أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الاستئثار بالسلطة وتهميش العدالة: قراءة في أزمة الدولة القُطرية العربية















المزيد.....

الاستئثار بالسلطة وتهميش العدالة: قراءة في أزمة الدولة القُطرية العربية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8178 - 2024 / 12 / 1 - 02:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ أن شُكّلت الدول القُطرية العربية في أعقاب حقبة الاستعمار، وهي تعيش أزمة وجودية عميقة، تتجاوز كونها مجرد أزمات سياسية أو اقتصادية لتصل إلى جوهر بنيتها ووظيفتها. فقد أُنشئت هذه الدول في سياقات تاريخية اتسمت بالاضطراب والتدخل الخارجي، وعلى أسس هشّة لا تُراعي الروابط القومية ولا الطموحات الشعبية، مما جعلها تواجه تحديات مستمرة في تحقيق الاستقرار والتنمية والعدالة.

ومع مرور الزمن، أصبح تسلط الأنظمة الحاكمة واستبدادها هو السمة الأبرز التي تميز هذه الكيانات السياسية، حيث احتكرت النخب الحاكمة السلطة والثروة، وفرضت سياسات قمعية لضمان بقائها. في المقابل، عجزت الحركات الاحتجاجية، رغم شجاعتها وانتشارها في أكثر من مرحلة تاريخية، عن إحداث التغيير المطلوب بسبب ضعف تنظيمها، وقسوة الردود الأمنية، فضلاً عن التدخلات الخارجية التي زادت المشهد تعقيداً.

هذا الواقع المؤلم أفضى إلى نتائج مدمرة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، حيث تفاقمت معدلات الفقر والبطالة، واتسعت فجوة التفاوت الطبقي، مما أدى إلى شعور عميق بالظلم والإقصاء لدى غالبية شعوب المنطقة. ولم تقتصر الأزمة على تراجع مستوى المعيشة، بل امتدت لتشمل غياباً شبه كامل للعدالة الاجتماعية والمؤسساتية، مما كرّس حالة من الإحباط واليأس لدى الأجيال الصاعدة.

في ظل هذا المشهد القاتم، تبرز إشكالية الدولة القُطرية العربية كمعضلة محورية تستوجب إعادة النظر في أسس بنائها ووظائفها. فالسؤال الملح اليوم ليس فقط كيف وصلت هذه الدول إلى هذا الحال، بل أيضاً كيف يمكن تجاوز هذه الأزمة البنيوية التي تُهدد مستقبلها ومستقبل شعوبها. إنها لحظة فاصلة تتطلب مقاربة شاملة وجريئة، تعالج جذور الأزمة بدلاً من الاكتفاء بالحلول الجزئية أو المؤقتة.

في هذا السياق، نسعى إلى تسليط الضوء على أزمة الدولة القُطرية العربية، من خلال تحليل جذورها التاريخية والسياسية، واستعراض مظاهر تسلط الدولة وفسادها، ومناقشة أسباب فشل الحركات الاحتجاجية، وصولاً إلى البحث عن آفاق مستقبلية قد تُمهّد الطريق نحو واقع أكثر عدلاً واستقراراً.

أزمة الدولة القُطرية العربية: تحليل شامل ومتعدد الأبعاد

تمثل أزمة الدولة القُطرية العربية إحدى الإشكاليات الكبرى التي تواجه المجتمعات العربية في العصر الحديث. هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل نتاج تراكم تاريخي وسياسي واقتصادي واجتماعي. وسنحاول هنا تقديم شرح مفصل لهذه الظاهرة من خلال تحليل أبعادها الرئيسية.

1. مفهوم الدولة القُطرية العربية

الدولة القُطرية العربية هي الدولة التي نشأت بعد تفكك الإمبراطوريات الكبرى (كالإمبراطورية العثمانية) وتقسيم العالم العربي بموجب اتفاقيات استعمارية مثل سايكس بيكو (1916). تم فرض الحدود بين الدول العربية دون مراعاة للروابط الثقافية أو القومية أو الدينية التي كانت توحد شعوب المنطقة.
نشأت هذه الدول لتكون وحدات سياسية مستقلة، لكنها ورثت مشاكل هيكلية عميقة تتعلق بالشرعية والهوية والتنمية، مما جعلها في حالة دائمة من عدم الاستقرار.

2. تسلط الدولة واستبدادها

أحد أبرز مظاهر أزمة الدولة القُطرية العربية هو تسلط الدولة على المجتمع واستبدادها السياسي، ويمكن شرح ذلك كالتالي:
- غياب الديمقراطية: معظم الأنظمة الحاكمة في العالم العربي اتسمت بغياب آليات ديمقراطية حقيقية. الحكومات غالباً ما تكون سلطوية، تعتمد على القمع وتقييد الحريات.
- احتكار السلطة: تركزت السلطة في يد قلة قليلة من الأفراد أو العائلات الحاكمة، مما أدى إلى تهميش دور المؤسسات التشريعية والقضائية.
- الأمننة الزائدة: أصبح الأمن ذريعة لقمع الحركات السياسية والاجتماعية، حيث يتم تصوير أي معارضة على أنها تهديد للأمن القومي.
- غياب المحاسبة: الفساد وسوء الإدارة ازدهرا نتيجة لضعف الشفافية والمساءلة القانونية.

3. الفساد واستئثار القلة بالحكم

يعد الفساد إحدى الركائز التي تكرس أزمة الدولة القُطرية العربية، حيث يؤدي إلى:

- احتكار الموارد الاقتصادية: تسيطر النخب الحاكمة على الثروات الوطنية، مما يخلق فجوة واسعة بين الطبقة الحاكمة وباقي فئات الشعب.
- الاقتصاد الريعي: تعتمد العديد من الدول العربية على الاقتصاد الريعي (كالنفط والغاز)، مما يعزز من سيطرة النخب الحاكمة على الاقتصاد ويضعف الاقتصاد الإنتاجي.
- إضعاف البنية التحتية: يتم توجيه الموارد بشكل غير عادل، مما يعرقل التنمية المستدامة ويزيد من التفاوت الطبقي.

4. الحركات الاحتجاجية وعجزها عن التغيير

شهدت المنطقة العربية موجات متتالية من الحركات الاحتجاجية، بدءًا من الانتفاضات الشعبية في منتصف القرن العشرين وصولاً إلى ثورات الربيع العربي. ومع ذلك، واجهت هذه الحركات تحديات كبرى:
- ضعف التنظيم: تفتقر معظم الحركات الاحتجاجية إلى هيكل تنظيمي واضح أو قيادة موحدة، مما يجعلها عاجزة عن تقديم بديل سياسي قوي.
- القمع العنيف: تعاملت الأنظمة الحاكمة مع هذه الحركات بالقوة المفرطة، مما أدى إلى إضعافها وتشتيتها.
- اختلاف الأولويات: تعددت مطالب الحركات الاحتجاجية بين الإصلاح السياسي، والعدالة الاجتماعية، والحقوق المدنية، مما أدى إلى تشتت الجهود.
- التدخلات الخارجية: لعبت القوى الدولية والإقليمية دوراً سلبياً في استغلال هذه الحركات لتحقيق مصالحها على حساب تحقيق التغيير الداخلي.

5. النتائج: الفقر والبطالة وغياب العدالة

أدت الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتراكمة إلى نتائج كارثية على المستوى الشعبي:
- الفقر: يعيش الملايين من العرب تحت خط الفقر نتيجة ضعف التنمية الاقتصادية والفساد.
- البطالة: تُعد معدلات البطالة في العالم العربي من بين الأعلى عالمياً، خاصة بين الشباب والخريجين.
- غياب العدالة الاجتماعية: تفاقم التفاوت الاقتصادي والاجتماعي أدى إلى شعور عميق بالإقصاء والتهميش لدى قطاعات واسعة من الشعب.
- الهجرة والنزوح: تزايدت معدلات الهجرة سواء داخلياً أو خارجياً بسبب الصراعات والفقر والبحث عن حياة أفضل.

6. الأفق المستقبلي: هل من مخرج؟

للتغلب على أزمة الدولة القُطرية العربية، يجب العمل على معالجة الجوانب التالية:
- الإصلاح السياسي: تعزيز الديمقراطية، وفتح المجال أمام مشاركة سياسية حقيقية.
- مكافحة الفساد: تطبيق آليات شفافة للمحاسبة، واسترداد الأموال المنهوبة.
- تمكين الشباب: الاستثمار في التعليم وخلق فرص عمل للشباب.
- إعادة بناء العقد الاجتماعي: يجب أن تستعيد الدولة ثقة المواطنين من خلال تقديم خدمات عادلة وشاملة.
- التكامل الإقليمي: تعزيز التعاون بين الدول العربية لإيجاد حلول جماعية للمشاكل المشتركة.

وباختصار، فإن أزمة الدولة القُطرية العربية هي أزمة شاملة ومعقدة تعكس إخفاقات سياسية واقتصادية واجتماعية متراكمة. الحل يتطلب تغييرات جذرية ومقاربة شاملة تعالج الأسباب الهيكلية للأزمة، وتضع في الاعتبار مصالح الشعوب وليس النخب فقط. إن الإصلاح الحقيقي لن يكون سهلاً، لكنه ضرورة حتمية إذا أرادت المجتمعات العربية الخروج من حالة الجمود والتخلف الراهنة.

إن أزمة الدولة القُطرية العربية ليست مجرد تحدٍّ عابر أو مشكلة ظرفية يمكن معالجتها بإصلاحات سطحية، بل هي أزمة وجودية تعكس اختلالات هيكلية عميقة في طبيعة هذه الدول وأدوارها ووظائفها. فقد أفرزت عقود من الاستبداد والتسلط والفساد دولةً منفصلة عن شعوبها، تسعى للحفاظ على بقائها على حساب العدالة والتنمية والمشاركة السياسية. وفي المقابل، ظلت الحركات الاحتجاجية عاجزة عن تقديم بدائل حقيقية أو تحقيق تغييرات جوهرية، مما عمّق الشعور بالإحباط واليأس لدى الأجيال العربية، وأبقى شعوبها عالقة بين مطرقة الاستبداد وسندان الفقر والتهميش.

إن تفكيك هذه الأزمة يتطلب ما هو أكثر من إصلاحات تجميلية؛ بل يحتاج إلى إعادة صياغة شاملة للعقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع، بحيث تقوم الدولة بدورها كحامية لحقوق المواطنين وخادمة لمصالحهم، وليس كأداة قمعية تعمل لصالح النخب الحاكمة. كما أن هذا التحول لن يكون ممكناً دون إرادة سياسية حقيقية ومشاركة شعبية واسعة تدفع باتجاه بناء دول مدنية تعتمد على سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، وتكافؤ الفرص بين الجميع.

ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف لن يكون سهلاً في ظل التحديات المركبة التي تواجه المنطقة، بدءاً من الصراعات الإقليمية والدولية، مروراً بالانقسامات الداخلية، وصولاً إلى التدخلات الخارجية التي تسعى لإبقاء العالم العربي في حالة من التبعية والضعف. ومع ذلك، يبقى الأمل قائماً إذا تمكنت الشعوب العربية من تجاوز إحباطاتها وتوحيد مطالبها، واستطاعت بناء حركات واعية ومنظمة قادرة على فرض التغيير من أسفل إلى أعلى.

إن هذه اللحظة التاريخية التي تمر بها الدولة القُطرية العربية تفرض على الجميع، حكاماً وشعوباً ونخباً، الوقوف أمام مفترق طرق. فإما أن يتم العمل بجدية على معالجة جذور الأزمة، وإعادة بناء الدولة على أسس جديدة قائمة على العدل والشراكة، أو أن تبقى هذه الدول عالقة في دوامة التخلف والانهيار. إن التغيير الحقيقي ليس خياراً، بل ضرورة وجودية لتأمين مستقبل أكثر استقراراً وكرامةً للأجيال القادمة، ولإعادة المنطقة إلى مكانتها الطبيعية كجزء فاعل ومزدهر في العالم.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية الحكم والسلطة في فكر المعتزلة: قراءة عقلانية
- الإبادة المعرفية: معركة الذاكرة والهوية في العالم العربي
- من الحق الإلهي إلى العقد الاجتماعي نظريات الحكم في العصور ال ...
- عالم ما بعد الهيمنة: صعود القوى الجديدة وانحسار النفوذ الأمر ...
- إشكالية رؤية الله في الآخرة: بين الإيمان والعقل والفلسفة
- الطاعة السياسية في ضوء النصوص الشرعية: بين العدالة الإلهية و ...
- إعادة بناء الهوية الوطنية: مقاربات شاملة لمعالجة أزمة الانتم ...
- العلمانية العسكرية: قراءة نقدية في مشروع التحديث القسري في ا ...
- الحداثة وما بعد الحداثة: تفكيك العقل وإعادة بناء المعنى
- التحولات في العلاقات المصرية الإسرائلية: من السلام إلى التعا ...
- مأزق الواقع العربي المعاصر: الأسباب، التداعيات، آفاق الحل
- مجتمع -ما بعد المعلومات- في السياق العربي: بين استثمار الفرص ...
- اقتصاد الانتباه: تحديات العصر الرقمي في عصر الهيمنة التقنية
- هل انتهى عصر النفوذ الفرنسي في أفريقيا؟ قراءة في التحديات وا ...
- القيادة السامة وأثرها: كيف يمكن للقيادة الإيجابية أن تعيد ال ...
- أزمة الحكم في العالم العربي: موروث الاستبداد وتحديات الشفافي ...
- حرب الرقائق الإلكترونية هل تستعد الدول العربية لدخول ميدان ا ...
- الصوفية السياسية: مسارات التكيف والتحدي بين تركيا والعالم ال ...
- الصهيونية العلمانية: جدلية الحداثة والهوية في المجتمع الإسرا ...
- شراء الصمت في العالم العربي: أداة لطمس الحقيقة وتعزيز الهيمن ...


المزيد.....




- ترامب يختار والد صهره تشارلز كوشنر سفيرا للولايات المتحدة بف ...
- العراق يسجل ارتفاعا في أعداد اللبنانيين العائدين إلى بلدهم
- البيت الأبيض: الانهيارات في سوريا سببها اعتماد النظام على رو ...
- -يمهل ولا يهمل-.. الراقصة شمس المغربي توجه -رسالة مثيرة- لطل ...
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 10 مسيرات أوكرانية في سماء بريا ...
- مسؤول مصري رفيع: المنطقة على أبواب ربيع عربي جديد وصراعات مس ...
- واشنطن تهدد -حماس- بزيادة الضغط من خلال العقوبات
- -نيوزويك-: إنشاء مركز عمليات إنزال في النرويج لمواجهة روسيا ...
- الرئيس الروسي يوقع على قانون الميزانية الفيدرالية للأعوام من ...
- نائبة مصرية تطالب بإغلاق منصة -تيك توك- نهائيا (فيديو)


المزيد.....

- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الاستئثار بالسلطة وتهميش العدالة: قراءة في أزمة الدولة القُطرية العربية