|
هل تُبالي حكومة حماس بحياة الفلسطينيين؟
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8179 - 2024 / 12 / 2 - 18:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد خلع جنود حماس بزاتهم العسكرية حتى لا يعرفهم الجنود الإسرائيليون ويصطادونهم ويصفونهم من بين المدنيين الفلسطينيين. وكان لذلك نتائج مهلكة على هؤلاء المدنيين. ذريعة الإسرائيليين هي أن الخطر يأتيهم من أشخاص مدنيين، يرتدون ملابس مدنية، بحيث يتعثر عليهم تمييز المقاتل الحمساوي من المدني الفلسطيني. وهو ما قد يُسَّكن ضمائرهم حين يقتلون كل من يتحرك أمامهم، بحجة أنه قد يشكل خطراً محتملاً. وحين يغيب الرادع من قوة وازنة على الأرض أو قواعد اشتباك تضمنها قوى إقليمية ودولية وازنة، تتحول العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة من عملية تطهير الأرض من العناصر المسلحة إلى حرق الأرض بالمدنيين والعسكريين لعدم تمكنهم من تمييز الآخرين من الأولين. وإلى حد ما، هذا هو الواقع الفلسطيني الراهن. لماذا يرتدي جنود حماس ملابس مدنية ويختبئون وسط المدنيين؟ ألا يعرفون أن في ذلك خطر محتمل- وأصبح مؤكد منذ بداية الحرب- على حياة أبناء شعبهم المدنيين؟
بالطبع هم يعرفون ذلك جيداً. لكن تركيزهم واهتمامهم منصب على شيء، من وجهة نظرهم، أكبر وأهم من ذلك بكثير: صمود المقاومة. وهذا يستلزم الحفاظ على حياة المقاتلين واستمرار المقاومة بأي ثمن، حتى لو كان الثمن فادحاً ببشاعة من أرواح أبناء شعبهم المدنيين. وهل تساوي المقاومة واستمراريتها كل هذا الثمن الفاحش من أرواح المقاومين والمدنيين؟ بالتأكيد، تستحق. بل تستحق حتى أكثر من ذلك بكثير، إلى حد فدائها بروح ودم آخر رجل من المقاومة وحتى من المدنيين الفلسطينيين. ليس ذلك فحسب، بل أيضاً بروح ودم آخر رجل عربي ومسلم تسري في عروقه غيرة صادقة على الدين عبر كامل المنطقة والعالم، أو هكذا يتصورون في أنفسهم على الأقل. لماذا تساوي المقاومة كل هذا الثمن الفاحش، لدرجة تجعل الحياة في كفة والمقاومة في الكفة الأخرى، ولابد وحتماً أن ترجح كفة المقاومة حتى لو كان الثمن تقديم كل الأرواح ونحر كل الجثامين قرابين في محرابها؟!
لأنك لو فهمت، سيردون عليك، لعلمت أن في المقاومة حياة، أنبل وأكرم حياة. المقاومة هي التي سترد لك أرضك لكي تحيا عليها حياة كريمة بدل حياة الذل تحت الاحتلال. هذه بلدنا كنا نحيا فيها أعزاء وكراماً ثم أخذها العدو والأغراب منا. لابد أن نأخذها ثانية. لهذا السبب نقاوم، ولهذا السبب تتبوأ المقاومة هذه المكانة المقدسة لدينا، لأنها هي التي ستعيد لنا أرضنا وحياتنا. أرجو أن تكون قد فهمت أخيراً.
أفهم أن الحياة أغلى ما في الوجود؛ وأن الحياة تأتي من الأرض التي منها يستمد الإنسان مقومات العيش الكريم. لكني، مع ذلك، أجد صعوبة في فهم السبب الذي يجعلك تضع أرضك وحياة قومك حطباً في نيران حرب أنت نفسك الذي أشعل فتيلها. صحيح، كانت حياتك تعيسة وذليلة، أرضك مسلوبة وضيقة، لكنك – بمقاومتك- جعلت حياتك أكثر تعاسة وذلاً، وأرضك المسلوبة الضيقة أصبحت عدم وخراب. هل- بمقاومتك- وسعت أرضك وحفظت حياة أبناء قومك المسؤولين منك قبل أي جهة أخرى في الوجود؟! ما أراه، ويحدث فعلاً ويومياً، هو أنك تفقد المزيد من أرضك إلى العدم والخراب، والمزيد من أرواح شعبك. أهذه المقاومة؟! أهذه الأرض والحياة التي تُعمرها؟!
علاوة على مدنييك الذين تختبئ في زيهم، أنت في الواقع لا تملك أي نقطة قوة حقيقية سوى مجموعة أشخاص مدنيين اختطفتهم وتساوم وتبتز بهم الصديق قبل العدو حتى تسلمهم أحياء. تريد الثمن نظير إطلاق سراحهم؛ تريد أن تنسحب إسرائيل بالكامل من أرضك المدمرة ويعيد لك العالم إعمارها إلى ما كانت عليه قبل يوم الحرب. بمعنى آخر، تريد أن تجبر هزيمتك الكاملة على الأرض بأرواح بضعة أشخاص قمت باختطافهم خلسة ودون سابق إنذار وتريد أن تشتري بهم النصر. أنت فجرت الحرب، لكن العدو هزمك واحتل أرضك وقتل الآلاف من ناسك ويهجرهم كلهم يومياً بين قنابل طائراته ومقذوفاته كعرائس الدمى لا حول لهم ولا قوة. وأنت ستخرج العدو ليس بالمقاومة، لكن بالمساومة على أرواح هؤلاء المختطفين. لكن ماذا عمن قتلوا بالفعل حتى الآن من عسكرييك ومدنييك؟ أكيد شهداء ومثواهم الجنة كما تردد! إذن، لماذا كان كل هذا العبث؟ مجرد أن تخطف حفنة من أعدائك لكي تخسر لهم أرضك ويدمروا لك بلدك ويزهقوا أرواح ناسك ويشردونهم جميعاً، لكي تساومهم على أرواح مخطوفيهم مقابل أن يعيدوا لك أرضك ويتكفل العالم بإعمار مدنك، وليذهب آلاف الشهداء ليعيشوا لدى ربهم في الجنة، وذل وتشريد الفلسطينيين طيلة عامين ثمناً لخدمة قضية المقاومة النبيلة؟!
سيجيب بثقة وكبرياء، نعم كل ذلك ثمن بخس لقضية المقاومة. كل هذا الذي تسميه خراب وموت هو الذي سيُبقي على نيران الغضب متقدة لا تنطفئ في القلوب، حتى لا يخفت أبداً مشعل المقاومة. الثأر. هذا الذي تسميه ذل وعذاب وتشريد بحق أبناء شعبنا المدنيين هو الذي سيُبقي على كراهية العدو والرغبة في الثأر منه متأججة أبداً لا تنطفئ في نفوسهم. إذا كنت تفهم، هذا هو بنزين المقاومة.
ما أفهمه منك هو أنك تقاوم لكي تُغذي مشاعر الكراهية والثأر التي ستُبقى على روح المقاومة حية لا تنطفئ. هل تكون مثل هذه المقاومة من أجل المزيد من الحياة الأفضل، أم من أجل المزيد من المقاومة حتى لو كان الثمن الحياة نفسها؟!
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيد صاحب مفتاح مطبخ الفرح
-
ما ضير الديمقراطية لو انتخب المعاتيه معتوهاً منهم؟
-
عن حاجة الإنسان إلى رَبْ
-
في القانون بين الرذيلة والفضيلة
-
في معرفة الواحد
-
العُقْدَة اليهودية في العقل العربي
-
تمرير ديمقراطية عربية تحت غطاء ديني!
-
رأسمالية روسيا ما بعد الشيوعية
-
باسم العدالة والمساواة حكومات تحتكر الاقتصاد
-
الأنانية في المجتمع والدولة
-
الأمة العربية والإسلامية لكن بزاوية نَظَر حادة
-
الدين سلطان القلوب
-
من الشورى إلى ديمقراطية جهنم
-
بِكمْ تَبِيعُني إلَهَك؟
-
بين الديمقراطية والبَيْعّة والشورى في الواقع العربي
-
نَظْرة ذُكورية
-
هل التعايش ممكناً بين الديمقراطية والدين؟
-
التناقض بين الديمقراطية والدين
-
كيف أضعنا غزة مجدداً
-
ما هي منزلة المرأة في الإسلام؟
المزيد.....
-
ترامب يوجه تحذيرا بشأن عدم إطلاق سراح الرهائن من غزة قبل تنص
...
-
مهرجان كرامبوس: عرض الشياطين الذي يستقطب الأنظار في النمسا
-
حماس تؤكد مقتل 33 رهينة إسرائيلية وتحمل نتنياهو المسؤولية
-
اليمن ـ رصد أكثر من مليون حالة اشتباه بمرض الملاريا
-
تقرير عبري: نتنياهو أول من طرح فكرة تهجيرسكان غزة وينتظر الو
...
-
الصحة اللبنانية: مقتل 9 أشخاص وإصابة آخرين في الغارات الإسرا
...
-
بزشكيان يؤكد خلال اتصال هاتفي مع بوتين على الدعم الإيراني ال
...
-
بعد تصريحاته عن مساعدة المدمنين.. زاخاروفا تدعو هانتر بايدن
...
-
زيلينسكي يجري تعديلات جديدة في قيادة قوات كييف على خلفية فضا
...
-
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يتفقد قواته في جنوب لبنان
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|