، عبر جريدة المحرر وما أدراك ما المحرر ثم جريدة “الاتحاد الاشتراكي” وما أدراك ما يومية الاتحاد الاشتراكي حينئذ، وعبر “الأحداث المغربية” لاحقا التي كان رئيس تحريرها، وقد جعلها في صدارة مشهد المغرب الصحفي المكتوب لسنوات. اسم بهوية خاصة رافقته في مشواره ومساره السياسي والاعلامي، ناهيك عن تفرد ما تميز به من جدية عمل في دربه الصحفي، فضلا عما طبع شخصه من قيم تفان واخلاص وحرص على صدق فعل ودفاع عن موقع وذات واستقلالية. يُشهد له بتكوين فكري وسياسي واعلامي ومن ثمة لغوي رفيع ضمن جيل مخضرم، فضلا عما طبعه من نزاهة فكر وقناعة ونظافة يد وحب وطن. صريح واضح تلقائي متعفف بصفات حميدة في سلوكه كما حال أخلاق بيت جميع أسرته. لا يعرف غير كلمة حق ولو على حساب ذاته ورزقه وحياته. عُرف ولا يزال في تازة حيث نشأ وتفاعل وعمل ذات يوم ب"القلب الكبير" و"القلب الأبيض"، كيف لا وهو ينتمي لأسرة تازية اصيلة عريقة ميسورة شهيرة بالمدينة، جمعت بين أعيان وعلماء وفقهاء. بحيث كان مفروضا أن يكون مسار الرجل مختلفا تماماً، كأن يكون رجل سلطة أو عاملاً بل في موقع أكثر من ذلك، علما أن وضع عائلته وعلاقتها وتماسها بدار المخزن منذ القرن التاسع عشر كانا يؤهلانه لذلك. مركز ابن بري للدراسات والابحاث وحماية التراث
#عبد_السلام_انويكًة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في رحاب درس وروح المؤرخ محمد زنيبر ..
-
حول تازة في زمن المغرب الأركيولوجي ..
-
ضاية شيكر التي بحوض تازة المغاراتي الاستغواري ..
-
حول جدل الماء وتراث تازة المائي ..
-
الأغنية المغربية التي في ركن المتغيب .. ؟
-
الجبل بتازة .. أية قراءة لأي أفق ترابي ..
-
بمناسبة ذكرى مسيرة المغرب الخضراء ..
-
منتدى زرياب للموسيقى في احتفاء خاص بذاكرة تازة لطرب الملحون
...
-
حول -المهرجان الوطني البريجة للمونودراما- في دورته الثانية ب
...
-
ماذا بعد تصنيف تازة تراثا ثقافيا وطنيا..؟
-
حول العلاقات المغربية الصينية ..
-
حول الشهيد عباس المساعدي ..
-
أبواب تازة وسؤال التراب ..؟
-
من ذاكرة قبيلة كًزناية ..
-
قبيلة كزناية زمن استقلال المغرب ..
-
في رحاب مركز الأمل للأشخاص في وضعية إعاقة بتازة ..
-
حول الأصول العرفية للقانون المغربي ..
-
اسطرلاب تازة بمعرض الرباط الدولي للكتاب ..
-
تازة : ذات ربيع كروي تكريمي ..
-
المخطوط المغربي بعيون الباحث ..
المزيد.....
-
بهدف جذب السياح.. الصين تمدد فترة الإقامة للعبور من دون تأشي
...
-
رئيس حكومة الإئتلاف السورية: ما قامت به -هيئة تحرير الشام- م
...
-
مصاد عسكرية تكشف: حماس جندت آلاف المقاتلين الجدد في غزة
-
عملية إنقاذ محفوفة بالمخاطر في إيطاليا.. 75 ساعة من الجهد لإ
...
-
-لبنان لنا- .. إسرائيليون يدخلون لأول مرة جنوب لبنان وينصبون
...
-
من ماهر الأسد إلى ماهر الشرع.. تعيين شقيق الجولاني وزيرا للص
...
-
بالصور.. دمشق بعد سقوط الأسد
-
من اتفاق السائقين إلى البطاقة الذكية.. ماذا تغير في العشر ال
...
-
زعيم حزب -الناس الجدد- في الدوما الروسي رئيسا للمجلس الإشراف
...
-
الخارجية الروسية: الولايات المتحدة تحاول تغيير السلطة في كوب
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|