أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - أصل الحكم في الإسلام















المزيد.....

أصل الحكم في الإسلام


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 8172 - 2024 / 11 / 25 - 14:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


البوليس قطع الكونكسيون عن منزلي
يقول احد المشايخ الجهلة المتعطشين للدم ، وهو ينفي شيء يسمى ب " الديمقراطية " ، ومتسائلا . الفكر الديمقراطي يجعل حرية التعبير واستقلالية الفكر باللسان والقلم حقا من حقوق الانسان . اما في الإسلام فللحرية ضوابط شرعية : فلا للإلحاد والردة ، ولا حرية للمحرمات والموبقات معاقرة وترويجا . فسب الدين مثلا والاستهزاء به وبأهله سواء في الشارع ام في وسائل الاعلام مكتوبة او كانت مرئية ، يستوجب القتل والاعدام لا الحرية والاكرام .
وزاد متسائلا . فمن يخرجنا من الجور والاستعباد والاستبداد الإسلام ام الديمقراطية ؟ الله ام الشعب ؟
واكمل التفسير بقوله . ان كلمة واجبه الانتخابي ، لغة دخيلة مستوردة ، وهي لا تكون غير واجبة فقط ، بل يكون الادلاء بها محرما شرعا ، بل هو يفضي الى الردة والخروج عن الإسلام ...
وأضاف الديمقراطية باطل نكفر به . فليس في الإسلام مجلس شورى من العلماء بالكتاب والسنة والعلوم الشرعية ملتحين ومعممين مجلببين ( جلابة ) ، وحكومة عصرية افرنجية ثقافة واخلاقا ، حالقة الوجوه عارية الرؤوس بلباس القومية الغربية . وقضاة ومحامون بلباس الرهبان غرابيب سود ( غراب ) .. وعساكر لا يحسنون غير انضباط الجندية . انه لا مكانة في الإسلام لما يسمى عندهم فصل السلط ..الخ .. من هذه الأفكار التي تنبع من تنظيمات الجاهلية المتعطشة الى الدم لقيام دولة إسلامية على منهج النبوة والخلافة .. والامامة المودودية .
بعد هذه المقدمة والبسيطة ، سنرد عليها بإجابة بسيطة لا يدخلها الشك من حيث اتى .
--- هل يجوز التسليم بالاختلاف والاجتهاد في الإسلام ، ام يجب ان نسلم بفكرة الهيمنة الالاهية على الانسان والكون والحياة ؟
--- هل يجوز شرعا نفي شرعية السلطة السياسية التي لا تقيم شرعيتها على الشرعية الالاهية ؟
--- هل شرعية السلطة السياسية في الأرض تتحدد بمعيار انقيادها لله ام لمعيار الشورى ام لنتائج صناديق الاقتراع ؟
--- وهل تطبيق السلطة السياسية للشريعة في الحكم هو دليل على إسلامية هذه السلطة ، ام انه دليل على شرعيتها المفقودة ؟
--- وأخيرا وليس اخرا هل الحكم لله ام للشعب ؟ أي هل الحاكمية لله ام للشعب ؟
اعتقد ان اجابتنا عن هذه التساؤلات ليست ترفا فكريا ، او سجالا بزنطيا ، وانما تشكل حوارا جادا وعقلانيا ، للرد على ترهات الجماعات التي تنبث كالفقاقيع بالأحياء الشعبية ، بسبب انتشار الجهل والفقر والامية والظلم الاجتماعي الصارخ . أولئك الذين كفروا حتى الشيخ عبدالسلام ياسين ، حسن الترابي ، أربكان ، الغنوشي ... الخ . ففي نظر هذا الخطر الذي ينتظر الهزة للتفجير ، اذا كنت مسلما تطبق تعاليم الإسلام بالحرف ، ولكن وجهك لا يحمل لحية ولا شاربا ، فأنت كافر .. اذا استعملت نظارات الشمس الواقية من الاشعة ، فأنت كافر. ربطة العنق كفر والكمبيوتر رب الكفر ... الخ .
وقبل ان نجيب عن سؤال هل الحاكمية لله وحده ام هي للبشر . هل من يحكم الانسان ام الله .. ، نشير أولا الى ان الإسلام كعقيدة ودين ، بعيد عن التزمت والتطرف ، وانه يقر بمبدأ الاختلاف والاجتهاد في الأمور والقضايا التي تهم الشؤون العامة في الحكم . أي اصل الحكم في الإسلام .. وبرجوعنا الى القرآن مثلا نجد الآية في سورة " هود " تقول " ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ، ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم " . ثم قوله " وشاورهم في الامر " و امرهم شورى بينهم " . ثم الحديث ثابت او غير ثابت لان هذه فيها كلام قول صلعم " ما كان من امر دينكم فالي مرجعه ، و ما كان من امر دنياكم فأنتم اعلم به " ... من هنا فان جزءا كبيرا من المتطرفين ، حين يعمدون الى القول بان ( الحاكمية لله ) ، فانهم يخلطون بين امرين أساسيين هما :
أولا ، جهلهم بالسياق الذي وردت فيه الآيات القرءانية .
ثانيا ، عدم معرفتهم وجهلهم لأسباب ( النزول ) ، أي ( نزول الآيات ) عند الاستشهاد بها ، وهذا لشيء مهم لان الحاصل هو ان بناء الاحكام عليها يؤدي الى نتيجة مغايرة ، وهذا تحصيل حاصل لهذه النظرة الخاطئة ..
وقبل ان نحلل مفهوم " الحاكمية لله " خاصة عند ابي الأعلى المودودي الذي ركز على هذه الدعوة لتبرير الانفصال عن الهند وتأسيس دولة باكستان ، نشير الى ان الى ملاحظة هامة ، وهي ان " الحاكمية لله " ، هي دعوة قامت أيام الامام علي بن ابي طالب " الا ان الحكم لله " فقال " كلمة حق يراد بها باطل " ...
الحقيقة ان أصحاب هذه الدعوة ينطلقون من منطلق خاطئ ، حين يتصورون ان القران والسنة لم يترك كبيرة او صغيرة الا وحسمها ، وهذا غير صحيح لان سر خلود الدين الإسلامي في الزمان وعبر المكان ، انه حدد العقائد والعبادات والتوجهات الرئيسية في المعاملات ، وهذا شيء مسلم به ، وفيما عدا ذلك تركه للعقل البشري ..
فاذا كنا نسلم بالآيات المحكمة جميعا .. ان القاتل يقتل ، وان الزاني يرجم الى غير ذلك ، انما الحياة اليوم ليست فقط ليست فقط قتلا وليست زنى وليست حدودا . ان الحدود محصورة والوسائل الواردة في الدين الإسلامي محدودة ، والدين جاء لكي يواكب العصور والازمنة حتى يفني الله الأرض وما عليها .
كانت الديانات تأتي عندما ينتشر الفساد ، فيأتي نبي برسالة جديدة ، و ثورة إنسانية جديدة تمحو هذا الفساد .. وتبدأ الكرة من جديد وأيضا يتغير المجتمع ، وتختلف عاداته وينحرف الى حد كبير ، وتأتي رسالة جديدة وهكذا ... بينما لما جاء الإسلام ، جاء كآخر الرسالات وكآخر الأديان ، وقد تبثث صحة هذا لأنه لم يأتي دين بعده ، لانه ترك مساحة ضخمة للعقل البشري كي يتدبر اموره . ان كل ما جاء في الدين الإسلامي عبارة عن توجهات وقضايا كلية . فمثلا " واذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل " . ان جوهر المسألة هو ان نحكم بالعدل . انما كيف نحكم بالعدل ؟ . هل هي محكمة ابتدائية ام مكمة استئناف ام محكمة إدارية ام المجلس الأعلى للقضاء ؟ . هل قاض واحد او قاضيان او ثلاثة قضاة ؟ . هل هؤلاء القضاة يعينون او ينتخبون ؟ . فهذه مسائل متروكة للعقل البشري ، لانها مرتبطة بظروف المجتمعات وتطور الأزمنة . فلا نستطيع في عصرنا الحالي احضار الملك / الخليفة كي يحكم بين الناس ، لان هناك الاف القضايا المختلفة والمتعددة تطرح اليوم . اذن السؤال سيصبح هو كيف نشكل النظام القضائي في هذا الظرف بالذات .
فما كان يتم منذ الف سنة غير صحيح الآن . اما الجوهر فلا بد من المحافظة عليه . ان الدين الإسلامي دين جوهر ، اما الأنظمة فهي تشكل أسلوب المعالجة لكي نصل الى هذا الجوهر . وليس مطلوبا من الملك اليوم ان يمشي بجلابة مبرقعة او سلهام به مائة رقعة ، وينام تحت شجرة ، ويتغدى بثمرة ، ويركب حمارا او بغلة .. و لكن المطلوب هو الحفاظ على الجوهر ، لان التركيبة النفسية للإنسان العربي والمغربي مكونة في اغلبها من دين وعليه يجب معالجة القضايا دون اصطدام بالدين . واذا كان الدين الإسلامي يحث على الاجتهاد وينص على الاختلاف ، ويمكن من التيسير ، فأين الاختلاف والتقاطع مع أولئك الذين يلهثون وراء دعوة " الحاكمية لله " ، ونفيها عن البشر ؟ .
وقبل معالجة هذه الاطروحة الثيوقراطية ، من الأنسب ان نعالج ولو نسبيا دعوة " الحاكمية لله " كما دعا اليها أبو الأعلى المودودي .
يعتبر أبو الأعلى المودودي من المفكرين الإسلاميين الذين وقفوا وراء هذه الدعوة ، ونفيها عن البشر . وقبل المعالجة والتحليل نشير ان المودودي من اصلب التكفيريين الذي تسبب بانفصال باكستان عن الهند . لذا فان تلويح المودودي بمفهوم الحاكمية الغرض منه انفصال باكستان وانشاء دولة باكستان الإسلامية . لذا فان تلويح المودودي بدعوة الحاكمية ، كان تبريرا بما قامت عليه الدولة الباكستانية .
وبرجوعنا الى مضمون دعوة المودودي نكتشف انه يجعل من مفهوم الحاكمية مفتاح نظريته السياسية ، لانها الأساس الذي يرتكز عليه نظام الحكم الذي ينبغي ان يسود المجتمعات الإسلامية . بل والكون باسره . لذا يثبت المودودي كأول بند في الدستور ان الحاكمية لله ، و لا يعني هذا الامر اثبات مسألة دينية الغرض منها اثبات نوعية عقيدة الدولة ، وانما يعني ان كل مؤسسات الدولة قائمة على قوانين وشرائع لاهوتية . بل ان كل المعاملات الفردية والجماعية تضبطها معايير دينية .
وعليه تقتصر مهمة الفرد في تعمير الأرض وفق هذا التعاقد . فليس الامر كما في المجتمعات الغربية ، حيث ينظم الانسان حياته تبعا لتعاقد مجتمعي ، ومن ثم إقامة سلطة خاضعة لقوانين وضعية . ان السلطة السياسية الحقيقية كما يرى متطرفو الإسلام ، انما هي من اختصاص الله ومنه تستمد كل القوانين . فلا حاكم الا ا الله . ولا خضوع لحكومة ولا اعتراف بدستور ، ولا انقياد لقانون ولا سلطان على الفرد لمحكمة من المحاكم الدنيوية ، وليس هناك من صاحب سيادة ، فالسيادة كلها لله ، مقتبسة من شرعه و لا مشروعية من دونه . فالقانون قانونه و لا يليق التشريع الا بشأنه و لا يستحقه الاّ هو وحسب فلسفة المودودي ان الله اصل كل اصلاح واساسه .
اما حاكمية الانسان في نظر المودودي ، فهي اصل الظلم والفساد والكفر ، ويمثل صلعم وسيلة ذاك التعاقد المحدد عنه أعلاه . لذا كان على الافراد طاعة الرسول وعدم الانسياق وراء العقل وما يتطلع اليه من حرية . ففي نظر المودودي ان حرية الفكر والعمل تتناقض مع التمدن والحضارة ، وعليه وجب انتقال الحكم السياسي من العقل الإنساني الى الله والرسول .
اذا كان المودودي يذهب الى انه بالإمكان استعمال العقل في الحياة الدينية ، فانه سرعان ما يقيد هذا الاستعمال في مجال الفهم والادراك ، ويحرمه في الشك والتساؤل ، وسواء تم التطابق بين احكام العقل وبين الأوامر الالاهية والسنة ام لم يتم . فالنظام حسب المودودي يقوم على الطاعة والتسليم ، وان الشك والتساؤل لا يؤدي الا الى الفوضى والبغي . فلا مكانة اذن للعقل عند المودودي ومن هم اتباعه وعشيرته . انه لا يلعب أي دور في العملية الإصلاحية . ولا غرابة في ذلك ما دام المودودي لا ينظر الى الانسان صانع الاحداث والتاريخ ، الا نظرة ناقصة . فالإنسان ما خلق الاّ على العبودية ، وهو فقير محتاج ضعيف من حيث الفطرة ، وان البشر قد خلقهم الله على ضعف فطري .
ان المودودي وهو يستهل مشروع دستوره بتحديد لمن الحاكمية ، انما يعتمد في ذلك احد اهم اركان الإسلام وهو التوحيد ، ليخرجه من مجال الايمان ، ويستعمله استعمالا سياسيا . فهو يرى ان صرح الحياة الإسلامية ، لا يمكن بتاتا ان ينهض دون الإقرار بمبدأ التوحيد الذي يحيط بجميع نواحي الحياة الإنسانية الفردية والجماعية . ان القول بمبدأ الحاكمية كان الهدف منه إقامة دولة ثيوقراطية لا يكون فيها للإنسان او لطبقة او لحزب ، وانما لله وحده . ان الفلسفة المودودية لا تعترف الا بحزبين ، حزب الله وحزب الشيطان الذي يجب محاربته . ويخلص المودودي الى القول " ان الإسلام يأبى ان يتحزب اهل المشورة " .
فهل اذن الحاكمية لله كما يرى الثيوقراطيون والمتطرفون ، ام انها للبشر كما يرى الديمقراطيون التقدميون ؟ . أي هل مصدر السلطة السياسية الله ام الشعب ؟ ..
ان التيارات الدينية في طرحها الحاكمية لله والسلطة السياسية كلها مستمدة من الله ، وان أي نظام هو غير شرعي استنادا الى هذه الدعوة التي يرجعون تفسيرها الى الآيات القرآنية "من لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون " " ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون " " ومن لم يحكم فأولئك هم الفاسقون افحكم الجاهلية ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون " .
ان هذه الآيات وغيرها عندما نسمعها لأول مرة ، تبدوا لنا مهمة ، لكن عند تحليلها سنجد ان المقصود بها غير الذي تطرحه الجماعات الدينية ، و الا كيف يمكننا ان نوازن بين مجموع الآيات ، او نقارن بينها ، وبين آيات أخرى تطرح مثلا " وشاورهم في الامر " " وامرهم شورى بينهم " .. وكيف نقارن بين هذا الامر وبين ما قاله الرسول " ما كان من امر دينكم فالي مرجعه ، وما كان من امر دنياكم فانتم اعلم به " . فهذا تحديد واضح قاطع وشامل .
ان الخلل في تفسير في تفسير الثيوقراطيين كما اسلفنا علته امرين :
الامر الأول هو عدم مراعاة السياق الذي وردت الآيات .
والامر الثاني هو عدم معرفة أسباب النزول عند الاستشهاد بالآيات . وعليه فان بناء الاحكام يؤدي الى نتيجة مغايرة .
في سورة المائدة نجد الآية تقول " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله ، ويعني بها الله بني إسرائيل . واذا جارينا لا منطق أصحاب دعوة الحاكمية ، فهذا معناه تبرير للحركة الصهيونية واعطائها شرعية الوجود بفلسطين ، بينما لو رجعنا الى شروحات القران ، فإننا نجد ان الآية واقعة تاريخية قبل 2000 سنة عندما كانت تخاطب بني إسرائيل . ولذلك فان معرفة أسباب النزول والظروف التاريخية التي أدت لذلك ، مهم جدا في تفسير الآية ، وعلى ذلك يجمع كل مفسري القران .
من جهة أخرى ، فان الاسلامويين عندما يقولون بحكم الله ، فانهم يظنون ان القران والفكر السياسي الإسلامي ، يستخدمون الحكم بالمفهوم للدلالة على النظام السياسي في الحكم بالمفهوم الحاضر . والحقيقة ان هذا المفهوم كانت له دلالة أخرى . فلو رجعنا مثلا للاستخدامات القرانية ، نجد كلمة حكم قد وردت قد وردت ضمن معنيين .
-- المعنى الأول ، بمعنى القضاء والفصل في المنازعات ، أي الحكم والتحكيم . وكما ورد في الآية " ثم الي مرجعكم فاحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون . وفي العصر الحديث فان كلمة حكم تعني طبيعة ونوع النظام السياسي السائد في الدولة .
-- المعنى الثاني هو معنى الفقه والعلم . فمثلا يقول القران في وصف النبي يحيى " واتيناه الحكم صبيا " . وطبعا لم يكن المقصود اعطائه الحكم بمعنى حقيقة السلطة السياسية ليحكم البلد وهو صبي ، فهذا لا يقبله العقل السليم . وانما اعطيناه الفقه والعلم والحكمة والمعرفة صبيا .
كذلك يدعو النبي إبراهيم ربه فيقول " ربي هب لي حكما والحقني بالصالحين " .. وطبعا المعنى هنا ليس اعطيني السلطة السياسية لأحكم البلد ، و انما المعنى هو اعطيني العلم والفقه والحكمة .
كدلك يدعو النبي إبراهيم ربه فيقول " ربي هب لي حكما والحقني بالصالحين " . وطبعا المعنى هنا ليس اعطيني السلطة السياسية لأحكم البلد ، و انما المعنى هو اعطيني العلم والفقه والحكمة .
واذا رجعنا الآن الى الادب السياسي الإسلامي ، والى الفكر السياسي الإسلامي ، نجد ان المصطلح المستخدم ، هو مصطلح الامر ، ومن الامر . ومن كلمة الامر اشتقت الامارة واشتقت كلمة امير الذي هو رأس السلطة السياسية في الدولة . ان الامر كلمة لها اتصال بالائتمار وبالتشاور التي هي في الحقيقة فلسفة الحكم في الإسلام . ومن هنا يقول الآية " وشاورهم في الامر " " وامرهم شورى بينهم " " واطيعوا الله والرسول واولي الامر منكم " .
انه مطلوبا شرعا وفرضا ان نضع " النّحن " النظام الذي يستطع في مكان معين وفي فترة زمانية معينة ومحددة ، مواجهات مشكلات معينة ، أهمها الظلم السياسي و الاجتماعي والفقر والجهل والتسلط والتخلف ، و ان نضع من الأنظمة والنظريات ، ومن المناهج والاسس ، ما نستطيع به ان نعيش كرماء اعزاء أحرارا ، لان الله الناس اعزة أحرارا ، وخلق ابن آدم خليفته في الأرض .. فاذا كان الله قد قال في القران " ولقد كرمنا بني آدم " فاين نحن من هذا التكريم لابن آدم وهو جائع يأكل من الحاويات ، حافي القدمين ، لا مأوى له ولا لباس يستر به عورته ، ومعرض للظلم وسلب حقوقه ..
ان الله لم يخلقنا ليقدر لنا الجوع ، الامراض ، التشرد ...الخ .. وانما الانسان المجرم هو من فعل ذلك كله . وعليه لابد من مواجهته ، وبكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة اذا اقتضى الامر ذلك ، لتحقيق كلمة الله بان يكون الانسان حقا مكرما ..
الملاحظ ان اختلاف التفسيرات والتأويل بخصوص التعامل مع النصوص ، تبقى مسألة مسلمة ، لأنها ترجع الى تشردم وتفتت التيار الديني ، حيث ان الاسلامويين يؤمنون بحديث لم تثبت صحته يقول " ستنتهي امتي في آخر الزمان الى ثلاثة وسبعين فرقة ، اثنان وسبعون منها في النار ، وواحدة فقط الجنة " ، حيث ان كل فريق تتصور انها الناجية ، و ان الباقي في النار .
ان هذا التشتت طبيعي لانهم يتفقون على العموميات ، لكن عند الدخول في التفاصيل ، يختلفون اختلافا شديدا ، كما يقول المثل الألماني " في التفاصيل يدخل الشيطان " .
ان تشرذم تيارات الإسلام السياسي ، لا يستند الى الخلاف على الثوابت ، او على النصوص ، وانما على تفسيرها ، أي على المتغيرات المرتبطة بتغير الظروف . فليس هناك خلاف بين السني والشيعي ، او بين الحنبلي والحنفي والمالكي والشافعي ، او بين المسلم في المغرب والمسلم في الصين التي وقف رئيسها ثوان معدودة بالمغرب .. مثلا حول وحدانية الله ، والعدل (الالاهي ) السماوي ، او حول العبادات والصلوات ، او في العقيدة ... لكن عندما يتم الانتقال الى المجال الديني ، وخاصة الى مسألة السلطة السياسية ، هنا يحدث الاختلاف والخلاف . فبعضهم يذهب الى ان الحاكم مسؤول امام الرعية ، والبعض الآخر يقول بمسؤولية الحاكم امام الله فقط ، وبعضهم يذهب الى ان الشورى ملزمة ، وبعضهم يقول انها غير ملزمة ، وبعضٌ آخر ويذهب الى ان الخلافة ركن أساسي في النظام الإسلامي ، وبعضهم يقول بانها ليست كذلك ..الخ .. ومن هنا عندما يوضع الإسلام موضع الحكم ، فيصبح متغيرا بتغيير الزمان والمكان ، فإننا نقر بالاختلاف والخلاف والاجتهاد في الإسلام . وضمن هذا الفهم ليس غريبا القيام بانقلاب مؤتمر سقيفة للسيطرة على السلطة السياسية ، وان يحكم ابوبكر الصديق بنظام حكم معين ، ويحكم عمر بنظام ثاني ، وعثمان بنظام مغاير عندما انقلب على دار الحكم ، واستفرد لوحده ومع عائلته ببيت مال المسلمين ... فهنا يجب ان نتساءل ما العبرة من كل هذا ؟
العبرة ان الصحابة يريدون ان يعلموا الامة ، ان الحكم السياسي ، أي مصدر السلطة السياسية في الإسلام الحقيقي ، متروك للعقل البشري ، أي للاجتهاد يرتبه كما يشاء وفق مصلحة المجتمع او الامة ، وليس كما يقول الإسلام السياسي ، بضرورة ارجاع هذه الأمور الى الله وحده ، أي اعتبار الحاكمية لله ، ونفيها عن الشعب ، ومن قال بغيرها السيف يقطع رأسه .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خمس منطلقات في المسألة الديمقراطية والانتخابات .
- حرب الصحراء الغربية بين النظامين المخزني المزاجي والنظام الج ...
- حركة التحرر العربية : أزمة عارضة أم بنيوية ؟
- حتمية انتصار الخط الوطني الثوري التقدمي . والمستقبل للشعب ال ...
- من دون الجيش لن يتحقق التغيير الوطني الثوري التقدمي
- ما هي دلالات الموقف الفرنسي الأخير من نزاع الصحراء الغربية – ...
- اسبانية – فرنسا ونزاع الصحراء الغربية
- الآن توضح الموقف الاسباني والفرنسي من نزاع الصحراء الغربية .
- القيادة الثورية عند نزول الشعب الى الشارع
- الشارع
- كيف يمكن تغيير النظام .
- مجلس الامن يقترح حلا لنزاع الصحراء الغربية بين جبهة البوليسا ...
- فرنسا لا تعترف ولم تعترف بمغربية الصحراء ، شأن مدريد ، وشأن ...
- مرة أخرى نعود لتوضيح موقف دول الاتحاد الأوربي ، من حكم محكمة ...
- اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار
- اصبح موقف الاتحاد الأوربي من نزاع الصحراء الغربية ، موقفا وا ...
- هل ستتشبث دول الاتحاد الأوربي بقرار محكمة العدل الاوربية ؟
- وجهة نظر قانونية حول حكم محكمة العدل الاوربية الصادر في 04 / ...
- حلف عسكري جزائري إيراني روسي مع حزب الله اللبناني . وحلف عسك ...
- محكمة العدل الاوربية تصدر حكما يرفض أطروحة مغربية الصحراء .. ...


المزيد.....




- هدنة بين السنة والشيعة في باكستان بعد أعمال عنف أودت بحياة أ ...
- المتحدث باسم نتنياهو لـCNN: الحكومة الإسرائيلية تصوت غدًا عل ...
- -تأثيره كارثي-.. ماهو مخدر المشروم المضبوط في مصر؟
- صواريخ باليستية وقنابل أميركية.. إعلان روسي عن مواجهات عسكري ...
- تفاؤل مشوب بالحذر بشأن -اتفاق ثلاثي المراحل- محتمل بين إسرائ ...
- بعد التصعيد مع حزب الله.. لماذا تدرس إسرائيل وقف القتال في ل ...
- برلماني أوكراني يكشف كيف تخفي الولايات المتحدة مشاركتها في ا ...
- سياسي فرنسي يدعو إلى الاحتجاج على احتمال إرسال قوات أوروبية ...
- -تدمير ميركافا وإيقاع قتلى وجرحى-.. -حزب الله- ينفذ 8 عمليات ...
- شولتس يعد بمواصلة دعم أوكرانيا إذا فاز في الانتخابات


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - أصل الحكم في الإسلام