أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - توفيق المديني - المصالحة الوطنية مفتاح حل المعضلات الجزائرية















المزيد.....

المصالحة الوطنية مفتاح حل المعضلات الجزائرية


توفيق المديني

الحوار المتمدن-العدد: 538 - 2003 / 7 / 9 - 04:20
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    



تناولت وسائل الإعلام العربية والعالمية موضوع إفراج السلطات الجزائرية في الثاني من تموز عن رئيس الجبهة الاسلامية للإنقاذ المحظورة الشيخ عباسي مدني، ونائبه الشيخ علي بلحاج بعد إنقضاء فترة عقوبة السجن 12 عاما، أصدرتها في حقهما المحكمة العسكرية بالبليدة في 16 تموز العام 1992 بتهمة <<التآمر المسلح ضد الدولة>>، بمزيد من الاهتمام نظرا لما يشكل هذا الحدث من تأثيرات راهنة ومستقبلية على المشهد السياسي الجزائري، الذي ما زال يعيش حالة من الاحتقان السياسي. وكان الشيخان قضيا عقوبتهما بالكامل، والإفراج عنهما لا يعدو أن يكون تطبيقا للقانون في المجتمعات الديموقراطية.
بعد هذا الإفراج عن القياديين الاسلاميين، يتساءل المحللون للشأن الداخلي الجزائري، هل ستشهد الجزائر فرصة للمصالحة الوطنية، أم إن علي بلحاج سيخرج.. الى الجبال؟
ما هو غير طبيعي في هذا الإفراج هو أن السلطات الجزائرية قررت حظر نشاط الشيخين الاجتماعي والسياسي، وكأنها لا ترغب في رؤية التغيرات التي حصلت في عقد التسعينات من القرن الماضي داخليا، وعربيا، ودوليا، واستخلاص الدروس منها. ففي فترة انتخابية كما الحال الآن في الجزائر يعتبر موقف بلحاج مؤثراً في التصويت الانتخابي، على الرغم من أن بعض المراقبين يرون أن جزائر 2003 هي غير جزائر 1990 التي كان فيها علي بلحاج يقود أكبر حركة إسلامية في العالم العربي. وإذا لم يسمح للشيخ علي بلحاج بممارسة حياته الاجتماعية والسياسية بشكل طبيعي، فهل يتسلل الى الجبل الذي ما زالت فيه بعض الجماعات الاسلامية.
قبل خروجه بأسبوعين من السجن، قال بلحاج لأهله الذين جاؤوا في زيارة: <<إنه لن يتوقف عن ممارسة النشاط السياسي مستقبلا، وأنه سيباشر عمله المشروع شرعا وسياسيا بعد خروجه من السجن مباشرة، وأنه غير خائف من شيء ولن توقفه عن ذلك أي قوة>>. وقال بلحاج لإبنه البكر <<إن مثل هذه الأمور لا تحتاج الى عاطفة وأنه غير خائف من إعادة محاكمته او وضعه تحت الاقامة الجبرية وهو لن يطلب العفو من أحد>>.
كان اعتقال الشيخين في 30 حزيران 1991، الشرارة الأولى التي دفعت بالاسلاميين الى حمل السلاح في وجه الدولة، الأمر الذي قاد الى الخراب الذي أنتجته التجربة الجزائرية ومأساتها اليومية من تفاقم الصراع الدموي الأهلي، والفتك الاعتباطي والجماعي، وقصف المدن، والمجازر البشعة. فالدولة الجزائرية بدلاً من أن تتمثل نهج الحوار السياسي الراديكالي والراديكالية السياسية الحقة، كإحدى وظائفها في حل الصراعات السياسية والمشكلات المستعصية في المجتمع الجزائري، وتحديد أفضل الأساليب لتحقيق الحوار السياسي مع الجبهة الاسلامية، باعتبارها القوة الرئيسية التي تمثل رقما صعبا في حالة التأزم والحل للمسألة الوطنية، وترجمة مصالح وتطلعات الشعب الجزائري الى أهداف محددة، بدلاً من كل ذلك قامت المؤسسة العسكرية بوساطة المساعدات الأميركية والفرنسية المباشرة بالاستيلاء على السلطة، واتخاذ الإجراءات التسلّطية للقضاء على الحريات الديموقراطية، وتصفية الانتخابات الديموقراطية النزيهة التي جرت في نهاية العام 1991، وبالتالي تصفية المؤسسات الدستورية والديموقراطية لتحقيق الأمن والاستقرار السياسي في الجزائر.
وعلى الرغم من أن المشهد السياسي الجزائري قطع شوطا لا بأس به في مجال ممارسة التعددية منذ الانتخابات الرئاسية الاخيرة التي جرت في العام 1999، والتي انسحب منها ستة مرشحين ليبقى الرئيس بوتفليقة وحيداً في حلبة <<المنافسة>>، ولغاية الانتخابات التشريعية التي جرت في 30 أيار 2002، إلا أن السلطات الجزائرية ما زالت تمارس سياسة الاستئصال لجهة شطب الجبهة الاسلامية للإنقاذ من الخريطة السياسية.
ويأتي تعامل السلطات الجزائرية مع الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج من خلال قائمة الممنوعات المفروضة عليهما، خاصة حرمانهما من حقوقهما المدنية والسياسية، ليزيد من تكريس سياسة العزل والاستئصال، وعدم التعامل مع ملف الجبهة الاسلامية للإنقاذ بطريقة سياسية.. وقد يكون مفهوما ان تحذر النيابة العسكرية الشيخين من اللجوء الى العنف او التحريض عليه او الدعوة الى ممارسة القوة لتغيير النظام السياسي، لأنهما يقعان في مثل هذه الحال تحت طائلة القانون. لكن ما هو قمعي ويدخل في باب مصادرة الحقوق هو إسقاط حقوقهما السياسية. فالشيخان لم يُدانا أصلاً بتهمة جنائية حتى تسقط عنهما حقوقهما السياسية كما لم يدانا بتهمة إراقة الدماء التي استثناها قانون الوئام المدني من العفو.
وإذا كان الشيخ علي بلحاج ذو الثقافة الدينية والفقهية الواسعة، والقدرة الرهيبة على مخاطبة الفئات الدنيا والمتوسطة من المجتمع، اكتسب شعبية واسعة، الا ان الخطب النارية والحماسية للشيخ بلحاج لم تعد تلهب حماس الجزائريين الآن بعد السنوات العجاف من الحرب الأهلية.
فلو شاركت الجبهة الاسلامية للإنقاذ في أي انتخابات حرة وديموقراطية ونزيهة مقبلة لن تحصد سوى 20 في المئة من أصوات الناخبين بحسب رأي المراقبين المحايدين، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن التيار الاسلامي ليس هو المهيمن في المجتمع، ولم يعد يشكل تهديدا حقيقيا على الديموقراطية وعلى الدولة الجزائرية. علما أن لدى مختلف مكونات الحركة الاسلامية الجزائرية قناعة كاملة بضرورة ممارسة اللعبة الديموقراطية، واحترام قواعدها، باستثناء الجماعات الاسلامية التي تمارس العنف ضد المجتمع.
ان خيار إشراك الحركة الاسلامية في اللعبة الديموقراطية طبّق في المغرب المجاور، والأردن، واليمن، تركيا، وأثبتت الحركة الاسلامية في هذه البلدان من خلاله نضجا سياسيا حقيقيا، إذ تقيدت بضوابط اللعبة الديموقراطية. فلماذا تكون الجبهة الاسلامية للانقاذ استثناء في ذلك، علما أن الجبهة تخلت عن خيار القوة كأسلوب لتغيير الحكم، وحلت الجيش الاسلامي للانقاذ منذ العام 1997، والتزمت بقانون الوئام المدني.
والحال هذه لكي تستهدف الجبهة الاسلامية حل المسألة الديموقراطية على أساس أنها الكل، وتنظر إليها في واقعها التاريخي، وفي مفهومها السياسي، عليها أن لا تستهدف مصلحتها الحزبية فقط، لان الخلل يكمن في وعيها لذاتها، وهذا مظهر من مظاهر الوعي، لأنها موضوعياً جزء من هذا الشعب الجزائري، ومن الأمة العربية. إن حلّ المسألة الديموقراطية الجزائرية في ظل تسيّد الدولة القطرية، وتبعيتها للغرب الامبريالي، وهشاشة المجتمع المدني وضمور المثقفين عن التسييس والتجذير للشعب وضآلة الجسم السياسي العربي، يتطلّب وضعها في إطارها السياسي والتاريخي، أي على قاعدة التعدّد والاختلاف والتعارض باعتبارها السند المنطقي والتاريخي للديمقراطية، إذا نظرنا الى الديمقراطية على أنها حق الآخر في الاختلاف وحريته، أولاً وأساساً.
والنظرة العقلانية السلمية تتطلب من الجبهة الاسلامية للإنقاذ أن تنظر الى المسألة الديموقراطية على أنها تعبير عن الكل الاجتماعي، وأن تقرّ، وتعترف، بواقع التعدد، والاختلاف، والتعارضات الاجتماعية الملازمة لها، ولا سيما الصراع الاجتماعي، والصراعات الثقافية، والسياسية التي تنمو في هذا الكل الاجتماعي، وكما من حق الاسلام السياسي، وحق الحركات الدينية في السياسة، فإن على الاسلاميين أن لا يقعوا في أخطاء غيرهم من التيارات الماركسية والقومية، حين يجعلون من حركتهم السياسية الجزء بدلاً من الكل، لأنهم بذلك يؤسسون لإعادة إنتاج الدولة التسلطية، التي تقود بالضرورة الى الاقتتال الاجتماعي، والحرب الأهلية.
ولا تكون المسألة الديموقراطية، ديموقراطية حقاً، إلا إذا كانت مقترنة بإجراء مصالحة وطنية فعلية لا تستثني أحدا من فرقاء الصراع السياسي، وكانت متجسدة في مفهوم المجتمع المدني الحديث. فهل تقبل السلطات الجزائرية الانخراط في خيار الديموقراطية التي تعبر عن سيادة الشعب أولا، ومحصلة ضرورية أي منطقية لتعزيز حرية الفرد وحقوق الانسان والمواطن، والمؤسسات الدستورية لا سيما الجمعية التأسيسية والبرلمان، وفصل السلطات، واستقلال القضاء، والحد من هيمنة الدولة على المجتمع المدني، لا سيما في وظيفته الاقتصادية، وتحويل الدولة تدريجياً الى الديمقراطية ثانياً؟
المسألة الديموقراطية بهذه الصفات هي التي تعبر عن المصالحة الوطنية، وتسدّ الطريق أمام تجدّد ممارسة الارهاب في الجزائر من جانب الجماعات المتطرفة وتجنّد الجميع لملاحقتها بعدما تكون فقدت مشروعيتها أمام المجتمع، وتؤمن الانتقال والتداول السلمي للسلطة، وتصون حرية الفرد والأقليات والأحزاب المعارضة المعبرة عنها، وتجعل الاستبداد مستحيلا وما عدا ذلك فإن إخفاقات نماذج الدول العربية التي مارست سياسة استئصالية ضد الحركة الاسلامية كبيرة لمن يريد أن يستخلص الدروس السياسية الواقعية، في الوقت الذي أصبحت فيه أقسام كبيرة من الحركة الاسلامية تتبنى نهج الحرية والديموقراطية.
() كاتب جزائري.

 
©2003 جريدة السفير


 

 



#توفيق_المديني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزب العمال الشيوعي التونسي
- منظمات اليسار الجديد في تونس


المزيد.....




- رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق ...
- محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا ...
- ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة، ...
- الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا ...
- قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك ...
- روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
- بيع لحوم الحمير في ليبيا
- توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب ...
- بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
- هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - توفيق المديني - المصالحة الوطنية مفتاح حل المعضلات الجزائرية