منذر علي
الحوار المتمدن-العدد: 8179 - 2024 / 12 / 2 - 21:11
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يتطلب صمود أي دولة أمام الاختراق والعدوان الخارجي توافر قوة عسكرية وسياسية واقتصادية متينة، بالإضافة إلى قيادة سياسية كاريزمية واعية، ومؤسسات راسخة، ودعم خارجي موثوق. كما يتعين على الدولة داخليًا أن تكون قادرة على استيعاب التنوع الاجتماعي، وتطبيق القانون، وتحقيق قدر من العدالة، وتوفير مقومات العيش الكريم للمواطنين، مما يسهم في خلق حالة من الرضا في المجتمع تجاه النظام القائم.
في حالة الدولة السورية، كما هو الحال في العديد من الدول العربية، لم تكن الأمور تسير على ما يرام. إذا نظرنا إلى الجوانب الإيجابية، يمكننا أن نلاحظ أن سوريا كانت تتمتع بدعم خارجي موثوق، يتمثل في إيران وروسيا. وقبل عام 2011، شهدت سوريا نهضة زراعية ملحوظة، حيث حققت اكتفاءً ذاتيًا في الإنتاج الزراعي، وتطورت صناعاتها، وتوفر تعليم جيد، بالإضافة إلى تعريب العلوم الطبية والجيوفيزيائية وغيرها. كما كان هناك فن تشكيلي راقٍ، ودراما رائدة، وخدمات صحية ممتازة، فضلًا عن انفتاح اجتماعي ومستوى مقبول من الحياة المعيشية.
ومع ذلك، من الجانب السلبي، كانت سوريا تعاني من الفساد والقمع والطائفية، مثل العديد من الدول العربية، ولم تتمكن من استيعاب مكوناتها الاجتماعية الداخلية بشكل فعّال. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار هذه العوامل هي الأسباب الجوهرية وراء ما يجري في سوريَا اليوم.
إن السبب الجوهري وراء الأحداث الحالية يكمن في رفض سوريا للتطبيع مع إسرائيل، ودعمها لحزب الله والمقاومة الفلسطينية واللبنانية، بالإضافة إلى دعمها للمقاومة العراقية خلال العدوان الأنجلو-أمريكي على العراق، وعلاقاتها الوثيقة بإيران. ثم أن ضعف حلفاء سوريا الموثوقين في الخارج، مثل إيران وروسيا، نتيجة للحصار المفروض على إيران، وانشغال روسيا بمواجهة حلف الناتو في أوكرانيا، قد ساهم في تفاقم الوضع في سوريَا.
في المقابل، لا يمكننا تجاهل العوامل الخارجية، المتمثلة في قوة الأطراف المناوئة لسوريا، وحجم المؤامرة ضدها، واحتلال أجزء من الأراضي السورية، و تصميم المتآمرين على تقويض الدولة السورية. تشمل هذه الأطراف الأتراك والإسرائيليين والأمريكيين والبريطانيين، الذين قدموا دعمًا واسعًا للمعارضة السورية المتطرفة، واختاروا اللحظة التاريخية المناسبة بعد الحرب على المقاومة اللبنانية لشن هجماتهم المباغتة على الدولة السورية، مما زاد من تعقيد المشهد.
إن فهم هذه الديناميكيات يعد أمرًا ضروريًا لتقدير التحديات التي تواجهها سوريا، ولتسليط الضوء على أهمية تعزيز الوحدة الداخلية والقدرة على مواجهة الضغوط الخارجية. يتطلب ذلك توثيق علاقات سوريا بالدول العربية، ولا سيما مصر والجزائر وتونس، وكذلك بالدول غير العربية مثل الصين وجنوب أفريقيا والبرازيل وتشيلي وكولومبيا وكوبا وكوريا الشِّمالية وماليزيا وإندونيسيا وفنزويلا، وذلك لدرء الأخطار الداخلية والخارجية المحدقة بالدولة السورية في الظرف الراهن.
#منذر_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟