|
بعض أوجه القصور في عمل اليسار النقابي بالاتحاد العام التونسي للشغل (1/2)
الناصر بن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 8178 - 2024 / 12 / 1 - 22:56
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
إن اليسار النقابي الديمقراطي المنتمي للمدرسة الاشتراكية في العمل النقابي المتعارضة مع التيارات الفوضوية –النقابية والإصلاحية والانتهازية على اختلاف نسخها، قد تمكن منذ أواسط الثمانينات من حل العلاقة بين النقابي والسياسي حلا ماديا جدليا وذلك بالجمع الديالكتيكي وبين طرفي المعادلة، فعمل على ردم الهوة بين الحركة النقابية والحركة السياسية، وبوَّأ العامل السياسي مكانته القيادية في عملية التغيير الثوري للمجتمع وبنفس درجة والاهتمام بالنضالات المطلبية الاقتصادية التي تتوقف عليها حركة النضالات القطاعية، ونشر الوعي النقابي الثوري وعرَف وبالمذهب الاشتراكي في عمل النقابات وحقق حدّا أدنى من التواجد في الهياكل مكنته من المساهمة في التأثير على قرارات المنظمة وبالتالي المساهمة في المعارك الاجتماعية والسياسية وفي مقدمتها فضح وتهرئة البيروقراطية النقابية على امتداد أكثر من ثلاثة عقود بالتوازي مع المساهمة النشيطة في المعارك الديمقراطية والتصدي للسياسات اللاشعبية للدكتاتوريات الرجعية في نسخها المتناسلة وآخرها النسخة الشعبوية اليمينية.
عقدة الانغراس
لكنه وهو يخوض هذه المعارك والعامة والخاصة، لا يزال بعيدا عن إحداث التغيير الديمقراطي المنشود للمنظمة النقابية الإصلاحية من الداخل، ذلك أن إصلاح منظمة ضاربة في تاريخ الوفاق الطبقي ومثقلة بتقاليد العمل البيروقراطي تمثل ركنا أساسيا من أركان النظام البرجوازي العميل ليس بالأمر البسيط الذي يتخيله البعض، إذ بالرغم من أن رياح التغيير الديمقراطي التي حملتها ثورة 2011 والتي أثرت بدرجات هامة في عديد المنظمات والجمعيات، لكنها لم تشمل المنظمة النقابية المتكلسة التي التحقت وبيروقراطيتها النقابية بالثورة تحت ضغط الشارع فسايرتها ومسكت بصهوتها كالفرس الأهوج وروَّضتها وساهمت بذلك مع بقية الأطراف الرجعية في توجيهها الوجهة التي تريد، وأفلحت في تمرير الخلط بين نقد القيادة البيروقراطية كقيادة فاسدة مطلوبة للمساءلة والمحاسبة، واستهداف المنظمة ككل من قبل أعداء العمل النقابي، كما استبدلت ثوبها وخطابها وطاقمها في كافة مراحل المسار الثوري في العشرية الفارطة، إذ لعبت دورا هاما في إجهاض المجلس الأعلى لحماية الثورة الذي دشن باكورة أعمال الثورة المضادة. وهنا حصل الارتباك في صفوف كل النقابيين ولم يسلم اليسار النقابي الديمقراطي من تبعاته، ويعود هذا التردد والتشويش في الرؤية ولتأثيرات النظرة النقابوية – الشعبوية والضاربة في تاريخ وأسلوب حياة والمنظمة التي ينخدع منخرطوها بسهولة لتغيير شكل الخطاب لدى قياداتها وتنظر إطاراتها وبقدسية مفرطة غير مبررة عقلانيا للمنظمة النقابية التي ظلت لسنوات تقتات من رصيد مؤسسيها وماضيها المشرق أيام فرحات حشاد ودوره في النضال الوطني ولتسقطه على حاضر رديء ورداءة رموز البيروقراطية نفسها. قد تكون مهمة التغيير الديمقراطي الجذري للمنظمة من الداخل أكبر من حجم اليسار النقابي الديمقراطي المنحسر تأثيره في الهياكل السفلى والوسطى ونادرا ما اعتلى وطنيا قيادة القطاعات، في حين أن القرارات الفعلية بحكم المركزة المشطة تبقى حبيسة هياكل التسيير الوطنية بل تنحصر في المكتب التنفيذي وبدرجة أكبر في مؤسسة الأمانة العامة. ولكن اليسار النقابي ودون القفز على تعقيدات وتشعب الواقع لم يقطع بعد خطوات جدية ذات بال في العمل النقابي القاعدي بالرغم من المحاولات المتكررة، كما لم يحقق الدرجة المطلوبة من الانغراس الذي تخول له أن يكون المخاطب الكفء والقوة النقابية المحددة في رسم توجهات وسياسات المنظمة وهذا يحيلنا على عوائق القدرة على حل مسألة الانغراس عبر البوَّابة النقابية. إن اليسار النقابي ببساطة وقف عند حدود استقطاب العناصر الطليعية من النقابيين النشطين في النقابات الأساسية لبعض قطاعات الوظيفة العمومية وعلى رأسها قطاعات التعليم والبريد والصحة والتجهيز والبنوك، واعتقد أنه من خلالها وعبرها سيحقق الانغراس، والحال أنه لا يعدو أن يكون إلا وجها من أوجه الميدالية. يقول لينين في هذا الباب: “لقد كسبنا الطليعة البروليتارية إلى جانبنا إيديولوجيا وهذا هو الأمر الرئيسي، وبدون ذلك فليس بمقدورنا أن نخطو الخطوة الأولى نحو الانتصار. ولكننا ما زلنا رغم ذلك أبعد ما نكون عن الانتصار، فالانتصار لا يمكن تحقيقه بالطليعة وحدها ولن يكون الإلقاء بالطليعة وحدها في المعركة الفاصلة قبل أن تتخذ الطبقة العاملة كلها أي الجماهير الواسعة موقف المساندة المباشرة للطليعة أو الحياد المشبع بالتعاطف معها على الأقل مع حجب المساندة للعدو”. صحيح أن اليسار النقابي قد حقق نجاحات هامة داخل الاتحاد العام التونسي للشغل ولولاه لكان الاتحاد شبيها بالمنظمات النقابية المدجنة بالكامل في الوطن العربي وملحقا من ملاحق أحزابها المتخلفة. أنه قطع أشواطا في معارك الاستقلالية والديمقراطية والنضالية وهذا لا ينكره إلا جاحد ولسنا بصدد استعراض أمثلة النجاحات المتعددة، ولكن هذه النجاحات التي تحققت كانت أساسا في قطاعات البرجوازية الصغيرة التي تمّ استقطابها على قاعدة مطالبها المهنية وقاعدة انحيازها الطبقي للحرية والديمقراطية بل انحياز هذه الشرائح والفئات الطبقية للتغيير الثوري في عصر العولمة والإمبريالية ولذلك تظل الحليفة الاحتياطية للطبقة العاملة في الثورة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى مثّل القطاع الخاص ثقل الطبقة العاملة ولا يزال هذا القطاع الهام بعيدا عن مرمى اليسار النقابي الديمقراطي وغريبا عن خططه وكل المحاولات المبذولة كانت محدودة وفشلت في أول امتحان جدي لاستمراريتها. هل يعود ذلك إلى العوائق الموضوعية المتعلقة بخصائص الطبقة العاملة المهنية الصرفة والمتدنية الوعي وذات التركيبة السوسيولوجية المتأثرة بأصولها الريفية والفلاحية ومميزات حركتها النقابية ومزاجها السياسي والتحولات الكبرى التي طرأت على تركيبتها في ظل العولمة المتوحشة؟ أو بقدرة البيروقراطية النقابية على تسييج عمال المصانع بجدران إسمنتية سميكة وعزلها عن القطاعات المتمردة والاحتجاجية ومثقفيها الثوريين؟ هل أن سلاح النقد يغني عن نقد السلاح؟ ألا توجد إخلالات بنيوية في أسلوب التواصل وشكل الخطاب الموجه للطبقة العاملة؟ ألا تستبطن أساليب العمل التي يشتغل بها اليسار النقابي الديمقراطي أسلوب عمل البيروقراطية نفسها في بعض النواحي؟ وإلا بماذا نفسّر عدم إشعاع النقابات المحررة من البيروقراطية وعدم تحوّلها إلى منارات دالة في التسيير والإشراف والنضالية وإرساء التقاليد الثورية الجديدة بل ظلت لا تختلف جوهريا في أسلوب العمل على النقابات الكلاسيكية للبيروقراطية؟ (يتبع)
#الناصر_بن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في تمثيلية النقابات
-
جدلية النقابي والسياسي
-
موقع الإستقلالية من أزمة الإتحاد العام التونسي للشغل
-
جدلية الموقف والموقع في النقابات
-
بوادر النهوض الجديد
-
انتفاضة 26 جانفي 78: أسباب الأمس ودروس اليوم وأيّ منظمة نقاب
...
-
حزب العمّال التونسي من التّأسيس إلى الثّورة
-
وباء الكورونا ووباء البرجوازية المتعفّنة
المزيد.....
-
ندوة تكوينية و عيادة طبية مجانية للعاملات الفلاحيات بسجنان
-
المكتب الوطني للمتقاعدين للجامعة الوطنية لعمال السكك في تأبي
...
-
الحكومة الجزائرية.. تعديل ساعات العمل في الجزائر وفقا للمرسو
...
-
“خبر مُفرح بالعراق”.. مصرف الرشيد يعلن عن إيداع 200 مليون دي
...
-
استعلم عبر موقع وزارة المالية .. حقيقة صرف زيادة في رواتب ال
...
-
استعلم عن الحقيقة.. صرف زيادة في رواتب المتقاعدين في المملكة
...
-
ما هي حقيقة رفع الحد الأدنى للأجور 2025 لأصحاب المعاشات وال
...
-
استعلم عبر موقع وزارة المالية .. حقيقة صرف زيادة في رواتب ال
...
-
استعلم عن الحقيقة.. صرف زيادة في رواتب المتقاعدين في المملكة
...
-
ما هي حقيقة رفع الحد الأدنى للأجور 2025 لأصحاب المعاشات وال
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|