|
المنهج الشكي في مواجهة اليقين
د محمد عبدالحميد القطاونة
الحوار المتمدن-العدد: 8172 - 2024 / 11 / 25 - 08:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن مصادر المعرفة، وطرق اكتسابها وتحصليها، لا يزال من المواضيع القلقة في العصر الحديث، حيث تتجاذبه عدة تخصصات، بين علماء النفس والفلسفة والعقيدة وعلماء الكلام والمتصوفة، و مصدر الإلهام من اكثرها غرابة واشكالية، فهو يسمى الان بعلم "البارسيكولوجيا"؛ وهو موضوع بعيد الغور، تناولته المعارف الإسلامية والنصوص الدينية من قبل، كما في قوله تعالى:( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا۞ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۞) ، وتثاقفته الحُذاق من علماء الكلام والفلاسفة والمتصوفين بين قبول مطلق، ورفض مطلق، وموقف محايد، وكذلك طُرقت آراء الإلهام والحدس عند الفقهاء والأصوليين في دلالته، ومدى حجيته، وتباينت مفرداته بين قلب وروح وعقل وفؤاد، ولا يزال السؤال ساريًا بين الناس، فالعلم لا يعرف الكلمة الأخيرة، وموضوع الشك وإمكان المعرفة ،وطرق تحصليها افاده كثير من علماء المسلمين ،ولا نجاوز الصواب اذا قلنا ان فيلسوف الشك التنويري ديكارت قد اطلع وأفاد من كتاب الغزالي "المنقذ من الضلال" والقارئ لكلا المنهجين الذي يُنسب لأبي حامد الغزالي (1050-1111) ولـديكارت (1596-1650) يلاحظ ان مفهوما أساسيا يقومان عليه هو "الشك المنهجي" أي الشك الموصل إلى اليقين. ويدلل عبد الصمد الشاذلي الذي يعمل بجامعة جوتنجن بألمانيا في مقدمته للترجمة الألمانية لكتاب "المنقذ من الضلال" أن ديكارت كانت تربطه علاقة صداقة ببعض المستشرقين الذين كانت بحوزتهم نسخة عربية لكتاب "المنقذ من الضلال" مثل المستشرق جاكوب جوليوس Jacob Golius (1596-1667) وليفينيوس فارنر Levinius Varner، الذيْن كان بحوزتهما مخطوط لكتاب "المنقذ من الضلال" مما يثبت يقينا اطلاع ديكارت على الشك الغزالي.. و الشك يعلمكم القدرة على الاختيار والانتقاء بين نقيضين، والشاك يمارس نوعا من الحرية الذاتية في أن يحكم أو لا يحكم ،وان اختار ألا يحكم، فقد اختار موقف الشك بإرادته الحرة ... ،والشك موقف عقلي واع ، واتجاه يتخذه صاحبه بعد تفكير عميق ، وهو ليس جهلا، لأن الشخص الشاك رفض أن يكون إمعة ،ورفض النقيضين عن علم بعد أن قام بتفنيد كل منها، ولم يجد فيها ما يقنعه بها. و الشك: هو الوقوف بين شيئين لا يميل القلب إلى أحدهما، فهو إذن تعليق الحكم لأن الحواس والمعطيات لا تكفل اليقين وهو مؤقت فاحص وليس بدائم.وقد عرفه الإنسان منذ القدم بدءا من السوفسطائين، ومرورا بالغزالي الفيلسوف المسلم كما قلنا وانتهاء بديكارت..ولا يزال الفلاسفة فيه مختصمون..فهو يقع في حقل السؤال عن إمكان المعرفة ومضمونها- أي الحقيقة - هل يمكننا أن ندرك الحقيقة ؟وباي صورة ؟هل بالحواس أم العقل أم الحدس والإلهام؟ أم بالوحي والشريعة السمحاء؟ لذلك صور لنا الامام الغزالي في كتابه الماتع " المنقذ من الضلال" تلك الرحلة الفكرية التي سبر بها دروب المعرفة، اذ ان لم يكن شكه الذي خامر عقله، على نحو شك ديكارت، أو شكّاً بالمعنى اليوناني، بل كان شكّاً غايته أن يتبع يقيناً، لذا جعل الشك طريقه الموصل إلى الحق. يقول الإمام (الغزالي) : "من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في العمى والضلال" .. ، ووصفها بأنها لم تكن تجربة الجبان الحذور، بل المفكر الجسور المتوغل في كل معضلة، والمقتحم لكل مشكلة، السابر لكل فلسفة.. يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ( نحن أحق بالشك من إبراهيم) الا ان النتائج التي توصل لهما كلا الفيلسوفين مفارقة عن الاخر ..فقد وجده الغزالي برد اليقين "في النور الذي يقذفه الله في القلب"أي التصوف والحدس والالهام الصوفي يقول في كتابه الإحياء:" "ثم إنني لما فرغت من هذه العلوم أقبلت بهمتي على طريق الصوفية، وعلمت أن طريقهم إنما يتم بعلم وعمل، وحصلت ما يمكن أن يحصل من طريقهم بالتعلم والسماع، وظهر لي أن أخص خواصهم لا يمكن الوصول إليه بالتعلم، بل بالذوق والحال، وتبدل الصفات. فكم من الفرق بين أن يعلم المرء حد الصحة وحد الشبع وأسبابهما وشروطهما، وبين أن يكون صحيحًا وشبعان" فالغزالي يرى ان المعرفة هي ذوقية وليست عقلية أو نقلية ، فهو علم أحوال لا علم أقوال ،فإن الشك عند ديكارت قد اتصل به إلى اثبات وجود النفس ووجود الله والعالم الخارجي من خلال الكوجيتو الديكارتي " أنا افكر إذن أنا موجود" بينما نرى الغزالي لقى برد اليقين المعرفي في الذوق الصوفي والكشف والإلهام القلبي الذي لا يساوره شك .. فالصوفيون يقولون إن مدارك المعرفة ليست فقط الحواس والعقل بل الالهام والحدس الذي لها دلائله الشتى كما يحث في المنام من رأيت الغيب والمستقبل أو الخواطر التي تحدث لنا في حياتنا اليومية ، وليس لها تفسير علمي أو عقلي.. فهل هناك طور اعلى من الحواس والعقل الذي هو "القلب محط العالم الغيبي" كما يقوله الصوفيه؟!!
الموجه الفني للدراسات الفلسفية باسل الزير
#د_محمد_عبدالحميد_القطاونة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|