|
الإصلاح الديني بين المسيحية و الإسلام
الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي
(Altaib Abdsalam)
الحوار المتمدن-العدد: 8175 - 2024 / 11 / 28 - 02:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المسيحية دين ركنه الأساسي هو "المؤسسة" اي "مؤسسة الكنيسة" و المؤسسة هي المعادل الموضوعي "للمدينة" و "policy" اي أخلاق إدارة المدينة و لكي نقترب من العقل الأوروبي لا بد من الإقتراب من المفهوم الحضاري و التاريخي "للمدن اليونانية" التي إقتبستها الحضارة الرومانية و اقامت عليها إمبراطوريتها الهيلنية.. المهم أن الإصلاح الديني توجه في نقده لا إلى النص الأنجيلي الذي هو "سرد تاريخي و مواعظ أخلاقية" فهو نص في حد ذاته متسق إلى حد كبير و "يخلو من المتشابه" بل و الأهم أنه نص يقدم نفسه بإعتباره اقرب إلى "البيلوغرافيا"، لذلك فهو لم يشكل بحد ذاته "عقبة" بقدر ما شكلت مؤسسة الدولة الرومانية و الأوروبية و البابوية "العقبة الحقيقية". و لذلك فالإصلاح الديني في اوروبا لم تكن مشاكله فيما "قاله المسيح او ما لم يقله" بل كان توجهه المباشر نحو " حدود سلطات الكنيسة" و بالتالي "عالم المدينة" و بالتالي ال "policy" التي يتبناها و يفرض تنفيذها و هو إصلاح دائما ما كان يصطدم بالدولة التي هي الصورة المكبرة للكنيسة او الدولة الإلاهية ايام "الإمبراطورية الرومانية المقدسة" او كنيسة "الفاتيكان" حينما تحولت الكنيسة في إطار الصراعات و الاحداث في اوروبا إلى "روما جديدة" و "إقطاعية" للبابا. لذلك فإنك تجد "صراع الإصلاح" إما يكون "إنشقاقا على كنيسة إيطاليا" او تمردا ضد الدولة سواء اكانت كاثوليكية او بروتستانتيه. فعلى سبيل المثال فإن مارتن لوثر في إصلاحه ثار على "سلطات الكنيسة و صكوك الغفران" و لم يكن المحك هو "هل وردت صكوك الغفران في الإنجيل ام لا" بل أنه نظر إليها بوصفها "تمظهر من تمظهرات سلطة الكنيسة". الأصلاح الثاني تم ايضا عبر الكشوفات الجغرافية التي أبتعدت من أجواء الكنيسة و سلطتها مع إستثناء الكشوفات الجغرافية البرتغالية و الإسبانية و هي أمم شديدة "التمسك بعقيدتها" و بالوحي "الإنجيلي" و لذلك أسباب عدة يمكن إيجادها في تاريخ هاتين الأمتين و أيضا إستخدام التحليل الأنثربلوجي للتعمق. المهم فهذه الكشوفات البروتستانتيه هي التي أنجبت دول العصر الحالي كأمريكا و كندا و أستراليا و هي أمم خالية الضمير من "ذنب الصليب". نمط الإصلاح الثالث خرج من "المؤسسات" الجامعية التي كانت تدرس "الحقائق الكنسية" و "تصوغ مناهج مهنية و تقنيه يهتدي بنور الكنيسة" لذلك فمسألة عدم مركزية الأرض التي اثارها جاليلو و كوبر نيكس لم تكن حقائق علمية بحثية مجردة بل كانت طعنة في صدر "عالم الحقيقة" الذي اقامته الكنيسة. و أمتدادا لهذا السلسلة ظهر الفلاسفة الاوربيين جيلا بعد جيل علما بأنني هنا اراني قد إستوثقت في بعض ما قلت و أجتهدت فيما تبقى و ذلك لعدم تعمقي الكبير في "لحظات التنوير و الثورات" الكبيرة التي ادى تراكمها للثورة الفرنسية و ظهور اوروبا الحديثة و ذلك دأب و بحث كبير ما زلت اتريث في دروبه. اما الإسلام فعلى العكس فهو نص يتمحور حول "الوحي" او "النص القرآني" و اما المدن و الدول و الإمارات فهي "فانية و سريعة الزوال" و طبيعة عمرانها وفقا لإبن خلدون "مؤقته" لإنه دائما ما تخفي "الصحراء" التي ينتشر فيها "البدو" المتاخمين لكل "الحواضر الإسلامية" اسباب فناء و خراب "العمران"، بل و حتى النص القرآني نفسه يشدد على خراب المدن و عدم جدواها في حفظ "الإلاهي و الديني " فتلك عاد و ثمود و أثارهم الذين "كانوا أشد منكم قوة" و النص القرآني عموما تجده ينأى عن المدن لإنها تفتن الإنسان و "تنسيه ذكر ربه". لذلك فالإصلاح الديني في الإسلام ظل بإستمرار يتوجه نحو "النص" بإعتباره مركز الثقل السلطوي هذا الثقل الذي عبر عنه و بقوة و جلاء محمود درويش في قصيدته الخالدة "هذه لغتي" في هذا الإطار فإن محاولات "عقلنة و أنسنة" الإسلام إتجهت رأسا إلى النص و تعددت هذه المحاولات، فالمعتزلة على سبيل المثال جادلوا في "أزلية النص" و "أنه لاحق" و "أنه لا يشتمل على كامل المشمول الإلاهي الذي هو دائم التجدد و العطاء الخلاق دون التقيد بلحظة "نهائية". التصوف ايضا بوصفه إصلاح ديني و لكن داخل ابعاد العنصرين الأساسين الذي ينقسم إليهما المشروع النبوي و هذين العنصرين هما عنصر "النبوة" و عنصر "الشريعة" الذي هو كناية عن البعد المادي للوحي و لمعنى النبوة التي تريد إقامة مجتمع "رباني" ولاؤه "للوحي". المهم أن المتصوفه و حتى لا يصطدموا ب "اليوم أكملت لكم دينكم" فإنهم يستأنفون البعد النبوي عبر شخصيات ك الولي و الشيخ و المهدي حتى، فهم و حتى يجدوا مشروعية لوعيهم و حياتهم في الحاضر الإنساني بل و ذاكرة الوحي يميلون للتعلق بالنصوص و الأيات المستقبلية و الإستئنافية في الوحي و السنة مثل قوله تعالى "و اتقوا الله و يعلمكم الله" بل و شخصية الخضر نفسها التي تشكل التجسيد الحي لمن يكسرون قوانين الشريعة لإنهم يطلون على عالم الحقيقة، بل و قول النبي صلى الله عليه و سلم نفسه "طوبى لإخوان لم يأتوا من بعدي". و هناك ايضا تجارب سلطوية كانت أقسى تجاه النص و الوحي كتجربة اتاتورك الذي "هدم المعبد على من فيه" و ترجم القرآن للتركية و أستأصل "العربية". محاولة أركون كانت الاهداء و الأصوب لإنه توجه إلى اركلوجيا النص و المجتمعات التي دانت به و بين أن كل مجتمع فهم الإسلام على طريقته و ذلك باب يفتح العقل للكثير من الدأب و البحث و التفكر في "انثربلوجيات الإسلام"، هذا "التنقيب الأنثربلوجي" سيجعلنا نكتشف العوامل المادية و الجغرافية و التاريخية التي أدت لبلورة "العقل الديموغرافي" و الذي بدوره "فهم الوحي" و اعاد مركزته حول "ذرى و قيم معينة" أقوى من بقية الذرى و قد بينت مرارا هذا الأمر في حديثي عن الإسلام المصري و العراقي و الفارسي و السعودي.. حيث تلعب مثلا قيمة "الشفيع" و "الضامن لسعادة ما بعد الموت" و المتمحوره حول النبي الأكرم في قيمة الصدارة في الإسلام المصري، بينما تلعب شخصية "الحسين" و هو في حقيقته "دموزي القتيل" القيمة الأبرز في الإسلام العراقي بينما تلعب قيمة "الجهاد و الإستشهاد" الفكرة الأبرز في إسلام شبه الجزيرة العربية و الموجود في بيئة قاسية و صعبة تحتاج دوما للخروج و البحث عن المرعى و الماء و بالتالي الغزو و الفتوحات. كل هذه التنقيبات و البحوث التي "تفكك عالم النص" ستجعلنا نعيده إلى حرارة أديمه و نستعيده من برود القدسية. لذلك فأي إصلاح في الوعي الإسلامي الذي يشكل الافاق الروحية و العقلية لزهاء مليار و نصف شخص هو مدعو ليتوجه إلى "بيت القصيد". طبعا هذا لا ينفي التداخل الوثيق بين المؤسسات الدينية و النص او الوحي و لكنني هنا "وقفت على يابسة التفريق المؤقته" لأبين حضور و "كثافة ذلك الحضور" في المسيحية وفي الإسلام.
#الطيب_عبد_السلام (هاشتاغ)
Altaib_Abdsalam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العقل و الوجود بين هايدغر و اركون
-
الأفق الشعري
-
نحو إصلاح الحركة الليبرالية السودانية
-
تجدد المعني القرآني
-
النبؤة
-
ثورة الطبقة الوسطى و واقع ما بعد الثورة
-
جامعة الخرطوم..المركز الثقافي الفرنسي و بالعكس.. كلام في الز
...
-
من الاسلام الإستشراقي إلى الاسلام التاريخي
-
اركون قارئا و مقرؤاً
-
إستعراب السودان / حوار مع البروفيسير عبد الله علي إبراهيم
-
المهدي السوداني
-
تدوين تاريخ السودان المفقود
-
السودان من حكم الفونج الأفارقة إلى حكم الجلابه العرب..قرأة ف
...
-
القربان البشري بين الرؤية الإستشراقية و الرؤية النقدية
-
ما هي الفلسفة؟ حوار جماعي مع خالد تورين
-
محمود محمد طه بعيون محمد اركون / الإسلام السوداني و إمكان ال
...
-
من شاعرية اللفظ إلى شاعرية المعنى.. نحو رؤية جمالية جديدة.
-
تأملات في رحلة المعراج.. في تحيين المتخيل العربي
-
من تاريخ التفكيك إلى تاريخ الصيرورة... نحو نظرية جديدة في ال
...
-
بين العرب و المغول - تأملات جديدة في حاضر التاريخ
المزيد.....
-
“السلام عليكم.. وعليكم السلام” بكل بساطة اضبط الآن التردد ال
...
-
“صار عندنا بيبي جميل” بخطوات بسيطة اضبط الآن تردد قناة طيور
...
-
“صار عنا بيبي بحكي بو” ثبت الآن التردد الجديد 2025 لقناة طيو
...
-
هل تتخوف تل أبيب من تكوّن دولة إسلامية متطرفة في دمشق؟
-
الجهاد الاسلامي: الشعب اليمني حر ويواصل اسناده لغزة رغم حجم
...
-
الجهاد الاسلامي: اليمن سند حقيقي وجزء اساس من هذه المعركة
-
مصادر سورية: الاشتباكات تدور في مناطق تسكنها الطائفة العلوية
...
-
إدانات عربية لعملية اقتحام وزير إسرائيلي باحة المسجد الأقصى
...
-
افتتاح الباب المقدس في كاتردائية القديس بطرس بالفاتيكان إيذا
...
-
زيلينسكي يحتفل بعيد حانوكا اليهودي بحضور مجموعة من الحاخامات
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|