أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد علي سليفاني - التفاهة: نظام بين التافه والأتفه














المزيد.....

التفاهة: نظام بين التافه والأتفه


خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم

(Khaled Ali Silevani)


الحوار المتمدن-العدد: 8176 - 2024 / 11 / 29 - 02:49
المحور: المجتمع المدني
    


في عصرٍ أصبحت فيه الشهرة في متناول كل من يجرؤ على تجاوز القيم والأعراف، بات الطريق إلى النجومية أقصر مما كنا نتخيل. لم يعد الإبداع شرطًا للتميز، ولا أصبحت الموهبة معيارًا أساسيًا للنجاح. يكفي أن تقف أمام الكاميرا، تُثير الجدل، أو تُطلق الضحكات الفارغة لتتحول إلى "نجم" تلهث وراءه الجماهير.

جذور التفاهة: تاريخ قديم بقوالب جديدة
التفاهة ليست ظاهرة وليدة هذا العصر؛ فجذورها تمتد عبر التاريخ. في زمن الإغريق، كان السفسطائيون يُجيدون الخطابة الفارغة التي تفتقر إلى الحكمة، ما دفع سقراط وأفلاطون إلى انتقادهم باعتبارهم رموزًا للسطحية والجدل العقيم. وفي العصور الوسطى، برزت التفاهة في صورة المهرجين الذين كانوا يُضحكون الملوك لإشباع غرورهم دون اكتراثٍ بالقيمة. أما في عصر النهضة، وعلى الرغم من ازدهار الفنون والفكر، ظهرت التفاهة أحيانًا في صورة مبالغات زخرفية خالية من العمق.

لكن التحول الأكبر جاء في القرن العشرين مع ظهور وسائل الإعلام التي جعلت التفاهة أداةً مربحةً لتحقيق الشهرة والمكاسب المادية. وفي العصر الرقمي الحالي، تضاعف هذا التأثير، حيث لم تعد التفاهة مجرد ظاهرة عابرة، بل أصبحت صناعة متكاملة تُدعمها الخوارزميات التي تروّج للمحتوى السريع والجذاب بصرف النظر عن قيمته.

من الذي يصنع التفاهة حقًا؟
نشهد جميعًا كيف تتحول شخصيات فارغة إلى نجومٍ تتصدر المشهد بين ليلة وضحاها. أصبحنا في مجتمع يُمجّد السطحية ويُكرّس العبثية كرموز مُحتفى بها. لم يعد المطلوب أن تكون عاديًا أو مميزًا، بل يكفي أن تُتقن فن إثارة الجدل أو حتى اللجوء للسباب والشتم لتصبح "ظاهرة". ولكن، المفارقة الحقيقية لا تكمن في هؤلاء التافهين أنفسهم، بل في الجمهور الذي يصفق لهم ويمنحهم حافز الاستمرار.
لولا هذا الجمهور الذي يُتابع ويُعجب ويُشارك، لما تمكن هؤلاء من البقاء أو التأثير. تخيّل أي شخصية تافهة تملأ مواقع التواصل الاجتماعي اليوم: هل كانت ستستمر لو لم تجد من يتابعها؟ بضعة أيام فقط، وسيعود التافهون إلى حجمهم الطبيعي. الجمهور، بوعيه أو بدونه، هو الذي يصنع هؤلاء، تمامًا كما يصنع كل ظاهرة أخرى تؤثر في حياته.

التناقض: قاعدة الزمن الراهن
إنه الجمهور نفسه الذي ينتقد التافهين علنًا، لكنه لا يتردد في التهافت لالتقاط الصور معهم عند أول فرصة. أليس هو الجمهور ذاته الذي يُكرّس هذه الظاهرة؟ في هذا التناقض تتجلى أزمة أعمق: من هو التافه الحقيقي؟ هل هو ذلك الذي يعتلي المنصات بلا محتوى يُذكر؟ أم الجمهور الذي يُتابعه، يُدعمه، ويُبارك وجوده؟

من ضحية إلى صانع
لقد اختلطت الأدوار وضاع المعنى في زحمة هذا الواقع المشوّه. وبينما يستمر العالم في إنتاج المزيد من "النجوم" الذين لا يستحقون التوهج، يبقى السؤال الأهم: هل نحن ضحايا لهذا الزمن الذي يُكرّس التفاهة؟ أم أننا صانعوه؟
الإجابة تكمن في مسؤوليتنا كأفراد. يمكننا التوقف عن متابعة هذا النوع من المحتوى، وتشجيع الإبداع الحقيقي والمحتوى القيّم. يمكننا أن نُعيد تعريف معايير النجاح والشهرة، وأن نُعلّم الأجيال القادمة أهمية القيم والمعرفة.

علينا أن ندرك أن التفاهة ليست أمرًا محتومًا، بل انعكاسٌ لاختياراتنا كجمهور. فإذا أردنا أن نُغيّر هذا الواقع، يجب أن نبدأ بأنفسنا: نُدرك مسؤوليتنا ونُعيد النظر في خياراتنا. بهذا فقط، يمكننا استعادة المعنى وسط هذا الزخم الرقمي المشوّه.



#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)       Khaled_Ali_Silevani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوصلة التيه
- الدكتاتوريات الصغيرة وسياسة الفصل الطبقي في المؤسسات الحكومي ...
- لا تساوم: نحو مجتمع يتبنى القيم الحقيقية
- كوردستان في التاريخ المعاصر: استكشاف الأبعاد السياسية والاجت ...
- قراءة في كتاب سياسة الحكومة العراقية في كوردستان (1975-1991) ...
- خطاب التغيير وزيف الممارسة: المثقف بين النظرية والتطبيق
- النفاق الانتخابي: ظاهرة اجتماعية تزداد تعقيداً مع اقتراب موع ...
- بين بَيْنَيْن بَيْنٌ
- طقوس بناء النصوص
- كذبة نيسان
- شاهد عيان على نوم القمر
- مقامات السليفاني- وعاظ الأمير
- عزم الكردي
- شعب العجائب
- مفاتيحُ الضباب
- عذرية الحرية
- ألا أدلكَ على شذرةِ الخُلدِ؟
- خبز عاجل...من قناة الجياع
- شذرات
- لعبة النسوة


المزيد.....




- نشر رسائل لكاتب فرنسي شهير عارض عقوبة الإعدام لمناضلين جزائر ...
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات طالت عدة شبان ببلدة باقة الحطب شر ...
- العراق يوقع اتفاقية مع بريطانيا لمكافحة عصابات تهريب البشر
- هدوء حذر على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية مع عودة النازحين و ...
- الأونروا: إسرائيل رفضت وعرقلت 91 محاولة لإيصال المساعدات إلى ...
- عودة النازحين إلى الهرمل بعد اتفاق وقف إطلاق النار
- طلاب يتظاهرون في لندن دعما لفلسطين
- العراق وبريطانيا يوقعان اتفاقا لمواجهة تهريب البشر
- تحرير مختطفة أسترالية واعتقال الخاطفين بالعراق
- العفو الدولية تدعو السعودية إلى إطلاق سراح المحتجزين تعسفيا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد علي سليفاني - التفاهة: نظام بين التافه والأتفه