داود سليمان ملحم
الحوار المتمدن-العدد: 8180 - 2024 / 12 / 3 - 00:10
المحور:
حقوق الانسان
في مخيم ناءٍ شمال العراق، حيث الخيام المتهالكة تتحدى الريح والبرد، كانت تعيش ژيان، فتاة إيزيدية في الثالثة عشرة من عمرها. كان اسمها يعني “الحياة”، لكن الحياة في المخيم لم تكن سوى انعكاس للمعاناة والقسوة في زاوية صغيرة من المخيم، كانت ژيان، فتاة في الثالثة عشر من عمرها، تقضي أيامها بين خيمة قديمة مهترئة وقفص للدجاج صنعه والدها من بقايا الأسلاك المعدنية. تحمل في طياتها أملًا كاد يتلاشى وسط الظروف القاسية.
كانت ژيان تُحب تربية الدجاج. ترى في رعايتهم نوعًا من الهروب من قسوة الواقع. كانوا مصدر قوت العائلة، ومصدرًا صغيرًا للفرح وسط عالمها الرمادي. كل صباح، كانت تستيقظ قبل الجميع، تحمل حبات الذرة بيدها النحيلة وتلقيها برفق أمام الدجاج، تراقبهم وهم يلتقطون الحبوب بنهم.
رغم حياتها البسيطة، كانت ژيان تحلم. كانت تقول لوالدتها:
“يومًا ما سأبني مزرعة كبيرة… لن نحتاج بعدها إلى المخيم، ولن أخاف من الريح التي تهدد خيمتنا كل ليلة.”
لكن المخيم لا يعرف الرحمة، ولا يعترف بالأحلام.
ذات ليلة شديدة البرودة، حيث كانت الكهرباء تنقطع باستمرار، كانت العائلة قد أشعلت المدفأة داخل الخيمة لتحتمي من قسوة الشتاء. ژيان، كعادتها، كانت تسهر بجانب قفص الدجاج، تطمئن عليهم قبل أن تنام. فجأة، انطلقت شرارة صغيرة من سلك كهربائي عارٍ بجانب المدفأة، ولم تمضِ سوى لحظات حتى اشتعلت الخيمة بالكامل.
صراخ، فوضى، وألسنة نار تتسابق لابتلاع كل شيء. هرع الجيران لإنقاذ العائلة، لكن ژيان كانت عالقة داخل الخيمة، تحاول فتح قفص الدجاج الذي كان يعوق طريقها للخروج.
سمعت والدتها صرختها الأخيرة:
“لا تتركوني… لا تتركوا دجاجاتي!”
لكن النار كانت أسرع من أي محاولة إنقاذ.
في الصباح، بقيت رائحة الحريق تخنق المكان، وخلفت النار رمادًا وألمًا. دفنت ژيان مع أحلامها التي لم تكتمل، لكن دجاجاتها - التي نجحت في إنقاذها - ظلت حية، تتجول في بقايا المخيم كأنها تبحث عن صاحبتها.
كان الجميع يقولون:
“حتى وهي تحترق، كانت تفكر في حماية الحياة… كانت تفكر في دجاجاتها.”
ژيان، التي حملت اسم الحياة، أصبحت رمزًا للألم، للحب البسيط، وللأحلام التي أُطفِئت في مهدها.
#داود_سليمان_ملحم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟