|
ابن سلمان وصدمة التغيير
ياسين المصري
الحوار المتمدن-العدد: 8182 - 2024 / 12 / 5 - 15:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الصدمة، كما سبق تعريفها في مقال سابق، هي الفرق بين المتوقع والذي وقع بالفعل، وأن مداها يتوقف على هذا الفرق ويتناسب معه طرديا، بمعنى أنه إذا كان الفرق بين المتوقع والذي وقع بالفعل كبيرا، تكون الصدمة كبيرة والعكس صحيح. من المفترض أن الأمير وولي العهد والحاكم الفعلي لمملكة آل سعود محمد بن سلمان هو (حامي الحرمين) وقدوة للمتأسلمين في كافة بقاع الأرض، ولكنه الآن يحدِث صدمة منقطعة النظير من حيث القوة والعنفوان، وقد تغير وجه العالم الإسلاموي بأسره، ومع ذلك لن يستطيع أحد أن ينال منه أو يوقفه. هذه الصدمة يمكن تشبيهها إلى حد ما بتلك التي أحدثها مصطفى كمال أتاتورك (1881 - 1938م) في تركيا، حين أطلق برنامجًا صارمًا للإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي بهدف نهائي هو بناء دولة قومية حديثة وتقدمية وعلمانية. ألغى الخلافة العثمانية الإسلاموية، ونفى الأسرة العثمانية بأسرها وأنصار الإسلام جميعًا من تركيا في 1 نوفمبر 1922، أخذ جميع المدارس تحت سيطرة الحكومة التركية وألغى الامتيازات الممنوحة للأجانب. ألغى الشريعة، وقطع علاقة تركيا بالإسلام. وحظر تعدد الزوجات، وأغلق المدارس الدينية، وتبنَّى التقويم الميلادي في المعاملات الرسمية، وفي عام 1925م بدأ حملة ضد النساء المحجبات ثم أتبعها بتغيير الأحرف العربية إلى الأحرف اللاتينية، وأعطى المرأة حقوقًا متساوية بما في ذلك الحق في التصويت وشغل المناصب الحكومية. نفذ سياسة التأميم في الاقتصاد، وسياسة التفوق التركية المسماة «أطروحة التاريخ التركي» (Türk Tarih Tezi) في التأريخ، وسياسة التتريك ضد الأقليات العرقية. قام بتغيير أسماء الأماكن باللغات اليونانية، والأرمنية، والكردية، والزازكية، والعربية، والسريانية، واليزيدية، واللازية، والجورجية إلى اللغة التركية (مثل القسطنطينية أصبحت إسطنبول، سميرنا أصبحت إزمير، وأنغورا أصبحت أنقرة).
زعمت بعض المصادر - خاصة التركية - أن أتاتورك كان متدينا - أو يبدو ذلك - في شبابه، وكانت خطاباته الشخصية تشير إلى ذلك، فقد وصف الإسلاموية بأنّها «ديننا الأعظم (بالنسبة للأتراك)»، ووصف القرآن بأنه «عظيم الشأن» و«الكتاب المُحكم والأكمل"»، وقال عن محمد بأنه: «حضرة سيدنا ورسولنا». لكن المصادر الآخر تفيد بأنه كان ملحدًا (atheist) أو ربوبيًا (deist) أو لاأدري (agnostic)، وكان معاديًا لجميع الأديان بوجه عام. راجع: Political Islam in Turkey: Running West, Heading East? Author G. Jenkins, Publisher Springer, 2008, (ردمك 0230612458), p. 84. وجاء في الويكيبيديا العربية إنه في عام 1933، قابله السفير الأمريكي في تركيا تشارلز هيتشكوك شيريل. وقال له أتاتورك في المقابلة: « إن الشعب التركي لا يعرف ما هو الإسلام حقًا ولا يقرأ القرآن. يتأثر الناس بالجمل العربية التي لا يفهمونها، وبسبب عاداتهم يذهبون إلى المساجد. عندما يقرأ الأتراك القرآن ويفكرون فيه، سيتركون الإسلام». كان أتاتورك يعرف اللغة العربية جيدًا بما يكفي لفهم القرآن وتفسيره، وكانت معرفته الدينية عالية إلى حد كبير في طبيعتها ومستواها. درس كتاب «تاريخ الإسلام» (10 أجزاء)، بقلم الأمير والمستشرق الإيطالي ليون كايتاني (1869 - 1935م)، وكتاب «تاريخ الحضارة الإسلامية» لجرجي زيدان، وقام بتأليف الفصل في «التاريخ الإسلامي» بنفسه عندما أراد إعداد كتب التاريخ للمدارس الثانوية. https://ar.wikipedia.org/wiki/مصطفى_كمال_أتاتورك#cite_note-Ankara-6 . -.
بالطبع كان وقع هذه القرارات وغيرها على المتأسلمين كارثيًا ومؤلمًا، وأحدث آنذاك حالة إرباك هائلة على امتداد العالم الإسلاموي، ونتجت عنه نشوء حركات - إجرامية وغير إجرامية - فاعلة مازالت تحاول عبثا حتى اليوم إحياءها من جديد. ورغم أن أتاتورك وضع تركيا على طريق العلمانية، وأن ذكراه كشخصيّة وطنية عظيمة مازالت تحظى باحترام شعبي ورسمي، يصل إلى حد التقديس في بلده، إلا أن الإجراءات التي اتبعها بشأن الديانة الإسلاموية، فقدت زخمها بمرور الوقت، وعاد الأتراك، وهم في غالبيتهم من الريفيين البسطاء، إلى التعلق بالدين مرة أخرى، بينما أصبحت الحكومات المتعاقبة تنتهج أسلوبا سياسيا برجماتيا، وقد تلجأ إلى الدين أحيانا، بشكل مظهري، للتأثير على رعاياها في بعض القضايا الهامة والحساسة. *** الثابت تاريخيا أن الفقهاء الفارسيين (البخاريستاني ومسلم النيسابوري وابن ماجة القزويني وغيرهم) وضعوا العناصر الأساسية للديانة الإسلاموية الحالية، وذلك بناء على النهج السياسي للحكام العباسيين، وتبعا لرغباتهم وأوامرهم، لذلك ظلت الديانة خاضعة لميول ورغبات الحكام على مر التاريخ، فالحاكم وحده هو الذي بإستطاعته توجيه مجرياتها وتغيير مسارها في نفوس الفقهاء والرعايا على حد سواء، ومن هنا شاعت في كتب التراث والأدب وغيرها مقولة: «الناس على دين ملوكهم، الناس أتباع من غلب، إذا تغير السلطان تغير الزمان». ودائما ما يعمد الطامحون للمناصب الحكومية في الدول المتأسلمة، إلى استعمال الدين، بجانب الأساليب الميكيافيلية والفاشية الأخرى التي استعملها نبي الأسلمة، لتحقيق مآربهم والتسلط على الناس، فإذا تمكنوا من تحقيقها، يستمرون في الاعتماد عليها ظاهريا لاكتساب شرعية مزيفة، ولتهدئة شعوبهم بالكذب والخداع أو بالقهر النبوي الشريف!، فالدين عندهم مجرد وسيلة يلجأون إليها عند الحاجة. ومن تداعي المعاني association of thoughts يخطر ببالنا ما جاءت به كتب التراث المملة جدا ومنها كتاب ”البداية والنهاية لابن كثير، جزء 12 ص 383 “، أن «الخليفة عبد الملك بن مروان عندما وصله الخبر أن الخلافة آلت اليه (فى 11 أبريل من عام 685م)، كان يقرأ القران فرماه جانبا وقال: "هذا آخر عهدنا بك هذا فراق بيني وبينك" وخرج يخطب بالمسلمين وقال: فإنى لست بالخليفة المستضعف (يعني عثمان) ولا بالخليفة المداهن (يعني معاوية) ولا بالخليفة المأفون (يعني يزيد) ألا واني لا أداوي هذه الأمة اٍلا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم. والله لايأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا الا ضربت عنقه». أنظر الكتاب كاملا: https://www.noor-book.com/en/ebook-البدايه-والنهايه-ابن-كثير-pdf ويزيد هذا، هو بن معاوية بن أبي سفيان، ثاني خلفاء بني أمية، (حكم ما بين 60 هـ - 64 هـ / 680 - 683م)، وقال عنه الطبري في تاريخه ج8 ص 187، إنه شكك في نبوة محمد وفي الوحي بقوله: « لعبت هاشم بالملك فلا … خبر جاء ولا وحي نزل». https://www.noor-book.com/كتاب-تاريخ-الطبري-تاريخ-الرسل-والملوك-ج8-pdf *** ومن ناحية أخرى فإن هذه الديانة كما معروف قامت على العداء المستحكم لغير المتأسلمين (الكفار) - خاصة اليهود والمسيحيين (الذين تسميهم النصارى) - مما جعل الحكام ورجال الدين والرعايا المتأسلمين على عداء دائم ومزمن مع الآخرين، وغرس نوازع الكراهية والبغضاء في نفوس الأوروبيين ضدهم وضد ديانتهم منذ نشأنها، وظلت العلاقات بين الطرفين متوترة إلى حد كبير حتى يومنا هذا، رغم أن العالم المتأسلم بأسره تعتمد حياته بكاملها على منتجات الغرب. اكتسب الديانة على مر التاريخ خاصية فولاذية من خلال ما يعرف بقاعدة ”سد الذرائع“* الفقهية، من الصعب اختراقها، ولذلك لا يمكن إصلاحها من الداخل كما فعل رجل الدين المسيحي الراهب مارتن لوثر مع المسيحية في القرون الوسطى. فأي محاولة لإصلاحها من قبل رجال الدين الإسلاموي ما هي إلا اجتهادًا عبثيا لا يفضي إلى شيء، مجرد إضفاء طبقة تجميلية مزيفة عليها، كما أن السلفيين منهم يرون أن الإصلاح لا يتحقق إلا بالرجوع إلى السلف (الصالح)، حيث الإلتزام بأصل الديانة كما مارسها النبي وصحابته وخلفاؤه من غزو وقتل ونهب وسلب واغتصاب… إلخ. الخلاصة هي أن إصلاحها لا بد أن يأتي من خارجها؛ من حاكم تتوفر لديه الإمكانيات المادية والمعنوية المؤثرة، وها هو يأتي الآن من حيث لا يحتسب المتأسلمين، من منبع الديانة ومهد الحرمين الشريفين! * قاعدة سد الذرائع الفقهية: https://islamqa.info/ar/answers/235778/ما-المقصود-بقاعدة-سد-الذراىع *** ولد محمد بن سلمان في (15 ذو الحجة 1405 هـ / 31 أغسطس 1985م)، وهو نجل الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ويتولى ولاية عهد السعودية، ورئيس مجلس الوزراء. ويرأس مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. وقبل إظهار توجّهاته الانفتاحية المختلفة تمامًا عمَّن سبقه من قادة السعودية السابقين، أزاح جميع الأمراء المحافظين وفيهم أعمام له، ووضعهم رهن الإقامة الجبرية في قصورهم حتى لا يختلطوا بالشعب من خلال مجالسهم الخاصة، وأبعد رجال الدين المتطرفين، حتى لا يفسدوا عليه هذه التوجهات. وبدأت البلاد تشهد خلال فترة ولاية عهده السماحَ للمرأة السعودية بقيادة السيارة والسفر للخارج دون محرم، والسماح لهن بقيادة السيارات، ودخولِ الملاعبِ الرياضية وبداية ظهور النساء والرجال جنبا الى جنب في المطاعم والأماكن العامة. وتفعيلِ هيئة ترفيه حكومية في مايو عام 2016، وأطلاق العنان لإقامة الحفلات الموسيقية والغنائية الصاخبة والعروض المسرحية، وأعيد فتح دور السينما. وغض النظر عن إبقاء المتاجر أبوابها مفتوحة في أوقات الصلاة، على عكس مان متبعا من قبل، وتحدّث صراحة عن توجّه السعودية لمكافحة التشدّد الديني داخل الدولة - الذي يعرف محليًا بالصحوة - ووصفه بالدخيل على المجتمع السعودي. كما أطلق خطة رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى جعل الاقتصاد السعودي يرتكز على الاستثمار، بالإضافة إلى عدم اعتماده على النفط كدخل أساسي ووحيد، إذ وعد بإنهاء علاقة ارتهان الدولة السعودية بالنفط والتي وصفها بـ«الإدمان». وصفته مجلة ذي إيكونوميست بأنّه القوي وراء عرش والده الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وأختارته مجلة تايم الأمريكية وفي عام 2017 كشخصية العام، كذلك اختارته المجلة الأميركية فورين بوليسي من ضمن القادة الأكثر تأثيرًا في العالم ضمن قائمتها السنوية لأهم مائة مفكِّر في العالم لعام 2015، وفي عام 2018، قامت مجلة فوربس باختياره ضمن قائمة فوربس لأكثر الشخصيات تأثيرًا في العالم. في الفصل التاسع من كتابي: الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم بينت جزءا من الحياة العامة والخاصة في مملكة آل سعود، ووصلت إلى نتيجة مفادها أن أي تغيير يحدث في الديانة الإسلاموية لا بد أن يأتي من هذه المملكة، لا لأنها منبع الديانة فحسب، بل لأنها أيضا أكثر دولة متأسلمة يعاني مواطنيها من الانحلال والتفسخ والانحطاط بسبب التدين الإسلامي المزيف المفروض عليهم. لتحميل الكتاب أو قراءته: https://ahewar.org/rate/bindex.asp?yid=12268 أو https://www.4shared.com/office/z7-pWI4hce/_____2.html *** لا بد وأن يكون ابن سلمان، وهو شاب متعلم، وأتيحت له الفرصة لمعرفة ما يجري في العالم على أعلى المستويات، قد أدرك حقيقة ما يفعله التأسلم بدولته وبالعالم أجمع، واقتنع بها في وقت ما، ولا بد أنه لاحظ أن الإسلاموية بشكلها الحالي ما هي سوى وباء خبيث ومعدي، وأن بلاده في عصر العولمة، حيث يزداد العالم ضيقا، وتظهر المعالم الحقيقية للديانة كل يوم، يجب أن تكف عن صناعة الخرافات المرتبطة بالإجرام الديني المقدس، وتصديرها إلى البلدان المتأسلمة الأخرى فضلا عن انتقالها إلى العالم بأسره. وبينما حاول أتاتورك استئصال رجال الدين من المشهد العام كلية، فإن ابن سلمان لم يفعل ذلك، بل إزاحهم عنه بوضع الخطوط الحمراء لهم، فأصبح عليهم ألا يتدخلون في السياسة من خلال الأحاديث النبوية والآيات القرآنية اللاإنسانية التي تمت فبركتها على مر العصور والأزمنة، وأن يقتصر نشاطهم على العبادات الدينية التي فرضها الإسلام، وجعلها أركانًا للدين، وهي الصلاة والصوم، والزكاة والحج دون غيرها. وبذلك فتح المجال الاجتماعي بشكل غير مسبوق وغير متوقع، مما حظي بترحيب الكثيرين، ولكنه، وفي نفس الوقت، أثار غضب المتشددين، على اعتبار أن ما يحدث من حفلات صاخبة واختلاط وتساهل في ملابس النساء بل والسماح لهن بالتدخين علنا لا يجوز في بلاد الحرمين، الأمر الذي يضع البلد في منعطف كبير ويضع العالم الإسلاموي برمته أمام تحديات إضافية لا قبل له بها. وعليه فإن الصدام بين الفريقين وارد باستمرار، لأنه أمر طبيعي لأي تغيير في أمور شديدة الحساسية كهذه تجمع دولا عديدة. التغيير في حد ذاته لا يثير قلقًا لدي المتسعودين، بقدر ما يثير تسارع وتيرته من قلق واضطراب وحيرة في مجتمع محافظ جدا، ولم يعرف تغييرًا يذكر في قيمه الثابتة، منذ مئات السنين، لذلك نسمع منهم من يقول: « المشكلة ليست في التغيير. المشكلة أنّه لم يحدث في شكل تدريجي. حدث بشكل مفاجئ وسريع. وحتى بين بعض الشباب، لا يجدونه مستساغا». أو يقول: « إن الانفتاح حدث في شكل مزعج وصادم وبدون تمهيد. انتقلنا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في غمضة عين». ومن المعتاد أن يجلب معه هذا التغيير المفاجي مزيدا من التجاوزات في صفوف المواطنين الذين عانوا من الكبت والحرمان، فلن ينقضي الأمر بسهولة، وسوف نجد من يحاول القيام بأعمال إجرامية بصورة فردية أو من خلال تشكيل عصابي إجرامي للنيل منه بصورة أو بأخرى. نشرت تقارير صحافية في الإعلام المحلي خلال الأشهر الأخيرة تقارير حول حرق سيارات نساء في عدد من مدن المملكة، وقد اتهم بعضهن رجالا بحرق السيارات احتجاجا على مبدأ قيادة المرأة للسيارات. وأبلغ ناشطون مؤخرا عن توقيف رجل الدين ”عمر المقبل“ بعد انتقاده للهيئة العامة للترفيه لقيامها "بمسح الهوية الأصلية للمجتمع السعودي" بحسب قوله. ولكن مسؤولًا حكوميا قال: «إنّ هذه الإصلاحات يحتاج إليها السعوديون كي يشعروا أنهم يعيشون حياة طبيعية». وعندما يعيش الكثيرون منهم حياتهم الطبيعية، فسوف تخف وطأة الصدمة عليهم، ويبقى المتأسلمون في كافة بقاع الأرض في حيرة من أمرهم. وفيما بدا على أنه مبادرة لطمأنة المعارضين المتحفظين، أعلنت السلطات نهاية شهر أكتوبر الفائت توقيف أكثر من 200 شخص، بينهم عشرات النساء، وأصدرت عقوبات بحقهم على خلفية ارتداء "ملابس غير لائقة" والقيام بمخالفات "خادشة للحياء" في الرياض، بحسب التعبير الرسمي. وهكذا يبدو أن ابن سلمان يتقدم خطوتين أو ثلاثة إلى الأمام ويرجع خطوة واحدة لا غير إلى الخلف، حتى يتمكن في وقت ما من عدم الرجوع مهما حدث. لا أحد يمكنه إنكار أن ابن سلمان حاكم مستبد يقترب إلى حد كبير من السفاحين، ولكن متى خلت هذه المنطقة من المستبدين الفجرة والمجرمين القتلة؟. لقد بدأ فترة ولايته للعرش (في سبتمبر 2017) بحملات اعتقال استهدفت رجال دين بارزين، ومثقفين، ونشطاء حقوقيين، وفي نوفمبر من نفس العام اعتقل رجال أعمال بارزين وأعضاء من العائلة الحاكمة بتهمة الفساد، وفي مايو 2018 اعتقل أبرز المدافعات والمدافعين عن حقوق المرأة، وفي الثاني من أكتوبر 2018 تم بأمر منه اغتيال الصحفي والإعلامي السعودي المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا، وترافقت مع ذلك حملات تشهير بحق المعتقلين في وسائل الإعلام المحلي الموالي للحكومة. لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير استبداده وإجرامه بغاية الإصلاح الثقافي والاجتماعي في بلاده، وبالتبعيّة في بلاد المتأسلمين، بيد أن المقاربة التي انتهجها سواء عنوة تحت ضغوط خارجية أو باختياره، فإنها تتطلب جرأة ومخاطرة، ومقدرة فذة على المواجهة المباشرة والكاملة مع التشدد الفقهي والهوس الديني والقطيعة بمختلف أشكالها، خاصة وأن مبادرات الإصلاح التي أقدم عليها لم تكن يتوقعها أحد إطلاقًا قبل اعتماده لها، وبعدما شلَّ يد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أداة فرض التشدد الشمولي الأولى على المجتمع السعودي ومن ثم على المجتمعات المتأسلمة الأخرى، مبدّلاً بذلك، وفي العمق، المشهد الاجتماعي والثقافي في المملكة وفي غيرها، مما قد يفضي في يوم ما إلى ظهور تأسلم جديد، يتسم بالسلام والمحبة والتسامح. لا شك في أنه سوف يمضي في إصلاحاته رغم مواجهته لاتهامات لاذعة، ولكنه في النهاية وبما يتوفر لديه من الإمكانيات المادية المؤثرة، لن يتراجع، ولن يستسلم. وسيكون اندفاعه المستقبلي باتجاه تعزيز أوجه النجاح الهامة والتي حققتها الخطوات الإصلاحية الأولى، وتهيئة الشعب السعودي نفسيا لتقبل هذه التغييرات والاستفادة منها. مما يؤسس لتحول نوعي على مستوى المجتمع والثقافة تنتفي معه إمكانية التراجع. أما عن وقع الصدمة على المتأسلمين الآخرين وعلى العديد من المؤسسات الدينية وفي مقدمتها الأزهر في مصر، فغير معلوم حتى الآن، إذ التزم جميع المشايخ الصمت، حتى يتدخل البترودولار، فيبادر (البعض) منهم إلى القول: «أننا يجب أن نطيع الله ورسوله وأولي الأمر منا (الآية القرآنية). لذا علينا أن نتقبل ما يحدث منهم، لأنهم مسؤولون عنا».
#ياسين_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلمانية والضلال الإسلاموي المبين
-
أصل الاستبداد الإسلاموي
-
الغرب و شيزوفرينيا العربان
-
الصنم الذي يتحكَّم حيا وميِّتا!
-
من أين يبدأ تنوير المتأسلمين؟
-
ثقافة ”البهللة والسبهللة“ الدينية!
-
التفضيل بالنفاق في مصر! (2/2)
-
التفضيل بالنفاق في مصر! (1/2)
-
أنا لسْتُ مُدينًا بشيء لوطن مسلوب الإرادة!
-
أين حدود الصبر؟!
-
يا شعب مصر (العظيم)!
-
الآلهة التي دمَّرت مصر (2/2)
-
الآلهة التي دمَّرت مصر (2/1)
-
عن سجن الأوهام والإجرام
-
الرئيس الذي يبكي!
-
على من ضحك الجنرال؟
-
الإسلاموفوبيا أسبابها ومآلاتها(2/2)
-
الإسلاموفوبيا أسبابها ومآلاتها(1/2)
-
الحقارة أيضًا أعيت من يداويها!
-
مشيئة الرحمن ومشيئة الإنسان
المزيد.....
-
“صار عنا بيبي بحكي بو” ثبت الآن التردد الجديد 2025 لقناة طيو
...
-
هل تتخوف تل أبيب من تكوّن دولة إسلامية متطرفة في دمشق؟
-
الجهاد الاسلامي: الشعب اليمني حر ويواصل اسناده لغزة رغم حجم
...
-
الجهاد الاسلامي: اليمن سند حقيقي وجزء اساس من هذه المعركة
-
مصادر سورية: الاشتباكات تدور في مناطق تسكنها الطائفة العلوية
...
-
إدانات عربية لعملية اقتحام وزير إسرائيلي باحة المسجد الأقصى
...
-
افتتاح الباب المقدس في كاتردائية القديس بطرس بالفاتيكان إيذا
...
-
زيلينسكي يحتفل بعيد حانوكا اليهودي بحضور مجموعة من الحاخامات
...
-
حماس:ندعو الدول العربية والاسلامية لردع الاحتلال والتضامن لم
...
-
الأردن يدين اقتحام وزير إسرائيلي المسجد الأقصى
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|