أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي - نظرية التطور: رحلة العلم بين تأملات الإيمان وتنوع الثقافات














المزيد.....


نظرية التطور: رحلة العلم بين تأملات الإيمان وتنوع الثقافات


بهجت العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8172 - 2024 / 11 / 25 - 20:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بمناسبة انطلاق احتفالات "يوم التطور العالمي" والتى تبدأ فى 24 نوفمبر من كل عام وهو احتفال لإحياء الذكرى السنوية للنشر الأولي لكتاب "أصل الأنواع" لتشارلز داروين في 24 نوفمبر 1859 يسعدنا أن نقدم هذه التأملات حيث أنه بين دهاليز المختبرات العلمية وأروقة التأملات الروحية، تقف نظرية التطور كأحد أكثر المفاهيم العلمية إثارةً للدهشة والجدل. إنها ليست مجرد أطروحة علمية تقدم تفسيرًا لظهور الكائنات وتطورها عبر الزمن، بل هي مرآة تعكس أسئلة الإنسان الأبدية: من أين جئنا؟ ولماذا نحن هنا؟ وبينما أُثارت النظرية ردود فعل متباينة، سواء بالقبول أو الرفض، وجد العديد من المعتقدات الدينية، سواء السماوية أو غير السماوية، طريقًا لتفسيرها ضمن رؤيتها الكونية.

التطور: من داروين إلى أسئلة الكون الكبرى

عندما أصدر تشارلز داروين كتابه الشهير "أصل الأنواع" عام 1859، كان يعلم أن أفكاره ستثير عاصفة فكرية. فكرة أن الكائنات تتغير عبر عملية *الانتقاء الطبيعي* بدت وكأنها تهدد التصورات التقليدية حول الخلق. ومع ذلك، نظر داروين إلى الطبيعة بعين متأملة، فرأى فيها نظامًا دقيقًا وقوانين تعمل بتناسق مبهر.

لكن التطور لم يقف عند حدود العلم، بل تسرب إلى الأسئلة الفلسفية واللاهوتية. هل التطور مجرد سلسلة من التغيرات العشوائية؟ أم أنه جزء من خطة إلهية؟ هنا يبدأ الحوار بين العلم والإيمان، حيث يطرح كل منهما أسئلة لا يستطيع الآخر الإجابة عليها بمفرده.


في الفكر الإسلامي: تطور يتناغم مع النصوص المقدسة

في التراث الإسلامي، لم يكن البحث عن العلم يومًا متعارضًا مع الإيمان. وعلى الرغم من أن نظرية التطور أثارت تساؤلات كبرى في بدايات القرن العشرين، إلا أن عددًا من العلماء والمفكرين الإسلاميين وجدوا فيها تأكيدًا على آيات الخلق التدريجي التي وردت في القرآن الكريم.

1. محمد عبده، أحد رواد الإصلاح الديني، رأى أن العلم لا يمكن أن يناقض الدين، بل إن فهم التطور قد يساعد المؤمن على إدراك عظمة الخالق.
2. محمد إقبال، الفيلسوف والشاعر، رأى أن التطور هو مسيرة تقودها روح خفية تسعى للوصول إلى الكمال.
3. طنطاوي جوهري، في تفسيره للقرآن، اعتبر أن فكرة التطور تعكس قدرة الله على خلق الكائنات عبر مراحل متتالية، وهو ما يظهر عظمته في تصميم الكون.

في المسيحية: بين الرمزية والواقع العلمي

في اللاهوت المسيحي، خصوصًا في الكنيسة الكاثوليكية، تطورت المواقف تجاه نظرية التطور من الرفض إلى التقبل الحذر، ومن ثم إلى التبني الجزئي. الباباوات عبر العصور الحديثة قدموا رؤى تجمع بين الإيمان والعلم:

- البابا بيوس الثاني عشر أكد أن التطور لا يتناقض مع الإيمان طالما يُعترف بأن النفس البشرية خُلقت مباشرة من الله.
- البابا يوحنا بولس الثاني ذهب إلى أبعد من ذلك، معتبرًا أن التطور "أكثر من مجرد فرضية".
- تيار دي شاردان، القس والجيولوجي الفرنسي، رأى أن التطور ليس صراعًا ماديًا فحسب، بل هو عملية روحانية يقودها الله.

في اليهودية: قراءة رمزية للتوراة
في الفكر اليهودي، وجدت نصوص التوراة الرمزية تفسيرًا منفتحًا على المفاهيم العلمية. الحاخامات مثل سامسون رفائيل هيرش وجوناثان ساكس أشاروا إلى أن نظرية التطور لا تتعارض مع النصوص المقدسة إذا فُهمت في سياق رمزي. كما أن فلسفة مايمونيدس - لمؤسسها موسى بن ميمون - مهدت لتفسير النصوص التوراتية بطريقة مرنة، تسمح بتكامل الفهم الديني والعلمي.

الأديان غير السماوية: توافق طبيعي مع التطور

الأديان غير السماوية، التي تعتمد على التأمل في الطبيعة وفهم قوانينها، أظهرت مرونة أكبر تجاه نظرية التطور.

1. الهندوسية:
ترى الهندوسية الحياة كعملية تطورية مستمرة. النصوص مثل الفيدا والأوبانيشاد تتحدث عن دورات الخلق والتدمير (ماهايوغا)، ما يتوافق مع مفهوم التغير التدريجي للكائنات.

2. البوذية:
البوذية تعتمد على فكرة التغير المستمر (أنيتشا)، ما يجعلها متناغمة مع نظرية التطور. كما أن "الدالاي لاما" أكد أن العلم والبوذية يكملان بعضهما البعض.

3. الطاوية:
الطاوية ترى أن الكون يتغير بانسجام دائم مع قوانين الطبيعة (الداو). التطور في هذا السياق ليس إلا تجليًا لهذا التوازن.

4.الروحانية الحديثة:
في حركة العصر الجديد، يُنظر إلى التطور كجزء من رحلة نحو الوعي الكوني، حيث المادة والروح يتناغمان في مسيرة واحدة.

التطور كرحلة روحية ومادية

ما يجمع هذه المعتقدات المختلفة هو فكرة أن التطور، سواء كان عملية مادية بحتة أو مسيرة روحانية، يعبر عن نظام كوني دقيق. الأديان السماوية ترى فيه انعكاسًا لجلال الخالق، بينما تعكس الأديان غير السماوية انسجام الكائنات مع الطبيعة.

أسئلة ما وراء التطور

ورغم أن نظرية التطور تجيب عن سؤال "كيف" تتغير الكائنات، فإنها تترك السؤال "لماذا" مفتوحًا أمام التأمل الديني والفلسفي. هل التطور مجرد حركة عشوائية؟ أم أنه يحمل هدفًا أسمى يتجاوز حدود العلم؟

خاتمة: رحلة الإنسان في البحث عن الحقيقة

في النهاية، يظهر الإنسان ككائن يقف على حافة العلم والإيمان، يتأمل في جلال الطبيعة ويسعى لفهم سر وجوده. التطور، سواء رأيناه كعملية علمية أو كجزء من خطة كونية، يظل شاهدًا على عظمة الكون ودعوة للإنسان للتأمل في مكانه داخله. وبينما يستمر الحوار بين العلم والدين، يظل الإنسان حاملًا لدهشة الاكتشاف ورهبة الإيمان، متحديًا الزمن ليكشف عن سر الخلق وأبعاده.



#بهجت_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “في خمس خطوات”.. حدّث الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 ...
- الوزير المتطرف بن غفير يقتحم المسجد الأقصى في أول أيام عيد - ...
- خارجية الأردن: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى خطوة استفزازية م ...
- بن غفير يقتحم الأقصى احتفالا بعيد -الأنوار- اليهودي ومكتب نت ...
- حماس: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى انتهاك جديد وخطير
- الرئيس الايراني: لو كان المسلمون متحدين لما تجرأت -اسرائيل- ...
- حماس: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى انتهاك جديد وخطير
- وجهاء الطائفة العلوية في حمص يصدرون بيانا إلى أهالي المحافظة ...
- وزير الامن المتطرف بن غفير يقتحم الاقصى بأول ايام -عيد الانو ...
- عاجل | مصادر للجزيرة: وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي - نظرية التطور: رحلة العلم بين تأملات الإيمان وتنوع الثقافات