|
العلاقات المشبوهة لاقتصاديات الاخوان
خيري فرجاني
الحوار المتمدن-العدد: 8179 - 2024 / 12 / 2 - 18:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مثلت ظاهرة تنظيم الإخوان المسلمين فى مصر و بقية البلدان العربية والإسلامية، أحد أهم وأخطر الألغاز الكبرى فى التاريخ السياسى والاجتماعى والاقتصادي لتلك الدول، بالإضافة إلى أنها شكلت تحديا هائلا لقوى المجتمع المدني الديمقراطى الراغب فى بناء نظام سياسى حديث. حيث الفقر والجهل والعاطفة الدينية وغياب دور الدولة دورا خطيرا في انتشار وتغلغل جماعة الإخوان في كافة ربوع الوطن، فليس هناك ثمة شك، أنه لولا الفقر والجهل وغياب دور الدولة فى الحياة الاجتماعية لما كان لجماعة الإخوان هذه القوة، التى دعمت وجودهم سياسيا واقتصاديا بشكل مباشر وغير مباشر. إن فكرة انسحاب الدولة من دورها الخدمي في مجتمعاتنا القروية البسيطة التي حرمت من جل الخدمات الصحية والتعليمية والرعاية الاجتماعية، هي بالطبع فكرة خطيرة بكل تأكيد، خاصة في ظل منظومة اقتصادية قوية لدى تلك الجماعة، حيث استطاعت الجماعة أن تلعب دورا خطيرا في هذه المجتمعات من خلال استغلال الجمعيات الأهلية وجمع التبرعات من الداخل وتلقي بعض المعونات من كيانات خارجية مجهولة المصدر. حيث بدأت القوة السياسية أولا لجماعة الإخوان منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضى، حينما أفرج الرئيس السادات عن الإخوان وسمح لهم بالإندراج في العملية السياسية لضرب التوجهات اليسارية، ومن هنا كانت النواة الأولى لتكوين الإمبراطورية الاقتصادية لجماعة الإخوان، من خلال تلقي الدعم المالي من دول الخليج لنشر الفكر السلفي. وهو ما يؤكد على أن هناك قِصر نظر في تحديد الأهداف السياسية، وعدم إدراك خطورة هذه الخطوة التي دفعت فيها الدولة والنظام ثمنا باهظا. حيث انتهى الأمر باغتيال رئيس الدولة في مشهد مأساوي، وهو يحتفل بنصر أكتوبر ووسط جنوده في عام 1981م، لتبدأ صفحة جديدة مع جماعة الإخوان وبقية التنظيمات الإرهابية الأخرى. ورغم أن الذي بدأ هذا التوجه هو الرئيس السادات، لكنه تأصل وتجذر بشكل غير طبيعي في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. في الواقع ان التنظيم لا يتعلق بخدمة الفقراء كما تحاول الجماعة أن تصدر هذه الفكرة التي استغلتها في جمع التبرعات، وإنما هو تنظيم الطبقة المتوسطة التي سيطرت عليه، بالإضافة إلى طبقة رجال الأعمال التي تكونت نتيجة الانفتاح الاقتصادى والمضاربة في البرصة وتجارة العملة، ومايعرف بالبنوك الإسلامية والمضاربة في سوق العقارات، فلم تقدم جماعة الإخوان المسلمين على الاطلاق اقتصاد صناعي أو زراعي، ولم تستثمر اموالها لخدمة الاقتصاد الوطني والفقراء من هذا الشعب كما يزعمون. بل ان جماعة الإخوان هم اول من مارس المضاربة في اسواق العقارات فيما يعرف بـ "تسقيع الأراضي"، حيث الاموال القادمة من العمالة فى الخليج من الإخوان المسلمين، الذين هربوا بعد المواجهة مع النظام الناصري وعادوا بعد الانفتاح الاقتصادي، والافراج عن الاخوان من السجون ومحاولة إدراجهم في العملية السياسية والبنية الاقتصادية في المجتمع. كما أن الإخوان هم أول من أنشأوا شركات توظيف الأموال التي ضاربت في البورصات العالمية، وسيطرت على سوق تجارة العملة أو ما يعرف بـ "السوق السوداء لتجارة العملة" أو السوق الموازية. ومن الخطورة بمكان أن موضوع اقتصاد الإخوان أمر بالغ التعقيد والخطورة، وله ارتباطات وعلاقات في دوائر مغلقة وخطيرة، تتعلق بأنظمة دول وأجهزة سيادية واستخباراتية بهذه الدول، وهي بالطبع مرتبطة بأمور ذات خطورة متعلقة بأهداف التنظيم الحقيقية، وهو ما صرح به "ياسر علي" المتحدث الرسمي للرئاسة الجمهورية في ظل حكم الإخوان، عندما اتهم الجماعة بأنها لا يوجد بها شفافية، ولم نكن نعلم المعنى الحقيقي الذي أراده ولكن الجماعة تهكمت منه، وأطلقت عليه اسم "ياسر شفافية"، حتى لا يلتفت أحد إلى حقيقة الأمر!! كما ان التنظيم الإخواني-العميق- كان دائما يمنع الرقابة على المسائل المالية، بالإضافة إلى أنهم ألغو المجلس القضائي بالجماعة وركزوا السلطات جميعها في يد مكتب الإرشاد والتي وضعها بدوره للرجل الأقوى داخل التنظيم "خيرت الشاطر"، حتى لا يمكن تتبع أوجه إنفاق الأموال التي تملكها الجماعة، فضلا عن مواردها. ومن هنا، يتعين ضرورة استمرار البحث حول أوجه إنفاق الجماعة؛ لأنها هي التي تمثل الخطورة الحقيقية، وإن كانت مصادر التمويل لا تقل خطورة عن سابقتها، فكلا الأمرين يمثلان تهديد خطير للأمن القومي المصري، لم تعد مسائل الانفاق في الجماعة تنحصر في المبالغ الزهيدة بالنسبة لاقتصاديات الجماعة والتى لاتتعدى الزكاة، المسألة اصبحت اكثر عمقا وخطورة. حيث أن هذه الحركة- الأممية- تمتد بخيوطها الدولية إلى التشابك مع حركة ومصالح أجهزة استخبارات دولية من جهة، وشبكة مصالح اقتصادية هائلة شديدة التعقيد والتشابك من جهة أخرى، ناهيك عن الدعم اللوجستي من أنظمة ودول متعددة في المنطقة، يضاف إلى ذلك ملامح شبه مؤكدة لعلاقات تعاون خفية بين هذه الحركة الدولية وتنظيمها الواسع، والمنتشر فى أكثر من خمسين دولة بالأجهزة الاستخباراتية الكبرى فى العالم. انه من الأهمية بمكان، فتح النقاش العام حول الإمبراطورية المالية والاقتصادية لهذه الجماعة وهذا التنظيم الدولى، وأساليب عمله وتمويل أنشطته، لأن المسألة الآن تتعلق بالأمن القومي المصري. الأمر جد خطير إذا ما تعلق بمصادر الإيرادات والنشأة التاريخية للإمبراطورية الاقتصادية لهذه الجماعة، وآليات العمل الاقتصادى الإخوانى وتطوره، والنشاط الاقتصادى لهم وأساليب الجريمة المنظمة، وعمليات غسيل الأموال، بالإضافة إلى أوجه الإنفاق وشراء الولاءات. إن تنظيما ينهج عملا سريا وآخر علنياهي تلك الطريقة التى صنف بها التنظيم نفسه، فهناك أعضاء عاملين وآخرين متعاطفين، والمتعاطفين هم الآلاف الذين يمثلون الظهير الشعبي، ولكن العاملين هم الذين يعرفون مهمة التنظيم الحقيقية، وهم قلة يعدون على أصابع اليد الواحدة، أما البقية فيعرفون الأهداف النبيلة الظاهرة للتنظيم فقط. ويرى العديد من الباحثين في علم الإجتماع السياسي والاقتصادي أن الجماعة طبقية بامتياز، فالأموال التي جمعت رسخت ذلك المبدأ؛ حيث ظهر أباطرة لرجال الأعمال، وأن من يتحكمون في أموال الجماعة تحولوا إلى رجال أعمال مما أعطاهم قوة مالية، ومن ثم سيطرة كاملة على مفاصل الجماعة. والموارد المالية لجماعة الإخوان طبقا للدراسات الخاصة بهذا الأمر، تتحدد موارد التنظيم في 8 موارد رئيسية، وهي: اشتراكات الأعضاء والتبرعات من الأفراد والمؤسسات، وأموال الزكاة، وأرباح المشروعات في خارج مصر وداخلها، والتي يديرها "يوسف ندا"، إلى جانب عنصرين هامين، وهما: أموال الإغاثة الإسلامية الدولية، وأموال الجهاد الأفغاني، وهما من أكبر الموارد الإخوانية وأخطرها على الإطلاق، لتعلق الأخيرة بأجهزة استخبارات عالمية اثناء دعم المجاهدين الأفغان من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج. وحسب دراسة أعدها الدكتور "عبد الخالق فاروق"، فقد بلغت الاشتراكات السنوية 87 مليون جنيه، وتصل إلى 187 مليون جنيه بمتوسط 141 مليون جنيه سنويا، وبالنسبة للتبرعات بلغت أقلها 70 مليون جنيه، و166 مليون جنيه متوسط، و603 ملايين جنيه سنويا بمتوسط 280 مليون جنيه سنويا، إلى جانب ربع الأرباح إجماليا من الشركات المملوكة للإخوان تحول للتنظيم، وبذلك تصل إجمالي الأرباح والتبرعات 500 مليون جنيه سنويا. وبالنسبة لأموال الزكاة وفقا للتقدير بلغت 188 مليون جنيه سنويا من داخل مصر، أما خارج مصر في أوروبا فيدفعها ما يقرب من 200 ألف شخص بما يبلغ 125 مليون جنيه سنويا، وفي أمريكا يدفع 150 ألف شخص بما يبلغ 375 مليون دولار. ويقدر إجمالي دخل التنظيم بناء على ما سبق حوالي 6 مليارات و800 مليون جنيه سنويا. أما بالنسبة لنفقات التنظيم بناء على بعض المؤشرات وهي عدد المقرات الضخمة التي تصل 252 مقرا، إلى جانب الرعاية الاجتماعية المباشرة للفئات الفقيرة بإجمالي 1400 مليون جنيه، و360 تكاليف القيادات، وتكاليف مقرات الجماعة والحزب بلغ 118 مليون جنيه، ومصاريف الدعاية بلغت 400 مليون جنيه، مشيرا على أن إجمالي نفقات التنظيم سنويا 2573 مليون جنيه. وبالنسبة للفارق بين الإيرادات والنفقات فإنه يعاد استثماره في أنشطة متعددة ربما يكون اغلبها سري للغاية. وعلى ذلك فإنه من الأهمية بمكان أن ندرك أن السبب الرئيسي في مسألة التعاطف مع الإخوان، هو قدرتهم على توفير أمان اجتماعي للفئات الفقيرة نتيجة انسحاب الدولة عن القيام بدورها، ولو لم يعد دور الدولة لتقديم العدل الاجتماعي من خلال سياسات التنمية الحقيقية، لا يمكن بأي حال أن تكون المواجهة حاسمة مع الإخوان. فنحن أمام تنظيم ممتلئ اقتصاديا يتحرك بآليات وأدوات متعددة، من خلال المساجد التي تعتبر عنصر الارتكاز الأول، باعتبارها مكانا للتعليم والتثقيف الديني والتعبئة، ومكانا للحصول على موارد من التبرعات، فيما تعتبر الجمعيات الأهلية عنصر الارتكاز الثاني والأهم اقتصاديا، فهناك العديد من الجمعيات الأهلية ذات الصلة الوثيقة بالجماعة، مثل: الجمعية الشرعية لأنصار السُّنَّة والتي سيطر عليها الإخوان وتكفل 441 ألف و700 يتيم ولديها 24 مخبز توزعه بالمجان. هذا بالإضافة إلى مراكز الإخوان في أوروبا التي تقدر بـ 3 آلاف مركز، وهي مراكز يصعب تحديد غرضها، ويتراوح عدد المسلمين السُّنَّة المترددين على المساجد بين 2 مليون أو 3.6 ملايين مسلم طبقا لدراسات بالخارج. وهذا يعني أن الإخوان والجماعات الإسلامية تتحرك وسط كتلة اجتماعية ليست قليلة، ويصل المتعاطفون معهم من 10 إلى 20 % تقريبا أي ما يعادل 150 إلى 300 ألف شخص في أوروبا، والتعاطف يأتي في صورة دفع أموال الزكاة.
#خيري_فرجاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.. وحدة الجذور والأهداف:
-
لكي تنهض مجتمعاتنا من ثباتها
-
الخطاب السياسي كمنتج ثقافي أيديولوجي
-
الولايات المتحدة الأمريكية وغطرسة القوة
-
ثورة 25 يناير 2011 دراسة تحليلية
-
الحداثة (العصرنة)
-
نشأة وتطور جماعات الإسلام السياسي برعاية -أنجلو أمريكية-
-
التراجع الحضارى وغياب لغة الحوار
-
مدنية الدولة
-
التسامح والتعددية الثقافية
-
المساواةوتكافؤ الفرص
-
المواطنة
-
حقوق الإنسان من خلال المواثيق والعهود الدولية الحديثة
-
أثر الجيل الرابع من الحروب على اقتصاديات الدول
-
دور منظمات المجتمع المدنى في عملية التحول الديمقراطى في مصر
-
جدلية العلاقة بين الدين والفن
-
دور التنمية الاقتصادية في تحقيق الرفاهية والاستقرار:
-
الار هاب الفكرى (الأسباب.. النتائج.. الحل)
-
التنظيم الخاص والاغتيالات السياسية في منهج الإخوان:
-
مبدأ الفصل بين السلطات
المزيد.....
-
الجيش السوري يسقط 11 مسيرة تابعة للجماعات التكفيرية
-
بالخطوات بسهولة.. تردد قناة طيور الجنة الجديد علي القمر الصن
...
-
TOYOUER EL-JANAH TV .. تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر ا
...
-
أنس بيرقلي: الإسلاموفوبيا في المجتمعات الإسلامية أكثر تطرفا
...
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|