|
ما الذي يحدث في حلب السورية؟ وماهي انعكاساتها على المسالة الكوردية
سامي عبدالقادر ريكاني
الحوار المتمدن-العدد: 8178 - 2024 / 12 / 1 - 02:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحليل للاحداث في سوريا
تشكل التطورات الجارية في مدينة حلب السورية جزءًا من ديناميكيات أوسع تتعلق بالصراع السوري والإقليمي. وتتنوع التفسيرات لهذه الأحداث بناءً على المصالح الجيوسياسية والقراءات الاستراتيجية للأطراف الفاعلة. ولكن هذه التفسيرات تنطلق من عدت سينورياهات موجودة على ارض الواقع وكلها جزئيا او كليا ستجد مكانها في هذه اللعبة، ويمكن تلخيص هذه الاستراتيجيات في المحاور التالية:
1.المنظور الدولي: اتفاق جنيف والمصالح الأمريكية ربما أن ما يحدث في حلب هو نتاج اتفاق شبه دولي يسعى لمعالجة الأزمة السورية بما يتماشى مع الرؤية الأمريكية. تأتي هذه الخطوات بعد تعثر الاتفاقيات السابقة مثل "سوتشي"، التي جمعت تركيا وإيران وروسيا. يُنظر إلى هذه التحركات كإعادة تموضع للأطراف الدولية في ضوء التوازنات الجديدة، خاصة بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، ما يعزز توقعات بموقف أقل تعقيدًا للولايات المتحدة تجاه مثل هذه التفاهمات.
2. التفاهمات السورية-الإسرائيلية عبر الوساطة الروسية وبتوافق تركي وربما أن التطورات في حلب اقرب مايكون الى انها انعكاس للتفاهمات الاخيرة بين الحكومة السورية وإسرائيل بوساطة روسية وبتنسيق تركي روسي. الهدف الأساسي لهذه التفاهمات، وفق هذا التحول، هو الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، الذي يمثل مصدر قلق كبير لإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر هذه التفاهمات وسيلة لضمان بقاء بشار الأسد في السلطة وعدم تعرضه لأي ملاحقة قانونية أو انقلابات سياسية إلى أن يتم التوصل إلى حل سياسي شامل للوضع السوري. ويُعد تقليص النفوذ الإيراني مصلحة مشتركة لكل من روسيا وسوريا، إلى جانب إسرائيل. اما بالنسبة لتركيا فانها ستفيد من التطورات الجارية في سوريا عبر عدة محاور استراتيجية: • تحجيم الملف الكردي: تسعى تركيا إلى القضاء على أي تطور في الملف الكردي بالمنطقة، بما يضمن تقليص التهديدات التي تعتبرها مصدر قلق دائم لأمنها القومي. • تعزيز النفوذ الإقليمي: تطمح تركيا إلى إحلال نفوذها مكان النفوذ الإيراني المتراجع في سوريا، ما يمنحها دورًا أكثر تأثيرًا في المعادلة الإقليمية. • الاستفادة الاقتصادية: تهدف تركيا إلى تحقيق مكاسب اقتصادية من خلال المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، ما يعزز من دورها كشريك أساسي في إعادة بناء الدولة السورية. • عودة المهجرين السوريين: يعد ملف إعادة المهجرين السوريين من تركيا إلى مناطقهم في سوريا عنصرًا رئيسيًا في حسابات تركيا، حيث يمثل خطوة لتخفيف الأعباء الداخلية وتعزيز الاستقرار في المناطق الحدودية.
3. البعد الإيراني-الإسرائيلي-الأمريكي ولا يستبعد ان آخر التطورات في حلب ربما ترتبط بالتفاهمات الأخيرة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة. وبوساطة المانية بريطانية فرنسية ويُنظر إلى هذه الخطوات كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تمهيد الطريق لمفاوضات إقليمية شاملة بين هذه الأطراف، تشمل ملفات متعددة تتجاوز حدود سوريا، مما يجعل حلب نقطة انطلاق أو اختبار لهذه التوافقات والذي سيكون استرجاع الاتفاق النووي مع ايران احد اهدافها.
4. التنسيق التركي-السوري-الروسي بعد التقاربات الأخيرة بين سوريا وتركيا ربما أن ما يحدث في حلب هو نتيجة لخطة مشتركة بين تركيا، وسوريا، وروسيا تهدف إلى تقليص النفوذ الأمريكي والإيراني في سوريا. • تسعى تركيا من خلال هذه الترتيبات إلى تحجيم التهديدات التي تمثلها الجماعات الكردية على حدودها الجنوبية. • تلتقي مصالح سوريا وروسيا مع تركيا في تقليل التدخلات الأجنبية. • يعتمد هذا التوجه على تجربة هذه الأطراف مع إدارة ترامب السابقة، التي كانت أقل اعتراضًا على تحركات مشابهة، مما يعزز توقعات بتكرار نفس النمط في المستقبل القريب.
5. انعكاسات الصراعات الإقليمية والدولية كما لا يستبعد ان تكون للاحداث علاقة بالصراعات الأوسع في الشرق الأوسط، وخاصة الحرب في أوكرانيا. ينظر إلى سوريا هنا على أنها جزء من لوحة شطرنج دولية، حيث يتم تحريك الأحجار لتعزيز المواقع الاستراتيجية لكل طرف، دون أن يكون هناك رؤية واضحة أو نهائية بشأن مستقبل الملف السوري. هذه التحركات تُفسَّر على أنها محاولات جزئية ومؤقتة ضمن صراع دولي أكبر. بالنتيجة تعكس التطورات في حلب تعقيد المشهد السوري، حيث تتداخل مصالح محلية وإقليمية ودولية. ورغم اختلاف التفسيرات، يبدو أن حلب أصبحت مرة أخرى نقطة محورية للصراعات والتفاهمات الجيوسياسية التي قد ترسم ملامح المرحلة المقبلة للصراع السوري والإقليمي.
الأبعاد الكردية: بين المصلحة والمؤامرة:
من منظور كوردي، تتباين رؤيتنا حول تداعيات الأحداث الجارية في المنطقة، وتتوزع هذه الرؤى بين ثلاثة مواقف رئيسية: المؤيدون، المنتقدون، والمحايدون. فيما يلي تفصيل لهذه المواقف:
1. المؤيدون: رؤية المصلحة الكردية في التغيرات الجارية هناك احتمالات كبيرة أن التطورات الحالية قد تحمل فرصًا لتعزيز المصالح الكردية بشكل غير مباشر. ويستند هذا الرأي إلى عدة عوامل، أبرزها: • أهمية الكورد في الاستراتيجيات الأمريكية والإسرائيلية والغربية عمومًا، وحتى في الحسابات العربية، خاصة في ضوء الاتفاقيات السابقة التي جرت بقيادة إدارة ترامب والمخطط لاستكمالها لاحقًا. • اعتبار الكورد قوة قتالية شرسة ومكونًا محوريًا في أي معادلات ميدانية أو جيوسياسية. • وجود حاجة متزايدة لدى الولايات المتحدة لتوسيع حضورها في المنطقة، ما يعزز دور الكورد كشريك أساسي، خصوصًا في مواجهة الجماعات المصنفة إرهابية، باستثناء تركيا. • وبالنتيجة أن التوجهات الحالية تساهم في تقوية الوجود الكردي في المنطقة كجزء من ترتيبات جيوسياسية أوسع.
2. المنتقدون: مخاوف من مؤامرة تستهدف المكتسبات الكردية هناك مخاوف حقيقية من نوايا الأطراف الفاعلة، فلا نستبعد أن تكون الأحداث الجارية تخفي وراءها مؤامرة لتقويض المكتسبات الكردية. ويركزون على الدور التركي الذي يُنظر إليه بعين الريبة، لعدة أسباب: • تركيا تُتهم بأنها تتحرك في أي اتجاه بما يخدم هدفها الرئيسي، وهو القضاء على الطموحات الكردية. • المبادرات التركية، مثل مشاريع السلام، يُنظر إليها من قبل هؤلاء كتكتيكات تهدف لتجميد الحراك الكردي مؤقتًا، مع استغلال الوقت لإعادة ترتيب أوضاعها. • يعتقدون أن تركيا تسعى إلى تحويل الأوضاع لصالحها تحت غطاء حسن النوايا، لكنها ستعود لمواقفها التقليدية المعادية للكورد حال استقرار الظروف. هذه المخاوف يُعبر عنها بعبارات مثل المثل العربي: "حليمة إلى عادتها القديمة" أو المثل الكردي: "پەرێ وەکی بەرێ".
3. المحايدون: القضية الكردية على الهامش لكنها متأثرة حسب الوضع الحالي أن القضية الكردية ليست في صلب الترتيبات الحالية، لكنها لا بد أن تتأثر إيجابًا أو سلبًا نتيجة للتغيرات الإقليمية والدولية. وحجتنا في ذلك تستند إلى: • الجغرافيا العدائية أن المحيط الجغرافي للكورد، المليء بالصراعات، يجعل من الصعب عليهم تحقيق دور فاعل ومستدام في أي معادلات استراتيجية، ما يجعلهم مجرد أدوات أو "ريشة في مهب الريح". • البنية القبلية والمجتمعية: يعتبرون أن الكورد ما زالوا بعيدين عن الوعي المدني والسياسي اللازم لإدارة دولة حديثة. النزعات القبلية والعشائرية، وفق هذا الطرح، تهيمن على تشكيلاتهم السياسية، حتى في ظل وجود أحزاب أو وحدات سياسية مثل الفيدرالية أو الحكم الذاتي. • غياب الهوية السياسية الموحدة: يبرز هذا الرأي أن الصراعات الداخلية بين الأحزاب والعشائر الكردية غالبًا ما تطغى على أي جهود لمواجهة التحديات الخارجية، ما يعزز صورة الكورد كأطراف متفرقة وغير قادرة على بناء مشروع سياسي جامع. وبالنتيجة فان الوضع الكوردي رهينة لما ستقرره طبيعة الصراعات الإقليمية والدولية سلبا او إيجابا على مصالحهم فكما لا نستبعد ان قضيتهم وحلها ستكون ضمن الدول التي يسكنونها فكذلك لا نستبعد وصولهم الى دولة مستقلة، وبين النقطتين اي شكل اخر سيبقى محتملا فدراليات كونفدراليات كانتونات حكومات محلية لا مركزية كلها وارد.
وجهة نظرنا وخلاصة الموضوع: تشير الأحداث في حلب إلى تعقيدات عميقة تتجاوز البعد المحلي، ما يجعلها مسرحًا لتفاعلات جيوسياسية متشابكة. يبقى المستقبل مفتوحًا على احتمالات متعددة، اعتمادًا على التفاهمات أو التصعيد بين القوى الدولية والإقليمية وبالنسبة للكورد، فإن موقعهم في هذه المعادلة يتوقف على قدرتهم على التكيف مع المتغيرات والتحالف مع القوى المؤثرة لضمان الحفاظ على مكتسباتهم ضمن رؤية مستقبلية للدول التي يتواجدون فيها.
#سامي_عبدالقادر_ريكاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحليل الوضع الراهن: إيران وإسرائيل والشرق الأوسط
-
الانتخابات الكوردية والمصير: العلاقة الجدلية
-
الديناميكيات الجيوسياسية في الشرق الأوسط: تحليل للصراع الثلا
...
-
--- ( لعبة الربح والخسارة في المعادلة السياسية العراقية )
-
انعكاس نتائج القمتين جدة وطهران على الوضع في كل من سوريا وال
...
-
القضية الكوردية (ازمة الدين والسياسة)
-
العقلية السياسية التراثية وسيطرتها على العقل السياسي الشرقي
...
-
-هل سيتكرر السيناريو الافغاني في العراق؟-
-
هل ستصبح افغانستان بؤره للارهاب ولماذا؟
-
سوريا والعراق بعد قمم بايدن الاخيرة (الجزء الثاني)
-
سوريا والعراق بعد قمم بايدن الاخيرة(الجزء الاول)
-
من يحكم العراق اليوم؟، وهل بالامكان تغيير الاوضاع في عهد جو
...
-
السياسة العامة الحكومية في اقليم كوردستان العراق(ادارة الازم
...
-
السياسة العامة الحكومية في العراق -ادارة الدولة-
-
اللعبة لم تنتهي بعد( الانتخابات الامريكية)
-
التطبيع مع اسرائيل والشعارات المضادة بين الحقيقة والزيف
-
التطبيع مع اسرائيل والشعارات المضادة بين الحقيقة والواقع
-
ماذا ينتظر الكورد بعد اتفاق قسد وامريكا
-
الكورد والاسلام والدولة
-
سيبقى اقليم كوردستان رغم كل الازمات
المزيد.....
-
ترامب يختار والد صهره تشارلز كوشنر سفيرا للولايات المتحدة بف
...
-
العراق يسجل ارتفاعا في أعداد اللبنانيين العائدين إلى بلدهم
-
البيت الأبيض: الانهيارات في سوريا سببها اعتماد النظام على رو
...
-
-يمهل ولا يهمل-.. الراقصة شمس المغربي توجه -رسالة مثيرة- لطل
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تسقط 10 مسيرات أوكرانية في سماء بريا
...
-
مسؤول مصري رفيع: المنطقة على أبواب ربيع عربي جديد وصراعات مس
...
-
واشنطن تهدد -حماس- بزيادة الضغط من خلال العقوبات
-
-نيوزويك-: إنشاء مركز عمليات إنزال في النرويج لمواجهة روسيا
...
-
الرئيس الروسي يوقع على قانون الميزانية الفيدرالية للأعوام من
...
-
نائبة مصرية تطالب بإغلاق منصة -تيك توك- نهائيا (فيديو)
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|