آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8179 - 2024 / 12 / 2 - 18:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الصف السابع، في الثانية عشرة من العمر، قرأت للفيلسوف جان بول سارتر هذا الجملة:
ـ الموت يقظة!
تأملت هذه الجملة القصيرة مدة طويلة طويلة، قلت لنفسي:
ـ ماذا يعني الموت يقظة، ما هذه الفلسفة العميقة؟
وقلت لنفسي فيما بعد:
نحن نحب أو نتمنى الموت لهذا نحب الحياة. الموت والحياة كلاهما جاءا من الحياة، ولولا الموت لما كانت الحياة.
الإنسان مجد الحياة الباقية بعد الموت في الأديان، جوهر هذا الكلام أننا نتجدد في الحياة من خلال الموت، نرمي حيواناتنا المنوية في وادي المرأة، يبدأ الصراع في أرضها، بين كائنين، يموت حيوانك وبويضتها، ليبعثان في الآخر القادم الجديد، وبهذا الموت تستمر الحياة.
كلما خفف أو قلل الإنسان مسؤولياته في الحياة كلما كان أكثر راحة نفسية، وكلما خفف عن نفسه هموم الحياة والأخرة كلما عاش مرتاحا سعيدًا.
على الواعي أن لا يرتبط بأي شيء، أن يبقى نقيًا طيب القلب والروح والضمير، ولا يفكر في الآخرة ابدا، لأن الحياة تأخذنا في طريقها إلى المكان الذي تريد سواء أردنا أو لم نريد
قال لي صديقي:
السبب الأول لوجود الأنثى والذكر، والعلاقة الجنسية بينهما في الحياة هو لإنجاب الأطفال، رشوة يعني، واستمرار هذا الإنسان.
ثم قال:
ما فائدة الجنس في الجنة؟
عندما يهجر الحبيب حبيبه، أوراق خضراء اللون تسقط من شجرتهما.
والجفاف يحط رحاله في دربهما.
و الوقت يطوي زمانهما.
إن القبور تمشي في النعش، بعد طول انتظار الدفن.
أنت ذاهب إلى العدم، بالرغم من الجمال الذي تتمتع به.
بالرغم من هذا البهاء الذي يزينك، وتلك الرقة والفرح، وكل هذه الحياة الصاخبة التي تعيشها، وهذه الحيوية والحركة والطموح الذي ترعرعت عليه، كله سيذهب مع الريح إلى الريح الذاهبة إلى التناثر والتلاشي.
حنينك يدفعك للذهاب إلى هناك، يدفعك دفعًا سواء بإرادتك أو غصبًا عنك، إلى ذلك المكان الذي خرجت منه.
هذا العدم هو الحقيقة التي ستعود إليها سعيدًا، مبتهجًا، مكللًا باليقظة.
ثم ستعيش الخدر الكوني العظيم، الصمت التام كالصخر أو الحجر أو البركان الخامد.
بالنسبة لي اقول:
بعد أن أنتج الإنسان السيارة بدل الحمار واطلق قمرا إلى الفضاء وجاب في الكون، لا حاج لي لإله صنع من وهم ولغايات دنيئة. معقول أن أذهب لكتاب خرافي، فارغ، اترك الكتب الفلسفية والاقتصادية وعلوم الاجتماع والنفس، والجامعات التي تمجد العلم وتكتشف أصغر الاصغر أو في المتناه في الصغر في قضايا الخلية والذرة والجينات، وأذهب إلى نشيد الإنشاد الذي جاء من الهوس، هوس بعض المرضى.
يجب أن ينتهي الدين، لا يستطيع التكيف مع العالم المعاصر.
إنه يسير عكس اتجاه العصر، أنه أداة تمييز، ناشر حقيقي للكراهية والعنف والانقسام.
لنسأل أنفسنا ماذا لو لم يكن هناك دين في بلادنا، هل كنّا سنكره بعضنا، هل كنَّا سننقسم نفسيًا على المستوى العمودي والأفقي على بعضنا؟
ماذا يقدم لنا الدين، ما فائدته، وإلى أين يريد أن يصل بنا؟
الإنسان المتدين معبأ، مشحون بالغضب، بالحقد على كل مخالف له، بل يريد أن يلغيه إذا استطاع.
لو الله الدين محب أو فيه محبة لما فرق الناس، بل حولهم إلى أشباح متنازعة دون سبب يذكر إلا لتأكيد الدين لمجرد التأكيد.
آه من هذه الذات القاتلة، الصارخة، التي تصرخ وتنوح، تطلب من الأخرين سماعها، الاعتراف بها.
الذات مشتعلة دائمًا، خضراء اللون، محلقة في الأعالي، تقول للجميع أنا هنا، تطلب منهم الركوع لطلباتها، لرغباتها، ترفع الصوت، تقول أنا أفضل منكم، سأبقى فوقكم، محلقًا، ولن ارتاح إلا إذا وضعتوني فوق رؤوسكم.
احيانا يترافق هذا مع استجداء، بكاء، إذلال، كسر النفس، الاقدام على المناورة، ممارسة التقية الباطنية، كعربون لبقاء الذات لها مكانتها، مكانة.
أليس هذا ما يريده الإنسان، الأنبياء، الله؟
لا أحد يعرف قيمة الأشياء الذي يملكها إلا إذا فقدها.
في يدك نعم كثيرة، بيد أنك لا تراها، لأنك لا ترى. لأنك أحمق ومغرور، وظنونك تأخذك إلى البعيد، إلى السراب.
هذه الحياة فخ، مصيدة يمكنها أن تمتحن قدراتك، ضعفك، وأنت غير مستعد لها.
ولا يوجد كبير في هذه الحياة.
والحياة مسنن مذبب، تجرش الكبير قبل الصغير، يمكنها أن تمزقك أربا في ليلة مقمرة، وتحولك إلى كائن مهزوم.
هؤلاء الذين يزمجرون بمناسبة وغير مناسبة، يظنون أنهم خارج معادلة الحياة ولعبتها، وتقلباتها وامتحانها القاسي.
في الامتحان الحقيقي للحياة يكرم المرء أو يهان
وأغلبنا سمع بقصة النمر الذي وضع في الأسر، وكيف دجن، وذل مقابل لقمة الطعام.
وتحول من وحش طبيعي إلى فأر خاضع.
بتقديري أن الروايات الكلاسيكية هي الأكثر قراءة، والأكثر متعة وفائدة.
الروايات التي افرزتها الحداثة أو ما بعد الحداثة هي نخبوية بامتياز، يقرأها الكاتب أو الناقد ليكتب عنها فقط، كعمل وظيفي.
إن روايات الحداثة يقرأها القلة القليلة من الناس، ففي زمن التكنولوجيا، لا أعتقد أن هناك من يستطيع أو لديه الوقت لتفكيك الروايات ذات البعد الثالث أو الرابع.
من من القراء لم يقرأ شكسبير او ديوستفسكي أو تولستوي، أو ذهب مع الريح أو البؤساء؟
من يستطيع قراءة رواية، سنة موت ريكادرو ريس، لسارماغو؟
من لديه الوقت والمقدرة أن يشتغل على تفكيك البعد الثالث في الرواية؟. ثم السؤال:
لمن تكتب هذه الروايات، لأي قارئ، ولأي فائدة؟
ولماذا يعود الناس إلى قراءة الكلاسيكيات؟
ومن له مصلحة في كتابة روايات ليس لها قراء؟
الكثير من الأشجار الجميلة الباسقة الطول تسقط بفعل ضربات النخر أو السوس.
ليس دائمًا فأس الحطاب هو السبب في قطعها من جذورها أو في كسر أغصانها.
فالنخر في أحيان كثيرة يتولى المهمة. فهو يخرج منها وفيها ويقتل الحياة والجمال في أخضرارها واستمرار بقائها.
وهذا الأخير أشد فتكًا بها لأنه لا يبقي على شيء.
هذا السوس، ربما يفيد في تحفيز الذاكرة والذكاء في مرحلة من الحياة وقد يتحول إلى قاتل يفني الحياة.
الكتابة حالة إذلال، استجداء الكلمات والعقل والخيال والثقافة العامة، أن يتفاعلوا معًا لإنتاج شيء جميل، يرضي الذات والأخر.
الكتابة قهر، ألم، يلجأ الكاتب إلى ذاته، يمتص دم ذاته، يرهقها، يعذبها ليرضي ذاته البعيدة عن متناول اليد.
الكتابة كالمرأة الحامل، تتعذب لإنتاج مولود جديد، تسهر الليالي، لكن بمجرد أن يخرج منها يتنكر لها، ويتغرب عنها.
كلاهما، الأم والطفل يعيشان غربة عن بعضهما، كل واحد له وجعه وغربته وانفصاله، ولا يتعرفان على بعضهما مهما كان قربهما قربًا.
إن سياسة محاربة الإرهاب لم يعد يحتاج إلى ايديولوجية حقيقية أو ثابتة تعتمد عليه الدول، كالوهابية، على سبيل المثال.
لقد استطاع النظام الدولي إنتاج منظمات مسلحة سريعة الحركة، ذات ديناميكية عالية، تعتمد على لا ايديولوجية، مستخدمة الايديولوجية كعدة شغل لتفعيله وإدخاله في السوق.
إن إخراج القمقم القديم لا يحتاج إلا إلى فتيل ونار ودفعه ليشتعل.
في سنوات الثورة السورية انتجوا مئات المنظمات المسلحة باسم الإسلام، وسينتجوا مثله وربما أكثر باسم المسيحية، ثم البوذية، وثم الهندوسية وهكذا.
المأساة الكبرى أن المصنع كان في تركيا والسعودية وقطر وإيران والعراق وسوريا تحت إشراف الدول الكبيرة
الوحيدة التي لن تمس هي اليهودية الصهيونية.
شركة فولفو طرحت في الأسواق مع بداية العام 2018 سيارة كهربائية كاملة دون وقود.
هذا مؤشر كبير على اعتماد الاقتصاد العالمي على طاقة بديلة ونظيفة في قادم الأيام.
في هذه الحالة ستحدث اختلالات سياسية واقتصادية في تموضع الدول والشعوب وشكل الصراع القادم ومكانة كل دولة وشعب.
هناك دول وشعوب ستلمس على رأسها خوفًا من المستقبل القريب خاصة الدول المنتجة للنفط، كالخليج وإيران وبقية الدول العربية وروسيا وغيرها.
هل النظام الدولي، الداخل في بعضه، جاهز لامتصاص التناقضات القادمة؟
وما هو مصير البشرية من حيث مواجهة الفقر والمديونية والجوع والتشرد؟
هذه هي المعركة الكبرى بين البقاء أو الفناء.
يأتون إلى أوروبا, ولا يعرفون أي شيء عن حركة الاقتصاد والسياسة وآلية الثقافة في مجتمعهم الجديد. ولا يحترمون مشاعر السكان الاصليين أو ثقافته أو وجوده ككائن. ينظرون إلى هذه البلاد كأنها ملكهم أو ملك أباءهم أو أجدادهم.
أحدنا إذا ذهب إلى السعودية أو الباكستان أو الهند أو الصين, نحسب حساب أي تصرف حتى لا نخل بإيقاع البلد المضيف, بينما في أوروبا نخرج مخزوننا الهمجي من عبنا ونرميه في وجوههم.
الأطفال لا يعرفون الأحترام, ولا يقدرون أبعاد سلوكهم, إلا إذا حجمتهم, اعادتهم إلى موقعهم الحقيقي, وعاملتهم كأطفال.
في الحقيقة, استغربت من الرغبة الأمريكية في اسقاط الاتحاد السوفييتي وانهائه من الخاريطة. فوجوده كان يعطي توازنًا للنظام برمته, لترتيب العالم وفق مصالح الاحتكارات العالمية. لماذا لم يتركوه كالرجل المريض في القرن التاسع عشر, كما فعلت بريطانيا بالسلطنة العثمانية, التي استطاعت ان تمتص التناقضات الدولية بوجود هذا العدو الضعيف.
بغياب الاتحاد السوفييتي اختل النظام والتوازن الدولي, وشكل فراغًا هائلا في السياسات الدولية, لا يمكن ترميمه أو تعويضه.
المشكلة أن صناع السياسة العالمية, مجرد صبيان, عبيد, أسرى, موظفين لدى أصحاب الاحتكارات العالمية, ولا يهمهم إلى أين تذهب الأمور في ظل عالم مبني على صناعة الخوف.
قلت سابقًا أن والدي كان يضع سيارته في الكراج. الحقيقة, لم تكن السيارة ملكه. كانت معبودته, عشيقته, لعبته, يهتم بها أكثر من اهتمام الطفل بثياب العيد. كل شيء مسخر لخدمتها. في الشتاء يفرغ الراديتور من الماء حتى لا يجمد وفي الصباح يسخن الماء على بابور الكاز من ماله الشخصي ويضعه فيه. الدواليب هو يصلحهم حتى يوفر على الدولة بعض المال. كل يوم جمعة يجلس فيها ويبدأ التصليح وأمي بجانبه. لديه كل شيء في السيارة. معول, بوبين, بواجي, جميع أنواع مفاتيح التصليح, مفكات براغي, دولاب احتياط. يبحث عن ثقب ما ليسده. لديه زفت ولباد. لقد زنر تحت مداسات الارجل باللباد المدهون بالزفت حتى يحمي السيارة من الأسفل. كل يوم يغسل السيارة. وبالفرشاة ينظف المحرك بالكاز, وبورق القزاز يحف البواجي وينظفهم. وسيرة السيارة لا تنقطع عن لسانه. عندما كنت صغيرًا كنت اتخيل أنها ستطير من كثرة اهتمامه بها. كان أصدقائه في العمل يضحكون عليه على هذا التصرف الغريب من الاهتمام الزائد بعمله. وكل كلمة والثانية يقول, سيارتي موجوعة اليوم تحتاج إلى تبديل الزيت. سيارتي توسخت تريد أن تتحمم. سيارتي كانت في مهمة متعبة البارحة. كانت السيارة من نوع اللاندروفر موديل 1964 جلبها من ميناء اللاذقية عندما استوردتها الدولة من بريطانيا. ويقول أيضًا:
هناك ثقب ما يدخل الغبار إلى داخل الكابين يجب أن اعرف أين هو؟ هناك صوت غريب يأتي من مكان ما يجب أن أعرفه. يستيقظ باكرًا كل يوم, يشعل البابور, ويجهز المتة أو القهوة ثم يوقظ والدتي ويشربا معًا قبل ذهابه إلى العمل.
لقد عرش درج الورد من الأسفل إلى السطح عبر خيطان. وزرع المصطبة التي كسرها أبو ليفون حول البئر بأنواع كثيرة من الورد والزهور, اصفر, احمر, نهدي, بنفسجي, برتقالي وابيض. المكان يضحك بالفرح والضحك. ويجلسا, والدي ووالدتي تحت صفوف الورد بعد أن يسقيهم ويرشهم بالماء. ويضع راديو الشارب بجانبه ويسمعا إذاعة دمشق, فيروز, برنامج مرحبًا يا صباح لطالب عمران وبعض الجمل التي لها معاني جميلة. أو إذاعة لندن واسرائيل او القاهرة. نبقى نيامًا بعض الاحيان أنا وأخوتي. وأحيانًا نشرب المتة معهم. كانت المتة غالية في ذلك الوقت، العام 1968, سعرها 110 قروش, يعني أكثر من سعر ثلاثة كيلوات خبز
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟