أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - عراب النضال السلمي غاندي















المزيد.....



عراب النضال السلمي غاندي


حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق


الحوار المتمدن-العدد: 8180 - 2024 / 12 / 3 - 20:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"لا يوجد طريق للسلام، بل السلام هو الطريق، غاندي".
المقدمة:
غاندي أحد الشخصيات التي تزين التاريخ الإنساني، وتنير الطريق الإنساني إلى الأفضل دائماً، فهو إنسان بسيط متواضع محب للبشر، يحترم الإنسان في كل زمان ومكان، آمن بالحب فلسفة يستطيع عن طريقه تحقيق كل ما تتمناه الإنسانية وتبغيه البشرية من سلام دائم ورفاهية مطلوبة واحترام لكل الدنيا، ومن هنا رفع شعاره اللاعنف، فهو يعد رسول اللاعنف والمحبة والحرية لكل إنسان، في حقبة كان فيها هتلر وموسيليني وستالين يزرعون الذعر والدمار في بلادهم وفي العالم ، ويعملون التقتيل بلا وازع ولا رحمة، وفي عهد كانت فيه الولايات المتحدة الأمريكية دائبة على انتاج القنبلة الذرية واختبار قدراتها على القتل والتدمير، وفيما كانت الدول الكبرى تحاول أن تثبت أن الحرب وحدها كفيلة بوضع حد للحروب، وبأن الكبت والرقابة البوليسية وحدهما قادران على بسط سيطرة الدولة وحفظ هيبتها، لكن في المقابل ارتفع من الهند صوت إنساني مثبتاً للعالم بكل قوة وبكل تأثير ، أن هناك خيارات أخرى، أوفر للإنسانية داعياً إلى اللاعنف وسيلة إلى السلم والاخاء بين البشر، وإلى إيقاظ وعي الافراد والحفاظ على كرامتهم، وإنمائها تمهيداً لبناء دول متماسكة توفر لجميع مواطنيها الخير والرفعة، ومؤكداً أن الاصلاحات التشريعية لا طائل تحتها، مالم يواكبها إصلاح البشر انفسهم، بحيث يقبلون تكوين مجتمع متراص ومتحرر من العنف، قائم على التفاهم الحميم والحب المتبادل.
يمثل غاندي حالة فريدة ومتميزة في تاريخ البشرية، ذلك أنه كان مناضلاً مستنيراً، يبرز اسمه بين مشاهير العالم ورواد التنوير خلال سنوات القرن العشرين، كما أنه يقف في الصف الأول بين المجاهدين والمناضلين المكافحين الذين عرفتهم البشرية على مر التاريخ، فقد كان رجلاً متميزاً ويأتي تميزه في المقام الأول بسبب ما حمله من قيم سامية ومبادئ إنسانية راقية، كان لها تأثيرها الكبير في نفوس كثيرين، ليس فقط ممن عاصروه وعاش بينهم، فتأثروا به، ولكن أيضاً في نفوس كثيرين من خارج الهند في اسيا واروبا وأفريقيا والأمريكيتين، بل ومن خارج عصره أيضاً، حيث انتقلت آراؤه وانتشرت أفكاره عبر الزمان والمكان لتصبح أفكاره عالمية لها قيمتها ومكانتها وتقديرها الكبير، وكان الحق واللاعنف هما مبدأ غاندي ، كما أنه قد تميز بالبساطة ورباطة الجأش، و الاستعداد لتحمل الأذى والألم جزءاً لا يتجزأ من حياته، وقد آمن على نحو واضح بالمساواة بين جميع المواطنين من دون تمييز بين مواطن وآخر، وقد سعى إلى تأكيد تلك المساواة في الممارسات الحياتية والمعاملات اليومية كافة، كما أنه رفض الطبقية والتقسيم الطبقي بين المواطنين، وبذلك أن حياة غاندي مهمة جداً لشعوب العالم كي تتعلم الحب العظيم والتضحية من أجل الإنسان، وكانت مواقفه جادة وقوية على الرغم من ضعف جسده وتواضع ملابسه وحاجاته القليلة في الحياة.(1)
غاندي سيرة وفكر:
ولد موهانداس كرمشاند غاندي في 2 أكتوبر 1869، في مدينة بوربندر الساحلية في شبه جزيرة كاثياوار، لعائلة كوجاراتية هندوسية لها باعَ طويل في العمل السياسي، ولفظ غاندي في اللغة الكوجارتية، تعني البقال أو بائع التوابل(العطار) وتشير إلى المهنة التي كان يمارسها مؤسسو الاسرة، والتي في الهند كان يحكمها نظام طبقي، وتعد طبقة البراهمة على قمة الهرم الطبقي ومعظمهم من المدرسيين والمثقفين ويعتقد أنهم جاؤوا من رأس الإله، ثم طبقة الكشاتريا وهم المحاربون والحكام ويعتقد أنهم من ذراعي الإله، وبعدها طبقة فايشيا وهم التجار الذين جاؤوا من فخذيه الإله، وفي أدنى السلم طبقة الشودرا الذين جاؤوا من قدمي براهمة، وتقع طبقة الداليت أو المنبوذين خارج الهرم الطبقي، ويعد اوتامناد غاندي أحد مؤسسي الاسرة الغاندية كان قد كسر طوق النظام الطبقي وتسنم مركز الوزير الأول، أو الوالي في مدينة صغيرة، وكان هذا المركز يوفر لحاملة تقدير المجتمع وفي الواقع المركز لا يتعدى كونه مختار أو رئيس بلدية، وقد ورث هذا المنصب لأبنائه، أما والده كرمشاند غاندي (1822-1885) كان كاتباً في إدارة الدولة قبل أن يكون رئيس وزراء إمارة بوربندر، ويذكر غاندي في مذكراته عن والده بأنه " تزوج أربع زيجات متتالية، فكلما أفقده الموت من زوجته تزوج بأخرى، وقد رزق من زوجته الرابعة بوتليباي بفتاة وثلاثة أبناء وكنت أنا اصغرهم". ويتضح من المذكرات التي دونها غاندي عن مدى اعجابه بوالده واكباره للخصال الرفيعة التي كان يتحلى بها والده، ومدى اعجابه على نحو خاص بتسامحه وانفتاحه، إذ كان بيته وصدره مشرعين على جميع الفئات والطوائف، من غير تفرقة ولا تمييز، وكان وطيد الإيمان بأن الحب الشامل أكثر من أي وسيلة أخرى، لكن مع ذلك يذكر غاندي أنه كان قاسي وشهواني من جراء تعدد الزيجات، ويصفه غاندي بأنه محباً لعشيرته ويتسم بالصدق والشجاعة والكرم، لكنه مع ذلك كان سريع الانفعال، ويميل إلى الشهوات، فقد تزوج بالزوجة الرابعة وعمره تجاوز الأربعين، وقد عرف بنزاهته التامة داخل العائلة وخارجها، أما والدته فقد كانت على درجة كبيرة من التدين، وكانت تتمتع برجاحة عقل شديد، فيقول غاندي:" إن الانطباع البارز الذي خلفته في ذاكرتي هو انطباع أمرأه قديسة، فقد كانت على بساطة سليقتها سديدة الرأي ملمة ببواطن القضايا العامة يستشيرها حتى كبار القوم". وعلى دراية بشؤون الدولة، إضافة إلى كونها شديدة التدين، وغرست فيه الأخلاق الهندوسية، حسب ما أورد في سيرته الذاتية.(2)
زواجه:
تزوج غاندي على عادة الهنود في الثالثة عشرة من عمرة في مايو 1883 من كاستورباي، في زواج مرتب وفقاً للأعراف الهندية، وكان عرساً جماعياً ضم شقيقه وأبن عمه، ولم يبلغ العشرين حتى أنجب أربعة أطفال، وفي سيرته كتب غاندي أنه لم يكن راضياً عن الزواج في هذا السن المبكرة، وأن أهله لم يراعوا مصالحهم عِند تزويجهم، ويذكر في مذكراته عن زواجه ويرى أنه جرع الألم في هذا السن من الزواج، فيقول اشعر بالشفقة على نفسي، فلا أرى سبب اخلاقي يدعوا إلى ذلك الزواج المبكر الذي ينافي المنطق، أما عن زوجته فيصفها بأنها شابة فاتنة، وقد اغرم بها كثيراً ويذكر أنه" لا بد لي من الاعتراف أنني كنت مغرماً بها بشدة، أفكر فيها حتى عندما أكون في المدرسة، ولم تكن تفارقني قط فكرة هبوط الليل ولقائي بها، لم أكن احتمل فراقها، وقد اعتدت على ابقائها ساهرة إلى وقت متأخر من الليل وهي تصغي إلى احاديثي الهذرة".(3)
دراسته:
لم يكن غاندي عبقري، غير أنه كان تلميذاً مجيداً يظفر ببعض تقدير معلميه، لا بل يحظى بجوائز ومنح، وقد عرف عنه بأنه طالب مثابر، وشديد التقيد بالنظام وبدقة المواعيد، وقد كان صادقاً وينفر الكذب، فيقول:" لست أذكر أنني في تلك الحقبة، قلت يوماً كذباً لمعلمي أو لرفاقي". وقد تخرج من المدرسة الثانوية بمعدل متوسط واصر بعناد على الالتحاق بالجامعة، وكان لديه طموح في أن يصبح طبيباً، لكن كان ذلك صعب المنال، فلقد فشل في كل الفصول، واقترح على غاندي احد اصدقاء والده السفر إلى لندن والحصول على شهادة في القانون، وكانت الدراسة تستغرق ثلاث سنوات، ويتخرج بعدها محام، لكن الطائفة التي ينتمي إليها غاندي عارضت السفر إلى لندن، لأنه لا يسمح لأولادهم السفر، وذلك لأنهم يتطبعون بطابع الأوربيين، لكن غاندي عارض الطائفة وزعيمها وقرر زعيم الطائفة خروجه من الطائفة ويفرض غرامة على كل من يساعده في السفر، ويذكر غاندي أنه من حسن حظه أخيه الأكبر وقف بجانبه وساعده في السفر لإكمال الدراسة في لندن، أما والدته لم تسمح له الذهاب إلى لندن إلا بعد أن أخذت عهد عليه أن لا يتقرب من شرب الخمر أو أكل اللحم أو اقامة علاقة مع النساء، ونظراً للضيق المادي الذي تمر به العائلة وافقت والدته على مضمضة، وقد فاقت التكاليف كل التوقعات، مما توجب على كاستورباي بيع حليها لشراء تذكرة السفر لزوجها في حين ساعده أخيه الكبير بدفع بقية التكاليف، وبعد ثلاث سنوات أنهى دراسته في لندن، وحصل على شهادة البكالوريوس في القانون من جامعة لندن.(4)
تواضعه:
سأل احد الصحفيين الغربيين غاندي، ماذا أنت فاعل، لو أنك عينت دكتاتوراً على الهند يوماً واحداً، أجاب غاندي سأرفض بالتأكيد، ولكن على فرض أنني قبلت، فسأصرف يوماً في تنظيف اكواخ المنبوذين في نيودلهي، وفي تحويل قصر نائب الملك إلى مستشفى، فهو ليس بحاجة إلى منزل بهذا الحجم، وواصل الصحفي السؤال وقال له لو أن سلطاتك الدكتاتورية امتدت يوماً ثانياً، فماذا ستفعل؟ اجاب غاندي سأواصل عمل اليوم السابق، وعندما تولى جواهر لال نهرو تأليف الحكومة اوصى غاندي الحكومة بالتالي: مذكراً بالواجبات الاساسية التي يتعين على ممثلي الهند الحرة الالتزام بها، وهي أن يقيموا في منازل متواضعة ولا يوجد فيها خدم، وعلى الوزير أن لا يمتلك سيارة أو حرس خاص به، وأن يكون متحرراً من تقاليد التفرقة الطبقية والطائفية، وذكرهم أيضاً بجسامة مسئوليته عن انجاح الاستقلال، بالإخلاص للمبادئ التي منها انبثق الاستقلال وبالتسامح الديني ويتبنى الاخاء مع المسلمين، وقد عرف عن غاندي, الكثير من الدعابات الساخرة, التي تفضح الكذب, والظلم, والقبح، في حين دعي لحفل استقبال في قصر الإمبراطورية البريطانية، ذهب كما هو, يرتدي الثوب الأبيض, الذي يكشف جسمه النحيل, أكثر مما يستره، وسأله أحد المدعوين الإنجليز باستنكار: أهذه ملابس تناسب لقاء الملك؟ فرد بابتسامة هادئة ودودة, اطمئن يا صديقي فالملك يرتدي من الملابس ما يكفيني ويكفيك ويكفي كل المدعوين، وبذلك أعطى غاندي, النموذج لصدق الزعامة، فكانت حياته أبسط من البساطة، متقشفة أكثر من حياة أفقر الفقراء في الهند، فلم يملك من هذه الدنيا الفانية إلا كوخاً صغيراً بسيطاً هو الذي صنعه بنفسه و يتغذى على لبن المعزة ويكمل الوجبة بقليل من الأرز والليمون, والتمر ولا يشرب الكحوليات, أو الشاي, أو القهوة ولا يقتني إلا ثوباً أبيض من القطن الهندي ونظارته الشهيرة، و مكتبة بسيطة، فهو لا يملك شيئاً من حطام الدنيا، وقد تبرع هو وزوجته عن كل ما يملكانه للفقراء، وأيضاً كان متقشفا مع النساء فلم يتزوج غير زوجته وكان متقشفاً نحو متع الدنيا, التي يتقاتل الناس من أجلها. فيقول:" الفقر موجود لأننا نأخذ أكثر من حاجتنا, لا أستطيع أن أكافح الفقر في وطن, غالبيته لا يجد قوت يومه, ولا أجرؤ على إلقاء خطبة, عن القيم النبيلة وعن العدالة, وعدم التفرقة والمساواة, بينما أعيش حياة الأثرياء, في بلد به ملايين من الفقراء". هكذا عاش غاندي متواضعاً في مجتمع يعيش على الاكتفاء الذاتي، وقام بالصيام فترات طويلة كوسيلة لكل من التنقية الذاتية والاحتجاج الاجتماعي.(5)
اعماله الفكرية:
كَان غاندي كاتباً غزير الإنتاج، وتميز أسلوبه بالبساطة والدقة والوضوح وخلوه من التصنع، وعمل على تحرير العديد من الصحف لعدة عقود، ومنها منبوذون باللغة الكوجاراتية والهندية والإنجليزية، وأثناء تواجده في جنوب إفريقيا عمل على تحرير (رأي هندي)، و(يونغ إنديا)، باللغة الإنجليزية، و(نافاجيفان) الشهرية بالكوجاراتية وبعد عودته إلى الهند، نشر "نافاجيفان" أيضاً باللغة الهندية، وكان يكتب بشكل يومي للصحف، وكتب العديد من الكتب ومنها سيرته الذاتية (قصة تجاربي مع الحقيقة)، ويعد وصفاً رائعاً لبحث أخلاقي روحاني، إذ يتناول فيه كل الوقائع وكل خبراته التربوية والخبرات المتعلقة بالعمل وكل العلاقات الإنسانية من منطلق تأثيرها، وهنا غاندي يشبه إلى حد بعيد عمل القديس اوغسطين(350_430) في كتابه اعترافات، لأنه يجمع بين التعبير عن تواضع جم ووعي تام بأهمية المعلومات الشخصية التي يزاح الستار عنها، ونشرت الحكومة الهندية أَعمال غاندي الكاملة بعنوان (الأَعمال المجمعة للمهاتما غاندي) في الستينيات، وشملت الأَعمال نحو 50 ألف صفحة في مئة مجلد.(6)
الجوائز:
حصل غاندي على العديد من الجوائز ومنها:
1_شخصية العام (ديسمبر 1930).
2_ميدالية التمرد الأصلي في ناتال. ‏
3_ميدالية الملكة لجنوب أفريقيا. ‏
4_نيشان رفاق أوليفر.
وفاته:
خرج غاندي بين حفيدتيه آفا ومانو ليؤدي الصلاة في معبد قريب، فأقترب منه فتى ويدعى ناثورم جوتسى وقال له تأخرت فتمتم غاندي مطرقاً كالمعتذر وهو يقول نعم تأخرت يا بني، وانحنى الفتى كأنما يهم بتقبيل صدره رداً للتحية، فإذا بالفتى يسحب مسدس نوع بيريتا، واطلق منه ثلاث رصاصات على صدر غاندي، وسقط غاندي إلى الأرض رافعاً يديه كما كان يرفعها لمن يدعون له بالحياة، ولم يعش بعدها غير ثمانية وعشرين دقيقة، ولم يقل غير هذه الكلمات" إذا كنتم لا تريدون أن اعيش، فلا أرب لي في العيش". ويقال أنه قال جملته الشهيرة: "سيتجاهلونك ثم يحاربونك ثم يحاولون قتلك ثم يفاوضونك ثم يتراجعون، وفي النهاية ستنتصر". وبقي القاتل كلما سئل بعد ذلك يضحك ويقول:" لست بنادم ولست اجهل ما ينتظرني، ولكن لا أبالي، أنني أقحمت اسمي على التاريخ بأحرف من نار". وقد صدق القاتل، لأنه لن ينساه التاريخ الإنساني فقد قتل رجل رفع أبصار الناس إلى أوج السماء فهبط بها قاتله إلى قراره الجحيم، ووهب للهند حريتها فسلبته الهند حياته، وأراد أن يمسح العدوان من ظهر الأرض، فمات معتدى عليه، وتجدر الاشارة إلى أن غاندي تعرض في حياته لستة محاولات اغتيال، وقد لقي مصرعه في المحاولة السادسة، وشيعه إلى مثواه الأخير في نيودلهي ملايين من الهنود، وأصبح قبره قبلة لرؤساء الدول وللضيوف الذين يزورونه على هامش حضورهم المناسبات في الهند.
وصف مصرع غاندي بحق أنه جريمة العصر، فقد تحامل في 30/1/1948، إلى دار الأذاعة الهندية رئيس الوزراء الهند جواهر لال نهرو، وقد قرحت الدموع عينيه وهصر الاسى قلبه، وأعلن لشعبه بصوت تخنقه العبرات: أيها الاصدقاء والرفاق لقد أنطفأ نور حياتكم وعمت الظلمات، النور الذي اشرق على هذه البلاد لم يكن نور من نمط شائع، النور الذي اضاء هذه البلاد سنين عديدة سيظل ينيرها حقبة طويلة، بعد ألف عام سيظل مشعاً وسيراه العالم، فهذه النور كان أكثر من رمز لحاضر ماثل، إذ كان يجسد حقائق حية خالدة، ترشدنا إلى سوي السبيل وتنزعنا من براثن الضلال، وتقود هذه البلاد العريقة إلى الحرية، بتلك العبارات كان نهرو ينعى الأمة والعالم أبا الهند المهاتما غاندي الذي اغتيل اليوم بثلاث رصاصات أثيمة، واصابت قلبه، بل اصابت قلب الإنسانية كلها. وقال أينشتاين عن هذه الحادثة" أن هذا القرن شهد كارثتين الأولى تفجير قنبلة ذرية في هيروشيما، والثانية اغتيال غاندي" فأمثال غاندي هم الذين تفتقر إليهم الإنسانية أكثر من افتقارها إلى العباقرة والعلماء في حين كان غاندي يشرف على الإنسانية بإبرازه كنوز روحها وطاقات سموها، وبنثره الحب والآخاء والتضامن وقيم الخدمة والفداء والوفاء للحق، فقد كان نضال غاندي صريحاً نظيفاً لا مكر فيه ولا خديعة ولا حقد وقد اشاد أينشتاين به في قوله:" لقد برهن غاندي أنه بالإمكان استقطاب جموع غفيرة ليس فقط بالمناورات السياسية الرائجة، ولكن أيضاً بمثال لا يقاوم، يوفر نمط عيش متفوق أخلاقياً في عصرنا، عصر الانحطاط الأخلاقي التام، إذ كان غاندي رجل الدولة الوحيد الذي اضطلع في عالم السياسة، بعلاقات من مستوى إنساني رفيع". وقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2007 جعل ذكرى ميلاده الذي يوافق يوم 2 أكتوبر ، يوما عالميا لنبذ العنف، باعتبار أن اسمه اقترن بالسلام والتسامح ونبذ العنصرية، وقد نصب تمثاله في الساحات العامة بأكثر من 50 دولة، وفي14 مارس2015, في لندن, في ميدان البرلمان, ازيح الستار عن تمثال غاندي، وهذا التاريخ, يوافق مائة عام, حينما عاد غاندي, إلي الهند, من جنوب أفريقيا للتفرغ للنضال لتحرير بلاده، وكان حينئذ يبلغ من العمر46 عاما، ومن المفارقات تمثال غاندي, يرتفع شامخاً, في قلب لندن, في عقر دار الإمبراطورية العتيدة, التي طاردت غاندي, واعتقلته سنوات وأكثر من مرة، وقد ذهب الجميع أصحاب الامتيازات, والمراكز المرموقة, وترسانة الأسلحة, ولم يبق إلا غاندي والهند لكن من يتعظ ؟ ومن يتعلم ؟ ومن يتواضع ؟.(7)
فكره:
اطلع غاندي بعمق على الفلسفة الهندية القديمة وعلى الديانة البوذية، كما اطلع على الكتاب المقدس الخاص بالديانة المسيحية ولا سيما العهد الجديد منه، وقرأ ترجمة إنجليزية لمعاني القرآن الكريم، وتعرف على مؤلفات الكاتب الروسي تولستوي ، وقرأ رأس المال لماركس وعدداً من مؤلفات لينين، ويبرز في فلسفته مبدآن اساسيان وهما:
1_الساتياجراها، وهي كلمة سنسكريتية تعني التمسك بالحق بقوة.
2_اهيمسا((Ahimsa ومعناها اللاعنف الايجابي وهي الفضيلة المثلى.
أن سيرة غاندي الذاتية تبقى قيمة لما اسهمت به من تقديم سبيل جديد للمقاومة الجماعية للظلم، وقد وضع ثلاث مبادئ ممكن تنفعنا في حياتنا:
1_ الإيمان بأن البشر جميعاً يمكنهم تخطيط حياتهم وتوجيهها وفقاً للغايات الاسمى، بغض النظر عن مدى شعورهم بالضالة أو الضعف، فلقد عاش غاندي منذ طفولته مقتنعاً بأن قراراته المتعلقة بأسلوب حياته ذات أهمية، وأنه يمتلك القدرة على جعلها تتوافق مع ما يراه صواباً.
2_معارضة جميع صور التعصب الاجتماعي والعرفي والديني، فأن وسائل الشر لا تفسد الغايات التي تهدف إلى تحقيقها وتحط من قيمتها فحسب، بل تحط من قدر الاشخاص الذين يلجأون إليها، وأن التغلب على الرغبة الملحة في اللجوء لمثل تلك الوسائل يبلغ ذروة الصعوبة عندما يروم الإنسان اصلاح ما افسده الظلم ويرجع سبب انتشار سم الكراهية في العالم إلى عدم الالتزام بالقاعدة السلوكية، ابغض الخطيئة وليس مقترفها.
3_ ارتباط تغير الفرد يؤدي إلى تغيير اجتماعي، ومن الحكمة أن يبدأ المرء تطبيقها تدريجياً، حيث يبذل قصارى جهده بغية التخلص من العنف والزيف، وبذلك سيمهد الفرد الطريق إلى عالم الغد الذي سيكون ويجب أن يكون مجتمعاً يقوم على اللاعنف، وقد يبدو ذلك الهدف بعيد المنال، وأنه مثالي وغير علمي، لكن تحقيقه ليس مستحيلاً، لأنه يمكن البدء في تحقيقه من هنا والآن، ويمكن للفرد أن يتبنى اسلوب حياة المستقبل، اسلوب اللاعنف، دون الاضطرار إلى انتظار تبني الآخرين له، وإذا كان الفرد يمكنه فعل ذلك، أو ليس من السهل إذن أن تتمكن مجموعته من الإفراد أو أمته بأكملها من تبني ذلك الاسلوب.(8)
الصداقة وشبابه:
يرى غاندي أن الصداقة الحقيقية تعتمد على تطابق ارواح نادراً ما يوجد في هذا العالم، ولن تكون ذات قيمة أو تدوم سوى بين الطبائع المتألفة، ويؤثر الاصدقاء بعضهم في البعض، ويجب تجنب الصداقات المتأثرة التي تحول دون مصادقة سائر البشر، فالإنسان يميل إلى الرذيلة أكثر منه إلى الفضيلة، والشخص الذي يتخذ من الآلهة صديقاً له، عليه أن يبقى وحيداً أو أن يتخذ العالم كله صديقاً له، ويتكلم غاندي عن الصداقة السيئة، إذ تعاهد هو صديقه أن ينتحران، لكن فيما بعد عدلا عن الانتحار ويقول غاندي:" إن التصميم على الانتحار ايسر كثيراً من تنفيذه". وعلى الرغم من أنهما اكتفى بجرعة يائسة ضئيلة من الحبوب، أو أنهما اكتشفا في اللحظة الاخيرة، أن قيود الاسرة رغم صرامتها خير من الموت، ويصف غاندي نفسه عندما كان شاباً، كنت جباناً فقد كان يغشاني الخوف من اللصوص والاشباح والافاعي فلم أكن أجرؤ على الخروج في الليل خشية الظلام، وكان من الصعب أن أنام في الظلام، لأنني كنت أتخيل الاشباح تتقدم نحوي من اتجاه، واللصوص من اتجاه آخر، والافاعي من اتجاه ثالث ولم استطع النوم دون اضاءة الغرفة، ولم يرغب غاندي في التدخين فيقول:" طالما اعتبرت التدخين عادة همجية وقذرة وضارة بالصحة، ولم استطع قط أن افهم سبب الرغبة العارمة في التدخين التي تسود العالم، فأنا لا استطيع تحمل السفر في عربة مليئة بالمدخنين، فهذا يصيبني بالاختناق".
غاندي تربى على النباتية، أي أنه من طائفة لا تأكل اللحم، لكنه لم يقتنع بهذه الفكر إذ كان البعض من الطائفة يأكلون اللحم بالسر ويرون الانجليز قوي بفضل أكل اللحم، أما الهندي فهزيل لأنه نباتي، وقد جرب أكل اللحم مع صديق له، لكن فيما بعد أخبر والده واعتذر له، لأنه كان يكذب عليهم بأنه لا يأكل اللحم، وعندما ذهب إلى لندن أخذت والدته عليه عهد أن لا يأكل اللحم وبقى مصراً على عدم تناوله، لكن فيما بعد وجد كتاب عنوانه( دعوة إلى النباتية) ويقول عن الكتاب تأثرت به بدرجة كبيرة ومنذ أن قرأت هذا الكتاب يمكنني القول بأنني اخترت أن أكون نباتياً بكامل ارادتي، وقد مجدت اليوم الذي اخذت على نفسي فيه العهد أمام والدتي وكنت فيما مضى أمتنع عن أكل اللحم من أجل الحفاظ على العهد الذي أخذته على نفسي، لكنني كنت في الوقت نفسه اتمنى لو تناولت اللحم بحرية، أما الآن فقد اختلف الوضع فأصبحت أؤيد النباتية واصبح نشرها مهمتي.(9)
النساء:
ناضل غاندي من أجل تحرير المرأة ومساواتها بالرجل، كما عمل من أجل إلغاء طبقة المنبوذين والغاء الامتيازات الطبقية، وقد شجع غاندي بشدة تحرير النساء، وحرضهن على المحاربة من أجل التطوير الذاتي الخاص بهن، كما أنه عارض ارتداء الحجاب، وزواج الأطفال، والمهر، والستي ( وهو تضحية الزوجة بنفسها عندما يتوفى زوجها، وتختلف طقوس الستي، ففي الغالب تستلقي المرأة بجوار جثة زوجها، أو أن تلقي بنفسها في النار، أو أن تجلس النساء على النعش وتحرق نفسها)، إلا أن البعض يعتقد أن رؤية غاندي كان يشوبها التمييز الجندري والتكاملية بينهما، فالنساء وفقاً لغاندي، يجب أن يتعلمن ليصبحن أفضل في الأعمال المنزلية وليعلّمن الأجيال اللاحقة، وكانت آراؤه في حقوق النساء شبيهة بوجهات النظر البروتستانتية في العصر الفيكتوري وأقل ليبرالية من آراء القادة الهندوسيين الآخرين الذين دعموا الاستقلال المادي للمرأة والحقوق الجنسية المتساوية في كل المجالات.
الدين:
قرأ غاندي الكثير من الكتب المقدسة لكثير من الاديان، واعتبر أن الدين ضروري لحياة الإنسان، لأنه يوفر له الطمأنينة الروحية، وعنده أن جوهر الأديان واحد وجميعها يحتوي على عناصر من الحقيقة المطلقة، و يقول غاندي في شأن العبادة والإله:" كنت أجد العون يأتيني من العدم، والتضرع والعبادة والصلاة ليست من الخرافات، بل هي افعال الحقيقة أكثر واقعية حتى من الأكل والشرب والجلوس والسير، ولن أكون مبالغاً إذا قلت أنها الأفعال الوحيدة الحقيقية وما عداها زائف، تلك العبادة أو الصلاة ليست عبادة عن فصاحة أو ثناء كاذب، بل افعال تنبع من القلب، وهكذا إذا ما نجحنا في ملأ قلوبنا بالحب والحب فقط، ونجحنا في المحافظة على جميع الأوتار في لحن متناغم، نجدها تذوب في الموسيقى مختفية بذلك عن الأنظار، فالصلاة لا تحتاج إلى الكلام، لأنها غنية بذاتها عن أي مجهود حسي، ولا يساورني أدنى شك حول كون الصلاة وسيلة ناجحة لتطهير القلب من الأهواء، لكن يجب أن يصاحبها تواضع تام".
استعمل غاندي الصوم كوسيلة للتحكم في شهوات النفس ويمثل الصوم عامل اساسي للتحكم في النفس، يمكن أن يساعد الصوم على كبح رغبة الشهوانية إذا ما كان الفرض منه التحكم في النفس، والصوم لا بد أن يصاحب رغبة مستمرة في التحكم في النفس، وبذلك يكون الصوم وغيره من الضوابط المماثلة من الوسائل التي تؤدي إلى التحكم في النفس، لكنها ليست الوسائل الوحيدة للوصول إليه، وإذا لم يصاحب الصوم الجسدي صوم روحاني ينتهي الأمر بكارثة ويتحول إلى مجرد نفاق.(10)
نضاله:
ما يميز نضال غاندي السياسي أنه على جسامة اهدافه وخطورة شأنه وعواقبه، قد خاضها منفرداً، فهو لم يتقلد يوماً منصباً رسمياً ولا عول على مساندة جيش أو سلاح أو حزب أو مؤسسة، بل ناضل مثلما ناضل قديماً الانبياء بمخاطبته ضمائر الشعب واثبت أنها بليغة التأثير في السياسة، ويؤمن غاندي بأن الوسيلة الوحيدة لتغيير وجه الوجود تكمن في ترجيح الحب على كفة الشر، فالحب عند غاندي للكائن ضرورة جوهرية، إذ أن الكائن هو حب ولا حياة إلا لمن يحب، ويعطي ويهب ذاته، والحب يقوم مقام كل شيء ولكن لا شيء يقوم مقامه، ولقد كان غاندي راسخ الإيمان بأن الإنسان لن يقوى على اكتشاف ذاته وتجاوزها إلا بالحب، في حين أن القوة العنيفة تنحدر به إلى دركات البهيمة، وهذا ما قاده إلى مفهوم اللاعنف الذي جعل منه محوراً وملخصاً لجميع مبادئه وتطلعاته، ولا يحارب غاندي استبداد الانجليز فقط، ولا يقتصر على مكافحة الاستعمار، بل هو يحارب استبداد الهنود بعضهم ببعض ولا يبالي أن يغضب رجال الدين، أو رجال التقاليد في بلاده، حين ينشد المساواة والحرية، ولغاندي برنامج داخلي لإصلاح بلاده ومنها:
1_مساواة المنبوذين بغيرهم في الحقوق والواجبات الدينية.
2_منع الاتجار بالخمور أو المخدرات في جميع انحاء الهند.
3_تعميم مبدأ المساواة التامة بين الرجل والمرأة.
4_الاتحاد بين المسلمين والهندوس.
انتهج غاندي في نضال اسلوباً فريداً مرتكزاً على اسس اخلاقية صافية، ونزيهة من كل شائبة، لا يحيد عنها بأي دافع وتحت أي ضغط ولا يهادن في كفاحه، وقد شرع يظهر اسلوب غاندي واندفاعه في الذود عنها، وقد حرص على الدقة والوضوح والايجاز، ويتحاشى تمييع آرائه في تعابير رنانة فارغة، وقد استعمل معارفة الحقوقية في سبر دقائق القوانين، وقد استطاع أن يقيم علاقات ودية مع الكبار والصفاء على السواء، كما أنه سرعان ما تمرس بحنكة في تحريك البشر وفي استنباط أثمن ما تنضوي عليه نفوسهم من حب للخير واندفاع نحو المثل العليا، كما أن ما اتسم به من نزاهة واستقامة خالصتين، وقد فرضا على الجميع احترامه منذ الوهلة الأولى، بحيث لم يجد خصومه واصحاب الصحف المحلية زيداً من الاعتراض له بهما ومن امتداح اعتداله وتضحياته المجانية السمحاء، وفي تلك الفترة اخذ النضال عند غاندي يتجه في المنحى الروحية السامي الذي يميزه على نحو فريد، ويتوطد على اسس رفيعة التي جعلت من عمله السياسي نمطاً فذاً، منقطع النظير.(11)
الحياة العملية:
بعد رجوعه إلى بلده، بدأ ممارسة مهنة المحاماة من خلال الترافع في قضايا بسيطة في مدينة بومباي، لكنه عاش ضائقة مالية، فقبل بعد تردد كبير عرضا مغريا من شركة عبدالله دادا عام 1893 وقرر التوجه إلى جنوب أفريقيا، وخلال وقت قصير أصبح زعيماً للجالية الهندية، وعمل محامياً وناشطًا حتى عام 1914، وأكد في إحدى مقولاته أنه "ولد في الهند، إلا أنه صنع في جنوب إفريقيا". وبدأ عمله في مكتب المحاماة في ناتال، ودخل تجربة جديدة حافلة بالمتاعب، كما وصفها في مذكراته، وأولى المواقف التي عاشها منعه من ركوب الدرجة الأولى في القطار الرابط بين دوربان وبريتوريا بسبب لون بشرته، إضافة إلى امتعاضه من كون الهنود هناك لا يتعامل معهم بالاحترام اللازم، ولاحظ هناك عنصرية قوية، فعند دخول غاندي إلى المحكمة كان يطالبونه بنزع العمامة، لكنه كان يرفض فكتب غاندي في الصحف عن الواقعة ودافع عن حقه في ارتداء العمامة في المحكمة، وتداولت الصحف بكثرة ووصفته بأنه زائر غير مرغوب فيه، وقد اطلع غاندي عن كثب الاوضاع القاسية التي تعيشها الجالية الهندية واتضح له أن الهنود لا يلاقون الاحترام الملائم في جنوب افريقيا، وبعد انتهاء القضية التي كان مكلف بها لصالح شركة عبدالله دادا، قرر دادا إقامة حفل وداع لغاندي وبينما يقلب غاندي في الصحف وجد خبر بعنوان( حق تصويت الهنود) وكان هذا القانون يقضي بحرمان الهنود من التصويت فتناقش بالأمر مع دادا وقال احد الحضور نقترح عليك البقاء شهر، وتحولت الحفلة إلى لجنة عمل لإيقاف هذا القانون، وبدأ يناضل من أجل كرامة الجالية الهندية إلى حين إسقاط المشروع المذكور، ومنذ ذلك الحين سطع نجمه وأصبح محاميا يحسب له ألف حساب، ومن أجل وضع مساواتهم مع بقية المجتمع، استمر في هذا النضال مدة 21 عاماً وتعرض من خلالها إلى الكثير من محاولات الاغتيال والسجن وغير ذلك.
يشكل الهنود في جنوب افريقيا جالية كبيرة يناهز عدد افرادها مئة وخمسين ألفاً كانت مبثوثة في ارجاء البلاد وتتألف في معظمها من كادحين يمثلون يد عاملة رخيصة مستغلة ابشع استغلال، وكان يطلق عليه لقب كولي أي كادح، ودعيت الجالية الهندية في ناتال إلى اجتماع بقيادة غاندي يهدف إلى التصدي لمشروع القانون الذي يحرم الهنود من التصويت، وقد استدعى عدد كبير من الهنود ولا سيما من ابناء الهنود المولودين في ناتال، والذين قد اعتنقوا الديانة المسيحية وكانوا يتمتعون أكثر من سواهم بقسط وافر من العلم والثقافة، كما تطوع عدد كبير من التجار المسلمين ومن موظفيهم وباتوا كلهم أبناء وخداماً لأمة واحدة هي الهند، وكان الشغل الشاغل لغاندي هو لم شمل هنود ناتال وتوعيتهم ورفع الحيف الناشب بهم، وقد دفعه حرصه على أن يكون لتلك الحركة وقع مدو بحيث يشعر المستعمرون بوجودها، ويحسبوا لها حساباً، كما أنه حرص على أن يسهم كل منضو إلى الحركة بشيء من وقته وماله، ففرض رسم عضويته بحد أدنى للكادحين على أن يكتسب الموسرون بمبالغ نقدية، وكتب غاندي على نفسه بمبلغ جنيه شهرياً، وكان يمثل نسبة مرتفعة من دخله، وإلى جانب المؤتمر اسس غاندي للمثقفين الهنود في ناتال مكتبة لتمكينهم من التعبير عن آرائهم ، وكان لنضال غاندي نتيجة وهي تم الاقرار بعدم جواز تمرير مثل ذلك التشريع، لأن القانون يجب إلا يفرق بين الناس بناء على اللون أو العرق.(12)
استقلال الهند:
عندما عاد غاندي إلى أرض الوطن الهند، كان عازماً على أن يقف على تحقيق جميع طاقاته، وما تبقى منه إلا وهو استقلال الهند استقلالاً يحررها لا من الانجليز فحسب، بل من جميع الاسقام الروحية والمادية والاجتماعية التي ترهقها وتعيق ازدهارها، وفي المقابل يرى غاندي أن علة الهند الحقة ليست حكم الانجليز لها، بقدر ماهي التخلف والجهل، والفرقة بين ابناء الوطن، وهزال الكرامة الوطنية واهتزاز الثقة بالنفس وجهل الهنود أو أتجاهلهم لعراقة تاريخهم وانبهارهم ببريق الحضارة الغربية، فقد كان يرفض العنف واللجوء إلى السلاح للظفر بالاستقلال، فالعنف يتنافى مع معتقداته، فضلاً عن يقينه بأن الانجليز يمتلكون من وسائل القتال ما يمكنهم من إفشال كل محاولة لأجلائهم عنوة، وبقوة السلاح، وكان يقول:" إن الانجليز يريدون قسرنا على وضع النضال في موضع الرشاشات، لأنهم يمتلكون اسلحة لا نمتلكها، إن فرصتنا الوحيدة تكمن في وضع النضال في موضع نمتلك فيه اسلحة لا يمتلكونها". وذلك الموضع النضالي الذي اختاره غاندي، هو موقع الساتياجراها التي تلزم اتباعها بمكابدة كل صنوف العذاب من أجل احقاق الحق، وجر الخصم إلى العدل، بأقناعه لا بإيذائه، وكان يقول:" ليس الانجليز هم الذين استولوا على الهند، بل نحن من سلمها لهم". باعتناقنا حضارتنا التي لا تعبأ بأخلاق أو بدين وتنحدر بالعمال إلى وضع أسوأ من وضع البهائم، لذلك لابد من التحرر ويكون بالالتزام بالمثل الاخلاقية، وأدراك معنى الحياة الحق، والاخلاص لمعتقدات اجداده الصافية عاكفاً على تحريرها من شوائب كلما طالها فساد، إذن الحرية التي يدعوا لها غاندي، هي الحرية الداخلية فهي المدخل الاساسي لكل حرية سياسية والاستقلال الوطني إن هو إلا سيطرة كل مواطن على ذاته.
في 9/9/1920، اصبح غاندي زعيم المؤتمر الوطني الهندي وعلق غاندي على وضع نظام جديد للمؤتمر بأسلوبه الفذ، كما دأب على تحويل المؤتمر من صرح مذهب الجدران رث الاساس إلى مؤسسة ديمقراطية جماهيرية تبسط تشعباتها على شتى القرى والمناطق الهندية، وبات المؤتمر يتألف من مجلس مركزي لعموم الهند يضم 350 عضواً ولجان فرعية مبثوثة في جميع المناطق، وغدا المنحدرون من الطبقات الوسطى يمثلون أكثرية اعضائه، وحل الزي الهندي محل الزي الاوربي، وحلت اللغة الهندوسية محل اللغة الانجليزية، واخذ غاندي يبرز في بلد مهلهل، الطاقات رمزاً للقوة، ووسط أمة من المستبعدين قدوة للرجل الحر، وقد أدرك الشعب الهندي بغريزته المشبعة بالروحانية أن ذلك السياسي المجرد، إنما هو صخرة الخلاص، فأولوا كل الثقة، حتى أن أوامره عدت بمثابة وصايا إلهية، فقد تصدى لمهمة تقتضي منه الاعتدال وسمو الفكر، بين الانصات إلى رغبات الجماهير الملحة واهوائها الجامحة من جهة، وجرس الضمير الهامس الخافت المرشد إلى سوي السبيل وسط العواصف من جهة أخرى، ورأى غاندي المأساة التي يعيشها الشعب الهندي والجوع الذي أنتشر في جميع انحاء البلاد، أما الانجليز فلا يهمهم ذلك، بل كل همهم هو امتصاص الثروة من الشعب الهندي، ومع ذلك على الشعب الهندي دفع الضرائب، وبذلك قام بحركات عصيان مدني وبالمقابل استقبل الحركات الانجليز بالقوة والسجن، وكان يخاطبهم غاندي قائلاً:" مهما عملتم أية كانت اساليب قمعكم ننتزع يوماً ما، منكم الندم على ما جنته أيديكم، وأننا لندعكم إلى اعمال الفكر، ما دام لديكم من الوقت متسع فتحيطوا اعمالكم بالحكمة لئلا تحولوا ثلاثة مئة مليون هندي اعداء لكم". ويقول أيضاً:" أن العرش البريطاني القائم على استغلال منظم للشعوب الاضعف جسدياً وعلى استعراض القوة البهيمية، لن يكتب له البقاء، لقد آن للشعب البريطاني أن يدرك أن نضالنا الذي بدأ منذ عام 1920، هو نضال حتى النهاية سواء استمر شهراً أو سنة أو اشهر أو سنوات". وكان غاندي يخاطب الانجليز بكل أباء الإرادة المتحررة وكبريائها، وبكل كرامة الوجدان فيقول:" ليس علينا نحن أن نفعل ما تريدون، بل عليكم أنتم أن تفعلوا ما نريد، ولو لم يكن في الهند، سوى رجل واحد، قادر على التكلم على هذا النحو فهو سيتكلم، وعلى البريطانيين أن ينصتوا إليه، وليس في ما أقول أي توسل، بل هو تعبير عما عقدنا عليه العزم، ونحن لن نظفر بأي شيء نتوسل من أجله، بل عملنا أن ننتزع ما نبتغيه انتزاعاً". ولقد استطاع غاندي بتواضعه وتجرده اقناع شعبه بما كان يؤمن به، وبأن المهمة الجديدة هي تطهير النفس من الفساد والازدواجية، ومن كابوس تفوق العرق الأبيض وتوطيد الوحدة بين الهندوسية والاسلام.
تعرض غاندي للسجن مرات عديدة، وكان رجل صادقاً فعندما اعتقل اعترف بأنه كان يقود العصيان المدني، لكنه لم يشجع على العنف فيرى أن العنف هو المادة الأخيرة من قانونه، وقال للقاضي احكم عليه بأقسى العقوبات، فلم يكن يهاب العقوبة أبداً، ثم تلا بياناً بين فيه الدوافع التي حولته من مواطن مخلص للإمبراطورية متعاون معها إلى مقاوم لها ويدعوا إلى عدم التعاون بلا هوادة ولا مساواة، واعتبر غاندي السجن من مقومات النضال ومن اركان سياسة عدم التعاون فيقول:" علينا أن نوسع شبكات السجون ، وأن نشخص إليها شخوص العريس إلى مخدع عروسه، وعلينا إلا ننشد الحرية إلا بين جدران السجون، لا بل عند منصات المشانق احياناً لا في قاعات المؤتمرات والمحاكم والمدارس". وعندما كان غاندي يقوم بعملية العصيان المدني كان يخاطب الانجليز لعلهم يصلون معه إلى حل، ويخبرهم أنه لا يستطيع ايذاء أي شخص مهم يكن من عداءه للهند، فقبل مسيرة الملح بعث إلى نائب الملك رسالة مفادها:" قبل ابحاري في حملة العصيان المدني واقدامي على مخاطرة توخيت تفاديها طوال السنوات الفائتة، ويتوجب علي أن احاول الاتصال بك بحثاً عن مخرج، وأن قناعتي الشخصية في منتهى الوضوح، فأنا لا استطيع تعمد إيذاء أي كائن حي، وبالأحرى أية جماعة حتى لو هم ألحقوا بي، وبأهلي افدح الاضرار، ومع أني اعد السيطرة البريطانية لعنة، لا تراودني أدنى رغبة في ايذاء إنجليزي واحد، أو في مس أي من مصالحه المشروعة في الهند". وقد نظمت مسيرة الملح ما بين 12أذار إلى 6نيسان من عام1930 ، وتعد من أكثر التجارب النضالية أهمية وخطورة في العصر الحديث، ولقد أصبحت هذه المسيرة ملحمة تاريخية من ملاحم النضال السلمي في العالم أجمع، ففي شباط من عام 1930، أعلن حزب المؤتمر الهندي، بزعامة غاندي، العصيان المدني للحصول على الحكم الذاتي، عبر رفض دفع ضريبة الملح التي فرضها البريطانيون، والسير نحو مصنع الملح في داندي رفضاً لاحتكار البريطانيين لصناعة الملح في البلاد، وتأكيداً لحق الهنود في القيام بتصنيع الملح بأنفسهم، بل واستعادة السيطرة على كل الصناعات الوطنية التي تحتكرها بريطانيا، وكتب غاندي في جريدة (يانج انديان) الأسبوعية، التي كان أسسها قبل ذلك بسنة "ربما فكر البريطانيون في ظلم كل هندي بفرض ضريبة على الماء، ثم وجدوا أن ذلك مستحيلا، ولهذا فرضوا ضريبة على الملح، وبدأوا ظلماً قاسياً لمئات الملايين من الجوعى والضعفاء" .وقبل المسيرة بشهر أرسل غاندي خطابا إلى اللورد اروين، حاكم الهند البريطاني، قال فيه "صديقي العزيز، فكرت لسنوات كثيرة قبل أن أبدأ هذا العصيان المدني، لكني وجدت أنه الطريق الوحيد حتى تبقى الهند كدولة، وحتى لا يموت الهنود من الجوع، إننا نريد الحرية نفسها التي يريدها تشرشل من البريطانيين أن يموتوا في سبيلها". وفي الشهر التالي، وعندما لم يتسلم غاندي رد، اجتمع حزب المؤتمر الهندي، وقرر أن موضوع الملح يؤثر على كل الهنود تقريباً، وأنه سيساعد على جمع عدد كبير من الناس، وكانت بريطانيا، كلما واجهت مشاكل مالية وعجزت عن الصرف على حكومتها في الهند، خاصة وقت الحروب، تزيد الضرائب على الهنود، وبالتالي عندما واجهت صعوبات مالية في العشرينات أصدرت قانونا يخول لها احتكار صناعة وبيع الملح، وتضمن القانون عقوبة بالسجن ستة شهور على كل من يصنع ملح، وعلى كل من يذهب إلى البحر لصناعة الملح، ومنذ عام 1932 بدأت حركاته الاحتجاجية تتصاعد وتتنوع أشكالها، وبعد أن غادر صفوف حزب المؤتمر عام� حول اهتمامه إلى الجانب الاقتصادي وانشغل بالصعوبات التي تعانيها المناطق القروية، ثم عاد مرة أخرى إلى حملات العصيان عام 1940 احتجاجاً على بريطانيا، التي أعلنت الهند دولة محاربة إلى جانب جيوش المحور دون أن تنال استقلالها، واستمر عصيانه حتى عام 1941، وقد توتر الوضع، واضطرت السلطات البريطانية إلى بحث سبل المصالحة مع الحركة الاستقلالية الهندية، ففشلت في مسعاها عام 1942، وفي العام الموالي قبل مقترح دخول الهند في حرب شاملة على دول المحور مقابل حصول بلده على الاستقلال، لكنه استمر في خوض احتجاجات تعرض بسببها إلى الاعتقال رفقة أعداد من المحتجين، وبعد دنو حصول الهند على الاستقلال عام 1945، أخذ على عاتقه مسؤولية إقناع مختلف التيارات الهندية بعدم تقسيم الدولة إلى دولتين هندوسية ومسلمة، إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل، وبانقسام الهند في آب 1947 وجد نفسه أمام مهمة إخماد نيران النزاعات والصراعات الدينية، داعياً إلى وحدة وطنية تقوم على احترام الحقوق، وخاض إضراباً عن الطعام لحث المتخاصمين على إنهاء العنف، وقال جملته الشهيرة "الموت بالنسبة لي خلاص مجيد بدلاً من أن أكون شاهدا عاجزاً على تدمير الهند والهندوسية والسيخية والإسلام".
سعى غاندي مثل غيره من القادة إلى الاستقلال، ولكنه على نقيضهم، كان وطيد الإيمان بأن بلاده لن تظفر بتحرر حق، ما لم يتحرر مواطنوها من القيود النفسية والمادية التي تغلهم، وكان يحدو نضاله اليقين بأن الاستقلال المحقق دائماً تنهض به القاعدة الشعبية العريضة الواعية المتحررة، لا قبضة من المتزعمين الذين كان من شأنه تمزقهم وتنازعهم على الزعامة والنفوذ، لذلك ركز على مناهضة الظلم الاجتماعي من جهة، ومن ناحية ثانية مقاومة الاستعمار، واهتم بدرجة كبيرة بمشاكل العمال والفلاحين وفئة المنبوذين، التي أطلق عليها تسمية (أبناء الإله)، مبادراً بتنظيم حملات لوضع حد للتمييز الطبقي داخل المجتمع الهندي، وقد كان غاندي يتوخى أن يتحقق استقلال بلاده، عبر ثورة هادئة بحيث تنتقل السلطات من مؤسسة مغلقة إلى ممثلي الشعب تلقائياً، مثلما تسقط ثمرة ناضجة من شجرة تنال نصيبها الوافي من الرعاية، وكان حريصاً على تنزه نضال بلاده في سبيل الاستقلال من كل أثر لعنف أو ضغينة أو انتقام، لقد كان غاندي ذلك الرجل الذي استطاع التكلم على هذا النحو وأبى الانجليز أول الأمر الانصات إليه، بل استخفوا به وبأقواله، ولكن كان عليهم في نهاية المطاف أن يسلموا الهند باستقلالها، الذي انتزعه لها غاندي، بأسلوبه الفذ، بعد أن ابرز للعالم اجمع طاقات الحب اللامحدود، وقدرات الألم الطوعي، وثروات الساتياجراها الثرة واثبت أن للحضارة الهندية رسالتها السامية في العالم.(13)
استقلال باكستان:
طالب محمد علي جناح(1876 – 1948،محام وسياسي ومؤسس دولة باكستان، تزعم جناح عصبة مسلمي عموم الهند من 1913 إلى غاية استقلال باكستان في 14 أغسطس 1947، ليصبح بعدها أول حاكم عام لباكستان من استقلالها وحتى وفاته) بأنشاء دولة باكستان وكان عدد المسلمين 100مليون نسمة، 60مليون في باكستان و40مليون في بنغلادش، وفي عام 1971، انفصلت بنغلادش عن باكستان، وكانت بريطانيا قد اوفدت لجنة لتقسيم الهند إلى ثلاث مقاطعات رئيسية تتمتع بالحكم الذاتي، أحداهما ذات أغلبية هندوسية والثانية ذات أغلبية اسلامية والثالثة شبه متوازنة، ورضى غاندي بذلك، لكن جناح رفض واصر إلى ايجاد دولة باكستان ولو بالقوة وهتف سنقاتل أو نموت أن اقتضى الأمر ذلك، ورفض جناح الاشتراك في حكومة واحدة تجمعهم واصر على انفصال المسلمين في دولة واحدة، لأن هناك معارك كبيرة تحصل بين الديانة الهندوسية والمسلمين، وأيضاً هناك اختلاف في اللغة والعقيدة، وقال كلمته الشهيرة:" كيف نحكم بنظام واحد قوم يعبدون البقرة وقوم يأكلونها".
رفض غاندي انفصال باكستان عن الهند، وحاول جاهداً اقناع الرابطة الاسلامية بقيادة جناح واعطاه رئاسة الحكومة وكافة الوزرات بيد المسلمين، لكن لم يجدي نفعاً مع جناح، إذ بعد عام 1946 اشتد الصراع الاهلي بين الهندوس والمسلمين، وعندما أراد المسلمون الهجرة إلى باكستان من أثر المعارك الأهلية، وخاصة أن بعض المسلمين كانوا يمثلون أقل من الهندوس، خاطب غاندي الهندوس قائلاً لهم:" أمضوا فقبلوا مسلمي هذه المدينة، وناشدوهم أنتم بأنفسكم بالمكوث وحولوا دون نزوحهم إلى باكستان، وفي هذه الاثناء قام احد المسلمين لغاندي متأثراً بما حصل للمسلمين، أهي زوجتك التي اغتصبت أم أبنك الذي قطع أرباً أرباً، فأجاب غاندي نعم هي زوجتي التي اغتصبت وأبني هو الذي قطع ومثل به، وعندما رأى غاندي في التجمع هناك من يحمل الخناجر والسيوف قال لهم أن أدوات العنف والبغضاء هذه لن تستطيع حل أي مشكلة". ومع ذلك في ذروة الصراع بين المسلمين والهندوس كان غاندي عندما يحضر، يسود الأمن وتجتمع حوله المسلمين والهندوس، وبحضوره تنطفئ الحقد والكراهية، وما كان من غاندي سوى الصوم وبث الخطابات المعتدلة لوقف الحرب الاهلية ولم يكتفي بذلك ،بل ذهب وسكن في مناطق مشتركة بين الهندوس والمسلمين وحثهم على العيش بوئام وسلام تام، ويبدوا أن غاندي رفض في البداية استقلال باكستان وشطر الهند إلى ثلاث أجزاء، لكن الحرب الاهلية والتي أدت إلى الكثير من الضحايا وحصول الهند على نوع من الاستقلال دعى غاندي إلى قبول الاستقلال وتأسيس دولة باكستان، وفي 15/8/1947، اعلن الاستقلال رسمياً، أما غاندي فقد أبى المشاركة في الاحتفاء بالاستقلال ورفض توجيه أية رسائل للأمة بتلك المناسبة وعدم حضور الاحتفالات، واعتزل في منزل أحد المسلمين، حيث قضى يوم الاستقلال وحيداً.
لم يكن غاندي عنصرياً ضد المذاهب الاخرى وخاصة الاسلام، فأراد بكل قوة أن يتوحد الهندوس والاسلام، لذلك الكثير من المسلمين يعتبرون غاندي قدوة إنسانية، لأنه جسد المبادئ الإنسانية بصبره وتحمله الأذى والقسوة والسجون والاعتقالات وغيرها الكثير، فكثيراً ما كان يدخل ضمن المعارك التي تحصل بين الهندوس والاسلام ويستطيع بإلهامه للمجتمعات أن يتصافحوا ويهتفون معاً تحيا الوحدة الهندوسية الاسلامية ويحيا المهاتما غاندي.(14)( تعقيب، نعتقد أن غاندي لم يكن موفق بمسألة الوحدة بين الهندوس والمسلمين، لأن الخلاف بينهم ليس فقط بالعقيدة الدينية والتي هي مهمة جداً للشعوب فلا يستطيع شعب العيش بدونها، وحتى العلمانية التي تعتبر العلم هو اساس الحياة، تجد الدين يدخل في كثير من جزئياتها، وتجدر الاشارة أن الخلاف بين الهندوس والمسلمين يصل إلى المأكل والمشرب والملبس وغيرها الكثير، وإن كان البعض يتهم بريطانيا بزرع التفرقة وهذا واضح من سياسته، لكن ما حدث من انفصال باكستان تشكل لحظة تاريخية في تاريخ المسلمين).
سياسته:
شكلت المرحلة التي عاشها غاندي سواء في بلده أو في إنجلترا أو في جنوب أفريقيا فكراً سياسياً يقوم على محاربة العنف ونبذه، مقابل اختيار السلم والسلام، إذ في رأيه كل شيء يحل بالسلم، حتى الاستعمار يمكنه أن ينجلي من دون مقاومة مسلحة، وأسس في عالم السياسية لما بات يعرف بفكر (المقاومة السلمية)، وكان سباقاً لاستبعاد خيار الحرب، وتبني أشكال اللاعنف من قبيل العصيان المدني والاعتصامات والاحتجاجات السلمية والإضراب عن الطعام والمقاطعة، وغيرها من الأساليب السلمية التي لجأ إليها في عدد من المحطات الحرجة، والتي ما زال العمل بها جارياً كوسائل للضغط لانتزاع المطالب والحقوق، وقد اضحى فكره السياسي تجربة فريدة من نوعها، وغاندي لا يؤمن بالفصل بين السياسة والدين، ويرى أن من يفصل بين السياسة والدين لا يعرف المعنى الحقيقي للدين، لذلك أرسى لمبادئ جمعت بين الأسس الدينية والسياسية والاقتصادية، وتحدث عن (الضمير الأخلاقي) أو (الصوت الداخلي)، وقد عد بطلاً في نبذ العنف ومدافعاً عن الحقوق المدنية، من خلال الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وإمكانية إلحاق الهزيمة بالمحتل عن طريق الوعي العميق بالخطر المحدق وتكوين قوة قادرة على مواجهة هذا الخطر أولاً باللاعنف شريطة أن يكون للخصم ضمير، ثم بالعنف إذا لم يوجد خيار آخر، وتحدثت بعض الدراسات في العلوم السياسية عن (التجربة الغاندية)، التي تلتها فيما بعد بعض التجارب المماثلة مثل تجربة نيلسون مانديلا (نيلسون مانديلا 1918_2013، سياسي مناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وثوري شغل منصب رئيس جنوب أفريقيا 1994-1999، وكان أول رئيس من ذوي البشرة السمراء لجنوب أفريقيا، انتخب في أول انتخابات متعددة وممثلة لكل الأعراق). وتجربة مارتن لوثر كينغ(مارتن لوثر كينغ الابن ‏ ولد في 15 يناير عام 1929، اغتيل في 4 أبريل 1968، كان زعيماً أمريكياً من أصول إفريقية، وناشطًا سياسياً إنسانياً، من المطالبين بإنهاء التمييز العنصري ضد السود،، في عام 1964 حصل على جائزة نوبل للسلام).
الساتياجراها:
ساتياجراها ((Satyagraha المصطلح الذي اطلقه غاندي على النهج الجديد للتغلب على الظلم، يعني التمسك بالحقيقة أو قوة الروح ((Soul Force حيث تعني(Satya) الحقيقة باللغة السنسكريتية، وهي مشتقة من((Sat الذي يعني ببساطة ذلك الموجود والفكرة الكامنة وراء ساتيا، وهي أن الحقيقة توجد بمفردها، لأن الحقيقة ليست ما يصح فحسب في مكان ما وفي زمن ما أو تحت شروط معينة، بل هي ما لا يتغير مطلقاً، فالشروط والمظالم والكراهية كما يؤكد غاندي، توجد فقط بقدر ما نقدم لها السند، فليس لها وجود خاص بها، وبدون تعاوننا بقصد أو بلا قصد لا يمكن أن تستمر، ويعرف غاندي الساتياجراها بأنها" القوة التي تولد من الحقيقة والمحبة واللاعنف". ويذكر غاندي أنه اسس مؤسسة الساتياجراها في 25/5/1915، وكان غاندي قد اقترح عليه البعض تسمية المجموعة باسم( سيف أشرام) أي جماعة الخدمة أو (تابوفان) أي جماعة الزهد وغيرها من الاسماء، أما اسم جماعة الخدمة، فهذا الاسم لا يؤكد على اسلوب الخدمة، أما اسم جماعة الزهد فيبدو كنوع من الادعاء، وكان الغرض من تأسيس هذه الجماعة هي تعليم الشعب الهندي روح النضال، والنضال السلمي المتحضر والواعي، أي أنه وجد أن النضال ليس الاعتصام والتظاهر وحمل السلاح، بل النضال قبل كل شيء لابد أن يسبقه وعي، فالوعي يسبق النضال، و الساتياجراها هي الحث على الاعتصام بالشجاعة والتزام اللاعنف حتى تجاه تدابير الحكومة القمعية، والهدف من الساتياجراها، هو احداث انقلاب خير في ذات نفس الخصم عن طريق الآلام التي يتحملها المرء والمشاق التي يعانيها، وعلى الساتياجراهي أن يحاول إقناع الخصم بصوابيه موقفة لا بالقوة والعنف ولكن بالثبات على الحق.
اختبر غاندي الساتياجراها في جنوب أفريقيا لمدة سبع سنوات مظهراً أنها تفعل فعلها، حتى في أراض أجنبية ضد حكومة شديدة البأس وعدائية، وعاد إلى الهند محارباً متمرساً في المقاومة اللاعنفية، وهو على ثقة بأن بوسعة تحرير الهند من الهيمنة البريطانية بالوسائل السياسية، وبدون حرب وبدون عنف لذلك يقول:" لا يمكن للعنف مطلقاً أن يضع حد للعنف، فكل ما يمكن للعنف أن يفعله هو إثارة المزيد من العنف، لكن إذا اعتصمنا باللاعنف التام، تكون حرية الهند مضمونة". و الساتياجراها تعني التمسك بهذا الحقيقة في كل موقف، ولا يهم كم هي العاصفة عاتية، ولأن الساتياجراها الحقيقي لا يبغي شيئاً لنفسه، فإنه لا يخشى الدخول في أي صراع من أجل الذين من حوله، دون عداوة ودون امتعاض ودون أن يلجأ حتى إلى عبارات نابية، وحتى في مواجهة أكثر الاستفزازات تطرفاً، لا يسمح لنفسه أبداً نسيان أنه هو والمعتدي عليه واحد، و الساتياجراها لطيفة لا تجرح اطلاقاً ويجب ألا تكون حصيلة غضب أو خبث، و لا تنضوي على احتياج ولا نفاد صبر ولا صخب على الاطلاق، إنها النقيض المباشر للعسر، إنها البديل الناجز للعنف، وتعد مؤسسة الساتياجراها، وهي التي عرفت بكونها أول حملة عصيان مدني تظهر في التاريخ، وأراد من الحركة هي الاستعاضة عن اساليب العنف وأن تكون حركة تعتمد كلياً على الحقيقة، وسعى غاندي من خلال الساتياجراها إلى أحداث تحول اجتماعي وفردي عميق دون وجود مشاعر التعصب والكره واحداث القتل التي تلازم الكثير من الصراعات العنيفة، ويهدف غاندي إلى التغيير على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وتلك القوة لم تغير تاريخ الهند وحدها، بل تغيير حياة جميع من اشتركوا في حملاته.(15)
اللاعنف:
لقد كان غاندي يكره العنف، لكنه كان يكره الجبن أكثر من العنف، وإذا تعذر على اتباعه أن يجدوا في دواخلهم ما يقولون به على المقاومة اللاعنفية كان يحثهم عندها استجماع شجاعتهم لرد الصاع لمن يعتدي عليهم أو يحط من قدرهم، وكان يؤمن أن اللاعنف يتطلب شجاعة أكثر من العنف، ويرى غاندي أن القوة الإنسانية لا تأتي من قوة العضلات، بل من قوة الإرادة، ويشكل اللاعنف عند غاندي صرخة في وجه العنف، وهو قول نعم للكفاح، إنه في آن معاً نضال باسل، وحب للعدو، إنه يرمي إلى تحطيم الشر لا الإنسان الذي يرتكب الشر وهو يحرر النضال من أبغض ما فيه البغض، وما يجره البغض من شتيمة وافتراء وانتقام، أن حب العدو هذا الذي يفرق بين شخصه وفعله، إنما هو دعوة له كي يهتدي وإلى تغيير ما في قلبه، وهذا الحمل انتصار على العنف والمقاوم، و اللاعنف لا يتوخى إخافة فاعل الشر وتهديده، بل النفاذ إلى جنانه وعقله ويبتغي إرشاده لا تحطيمه، ويجهد دائماً كي يظهر على الشر بالخير، وعلى الغضب بالمحبة وعلى الباطل بالحق، وعلى العنف باللاعنف، وهكذا برز اللاعنف عند غاندي مزيجاً فريداً من مقاومة الشر والضلال، صلب وصامد لا يتهادن ولا يهاود وحب غامر لا يتخاذل ولا يفتر، وقد أوجز غاندي فلسفة اللاعنف بقوله:" لقد رميت السيف جانباً، ولم يبق لي سوى كأس الحب يسعني تقويمها لمن يهبون مقاومتي، أنني أريد أقرن اعظم حب، بأشد مقاومة للشر". ولقد برهن غاندي عبر نضاله السلمي أن مفهوم اللاعنف بأبعاده الإنسانية يشكل أداة حقيقية في الصراع من أجل الحق والعدالة ونصرة المستضعفين والمظلومين، وبرهن أيضاً أن هذا المفهوم يمتلك قدرة هائلة في تحقيق الأغراض السياسية والاجتماعية للشعوب المستضعفة في مختلف أنحاء العالم، فاللاعنف وفقاً لغاندي، برنامج نضال متكامل، إنه سلاح حقيقي فاعل يمكن الضعفاء والمقهورين أن يستعملونه في معاركهم الإنسانية من أجل الحق والخير والسلام، ويمكنهم أن يكون قوة قادرة على إحياء الوعي الأخلاقي للجماهير، وتثوير الرأي العام، وفضح الجرائم الأخلاقية للظالمين، وإيقاظ الضمائر، وإحياء القلوب الميتة، وفتح العيون الهاجعة، وهو في النهاية، وعندما يحسن استعماله، يؤدي إلى إضعاف عزيمة المعتدي وهزم إرادته، وكسر شوكته ودفعه إلى طاولة الحوار والبحث عن السلام.
لقد أوضح غاندي، في كثير من المواقف والرؤى والاتجاهات، أن اللاعنف ليس عجزاً أو ضعفاً أو استسلاماً أو هزيمة بل هو كما يقول:" أعظم قوة متوفرة للبشرية، إنه أقوى من اسلحة الدمار الشامل ". وهو بذلك يوضح بأن اللجوء إلى العنف قد يكون مبرراً ومشروعاً في حالات معينة حيث يقول: "إنني قد ألجأ إلى العنف ألف مرة إذا كان البديل القضاء على عرق بشري بأكمله". فالهدف من سياسة اللاعنف في رأي غاندي هي إبراز ظلم المحتل من جهة وتأليب الرأي العام على هذا الظلم من جهة ثانية تمهيداً للقضاء عليه كلية أو على الأقل حصره والحيلولة دون تفشيه، لكن غالباً ما يجري الخلط بين اللاعنف وبين الاستسلام، ولكن الأمر ليس على هذه الصورة أبداً، فاللاعنف شيء آخر مختلف تماماً عن معنى الاستسلام، إنه وإن كان فعلاً مسالماً ولا عنف فيه، فإنه نشاط حيوي فاعل ومؤثر، يمتلك طاقة حيوية من القوة والقدرة والاقتدار، ويتطلب في الوقت ذاته درجة عالية من السيطرة وضبط النفس، من أجل تحقيق مراميه الإنسانية، فالتمرد، ورفض الإذعان والخضوع، وعدم التعاون مع الظالم، والإضراب والمظاهرات، والاحتجاجات، والاعتصامات، والندوات الفكرية المناهضة، هي في جوهرها صيغ من الممارسات التي يقتضيها مفهوم اللاعنف بدلالاته الإنسانية، ومما لا شك فيه أن اللاعنف يمارس القوة والضغط والإكراه، ولكن ممارسة هذه القوة تجري في سياق مسار إنساني يتحلى بالقيم الأخلاقية ويستلهم معانيها، إنه عنف أخلاقي يستهدف إحياء الضمائر وتحريك الوجدان، فاللاعنف يمتلك أدواته وقوته إنه سلاح، ولكنه سلاح إنساني بامتياز، لأنه يجعل الآخر أكثر إنسانية ويحرض فيه كل المعاني المفترضة في الإنسان، وهو بذلك يتميز بنبله وأصالته وتفوقه الأخلاقي حيث يتم استعمال المعايير الأخلاقية الأفضل في حركته وفعله وممارساته، وبذلك اللاعنف بطاقة روحية تكره الخصم على التفكير وتدفعه لمراجعة الذات ووضعها في موضع التساؤل، وتكمن قوة اللاعنف هنا في قوة الحقيقية والعدالة التي تفرض هيمنتها على الناس والأفراد، فالخصم كما يراه غاندي ليس عدواً يجب الانتصار عليه، بل رجلاً ضالاً غافلا يجب صدمة وإيقاظه من غفلته وغفوته، وهنا نجد غاندي لا يدعو إلى الحقد على الخصم أبداً، بل يدعوا إلى الشفقة عليه دائما، فاللاعنف يهدف إلى الكشف عن أخطاء الخصم وإصلاحها واستبعاد المفاهيم الخاطئة غير الأخلاقية لديه، وبالتالي فإن الإنسان الذي لا يجد في نفسه الكفاءة على تمثل هذه الرؤية لا يمكنه أن يتابع النضال من أجل العدالة والسلام، فالعنف غالباً ما يكون ردة فعل على عنف الخصم واحتمالاته، وهو العنف الذي يجد في العنف المضاد تبريراً له، ولكن عندما يصطدم هذا العنف بالفراغ فإنه تتبدد قوته، وهنا يمكن القول بأن قلب الإنسان هو ميدان اللاعنف ومجاله الحيوي، فاللاعنف يمارس قوته ولكنه يستهدف الجانب الإنساني والوجداني في الإنسان.(16)
موقفه من فلسطين:
رفض غاندي العقائد الايديولوجية التي يقوم عليها الاستعمار الصهيوني لفلسطين، ولم يقبل أن لليهود حقاً انجيلياً في فلسطين، وبدلاً من ذلك نصحهم بالحصول على حقوقهم في البلدان التي يقيمون بها، وإذا قرر اليهود الذهاب إلى فلسطين، فينبغي أن يكون ذلك بموافقة السكان الاصليين، وإلا فأنهم يتقاسمون مع البريطانيين نهب شعب لم يسيء إليهم في شيء، وقد استنكر بشدة افعال اليهود الاستيطانية بمساعدة أمريكيا وبريطانيا، و كتب غاندي يوم 26 نوفمبر 1939: "إن فلسطين للفلسطينيين مثلما بريطانيا للإنكليز، وفرنسا للفرنسيين". وإن ما يحاول اليهود فرضه في فلسطين لا يمكن تسويغه بأي قانون أخلاقي، ويضيف حرفياً: "إن تحويل أرض العرب الأباة الذين تمتلئ بهم فلسطين، إلى اليهود، كلياً أو جزئياً، على أنها وطنهم القومي، إنما هو جريمة ضد الإنسانية". ويتساءل: لماذا كان على اليهود أن يعتمدوا على الأموال الأميركية والأسلحة البريطانية ليفرضوا أنفسهم على أرض لا ترحب بهم؟ ولماذا كان عليهم اللجوء للإرهاب لفرض هبوطهم القسري على فلسطين؟.
حاولت الحركة الصهيونية العالمية التواصل مع غاندي، ولكنه بقى مصراً على موقفه، ونصح رئيسها حاييم وايزمان بأن ينظر إلى القدس "من فوق، بوصفها مكانا روحانيا، لا وطنا أبدياً لليهود". وعندما زار لندن لحضور طاولة مستديرة عن مستقبل الهند سنة 1931 تحدث غاندي مع الصحيفة الصهيونية وقال: "الصهيونية تعني احتلال فلسطين، وهي لا تجذبني، أستطيع تفهم شوق اليهود للعودة إلى فلسطين، ويمكنهم أن يفعلوا ذلك دون مساعدة حراب البنادق، سواء كانت يهودية أم بريطانية، في هذه الحالة سيذهبون إلى فلسطين بسلام وبصداقة تامة مع العرب". ووقف غاندي مع رئيس الحكومة الهندية جواهر لال نهرو، ضد قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947،وظل نهرو وغاندي حتى آخر رمق مصممين على قرارهما المشترك برفض تقسيم فلسطين، ومقاسمتها بين اليهود والعرب، تحت أية ذريعة كانت.(17)
اقواله:
للمناضل الكبير غاندي وعبر حياته التي امتدت لنحو 79 سنة، أقوال وحكم مأثورة تعبر عن الكثير من الافكار والرؤى الإنسانية والقيم الراقية التي آمن غاندي بها وعاش من أجلها ونادى بين الناس بتطبيقها وتنفيذها بشكل عملي، والواقع أن هذه الاقوال إنما تمثل في حقيقتها مجموعة من الوعي والحس الإنساني، شخص مستنير ومنير، فضلاً عن تمتعه بالكثير من الخبرات العميقة، ذلك أن تعاليمه واقواله قد اشتملت على الكثير من معاني المحبة والرحمة والتعاون وقبول الآخر والحرية والغفران والمساواة والتسامح والسلام، وغيرها من القيم الإنسانية الراقية والاهداف النبيلة، ومن تلك الاقوال التي تنسب لغاندي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1_الحرية غير ذات قيمة، إذا لم تشتمل حرية ارتكاب الاخطاء.
2_الضعيف لا يغفر، فالمغفرة شيمة القوي.
3_العين بالعين تجعل العالم كله اعمى.
4_عليك أن تكون أنت التغيير الذي تريده للعالم.
5_في البدء يتجاهلونك ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك ثم تنتصر.
6_مايسلب بالعنف لا يحتفظ به إلا بالعنف.
7_كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن.
8_إينما يتواجد الحب تتواجد الحياة.
9_إذا قابلنا الاساءة بالإساءة، فمتى تنتهي الاساءة.
10_أن الغضب وقلة الاحتمال هما اعداء الفهم الصائب.
11_أن النصر الناتج من العنف مساو للهزيمة، إذ أنه سريع الانطفاء.
12_لا احب كلمة التسامح، لكن لا أجد كلمة افضل منها.
13_الاختلاف في الرأي ينبغي إلا يؤدي إلى العداء، وإلا أنا وزوجتي من ألد الاعداء.
14_إننا سوف نكسب معركتنا لا بمقدار ما نقتل من خصومنا، ولكن بمقدار ما نقتل في نفوسنا من الرغبة في القتل.
15_كرهت أن افعل في الخفاء ما لا افعله في العلن.
16_لا ينبغي لنا أن ننتظر جزاء على عملنا، وأنا مؤمن مع ذلك إيماناً قاطعاً بأن كل عمل طيب لا بد أن يؤتي ثمره في النهاية.
17_قدرة الإنسان على تحمل العذاب هي أكبر من قدرة عدوه على تعذيبه.
18_إن اخلاص الناس إنما يتوقف عليهم وحدهم وعلى قدرتهم على الاحتمال والتضحية.
19_لا يليق بنا نحن الذين نرغب في خدمة الشعب، أن نتخذ لأنفسنا خدماً.
20_احرصوا على أن لا تقولوا غير الصدق.
21_إننا لا نستطيع أن نكون أحراراً ما دمنا لا نمنح الحرية للآخرين.
22_المحبة لا يمكن أن تصنع أو تنظم بقانون.
23_يعتبر اللاعنف والتسامح الديني أكبر قوة في يد الثوار، إنه اشد فتكاً من اسلحة الدمار الشامل.
24_ ساعة النصر الاعظم هي ساعة التواضع الاعظم.
25_أن الحياة قائمة على الخدمة يجب أن تكون حياة تواضع.
26_التواضع هو مفتاح النجاح السريع.
27_سلاح العنف رمح أو سيف أو بندقية، أما اللاعنف فدرعه الله.
28_القوة الحقة لا تستمد من مصدر جسدي، بل هي تنبع من إرادة لا تقهر.
29_من أجل الدفاع عن النفس لا حاجة إلى القدرة على القتل، بل أفضل منها القدرة على الموت.
30_كما أن التدرب على العنف يقتضي إتقان فن القتل، كذلك التمرس باللاعنف يقتضي إتقان فن التضحية.
31_بالحب وحده يمكن استمالة الخصم، أما بالعنف فذلك متعذراً تماماً، فالبعض هو أشد ضروب العنف مكراً.
32_الضعيف لا يعرف الصفح، والغفران هو ميزة الاقوياء.
33_الارهاب والكذب اسلحة يستعملها الضعفاء لا الاقوياء.
34_الوسائل الفاسدة تؤدي نتائج فاسدة.(18)
الهوامش:
1_ينظر رامي عطا صديق: غاندي رسالة اللاعنف والتسامح، دار جداول، بيروت،ط1، 2014، ص9_10_11_12. وينظر أيضاً أديب مصلح: السياسي القديس المهاتما غاندي، منشورات المكتبة البولسية، بيروت، ط1، 1992، ص397_398.
2_ينظر مهنداس كارامشاند غاندي: غاندي السيرة الذاتية( قصة تجاربي مع الحقيقة)، ترجمة محمد إبراهيم السيد، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2008، ص29_30. وينظر أيضاً أديب مصلح: السياسي القديس المهاتما غاندي، ص13_14_15_237.
3_ ينظر مهنداس كارامشاند غاندي: غاندي السيرة الذاتية، ص35. وينظر أيضاً أديب مصلح: السياسي القديس المهاتما غاندي، ص17. وينظر أيضاً اكناث ايسوران: غاندي الإنسان، معابر للنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 2013، ص14.
4_ ينظر مهنداس كارامشاند غاندي: غاندي السيرة الذاتية، ص72. وينظر أيضاً أديب مصلح: السياسي القديس المهاتما غاندي، ص16. وينظر أيضاً اكناث ايسوران: غاندي الإنسان، ص15_16.
5_ينظر أديب مصلح: السياسي القديس المهاتما غاندي، ص279_280.
6_ ينظر مهنداس كارامشاند غاندي: غاندي السيرة الذاتية، ص14. وينظر أيضاً أديب مصلح: السياسي القديس المهاتما غاندي، ص86.
7_ ينظر أديب مصلح: السياسي القديس المهاتما غاندي، ص7_8. وينظر أيضاً عباس محمود العقاد: روح عظيم المهاتما غاندي، مؤسسة هنداوي، القاهرة، ص111_112.
8_ ينظر مهنداس كارامشاند غاندي: غاندي السيرة الذاتية، ص16_17. و ينظر أيضاً رامي عطا صديق: غاندي رسالة اللاعنف والتسامح، ص20.
9_ ينظر مهنداس كارامشاند غاندي: غاندي السيرة الذاتية، ص49_50_58_83. وينظر أيضاً أديب مصلح: السياسي القديس المهاتما غاندي، ص 21_22.
10_ ينظر مهنداس كارامشاند غاندي: غاندي السيرة الذاتية، ص110_111_439. وينظر أيضاً أديب مصلح: السياسي القديس المهاتما غاندي، ص477_478. وينظر أيضاً رامي عطا صديق: غاندي رسالة اللاعنف والتسامح، ص21.
11_ ينظر أديب مصلح: السياسي القديس المهاتما غاندي، ص63_64_409. ينظر أيضاً سلامة موسى: غاندي والحركة الهندية، مؤسسة هنداوي، القاهرة، ص59.
12_ ينظر مهنداس كارامشاند غاندي: غاندي السيرة الذاتية، ص156_181_191_257_258_262. وينظر أيضاً أديب مصلح: السياسي القديس المهاتما غاندي، ص46_58_61.
13_ ينظر أديب مصلح: السياسي القديس المهاتما غاندي، ص121_122_123_124_175_176_177_184_188_191_401_403.
14_ينظر المصدر نفسه، ص274_305_330.
15_ ينظر مهنداس كارامشاند غاندي: غاندي السيرة الذاتية، ص13_14_521_522. وينظر أيضاً اكناث ايسوران: غاندي الإنسان، ص41_42_43_44_45. وينظر أيضاً رامي عطا صديق: غاندي رسالة اللاعنف والتسامح، ص68.
16_ ينظر أديب مصلح: السياسي القديس المهاتما غاندي، 449_450. وينظر أيضاً رامي عطا صديق: غاندي رسالة اللاعنف والتسامح، ص77_78. وينظر أيضاً عباس محمود العقاد: روح عظيم المهاتما غاندي، ص57. وينظر أيضاً نورمان فينكلستاين: ماذا يقول غاندي عن اللاعنف والمقاومة والشجاعة، ترجمة احمد رزاقي، وزارة الثقافة والرياضة، قطر، ص10.
17_ينظر المصدر نفسه، ص64.
18_ ينظر أديب مصلح: السياسي القديس المهاتما غاندي، ص493_494_501_502_506_507. وينظر أيضاً رامي عطا صديق: غاندي رسالة اللاعنف والتسامح، من ص91إلى ص101.



#حيدر_جواد_السهلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سقراط الجديد جبريل مارسيل
- الرجل الثاني في الإسلام وصوت العدالة الإنسانية، أمير المؤمني ...
- مفهوم الميتافيزيقا
- الظاهرة العبثية الإلحاد
- الاقتصاد في فلسفة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر
- النظام الاجتماعي في فلسفة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر
- العالم الذي قهر الإعاقة ستيفن هوكينج
- مفهوم الهوية في فكر عبدالجبار الرفاعي
- فرسان العراق في حرب 6أكتوبر
- مفهوم الولاء في فلسفة جوزايا رويس الأخلاقية
- المعوقات الاجتماعية لمشاركة المرأة العربية في صنع القرار الإ ...
- الدين والتدين في فكر عبدالجبار الرفاعي
- موقف عبدالجبار الرفاعي من التربية
- موقف عبدالجبار الرفاعي من الاستبداد
- الدولة في فكر عبدالجبار الرفاعي
- عبدالجبار الرفاعي سيرة وفكر
- البرلمان في فلسفة جون ستيوارت مل السياسية
- مفكر بعقل فقيه، ماجد الغرباوي
- بيل جيتس
- فلسفة الثورة عند سيد الشهداء الحسين بن علي(ع)


المزيد.....




- رئيس الوزراء الفرنسي يدعو النواب لـ-التحلي بالمسؤولية- وحكوم ...
- سوريا.. مدى تهديد فصائل المعارضة وتحركاتها السريعة على بقاء ...
- أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم يعاقب إسرائيل
- هل فعلا يجب شرب 8 أكواب من الماء يوميا؟
- نصائح لتعزيز منظومة المناعة في الشتاء
- مصر ترفع اسم ابنة رجل أعمال شهير من قائمة الإرهاب
- عيد البربارة: من هي القديسة التي -هربت مع بنات الحارة-؟
- من تاباتشولا في المكسيك إلى الولايات المتحدة.. مهاجرون يبحثو ...
- منطقة عازلة وتنازل عن الأراضي.. كيف يخطط ترامب لإنهاء الحرب ...
- رغم العقوبات على موسكو.. الغاز الروسي مازال يتدفق على أوروبا ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - عراب النضال السلمي غاندي