|
سوريا المنهكة.. هل يشكل الحوار طوق النجاة؟
ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 8179 - 2024 / 12 / 2 - 16:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كيف ولماذا انسحب الجيش السوري والقوات الموالية له بسرعة مذهلة من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها في حلب؟ سؤالٌ بات يتردد على ألسنة الكثيرين بعد الهجوم المفاجئ الذي شنّته "هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة- فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا)" تحت مسمى "ردع العدوان". هذا الهجوم لم يؤدِّ فقط إلى السيطرة الكاملة على محافظتي حلب وإدلب، بل امتد تأثيره ليقترب من مدينة حماة بوتيرة أربكت جميع المراقبين وأدهشتهم.
مشهد التطورات السريعة هذا أعاد إلى الأذهان ذكرى نكسة حزيران 1967، حين انسحب الجيشان السوري والمصري من مناطق استراتيجية قبل وصول القوات الإسرائيلية إليها، وكأن التاريخ يعيد نفسه بطريقة أكثر تعقيداً وحيرةً، مما يثير تساؤلات حول الأسباب الكامنة خلف هذه الانهيارات المتكررة والخيارات التكتيكية التي أدت إلى هذه النتائج. ما الذي حصل؟ ولماذا حدث بهذه الطريقة؟ أسئلة ستظل محور النقاش في تحليل هذه الأحداث المحورية في تاريخ المنطقة. لا شك أن انسحاب الجيش السوري من نقاط تمركزه في حلب وأريافها، وكذلك في إدلب، يعكس تعقيدات متعددة وأسباباً متشابكة، منها: - التقدم المباغت والسريع الذي أحرزته "هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)" والفصائل المتحالفة معها، جاء نتيجة تخطيط دقيق وتنفيذ عمليات نوعية أربكت الجيش السوري وحلفاءه، ما أدى إلى خسارة نقاط مهمة دون مقاومة تذكر في بعض المواقع. - الدعم الجوي الروسي بدا أقل فاعلية. وهذا قد يعكس تغييرات في الأولويات الروسية أو إعادة توزيع الموارد على جبهات أخرى، مما ترك الجيش السوري مكشوفاً أمام هجوم منظم وقوي. - الميليشيات الإيرانية عانت من تراجع ملحوظ في أدائها نتيجة ضربات إسرائيلية وأمريكية متكررة استهدفت مواقعها الحيوية في سوريا. لقد بات من المؤكد أن الهجوم الذي شنّته "هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)" جاء ضمن إطار خطة تتضمن السيطرة على مواقع تتيح لها تعزيز نفوذها العسكري والسياسي، خاصة في إدلب، التي تعدّ معقلها الأساسي، وفي ريف حلب، كخطوة توسعية، ما يجعلها الطرف الأقوى في شمال سوريا.
أما السيطرة على حلب وإدلب، فتهدف إلى تقوية "حكومة الإنقاذ" التي تدير المناطق الخاضعة لـ "الهيئة"، ما يمنحها أوراق قوة إضافية على طاولة التفاوض مستقبلاً. أما فيما يتعلق بتركيا، فالدعم التركي لـ "الهيئة"، والفصائل المتحالفة معها، ليس خافياً. تركيا تسعى من خلال هذا الدعم إلى تحقيق أهدافها الجيوسياسية في المنطقة، بما في ذلك ضرب تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، وضمان نفوذها في الشمال السوري، وصولاً لتحقيق حلمها التاريخي بتنفيذ ما ورد في الميثاق الملّي. ومما لا شك فيه أن توقيت الهجوم يشير إلى احتمالية دعم غير مباشر من قبل الولايات المتحدة و"إسرائيل"، خاصة أنه تزامن مع انتهاء التصعيد بين "إسرائيل" وحزب الله في لبنان، ما قد يشير إلى رغبة في تحويل الضغط إلى الداخل السوري وضرب نفوذ إيران وحلفائها هناك. إن انسحاب الجيش السوري السريع من الشمال السوري يعكس تعقيدات الصراع الذي تجاوز كونه مواجهة بين النظام والمعارضة المسلحة، ليغدو ساحة لصراعات إقليمية ودولية متشابكة. هذا الانسحاب سيخلّف فراغاً قد يتيح مساحة أوسع للتدخلات الخارجية، مما يستدعي قراءة متأنية للأحداث واستعداداً لما قد تحمله الأيام القادمة من تطورات جديدة.
هل الحسم العسكري ممكن؟ في ضوء الأحداث والتجارب المريرة التي مرت بها الأزمة السورية، يبدو واضحاً أن الحسم العسكري، سواء من طرف النظام أو المعارضة، أقرب إلى المستحيل؛ لأن الصراع بينهما مرتبط بمصالح قوى إقليمية ودولية تدعم كليهما. هذه القوى تمنع تحقيق انتصار كامل لأي طرف للحفاظ على نفوذها. فكل المحاولات السابقة لتحقيق النصر الكامل أسفرت عن مآسٍ إنسانية هائلة، وتدمير للبنية التحتية، وتهجير ملايين السوريين، مما أثقل كاهل البلاد والعباد بأعباء يصعب تجاوزها. إن الحل الأمثل للأزمة السورية يكمن في تسوية سياسية شاملة تستند إلى القرار الأممي (2254). هذا القرار، الذي حظي بإجماع دولي، يضع خريطة طريق، وأهم ما تضمنته: - تشكيل (جسم -هيئة حكم انتقالي): تضم ممثلين عن جميع الأطراف، بما يضمن تمثيلاً متوازناً يلبي تطلعات الشعب السوري. - الإفراج عن معتقلي الرأي ومعرفة مصير المفقودين. - سن منظومة تشريعية جديدة (دستور يعبر عن تطلعات السوريين، ويحمي حقوق الجميع دون تمييز، قانون انتخاب، قانون أحزاب.. إلخ). - إجراء انتخابات بإشراف دولي، بعد عام ونصف من تشكيل الحكومة الانتقالية، تتيح للشعب اختيار قيادته بحرية.
لكن، ورغم وضوح المسار السياسي، إلا أن هناك عقبات كبيرة تعيق تحقيقه، في مقدمتها: - تعنّت النظام السوري وعدم موافقته على الحل السياسي؛ لأنه سيفقد مكاسبه السابقة والحالية والمستقبلية، وقد يُحاكم رموزه ويُزجّ بهم في السجون. - غياب الثقة بين الأطراف السورية: الشكوك المتبادلة تجعل من الصعب بناء أرضية مشتركة للحوار. - استمرار التصعيد العسكري: كل طرف يسعى لتحقيق مكاسب على الأرض قبل الدخول في أي مفاوضات. - ازدواجية المواقف الدولية: يظهر التناقض بوضوح في مواقف بعض الدول التي تعلن دعمها للحلول السياسية بينما تعمل في الخفاء على تأجيج الصراعات لتحقيق مصالحها. مثال ذلك اتفاقيتا مينسك الأولى (2014) والثانية (2015)، اللتان أبرمتا بوساطة دولية لوقف النزاع في شرق أوكرانيا. لكن في عام 2022، كشفت تصريحات المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند أن الهدف الحقيقي من الاتفاقيتين لم يكن تحقيق السلام الدائم، بل منح أوكرانيا فرصة لتعزيز قدراتها العسكرية استعداداً لمواجهة مستقبلية مع روسيا. هذا الموقف يعكس بجلاء ازدواجية الغرب، حيث بدت الاتفاقيتان وكأنهما مسعى للسلام، بينما استخدمتا كوسيلة لتحقيق أهداف عسكرية واستراتيجية.
وعلى الرغم من التحديات والعقبات، يبقى الحل السياسي السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة السورية، فقد أثبتت السنوات الماضية أن الحرب لا تثمر سوى المزيد من الدمار والمعاناة. اليوم، يتطلع غالبية السوريين، سواء في الداخل أو الخارج، إلى طي صفحة الصراع واستعادة الاستقرار والأمان. لقد آن الأوان للابتعاد عن لغة السلاح والدمار، والاتجاه نحو حلول واقعية تحفظ كرامة الجميع وتحقق مصلحة الوطن. ويظل القرار الأممي (2254) إطاراً قابلاً للتطبيق، لكنه يتطلب إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف، ودعماً دولياً صادقاً يضع مصلحة الشعب السوري فوق كل اعتبار. السوريون يستحقون أن تشرق شمس الأمل فوق وطنهم من جديد، وحان الوقت لتكون الحكمة والعقلانية طريقاً بديلاً عن الشعارات الجوفاء. آن لهم أن يعيشوا حياة تليق بأحلامهم في وطن حر وآمن، ترفرف فيه رايات السلام بدلاً من أصداء الحرب. فسوريا، رغم جراحها العميقة، لا تزال تحمل في أعماقها بذور النهوض والعودة إلى الحياة.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا، بل المنطقة عموماً إلى أين؟
-
وجهة نظر في وقف إطلاق النار بين حزب الله و-إسرائيل-
-
هل ما شهدناه أمس، بداية الغيث؟
-
ما له وما عليه؟
-
بالنقاط أم بالضربة القاضية؟
-
عواقب عدم تفعيل وحدة الساحات
-
لم يتصدّع جسدي بعدُ
-
متلازمة ستوكهولم والمفقّرون الموالون لأنظمة القمع
-
بانتظار اللا شيئ!
-
إلى متى؟!
-
ضجر
-
ماذا يعني استبدال شعار (وحدة الساحات) بشعار (الصبر الاستراتي
...
-
عدم تبلور عالم متعدد الأقطاب.. تحصد غزة نتائجه
-
مرسوم للأسد يجيز التعامل بالدولار
-
وهْمُ حلّ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بإقامة دولتين
-
تعدّدت مراسيم العفو.. وكالعادة تم تجاهل المعتقلين السياسيين
-
مثول أردوغان وزمرته أمام محكمة الجنايات الدولية.. بين الضرور
...
-
عندما يكون جميع المتحاربين في مأزق!
-
السماء معتمة الآن. لقد أفل نجمٌ عظيم. وداعاً خالد خليفة
-
«من دهْنو سقّيلو..» مهزلة زيادة الرواتب: باقية وتستمر
المزيد.....
-
رئيس الوزراء الفرنسي يدعو النواب لـ-التحلي بالمسؤولية- وحكوم
...
-
سوريا.. مدى تهديد فصائل المعارضة وتحركاتها السريعة على بقاء
...
-
أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم يعاقب إسرائيل
-
هل فعلا يجب شرب 8 أكواب من الماء يوميا؟
-
نصائح لتعزيز منظومة المناعة في الشتاء
-
مصر ترفع اسم ابنة رجل أعمال شهير من قائمة الإرهاب
-
عيد البربارة: من هي القديسة التي -هربت مع بنات الحارة-؟
-
من تاباتشولا في المكسيك إلى الولايات المتحدة.. مهاجرون يبحثو
...
-
منطقة عازلة وتنازل عن الأراضي.. كيف يخطط ترامب لإنهاء الحرب
...
-
رغم العقوبات على موسكو.. الغاز الروسي مازال يتدفق على أوروبا
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|