أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - قوافل العودة إلى عفرين: حين يصبح الحنين إلى- المنزل الأول- مأساة














المزيد.....

قوافل العودة إلى عفرين: حين يصبح الحنين إلى- المنزل الأول- مأساة


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8180 - 2024 / 12 / 3 - 02:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقطات من المسافة صفر:
يقف عند باب منزله في الشيخ مقصود، ذات صباح أسود، وهو يحدق في الجدران التي شهدت تفاصيل حياته. على هذا الحائط علّق صورة عائلته الصغيرة، وعلى ذاك الركن كانت أول خطوات طفله. كل شيء هنا يروي حكاية وجوده، لكن اللحظة الآن تعني الفقد. جمع بضع" حاجيات" في حقيبة مهترئة، نظراته ممتلئة بالحزن، وكأنها تقول وداعًا ليس فقط للمكان، بل لجزء من روحه أيضًا.
في الضباح ذاته:
أطفأ صاحب دكان البقالة الصغير قرب زاوية الحي أنواره للمرة الأخيرة. الرفوف الخاوية بدت كمرآة تعكس خواء المستقبل. لم يكن يعرف إن كان سيعود يومًا ليعيد ترتيبها، أم أن كل ما تركه هنا سيظل شاهدًا صامتًا على حياة أصبحت من الماضي.

وقف الطفل أمام بوابة مدرسته التي كانت شاهدة على أحلامه الصغيرة. حجارها الرمادية بدت وكأنها تحتضن ذكريات لعبه مع أصدقائه، وضحكاته التي كانت تملأ الساحة. اليوم، يضع حقيبته جانبًا ويودّع المكان بدموع لم يستطع إخفاءها، متسائلًا إذا ما كان سيعود يومًا ليكمل دراسته أم أن المستقبل سيأخذه بعيدًا عن حلمه البسيط.

وقف الشاب عند الزاوية التي طالما التقى عندها حبيبته. الباب الخشبي البني، الذي كان يومًا شاهدًا على وعود الحب والأمل، بدا اليوم غريبًا عنه. لم يطرق الباب هذه المرة، بل نظر إليه طويلًا وكأنه يحفر صورته في ذاكرته، ثم استدار لينضم إلى قافلة المغادرين، يحمل في قلبه عبء الحب والفقد.
في ركن صغير من المنزل، جلست الأم تتأمل المطبخ الذي شهد سنوات من حياتها. هنا كانت تطبخ لأطفالها، وهنا رسمت الأحلام الصغيرة على رائحة الخبز الدافئ. جمعت أوانيها البسيطة في صندوق، وكل حركة بدت وكأنها انتزاع لجزء من روحها. خرجت مع عائلتها، تاركة وراءها مكانًا لن يعود كما كان.

وقف الشيخ عند شجرة زيتون قديمة في حديقته الصغيرة. يداه المرتعشتان لامستا جذع الشجرة التي زرعها بيديه منذ عقود. كانت الشجرة شاهدًا على كل مراحل حياته. في لحظة وداعه، أحس وكأنه يقطع صلة قديمة بأرضٍ أعطته الحياة، لكنها الآن تسرق منه.

في زاوية الورشة المظلمة، جلس العامل ينظر إلى أدواته القديمة التي كانت مصدر رزقه. المطرقة والمسامير وكل شيء آخر بدا كأنه يقول له: "لا تتركني". جمع بضع أدوات في حقيبته وودّع المكان. خرج، لكن قلبه ظل معلقًا في ورشةٍ كانت شاهدة على كفاحه الطويل.

على شرفة منزلها في الأشرفية، وقفت الفتاة تنظر إلى نافذتها الصغيرة التي تطل على الحي. هنا كانت تكتب أحلامها في دفترها الصغير، وهنا رسمت العالم كما تريده. أغلقت النافذة بحذر، وكأنها تودع كل تلك الأحلام التي ستبقى عالقة في المكان.
في ركن منزله المتواضع، جلس الجد يتأمل سجادة الصلاة التي رافقته طوال حياته. ببطء شديد، طواها ووضعها في حقيبته، وكأنها آخر ما يمكنه حمله من ذكرياته. همس بصوت خافت: "يا رب، احفظنا حيثما نذهب.
تلك نماذج لبعض من أهلنا الذين أخرجوا من حلب مضطرين مكرهين يبحثون عن مأوى جديد لاسيما من ضاقت بهم الأرض ولا مآوي لهم غير بيوتهم التي طردوا منها!



رحلة نحو المجهول
قوافل العائدين إلى عفرين تنطلق بصمت ثقيل يشبه جنازة جماعية. من تل رفعت والشيخ مقصود والأشرفية، تخرج السيارات المهترئة، محملة بما تبقى من الأرواح والأحلام المحطمة. البعض سار على الأقدام، متحديًا البرد القارس، وبعضهم الآخر دفع آخر ما يملك ليستأجر مركبة بالكاد تعمل. الأطفال يلتفون حول أمهاتهم، يرتجفون من الصقيع، بينما الشيوخ يتكئون على عصيهم، غير متأكدين إن كانوا سيصلون أحياء.
وجوه العائدين تحمل الحيرة والخوف. يتساءلون عمّا ينتظرهم في مدينتهم المحتلة. منهم من يعلم أن بيوتهم قد أصبحت مأهولة بمستوطنين دخلاء أغراباً، جلبوا في إطار سياسة تغيير ديمغرافي مدروسة. آخرون لا يملكون أي توقع سوى أن حياتهم ستبدأ من الصفر، وسط دمار وشتاء لا يرحم.
اغتيال أحمد حسو: صورة المأساة
وسط إحدى هذه القوافل، سقط المواطن الكردي أحمد حسو شهيدًا برصاص أحد مسلحي الفصائل المرتزقة، الذين ينفذون أوامر تركيا بلا هوادة. أحمد لم يكن مجرد ضحية أخرى، بل رمزًا لجريمة مستمرة تستهدف شعبًا بأكمله. اغتياله كان رسالة واضحة: حتى العائدون إلى بيوتهم ليسوا في مأمن.
الوصول إلى عفرين: خيبة الأمل الكبرى!؟
عندما تصل هذه القوافل إلى عفرين، تكون الصدمة أكبر من المتوقع. بيوت كثيرة أصبحت مستباحة، يسكنها غرباء لا تربطهم بالمكان أي جذور. مستوطنون ينظرون للعائدين بعين الحقد، وكأنهم دخلاء على أرضهم. بعض العائدين يضطرون للنوم في العراء، غير قادرين على شراء خيمة تحميهم من البرد.
في المخيمات المؤقتة، الأطفال يلعبون على التراب، يحاولون استنشاق فرحٍ بسيط وسط البؤس. أما الكبار، فيجمعون حطبًا لإشعال نيران صغيرة تبقيهم على قيد الحياة. المشهد بأسره يعكس ألمًا عميقًا: أناس يعودون إلى مدينتهم، لكنهم يجدونها غريبة عنهم، موحشة وكأنها ترفضهم.
إن عودة أبناء عفرين ليست فقط انتقالًا جسديًا، بل هي مواجهة مع ماضٍ لم ينتهِ وحاضرٍ يرفض أن يمنحهم الاستقرار. إنها محاولة للتمسك بما تبقى من الهوية رغم محاولات محوها. لكن هذه العودة، بدلًا من أن تكون بداية جديدة، تبدو وكأنها فصل جديد من المعاناة.
وهكذا فإن قوافل العودة إلى عفرين ليست نهاية للمأساة، بل فصل مستمر في حكاية الألم. إنها شهادة على قوة إرادة شعب يُصر على البقاء رغم كل الظروف. وبرغم كل الألم، تبقى عفرين بالنسبة لهم أرضًا تستحق التضحية، وبيتًا مهما كان بعيدًا.
المصادر:
متابعات بأشكال كثيرة من المسافة صفر فحسب!



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصطلح الثورة في ترجمات القتلة وأشباههم!
- الكرد وحق الاستقلال و مواجهة مخططات الإبادة
- سوريا على مفترق طرق.. من أطلق النصرة من قمقمها؟
- عابرون في مهمة عابرة.. في منفذي المخطط
- سوريالية المشهد السوري: بين لعبة المصالح وتفكيك الجغرافيا
- انتفاضة نساء- كاخري-
- ضابط المخابرات منيرالحريري: ستوب...!
- الحرب الإلكترونية الأولى في دهاليز الإنترنت!
- الأدب الكردي المكتوب بالعربية3
- الروائي المصري أحمد طايل يحاور إبراهيم اليوسف1
- سليمان كرو إعلامي الإرادة الفولاذية!
- عين الحياة: في رثاء الجارة الطيبة!
- صفحات مطوية من انتفاضة الثاني عشر من آذار الكردية 2004- : من ...
- صفحات مطوية من انتفاضة الثاني عشر من آذار (1-3).. إلى إبراهي ...
- سبع عشرة سنة من الحفاظ على إحدى أهم المدونات الإلكترونية الك ...
- الإعلام ما بعد الحداثي بين دورين متناقضين.. وسائل تواصل أم و ...
- مؤسسات المجتمع المدني في دورها الكبير: الاتحاد العام للكتاب ...
- فرهاد محمد علي صبري تسع عشرة سنة على الشهادة البطولية! إلى أ ...
- جنديرس تناشد: ماالذي يمكن فعله؟
- إيزيديو عفرين تحت ظل الاحتلال التركي.. جينوسايد وديانة مهددة ...


المزيد.....




- تهديدات ترامب الجمركية.. ماذا يقول عنها الخبراء؟
- بوتين وبزشكيان.. الدعم غير المشروط للأسد
- الدفاع الروسية: تدريب أكثر من 300 ألف عسكري متعاقد للمشاركة ...
- ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يستقبل ماكرون في الرياض
- غضب مصري من تهديد ترامب بإشعال الشرق الأوسط وإغراقه في -الج ...
- المحقق الخاص ينفي مزاعم تعرض هانتر بايدن لمحاكمة انتقائية
- بن سلمان وماكرون يشهدان توقيع مذكرة تشكيل مجلس الشراكة الاست ...
- تحركات دولية وإقليمية بشأن سوريا ودعوات لوقف التصعيد
- تهديدات ترامب بالرسوم الجمركية.. ماذا يقول عنها الخبراء؟
- ترامب يوجه تحذيرا بشأن عدم إطلاق سراح الرهائن من غزة قبل تنص ...


المزيد.....

- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - قوافل العودة إلى عفرين: حين يصبح الحنين إلى- المنزل الأول- مأساة