|
مرجعيات الإبادة العرقية في السرديتين الغربية والتوراتية الصهيونية.
عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8181 - 2024 / 12 / 4 - 16:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أطل مجرم الحرب نتنياهو يوم 28 تشرين أول 2023، أي بعد ملحمة طوفان الأقصى البطولية بثلاثة أسابيع، على بني قومه مستعمري فلسطين في خطاب متلفز، وقال بالحرف:"عليكم تذكر ما فعله "العماليق"، كما جاء في كتابنا المقدس...الحرب بين اسرائيل وحماس صفرية، حياة أو موت". بالمناسبة، الرمزية الأكثر شيوعًا في الفكر الإبادي الصهيوني، هي أسطورة العماليق التوراتية. فقد صارت هذه الأسطورة تمثيلًا لذروة الشر في التقاليد اليهودية، يستخدمها الحاخامات والسياسيون للتعبير عن الشعوب التي تهدد الوجود اليهودي، كمل يقول جيرالد كرومر في كتابه:"العماليق هم الآخر والآخر هم العماليق". وفق الرواية التوراتية، عماليق سكنوا شبه جزيرة سيناء وجزءًا من أرض كنعان (فلسطين)، وحاربوا أنبياء بني اسرائيل، حتى أمر إله التوراة، "يهوه"، النبي موسى باجتثاث ذكرهم من على وجه الأرض. بهذا الخصوص، نقرأ في سفر التثنية(الإصحاح 25، الآيات 17-19) ما نصه حرفيًّا:"أذكر ما فعله بك عماليق في الطريق عند خروجك من مصر. كيف لاقاك في الطريق وقطع من مؤخَّرِكَ كل المُستضعفين وراءَك وأنت كليل متعب ولم يَخَفِ الله. فمتى أراحك الرب إلهك من جميع أعدائك حولك في الأرض التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا لكي تمتلكها تمحو ذِكر عماليق من تحت السماء. لا تنسَ". هذا النص استحضره مجرم الحرب نتنياهو، كإعلان فعلي لمباشرة حرب إبادة وحشية همجية في غزة، ما تزال فظائعها ومجازرها متواصلة حتى اليوم، وسط صمت دولي مريب وتخاذل عربي معيب. للتذكير، في الكيان الصهيوني، منظمة اسمها "مراقبة القاتل"، شعارها "تذكَّر عماليق"، مهمتها تقصي أماكن تواجد رجال المقاومة الفلسطينية وتصفيتهم. وتأتي التوراة على ذكر "عماليق" في سفر صموئيل الأول، حيث تذكرهم وسائر الكتب العبرية المقدسة شعبًا معاديًا لليهود، وتحرض على إبادتهم عن بكرة أبيهم. في هذا السفر (الإصحاح 15 الآيات 2-3) نقرأ:" والآن فاسمع صوت كلام الرب. هكذا يقول رب الجنود. إني قد افتقدت ما عمل عماليق بإسرائيل حين وقف له في الطريق عند صعوده من مصر. فالآن اذهب واضرب عماليق وحرِّموا كل ما لَهُ ولا تعفُ عنهم بل اقتل رجلًا وامرأة. طفلًا ورضيعًا. بقرًا وغنمًا. جملًا وحمارًا". هذا بالضبط ما يقومون به، منذ زرع كيانهم الشاذ اللقيط في فلسطين سنة 1948 وحتى يوم الناس هذا، في شمال غزة وفي فلسطين كلها. ويلاحظ أن مجرم الحرب نتنياهو وغيره من أقطاب الحكومة الفاشية في تل الربيع، كثيرًا ما يستخدمون بغطرسة، لازمة "سنلاحق أعداءنا وسنقضي عليهم، كما هو مكتوب في التوراة". وما أكثر نصوص القتل وسفك الدم والإبادة في التوراة، إلى حد يؤهلها، أي التوراة، لتوصف عن جدارة واستحقاق بأنها إعلان حرب على الإنسانية كلها، وليس على الأشقاء الفلسطينيين والعرب فحسب. دعونا نقرأ بالإضافة إلى ما قرأنا، ما ورد في سفر التثنية (الإصحاح 20 الآيات 10-16):"حين تقرَبُ من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح. فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويُستعبد لك. وإن لم تسالمك بل عملت معك حربًا فحاصرها. وإذا دفعها الرب إلهك إلى يَدِكَ فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غَنِيمَتِها فتغتنِمُها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًّا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا. وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبقِ منها نسمة". نحن أمام نصٍّ يتضمن استراتيجية حربية عند دخول البلدان أو المدن، لكنه في حقيقته بمعايير الإنسانية وحتى بمنظور الحروب وأعرافها، عقيدة إجرامية استئصالية معززة ومدعومة بالأساطير الدينية. لقد اتخذ قادة الكيان الشاذ اللقيط من هذه النصوص التوراتية مصدر إلهام ووحي ومنهجًا مقدسًا، لاستئناف ما يزعمون أنه "بعث اسرائيل" في فلسطين. لكن مقصودهم الحقيقي، كما تشهد عليه ممارساتهم، هو شرعنة جرائمهم وفظاعاتهم بنصوص توراتية عنوانها "من أجل تحقيق وعد الرب". وإذا شئنا الإضاءة على مزيد من هذه النصوص بالقدر الذي يسمح به الوقت، نُذكِّر بسفر يشوع بن نون، وعلى وجه الخصوص ما تضمنه عند اقتحامه أرض كنعان، أي فلسطين التاريخية، مع جيشه، إذ لم يُبقوا عِرقًا ينبض في كل مدينة دخلوها، ، كما تشهد عليهم توراتهم. فقد أبادوا كل ما في أريحا، على سبيل المثال لا الحصر، من رجال ونساء وأطفال وشيوخ. حتى البقر والغنم والحمير، أعملوا السيوف بها، وجعلوا المكان خرابًا، كما يفعلون في غزة اليوم في القرن الحادي والعشرين. وكل ما فعلوه في أريحا وغيرها، موثق في سفر يشوع. وبما يُنسب لهذا ال"يشوع" من جرائم وإبادة، فإنه يبدو المثل الأبرز لقادة الكيان، منذ بن غوريون وصولًا إلى نتنياهو. يُنسب إلى بن غوريون القول، كما يخبرنا الباحث عصام سخنيني في كتابه "الجريمة المقدسة" القول:"لا بد من وجود استمرارية من يشوع بن نون إلى جيش الدفاع الإسرائيلي". مثلما تمتلئ التوراة والتلمود بنصوص تحرض على ممارسة الإرهاب والإجرام، فإنهما يعجان بنصوص تحرض على العنصرية والتحلي بعادات غير مألوفة وغير إنسانية، بحيث يبدو أتباعها وكأنهم صفوة البشر وفوق الآخرين. وإلى جانب نصوص الإبادة الجماعية والانتقام والعدوان وتشريع الغدر والاستعلاء التي أوردنا بعضًا منها، هناك نصوص الاختيار والتفوق والنقاء. ففي سفر التثنية (الإصحاح 20) يضع "يهوه" شعبه المختار فوق الآخرين ولا يقبل أن يتساوى معهم. ولا شك أن مقولة "شعب الله المختار" التوراتية، هي المرتكز الأساس للعنصرية اليهودية. ومثله أيضًا الزعم ب"الأرض الموعودة"، بناءً على النص التوراتي الوارد في سفر التكوين الإصحاح (15 الآية 18):"في ذلك اليوم قطع الرب مع ابرام ميثاقًا قائلًا لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات". هنا، يبدو إله التوراة كما لو أنه تاجر أراضٍ أو مغرم بتجارة الأراضي ويده مبسوطة في وقفها على شعبه، كما رأيناه في نصوص توراتية سابقة يخوض معاركهم ويقتل أعداءهم. الوعد بالأرض قَطَعَه "يهوه" للنبي ابراهيم، ومن المعروف أن علم التاريخ لا يعترف بوجود هذه الشخصية. ولا يعترف بما يسمى خروج بني اسرائيل من مصر. يقول الباحث المعروف في مجال الأرخيولوجيا، اسرائيل فنكلشتاين:"بحثنا تحت كل حبة رملٍ في سيناء، ولم نجد أي أثر لما يُعرف بخروج بني اسرائيل من مصر. ويبدو أننا نبحث في المكان الخطأ، أو نبحث عن خرافة". ويرجح كاتب هذه السطور، أنهم يطاردون وهمًا ويبحثون عن خرافة. أما الراعي الرئيس للكيان، ونعني أميركا، فإن أول ما يلفت نظر الباحث في تاريخها القصير نسبيًّا، هو التشابه بينهما حد التطابق تقريبًا، في النشأة الإجرامية على أساس عنصري مبرر دينيًّا. فمن المحددات المرجعية الرئيسة للعقل الأميركي، عدم الإعتراف بالحقوق التاريخية، بل الأساس والمنطلق هو الحقائق المستجدة على الأرض. على أرضية هذا المحدد نبت محدد آخر، مفاده، أن الحق للقوة، قوة السلاح، وليس إلى جانب أصحاب الحقوق التاريخية. وقد كانت البداية الفعلية لتطبيق ذينك المحدِّدَين، إبادة الهنود الحمر، سكان أميركا الأصليين. بالمناسبة، جرت الإبادة بغطاء ديني، مؤداه أن الله لم يخلق الأرض عبثًا، والبشر مكلفون بعمل كل ما من شأنه الإنتفاع به من الأرض، وينفعها في الوقت ذاته. وعليه، فإن الأجدر بفعل ذلك، هو الأحق بملكية الأرض التي يستصلحها وينتفع بخيراتها. فالمهاجرون البيض حلوا في أرضٍ كانت في حوزة الهنود الحمر، لكن هؤلاء الأخيرين لم يؤدوها حقها بالإنتفاع والنفع، وبالتالي، فإنها، أي الأرض، من حق الأقدر على القيام بهذه المهمة. من هنا، نفهم تركيز الصهاينة في دعايتهم على أن فلسطين كانت أرضًا جرداء قاحلة وموحشة، قبل أن يستعمروها ويجعلوا منها جناتٍ غناء. فهم لا شك يعلمون نوعية الصدى، الذي يحدثه هذا الزعم في العقلية الأميركية. وليس يفوتنا الوقوف عند المشترك بين أميركا وحلفائها الأوروبيين، على صعيد شرعنة حرب الإبادة الصهيونية ضد أهلنا في غزة، من منظور "حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها". ووصم كل من يتهم الكيان اللقيط بارتكاب جرائم إبادة جماعية ب"العداء للسامية". وتتعامى السياسات الرسمية الأميركية والأوروبية وأجهزة اعلامها عن الاحتلال الاسرائيلي، وحق الشعب الواقع تحت الإحتلال بالمقاومة، وهو حق تكفله القوانين والمواثيق الدولية. ولا إلتفات لجذور الصراع العربي الصهيوني وخلفياته. وإذا بحثنا عن جذور هذه المواقف، وبشكل خاص في السياسات الرسمية الأوروبية، فستطالعنا على الفور نزعة "المركزية الأوروبية" أو "الكونية الأوروبية"، المنحازة للكيان الصهيوني لكونه بمعاييرهم امتدادًا طبيعيًّا للسياق الأوروبي. المركزية الأوروبية، هي الوجه الآخر للنزوع الاستعلائي العنصري، وتفوق الأوروبي الأبيض على بقية شعوب العالم. على هذا النزوع، تأسس موقف ذهني فكري، تحول إلى سلوك وسياسات عنفية دموية، خرجت من عباءتها النازية والفاشية. وإذا تقصينا جذور العنصرية في الثقافة الأوروبية، فإنها عميقة وممتدة. ويكفي أن نستحضر مثالًا واحدًا يتعلق بأحد أهم مفكري أوروبا في القرن الثامن عشر، ونعني إيمانويل كانت. فعلى الرغم مما أضافه للفكر الإنساني، لكنه في المقابل أحد المفكرين الأوروبيين الذين دعوا إلى تصنيف البشر بحسب المعايير العرقية. وبرأيه في هذا السياق، فإن أصحاب البشرة البيضاء هم الأكثر ذكاءً من غيرهم، والأقدر على بناء الحضارة. ونختم بتأكيد أن ما ذكرنا، وهو قليل من كثير، إن هو إلا توظيف للدين والفكر لخدمة الإجرام والعدوان والإبادة الجماعية والعنصرية في أبشع صورها. توظيف سياسي الهدف، يرى في القتل واجبًا دينيًّا، ويشرعن الإبادة والتهجير والتطهير العرقي بإسم الإله. * ورقة مقدمة للحوارية الفكرية في رابطة الكتاب الأردنيين، السبت 2/11/2024.
#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من وحي كابوس يحدث على الأرض !
-
في ضوء ما يجري في حلب وادلب
-
هل من أساس لشرعية دينية للحاكم في الإسلام؟!
-
ما أصعب الحياة من دون نصفنا الآخر !
-
متى يتخطى الإعلام الأردني أسلوب الفزعة؟! حادث الرابية مثالًا
-
الكيان يعربد ويقتل لكن هزيمته ممكنة
-
هكذا هم الأقوياء يا بني قومي !
-
وهمُ الدين الصحيح !!!
-
الاسلام السياسي في تركيا وعند العرب
-
المقاومة تفرض إيقاعها
-
يخافون اسرائيل أكثر من عزرائيل !
-
قمة الضعف وقلة الحيلة
-
ليبيا تعلن فرض الحجاب !
-
الإحتجاج بالنص الديني دليل أزمة وجودية
-
قراءة في كتاب -الحرب- (4) والأخيرة. عرب يدافعون عن اسرائيل ع
...
-
حكماء العرب
-
قراءة في كتاب -الحرب- (3) من المسؤول عن جرائم الإبادة في غزة
...
-
الغراب !
-
قوة الصحافة في الحرية والمعلومة. قراءة في كتاب -الحرب- (2)
-
قوة الصحافة في الحرية والمعلومة. قراءة في كتاب -الحرب- (1)
المزيد.....
-
الديمقراطية وتعاطي الحركات الإسلامية معها
-
فرنسا: الشرطة تداهم معهدا لدراسات الشريعة في إطار تحقيق للاش
...
-
نشطاء يهود يقتحمون مبنى البرلمان الكندي مطالبين بمنع إرسال ا
...
-
بيان جماعة علماء العراق بشأن موقف أهل السنة ضد التكفيريين
-
حماة: مدينة النواعير التي دارت على دواليبها صراعات الجماعات
...
-
استطلاع رأي -مفاجىء- عن موقف الشبان اليهود بالخارج من حماس
-
ولايات ألمانية يحكمها التحالف المسيحي تطالب بتشديد سياسة الل
...
-
هل يوجد تنوير إسلامي؟
-
كاتس يلغي مذكرة -اعتقال إدارية- بحق يهودي
-
نائب المرشد الأعلى الإيراني خامنئي يصل موسكو
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|