|
زُرتُها بعد سنين و استشعرتُ خيبة المُرْتَشِين!
كريمة مكي
الحوار المتمدن-العدد: 8180 - 2024 / 12 / 3 - 15:48
المحور:
الفساد الإداري والمالي
هذا المساء و أنا أغسل المواعين، أنظر ليدي فأرى آثار الحبر الانتخابي لا يزال باديا ببعض الخطوط الرقيقة على ظفر سبّابتي اليسرى. أبعد مرور شهرين على الانتخابات يظل هذا الحبر هنا؟؟؟ و لماذا ، يا ترى، لفت نظري الآن بالذات؟ ربّما ليُذكرني بأني لم أندم على انتخابي لهذا الرجل الذي رأيتُ فيه أمل تونس في القضاء على الفساد بأنواعه و خاصة الفساد الأخلاقي الذي هو أساس كلّ فساد. كيف أندم و أنا أرى أعضاء الحكومة و الولاّة في جهاتهم يخطون على خطى الرئيس فينتشرون في الإدارات و الضيعات و المستشفيات يسألون و يُساءلون ثم يحيلون الملفات العالقة للمحاسبة الإدارية و إن لزم الأمر للقضاء. كأنني اطمأننت لهذه الحكومة الجديدة التي بدأت في القطع مع الحكومات النائمة منذ 25/07/2021 التي لم يفهم أعضاؤها و لا رؤساؤها كُنْهَ الانقلاب الحقيقي الذي جاء به إعلان 25 جويلية 2021 ليجدد العهد مع الثورة الحقيقية التي حلمنا بها في زمن ʺبن عليʺ و أطاح بها بعد رحيل ʺبن عليʺ أولئك الثوّار المزيفون و الوطنيون المزيفون و المتديّنون المزيفون. و لكأنّه زاد اطمئناني أكثر مع هؤلاء العاملين في الدولة يوم الخميس الماضي عندما ذهبت لمركز الفحص الفني للسيارات... فكان أن عدت للبيت في غاية الاطمئنان على حال الإدارة إن استمر معنا هكذا الحال. ذهبت قبل ذلك بيوم إلى مركز عمومي للانترنات لأدفع المبلغ المطلوب لفحص سيارتي و أختار الموعد حسب ظروفي و حسب الأماكن الشاغرة في أي مركز للفحص بكامل الجمهورية. شجعتني البنت التي اقتطعت لي وصل الخلاص على اختيار مركز الفحص بالسيجومي، و رغم أني لم أكن أعرف مكانه بالضبط إلا أني وافقت لكي لا أعيد تلك التجربة السيئة التي كانت لي منذ سنوات مع مركز ʺاريانة البكريʺ. قبل الموعد قصدت المكان معتمدة على ما وصفته البنت لي إلا أني ضعت في الطريق و كان طويل و أنا وحدي و لا ʺقوقل مابʺ معي!! و مع ذلك وفقني الله و وصلت قبل الموعد بربع ساعة بعد أن سألت كثيرا من العابرين و ضيّعت وقتا و بنزين. حين وصلت للمركز المقصود ظننت نفسي في إدارة من إدارات جينيف أو برلين! الممرات غير مزدحمة كما عهدتها قبل سنوات بل فيها عدد سيارات جدا قليل لأن الحضور صار مضبوطا و فقط بالمواعيد. اخترت على ذوقي الممر رقم 3 و حين اخذ مني العون الوصل، قال لي انظري للمكتوب على الوصل انك مسجلة على الممر رقم 4، فاعتذرت له لأني لم أتعود على مثل هذه الدقة الالكترونية في التعامل مع الإدارة التونسية. جاء العون الأول في الممر 4 فأجرى للسيارة اختبار أول ثم طلب مني أن أتقدم بالسيارة إلى الفحص الموالي فلم يأخذ الأمر أكثر من دقيقة سلمني على إثره العون الثاني ورقة و طلب مني أن اذهب إلى ʺالقيشيʺ : شباك الحصول على بطاقة الفحص. ظننت الأمر انتهى خاصة و أن سيارتي الصغيرة لم يحدث بها أي عطب من قبل و هذا أول فحص فني لها. في الشباك كانت المفاجأة...قال لي العون: عليك بإصلاح هذا العطب في ظرف 48ساعة و إلا ستضطرين لدفع معلوم الفحص من جديد. ماذا كان العطب؟ كان أنبوب إضاءة لوحة الترقيم الخلفية. كان أنبوب جد صغير و لكنه مهم لقراءة رقم السيارة ليلاً. خرجت و أنا أنوي الرجوع في الغد غير أني وجدت بالقرب محلا للصيانة فقام العامل هناك بتركيب أنبوب إضاءة جديد و عدت لمركز الفحص في حينها ليتم التأكد من إصلاح العطب. بعد ذلك طلب مني العون أن أحمل الورقة إلى مدير المركز للتأشير عليها. عندما دخلت المكتب أنا و مواطنة أخرى، بقينا ننتظر قليلا. كان المدير الجهوي للنقل مثلما قرأت صفته على البطاقة التي يحملها في عنقه، يقف على رأس المدير الجالس و يُدقق معه في الأوراق. استأذنه مدير المركز ليؤشر لنا على المحاضر. أخذناها و تركنا المسؤول يدقق مع منظوره في الملفات التي أمامه بكل رقي و تحضر و بلا زمجرة و لا صراخ. لماذا، يا ترى، عدت لبيتي في غاية الاطمئنان على البلاد رغم ما نالني يومها من الإجهاد؟ لأنني تذكرت آخر مرة ذهبت فيها للفحص الفني لسيارتي السابقة في مركز اريانة و صادف أن كانت يومها تجري أحداث عملية المنيهلة الشهيرة و التي قتل فيها ارهابيين. يومها كانت الطريق ملغمة بالأمن بكل تشكيلاته و كانت الهليكوبتر تحوم فوق رؤوسنا و لا احد من السائقين مثلي يفهم ما القصة فقد كانت كما قيل من بعد عملية أمنية سرية. لا إعلام للمواطنين و لا تنبيه مسبق للسائقين بعدم المرور بتلك المنطقة في ظل القيام بعملية بذلك الحجم!
لا لوم الآن... فكذلك كانت تعمل إدارة الداخلية في زمن الهرج و المرج: زمن حكم النهضة و النداء و من والاهما من أكثر من مائة حزب و حزب في تونس الديمقراطية!! يومها وصلت لمركز الفحص متأخرة و كنت خرجتُ من بيتي باكرا لأصل هناك باكرا فالصف دائما طويل لأنه لم يكن هناك –وقتها- موعد و لا ميعاد مع المنظومة الرقمية. كان كل شيء يخضع لهوى الأعوان و طمع النفوس التي لا تشبع. لقد رأيت يومها مسؤولا بذلك المركز متجها إلى الجهة الخلفية للمركز صائحا مزمجرا في وجه صاحب سيارة مرسيدس قديمة و الأخير يتبعه و يترجّاه ليُنهي له الأمر لأنه قام بالإصلاحات اللازمة و سيسافر بها يومها إلى مدينة القيروان. قال أحد المواطنين الواقف بجانبي لمرافقه: لقد أخذه بعيدا عن زاوية الكاميرا ليبدأ معه التفاوض!! كانت مراكز الفحص الفني بؤرة فساد كبيرة يعلمها كل المتعاملين معها أما البقية فكانوا فقط يرون آثار الفساد تتجول في الطرقات بلا أضواء و بفرامل مهترئة و بدخان يطاول السماء و ينفث السموم في الأنوف و الصدور و في كامل الأرجاء. كل ذلك لأن ثمن إصلاح العربات المهترئة ذهب في جيوب المستكرشين. لكم أتخيل خيبتهم اليوم و هم مجبرين على الاكتفاء برواتبهم بدون أن يمدوا أيديهم بتلك الطرق المهينة لمواطن يحتاج فقط لإدارة تحترمه و تطبق عليه القانون لا أن تمارس عليه فنون الاحتيال. تحتاج إدارتنا لوقت أطول لتتعافى من كثير من الأدواء... اليوم الأعوان خائفين بعد ما رأوا من محاسبة مسؤولين من كل المراتب بسبب التراخي، بسبب الرشوة، بسبب سرقة المال العام... أما بعد قليل فسيكون الإصلاح الحقيقي للإدارة عندما يتم العمل على تهذيب النفوس و إعادة تربية العقول على مبادئ المحافظة على المال العام و القناعة بالمرتب المستحق: المرتب الحلال. و أَعِدُهُمْ: سيجدون، بإذن الله، في الحلال لذّة و راحة و بركة لم يعرفوها قط و هم يتهافتون فقط و فقط على جمع المال. كأني استرسلت كثيرا و لم أحدثكم عن نصيبي يومها من سوء خلق أولئك الأعوان! لا داعي الآن فالآن ليس و قت تقريع و لا ملام... فكلنا، شئنا أم أبينا، خطاءون و إن بدرجات. الآن نحتاج لمسامحة بعضنا عمّا أتيناه في حقّ بعضنا و بخاصة في حق تونس زينة البلدان. الآن وقت إصلاح ما فسد من أخلاقنا... الآن وقت التخلي عن عنادنا... الآن حان وقت البناء.
#كريمة_مكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حبر الأُم... و مشيئة القلم!!
-
كنت سأكون...*و انتظرتُ يوم يعزله الرئيس*!!
-
كنت سأكون...*لعنة المطبخ أم لعنة المنصب الجديد*!!
-
كنت سأكون... *عندما قال: لسن إلاّ ʺكمشة عاهراتʺ*(ح
...
-
كنتُ سأكون...*محمود لا يخون*(ح3)
-
كنت سأكون زوجة للدكتاتور(ح2)
-
كنتُ سأكون زوجةً للدّكتاتور(ح1)
-
عن الحكيم الذي رفض رئاسة دولتهم!!
-
إلى أبهى الثوّار... إلى يحي السنوار:
-
لماذا يحبّون الحرب و يحاربون دين الحبّ؟؟؟
-
قبل أن تولد القسوة...في البدء كان، في القلب، الحنان!
-
ذَهَبَ ʺنزارʺ يَا بيروت... فَمَنْ غَيْرُ ʺنزا
...
-
إلى ʺالحداثيينʺ المحتارين في تونس:هذا كلامي بعد ال
...
-
و مازال الشّق المحتار يبحث في ʺالحداثيينʺ عن زعيم!
...
-
تونس مُهندسة العالم و مُداوية جراحه...
-
لهذا الرّجل، الذي سمع وعدُ قلمي في عام الدّم، أُعْطِي صوتي.
-
كيف حال الشِّعر بعدي؟
-
ليبيا الحائرة بنفطها ما بين شرقها و غربها!
-
و ما بعد حرب الشك إلاّ راحة اليقين!
-
إلى شعبي المُحْتَارْ: هذا كلامي بعد الانتخابات!
المزيد.....
-
رئيس الوزراء الفرنسي يدعو النواب لـ-التحلي بالمسؤولية- وحكوم
...
-
سوريا.. مدى تهديد فصائل المعارضة وتحركاتها السريعة على بقاء
...
-
أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم يعاقب إسرائيل
-
هل فعلا يجب شرب 8 أكواب من الماء يوميا؟
-
نصائح لتعزيز منظومة المناعة في الشتاء
-
مصر ترفع اسم ابنة رجل أعمال شهير من قائمة الإرهاب
-
عيد البربارة: من هي القديسة التي -هربت مع بنات الحارة-؟
-
من تاباتشولا في المكسيك إلى الولايات المتحدة.. مهاجرون يبحثو
...
-
منطقة عازلة وتنازل عن الأراضي.. كيف يخطط ترامب لإنهاء الحرب
...
-
رغم العقوبات على موسكو.. الغاز الروسي مازال يتدفق على أوروبا
...
المزيد.....
-
The Political Economy of Corruption in Iran
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|