|
كيف يطعن بعدم دستورية القوانين من الجهات الرسمية؟ قراءة في تباين اجتهاد القضاء الدستوري في العراق
سالم روضان الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 8175 - 2024 / 11 / 28 - 23:50
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
إن وجود الرقابة على دستورية القوانين هي أفضل وسيلة لحماية الحقوق الواردة في الدستور وتعطي هذه الرقابة نتيجة حتمية لسمو الدستور، ويكاد يكون أسلوب الرقابة القضائية هو الطابع الغالب على الدساتير في معظم البلدان، وهو ما معمول به حاليا في العراق حيث تتولى المحكمة الاتحادية العليا الرقابة القضائية على دستورية القوانين، ويكون الطعن بعدم دستورية القانون بموجب دعوى تقام أمام المحكمة الاتحادية العليا يطعن بموجبها في دستورية القانون محل الطعن، وتكون هذه الدعوى هي وسيلة الوصول إلى الحكم بعدم الدستورية أو بالدستورية تجاه النص القانوني المطعون فيه، الا ان قانون المحكمة الاتحادية العليا النافذ الصادر بموجب الامر رقم 30 لسنة 2005 المعدل لم يرد فيه أي نص ينظم القواعد الإجرائية لمرافعات الدعوى الدستورية او قواعد طلب النظر بدستورية القوانين، الا انه فوض المحكمة الاتحادية صلاحية تشريع قواعد إجرائية خاصة بها وعلى وفق ما ورد في المادة (9) التي جاء فيها (تصدر المحكمة الاتحادية العليا نظاما داخليا تحدد فيه الاجراءات التي تنظم سير العمل في المحكمة وكيفية قبول الطلبات واجراءات الترافع وما يسهل تنفيذ احكام هذا القانون وينشر هذا النظام في الجريدة الرسمية) التفويض التشريعي: وقبل ان استعرض موضوع القراءة الفقهية لابد من الوقوف على مبدأ التفويض التشريعي وهل يملك مجلس النواب ذلك وعلى وفق الاتي: ان التشريع هو من اختصاص السلطة التشريعية حصراً ولا يجوز تفويض هذه الصلاحية او السلطة الى أي جهة أخرى، وعلى وفق احكام الدستور النافذ ومنها الفقرة (1) من المادة (61) من الدستور التي جاء فيها (يختص مجلس النواب بما يأتي: تشريع القوانين الاتحادية) وهذه صلاحية حصرية لمجلس النواب ولا يجوز تفويضها لاي كان، لان المحكمة الاتحادية العليا هي مكون مكونات السلطة القضائية ولا تملك سلطة التشريع، وهذا خرق صارخ لمبدأ الفصل بين السلطات، لان التفويض هو العمل الذي بموجبه ينقل صاحب صلاحية أصيل " مفوِّض" ممارستها إلى سلطة أخرى "مفوَّض" وعلى وفق ما عرفه الفقه الدستوري، وهذا يعني تنازل مجلس النواب عن بعض صلاحياته، وهذا ما لا يملكه مجلس النواب لان الدستور العراقي لم يأخذ بمبدأ التفويض التشريعي، ولم يرد في صلاحيات مجلس النواب الواردة في دستور عام 2005 النافذ ما يشير إلى هذا المعنى، ومن ثم تصبح علمية التفويض غير ذات اثر دستوري أو قانوني، باستثناء حالة واحدة أشار لها الدستور تتعلق بتخويل رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من الإدارة أثناء فترة إعلان الحرب أو حالة الطوارئ، هو تخويل بالإدارة وليس تفويض بالتشريع، وكان لنا رأي سابق معلن عن عدم جواز اعداد قواعد مرافعات إجرائية تخالف نصوص قانون المرافعات المدنية النافذ، لان القانون منح المحكمة صلاحية اصدار نظام داخلي ويعد أدني درجة من القانون في هرم التشريع، وهذا يعني في حال حصول تعارض بين النظام الداخلي والقانون فان الارجحية والاولوية تكون للقانون، ومع ذلك لإنه واقع حال سوف اتجاوز هذه الإشكالية التشريعية الى مناسبة أخرى، القراءة: ومن خلال ما تقدم في أعلاه وجدت ان النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2022 قد بين الية الطعن بعدم الدستورية بالقوانين حيث حددت سبيلين فقط لطعن بعدم الدستورية تعتمد على الجهة الطالبة للطعن، في المادة (19) من النظام الداخلي أعلاه قد جعلت طلب عدم الدستورية بطلب يقدم من الجهات الرسمية التي حددها نص المادة أعلاه وعلى وفق الاتي (لأي من السلطات الاتحادية الثلاث والوزارات والهيئات المستقلة ورئاسة وزراء الاقليم والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظين الطلب من المحكمة البت بدستورية نص قانوني أو نظام على ان يُرسل الطلب الى المحكمة بكتاب موقع من رئيس السلطة المعنية أو الوزير المختص أو رئيس الهيئة المستقلة أو رئيس وزراء الاقليم أو رئيس وزراء الجهة غير المرتبطة بوزارة أو المحافظ على أن يتعلق النص المطعون فيه بمهام تلك الجهات وأثار خلاف في التطبيق) وبموجب النص أعلاه فان أي جهة رسمية لا يجوز لها ان تقيم الدعوى للطعن بعدم الدستورية، وانما يكون بطلب يقدم من الجهات المحددة في المادة أعلاه وهذا ما جسدته المحكمة الاتحادية العليا في قرارها العدد لعدد 210/اتحادية/2024 في 5/11/2024 عندما قضت برد دعوى مدير عام شركة نفط البصرة لإنه يمثل جهة رسمية ولابد ان يكون بطلب وليس بدعوى وان يقدمها الوزير المختص، وكان لنا تعليق يخالف هذا التوجه للأسباب التي وردت في التعليق المنشور في وسائل الاعلام في حينه، وجاء في الفقرة الحكمية الاتي (عليه ولكل ما تقدم قررت المحكمة الاتحادية العليا ما يأتي: أولا: الحكم برد دعوى المدعي مدير عام شركة نفط البصرة / إضافة لوظيفته بخصوص الطعن بعدم دستورية الفقرة (٤) من المادة (۸۲) من قانون المصارف رقم (٩٤) لسنة ۲۰۰٤، كون المدعي ليس من الأشخاص المنصوص عليهم في المادتين (۹ و۲۰) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (۱) لسنة ۲۰۲۲ الذين يحق لهم الطعن بعدم الدستورية) حيث اعتبرت ان اقامة الدعوى تكون على وفق احكام المادة (20) من النظام الداخلي من (أي من الاشخاص الطبيعية أو المعنوية الخاصة أو منظمات المجتمع المدني المعترف بها قانوناً، الحق في إقامة الدعوى المباشرة أمام المحكمة الاتحادية العليا) بينما في دعوى أخرى كان المدعي فيها وزير الدفاع قد قبلتها المحكمة من جهة الخصومة ونظرت فيها موضوعا وأصدرت حكمها بعدم دستورية أحد النصوص القانونية وعلى وفق ما ورد في قرارها العدد 241/اتحادية/2024 في 29/10/2024 مع ان وزير الدفاع يمثل مؤسسة رسمية والمادة (20) من النظام الداخلي حصرت إقامة الدعوى المباشرة من الأشخاص الطبيعين او الأشخاص المعنوية الخاصة ومنظمات المجتمع المدني فقط، بينما عادت وقبلت الطلب المقدم من وزيرة المالية استنادا لأحكام المادة (19) من النظام الداخلي باعتبار ان تلك المؤسسات الرسمية لها حق طلب الطعن بعدم الدستورية وتنظر المحكمة فيه بدون دعوة الطرفين وبدون مرافعة، وعلى وفق ما ورد في قراراها العدد 232/اتحادية/2024 في 13/11/2024، بينما في الدعوى المباشرة يجب دعوة الطرفين والاستماع الى دفوع الطرفين وهذا ما كان عليه الحال في دعوى وزير الدفاع العدد 241/اتحادية/2024 في 29/10/2024 الخلاصة : ان المتابع لم يتمكن من تحديد الاتجاه الذي تتبناه المحكمة الاتحادية العليا في كيفية طعن الجهات الرسمية بعدم دستورية القوانين، فإننا وجدنا انها منعت شركة رسمية حكومية من الطعن بدعوى مباشرة باعتبار ان من لهم حق الطعن يجب ان يكون وزير النفط استنادا الى المادة (19) من النظام الداخلي ، ثم قبلت دعوى مباشرة من جهة رسمية أخرى (وزارة الدفاع) مع ان النظام الداخلي في المادة (20) قد منع أي جهة رسمية من إقامة الدعوى المباشرة لإنه قصرها على الأشخاص الطبيعين او الأشخاص المعنوية الخاصة ومنظمات المجتمع المدني فقط، ثم عاد وقبل طلب مقدم من وزيرة المالية على أساس المادة (19) من النظام الداخلي، وهذا التباين في الاجتهاد سوف يؤثر في فهم الموظف الحقوقي او المستشار القانوني الذي يقدم المشورة لتلك الجهات الرسمية، لإنه لا يعلم متى يتغير الاتجاه، وهذا سببه عدم وجود قواعد إجراءات خاصة بالدعوى الدستورية تنظم بقانون مثل ما عليه جميع المحاكم الدستورية في العالم، ولابد من اصدار قانون خاص بمرافعات الد-عوى الدستورية لقطع دابر الاجتهاد الذي يربك العمل الحقوقي.
#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصنمية الدستورية في واقعنا
-
قانون الأحوال الشخصية النافذ هل يمنع حرية اختيار المذهب؟
-
لماذا تُمنع الشركات العامة من الطعن بدستورية القوانين؟ قراءة
...
-
هل ينفذ قرار التحكيم تلقائياً دون عرضه على القضاء للتصديق؟ ق
...
-
اليات مناقشة وتقييم بحث الترقية للقاضي بين الماضي والحاضر؟
-
تعزيز الثقة في تطبيق القانون أفضل من التعديل الذي لا يعالج ج
...
-
عندما تناقش محكمة التمييز دفوع الطاعن فإنها تخلق الاطمئنان ل
...
-
البيانات الوجوبية في عريضة الطعن التمييزي بين النص القانوني
...
-
هل يجوز رد دعوى المدعي ومن ثم الحكم لصالحه؟ قراءة في قرار ال
...
-
ما هي عقوبة من يمارس المحاماة واسمه غير مسجل في نقابة المحام
...
-
ان النزاهةَ شجاعةٌ تًخلِدً صاحبها (الشهيد نصرالله)
-
هل يجوز للمواطن ان يشارك في اعداد التشريعات؟
-
هل يسري سبق الفصل على القرار التفسيري؟ قراءة في القرار التفس
...
-
قوانين الوطن وقوانين الأنظمة في المنظومة التشريعية العراقية
-
كيف يؤدي المواطن واجبه الدستوري بحماية المال العام؟
-
أسباب الخوف والقلق من مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية؟
-
مدة تحديد جلسة النطق بالحكم في المادة (156) مرافعات، هل هي ح
...
-
النشيد الوطني الحسيني (يحسين بضمايرنه)
-
نبذة تاريخية عن قانون الأحوال الشخصية النافذ منذ عام 1959 وم
...
-
اتفاق التحكيم بين الشرط والمشارطة وإشكالية التنفيذ في ضوء ال
...
المزيد.....
-
طلاب يتظاهرون في لندن دعما لفلسطين
-
العراق وبريطانيا يوقعان اتفاقا لمواجهة تهريب البشر
-
تحرير مختطفة أسترالية واعتقال الخاطفين بالعراق
-
العفو الدولية تدعو السعودية إلى إطلاق سراح المحتجزين تعسفيا
...
-
صدمة النازحين اللبنانيين لدى عودتهم إلى قراهم المدمرة بمحافظ
...
-
رئيس البرلمان العربي يتلقى رسالة من البرلمان الأوروبي بشأن د
...
-
RT ترصد عودة النازحين من سوريا
-
المفوضية الأوروبية: دول الاتحاد ملزمة بتنفيذ أوامر اعتقال نت
...
-
بوريل يوجه نداء لجميع أعضاء المجتمع الدولي لاحترام قرارات ال
...
-
تغطية ميدانية: قوات الاحتلال تواصل قصف المربعات السكنية ومرا
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|