|
من «المسألة الشرقية» إلى «الشرق الأوسط الجديد»
بشير زعبيه
الحوار المتمدن-العدد: 8180 - 2024 / 12 / 3 - 16:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الشرق الأوسط تاريخه هو تاريخ الحروب منذ مسماه الأول «المسألة الشرقية»، التي عرِف بها كنتاج لمسلسل الحروب بين الإمبراطوريتين الروسية أو العثمانية منذ القرن السادس عشر حتى مطلع القرن العشرين. حروب ما إن تهدأ هنا حتى تشتعل هناك في هذا المدى الجغرافي الذي يتشكل فيه، من شرق المتوسط إلى بحر قزوين غربًا، ومن شواطئ البحر الأسود شمالًا إلى بحر العرب جنوبًا. منطقة ملتهبة ومعقدة، ومتداخلة ديموغرافيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، مما أنتج عديد الأشكال من الحروب القومية والدينية والعرقية، انبعثت فيها ثلاث إمبراطوريات (الروسية، والفارسية، والعثمانية)، سادت حينًا من التاريخ؛ لكنها لم تختف، وإن تقلصت في مشهد الجغرافيا، وما زالت أرواحها الثلاثة تحلق فوق المنطقة، وتتمظهر في حالة إثبات حضور جديد يعبر عن نفسه بحروب جديدة هي الثلاثة نفسها أبطالها، وإن أخذ مسمى «المسألة الشرقية» في هذه اللحظة التاريخية اسمًا آخر، وهو «الشرق الأوسط».
واللافت أن ظلال هذا المشهد التاريخي ما زالت قائمة ونحن نعيش الربع الأول من القرن الـ21؛ فهل يمكن اعتبار الاحتكاكات المتجلية في الحالتين السورية والليبية، حيث يوجد الروسي والتركي على الأرض في تمظهره العسكري، غير أنها مثال قريب على ذلك؟ هنا أيضًا يمكن استحضار شواهد كلامية تخدم السياق نفسه، صدرت على أعلى مستوى ممن نعنيهم، أولها ما جاء على لسان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال خطاب له في يناير العام ،2009 معرفًا نفسه بأنه «ليس زعيم دولة عادية؛ بل زعيم أحفاد العثمانيين»، وذلك في رده على العدوان الإسرائيلي على غزة آنذاك. أما الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فقد ذكَّر في بداية غزو أوكرانيا بقيصر روسيا الخامس، بطرس الأكبر، الذي شن حربًا على السويد، لاقتطاع جزء منها فيما عرِف بـ«حرب الشمال»، معتبرًا أنها عملية استعادة أرض منها.. لم يكن يأخذ أي شيء، بل كان يستعيده منها، بينما اتهمه الغرب بأنه يحلم بإعادة مجد الإمبراطورية الروسية. وليس بعيدًا عن هذا الاستدلال اتهام إيران بأنها بتدخلاتها من أفغانستان إلى لبنان، مرورًا باليمن والعراق وسورية، تحاول بدورها استعادة مكانة الإمبراطورية الفارسية التي أنهى شاه إيران حياته باحتفال مشهود بالذكرى الـ2500 لولادة هذه الإمبراطورية.
أما الطارئ الجديد الذي فرض نفسه على هذه الحالة إن صح التعبير- فهو مكافأة بريطانيا لليهود بوعدهم بإقامة وطن لهم في المنطقة ضمن المتغيرات التي أنتجتها الحرب العالمية الثانية، وكانت فلسطين هي هذا الوطن تحت مسمى دولة «إسرائيل»، مما زاد تعقيد خارطة الجغرافيا والسياسة، وأدخلها في صراع أنتج بالضرورة أبرز الحروب التي عرفتها المنطقة منذ انتهاء الحربين العالميتين، ولم يكن آخرها ما يجرى الآن في غزة ولبنان، وينتقل في لمح البصر إلى سورية التي كانت العنصر المشترك في مسلسل الصراع الذي لا ينتهي في المنطقة إلا ليعود، وإن تبدلت أدواته، وتعددت عناوينه. وفي هذا السياق، فإن «المسألة الشرقية»، التي صار مسماها «الشرق الأوسط»، هي الآن تحت دفع المتغيرات التي تشهدها تتهيأ لمسمى جديد، وهو «الشرق الأوسط الجديد».
السؤال هو: إذا سلَّمنا بأن أطراف الصراع الكبار وفق الواقع الذي نعيشه –منذ منتصف الألفية الثانية على الأقل– لهم أجندات ومشاريع، ومن عوامل القوة والنمو ما يؤهلهم لخوضه، وإثبات حضورهم في هذه المتغيرات؛ بل هم عنصر مكون لها على مستوى التاريخ والجغرافيا وضمانات الصمود، بل التقدم إلى الأمام، فما حال هذه الدول الناطقة بالعربية الممتدة من المحيط إلى الخليج، كما تُنعت، وسط هذا الصراع؟ وما هو مصيرها؟ وماذا أعدت لمواجهة مستقبل موعود بمزيد الاحتكاك بين أطرافه، غير النوم على وسادة الماضي، وأحلام النصر المنزَّل من السماء؟ وهل ستنجو من رياح عواصف التغيير التي ينبئ مناخ المنطقة بقدومها، وإن توهمت أن الانحناء أمامها سينقذها من اقتلاعها؟
#بشير_زعبيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجريم المقاومة وتحييد العدو
-
طلال «السفير».. الرحيل الثاني
-
المنفيون الليبيون
-
هؤلاء الملوثون بجرثومة - القراءة الأمنية -
-
بيت كان باردا (قصة قصيرة )
-
الخفّاش (قصة قصيرة)
-
مثقفون.. ومثقفون !
-
الطابور ( قصة قصيرة)
-
قريبا من البحر ( قصص قصيرة )
-
ابتسامة أعرض (قصة قصيرة)
-
درس كاليغولا
-
هل لنا أن نحلم بغير هذا ؟!
-
لبنان المختصر في (لعبة) أو (ورقة) !
-
ماالذي ينتظر في الأفق هناك ?!
-
اختطاف مشاهد !!
-
اعلام يخاطب نفسه وآخر يسمع نفسه !
-
سيرة ذاتية للمفاوضات العربية الاسرائيلية !!
-
قصة قصيرة : الهاتف
-
السّلام الأخير
-
اللهمّ أرزق الصومال بنفط من عندك !!
المزيد.....
-
رئيس الوزراء الفرنسي يدعو النواب لـ-التحلي بالمسؤولية- وحكوم
...
-
سوريا.. مدى تهديد فصائل المعارضة وتحركاتها السريعة على بقاء
...
-
أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم يعاقب إسرائيل
-
هل فعلا يجب شرب 8 أكواب من الماء يوميا؟
-
نصائح لتعزيز منظومة المناعة في الشتاء
-
مصر ترفع اسم ابنة رجل أعمال شهير من قائمة الإرهاب
-
عيد البربارة: من هي القديسة التي -هربت مع بنات الحارة-؟
-
من تاباتشولا في المكسيك إلى الولايات المتحدة.. مهاجرون يبحثو
...
-
منطقة عازلة وتنازل عن الأراضي.. كيف يخطط ترامب لإنهاء الحرب
...
-
رغم العقوبات على موسكو.. الغاز الروسي مازال يتدفق على أوروبا
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|