أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - ادم عربي - الفسادُ الطبيُّ!














المزيد.....

الفسادُ الطبيُّ!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8173 - 2024 / 11 / 26 - 23:45
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


د. ادم عربي
يُشبه الفسادُ ذلك العدوَّ اللدودَ الذي يُجمِع الجميعُ على إدانته، لكنه يستمرُّ في التغلغل في نسيج مجتمعاتنا كقوّة جذبٍ لا تُقاوَم، مثل الثقب الأسود في الفضاء. قلّةٌ هم الذين يتمكنون من مقاومته، متسلِّحين بالصفات النبيلة التي تُحاكي الأنبياء، ويجسِّدون من خلال محنهم العميقة مفهوم "الجهاد الأكبر"، الصراع الدائم مع الذات الداعية للشر، ويسعون للترفع عن الزينة الزائلة للحياة الدنيا. باستثناء هؤلاء النفرِ الشجاع، يبدو أنَّ الفسادَ قد انتشر بشكلٍ متفشٍّ، مع وجود أولئك الذين يُسهِمون في نشره وتوسيع رقعته على الأرض، ومنهم من يتربصون بالفرص للانغماس فيه، محافظين على مظهر الاستقامة حتى يأتي ذلك الوقت…

نشأت أسواقٌ عصريةٌ حيث تُتاجر القيمُ والمبادئ، وتُعرَض للبيع من الوجدان والكرامة إلى الذمة الأدبية، وحتى أصواتِ المقترعين وآراءِ الكتّاب. ما كان يُعتبَر طاهراً ومقدساً بالأمس، صار اليوم مادةً للمتاجرة في أسواقٍ تتجاوز بخساستها تلك التي عرفتها روما من أسواق العبيد. إذا كان الفسادُ محصوراً في أفعال الأفراد، لأمكننا مكافحته بسهولة، لكنه تحوّل إلى أسلوب حياةٍ ومنظومةٍ متجذِّرة، تتسلّل إلى جوانب حياتنا اليومية كالهواء الذي نتنفّسه. حتى المهنُ التي تُعنى بالإنسانية لم تعُد بمنأى عن الفساد. خذوا مثلاً قطاع الرعاية الصحية والأطباء، حيث يمتدُّ الفساد ليطال حتى أروقة المستشفيات ويؤثر على المرضى.

تروي معاناةُ المرضى قصصاً عن الانحرافات في النظام الصحي، حيث يبدو أنَّ الأطباءَ لم يعودوا قادرين على تقديم الرعاية المثلى دون "التواطؤ" مع الآخرين. حتى في حالات بسيطةٍ كالإصابة بالإنفلونزا، يُحوَّل المريض إلى "مختبرٍ" مُحدَّد، ولا يُشخَّص بدقّةٍ إلّا بعد سلسلةٍ من الفحوصات المُكلِفة التي يتقاسم أرباحها "الفريقُ الطبي". مسكينٌ ذلك المريض الذي يقع تحت يد جرّاح؛ فلا يكشف مرضه إلّا بواسطة "المنظار"، ولا يُعالَج إلّا بالجراحة. الجرّاح لا يثق بتشخيصات زملائه، بل يُفضّل إعادة الفحوصات في المختبر الذي يختاره، معاملة كلِّ حالةٍ كأنّها لغزٌ جديد. ليست كلُّ الفحوصات التي يطلبها الأطباء ضروريةً لتحديد المرض، بل يتمُّ إجراؤها غالباً للاستبعاد . فقد يُطلَب من مريض الإنفلونزا إجراء فحوصاتٍ لاستبعاد أمراضٍ أخرى كالسرطان أو الدوالي. ويغمر المريض الفرحُ عندما يُخبره الطبيب أنّه لا يعاني إلّا من الإنفلونزا وليس مرضاً خطيراً كالسرطان، بعد أنْ أنفق مبالغَ طائلةً. يغادر العيادة مرتاحَ البال، معتبراً نفسه محظوظاً لتجنُّب مرضٍ مميت، وربما يُشيد بالطبيب الذي أزال عنه وهم الإصابة بالسرطان.

يطلب الأطباءُ فحوصاتٍ يتحمَّل المريض تكاليفها، وغالبًا ما تُرسل النتائج إلى الطبيب هاتفياً. يبقى المريض مضطراً للثقة في صحة هذه النتائج، على الرغم من أنَّ بعضهم قد يدفع ثمن فحوصاتٍ لمْ تُجرَ في الواقع.
"التواطؤ" يتخذ أشكالاً متعددةً، بما في ذلك سائقي سيارات الأجرة الذين يُساهمون في توجيه المرضى نحو عياداتٍ معينة، مقابل عمولةٍ مالية. أما المرضى الذين تتكفل الحكومةُ بعلاجهم، فيصبحون أهدافاً دسمةً لإجراءاتٍ طبيةٍ مكثفةٍ، إذ تتحمّل الدولة التكاليف مشكورةً، ولا يميل المرضى للاعتراض لعدم وجود عبءٍ مالي مباشر عليهم، لكن قد يكتشفون لاحقاً أنَّ العلاجات الزائدةَ أدّت إلى مضاعفاتٍ صحية. ليس هدفنا إشعالَ حربٍ شاملةٍ ضد الفساد، فهو طموحٌ يفوق الواقع. بدلاً من ذلك، نسعى للتقليل من الفساد في مجالاتٍ حيويةٍ كالغذاء والدواء والعلاج. إنَّها مأساةٌ للأمم التي يستشري فيها الفسادُ حتى في مهنة الطب.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العبثُ!
- الطائفية في فكر مهدي عامل!
- مشاكل تربوية وأخلاقية!
- سلاسل الشمس!
- هرَمُ نظامنا التعليمي!
- أنا أُفَكِّر لأنِّي موجود!
- أسباب فوز ترامب في انتخابات 2024!
- عالمٌ من شظايا!
- انفجارُ الصمت!
- ببساطة...تباطؤ الزمن!
- الأزمة في تعريف الحقيقة!
- في الشعر!
- الفلسفة: العلم الشامل لفهم الواقع وقوانين الكون
- لصوص الزمن!
- أُحجية وحُجج القضاء والقَدر!
- بَوْحُ الزهرات!
- الفقر ووعي الفقر !
- صرخةُ الظلام!
- كيف سرق الدولار العالم؟!
- أصداء الغياب!


المزيد.....




- الأشخاص الأكثر عرضة للجلطات أثناء السفر بالطائرات
- Acer تتحدى آبل بحاسب مميز
- جيمس ويب يرصد ضوءا -مستحيلا- من فجر التاريخ
- تحديد خلايا جديدة في العين قد تفتح آفاقا لعلاج العمى
- تحديات جوهرية تواجه تطور الذكاء الاصطناعي
- في غضون عامين يمكن لترامب أن يدير ظهره لروسيا
- الجيش الأوكراني يستعد لعدوان
- اكتشاف علاقة بين أمراض القلب والتغيرات الدماغية
- بدء مفاوضات بين روسيا وأميركا بشأن -المعادن النادرة-
- ما الأضرار التي تسببها منتجات التنظيف؟ وهل يمكن استبدالها؟


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - ادم عربي - الفسادُ الطبيُّ!