أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - علي الجلولي - الشعبوية والمرفق التربوي: الشعارات الخاوية عوض الانجازات















المزيد.....


الشعبوية والمرفق التربوي: الشعارات الخاوية عوض الانجازات


علي الجلولي

الحوار المتمدن-العدد: 8170 - 2024 / 11 / 23 - 12:45
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


انشغل الرأي العام خلال الأسبوع الجاري بالبلاغ الصادر عن وزارة التربية بتاريخ 12 نوفمبر 2024 والخاص ب " ضرورة التقيد بمقتضيات الأمر عدد 1619 لسنة 2015 المتعلق بضبط شروط تنظيم دروس الدعم والدروس الخصوصية داخل فضاء المؤسسات التربوية العمومية ". وقد استعاد هذا اللغط معجما أصبح متواترا في السنوات الأخيرة وهو المعجم الذي يستهدف المربين من معلمين وأساتذة وينال من كرامتهم وسمعتهم ويقدمهم على أنهم وحوش كاسرة لا همّ لهم إلا سلب أموال التلاميذ والأولياء. وككل مرة يتغافل اللغط الغوغائي عن التطرق للسياسة التربوية وأوضاع المؤسسة التربوية ومنتسبيها ومن بينهم المدرسون.
ـ سياق حملة تبخيس المدرسين.
لقد دأبت السلطة وخاصة مع الحكم الشعبوي على الهاء الرأي العام بمحاور انشغال تحرك فيه النزعات الأكثر رجعية وأحيانا الأكثر عدوانية حتى ضد نفسه وضد مكونات منه. ولا نعتقد أن صدور بلاغ وزارة التربية في هذا التوقيت بالذات حيث تتعالى أصوات المدرسين ونقاباتهم بالوضع الكارثي الذي بلغته المؤسسة التربوية وخاصة ما يهم النقص الرهيب في "اليد العاملة التربوية"، فحسب جامعة التعليم الثانوي تجاوز النقص في التعليمين الإعدادي والثانوي ال12 ألف مدرسا بما يعني حرمان آلاف التلاميذ من التعلم، ويطال الأمر حتى تلاميذ الأقسام النهائية، وقد وصل اعتماد سلطة الإشراف على "النواب" حدوده القصوى سواء من جهة عدم تمكن العدد المنتدب منهم من تأمين المطلوب خاصة بخروج أعداد كبيرة من المدرسين إلى التقاعد، علما وان قانون المالية الجديد استعاد الحث على التقاعد المبكر بالنسبة للموظفين بمن فيهم المدرسين وهو ما يعني شغورا جديدا لن يتم تأمينه تطبيقا لتوصيات صناديق النهب الدولية التي تدّعي السلطة عدم الخضوع لها، لكن الوقائع العنيدة تسفّه دعاوي السلطة و أزلامها. أما عن بقية أوجه سير المؤسسة التربوية فهي تعرف تدهورا غير مسبوق من جهة البنية الأساسية التي شملت حتى الشروط الأولية مثل الماء الصالح للشرب ووسائل النسخ فضلا عن القاعات النظيفة والصالحة للتمدرس بحكم عدم وجود عملة في عديد المؤسسات. لقد أصبح الفضاء التربوي فضاء منفرا ومرتعا للعنف والمخدرات والتسرب والاخفاق، والتحقت أعداد متصاعدة من التلاميذ بالتعليم الخاص الذي تحول من استقطاب التلاميذ "الفاشلين" الذين "كثر رسوبهم وتضاءلت معدلاتهم وساء سلوكهم" إلى استقطاب التلاميذ الأكثر تميزا وانتشرت في المدن الكبرى والصغرى فئة جديدة من مؤسسات التعليم الخاص لا علاقة لها ب"المدارس الحرة" التي سادت في العقود الماضية، بل هي "مدارس خمسة نجوم" تختار جمهورها من ذوي النتائج المميزة و الطيبة و ذوي القدرة على الدفع السخي، ولأن الفئات الوسطى في تونس مازالت تعطي مكانة هامة للتمدرس بحثا عن آفاق مهنية واجتماعية تؤمن المستقبل الشخصي والعائلي، فقد انسحبت عديد العائلات من التعليم العمومي وألحقت أبنائها إلى التعليم الخاص ذي الآفاق الواعدة.
إن الإقرار بأزمة المدرسة العمومية لم تعد قناعة ضئيلة لجمهور معارض للدولة، بل أصبحت اليوم قناعة مشتركة وواسعة في مجتمعنا. وعوض الاتجاه إلى معالجة هذه الأزمة ومباشرة أسبابها وفتح حوار مع أهل القطاع التربوي، اتجهت السلطة ـ ككل مرةـ إلى توجيه الأعين والأذهان إلى وجه ثانوي من أزمة المدرسة وهو الدروس الخصوصية وتهديد المدرسين بالإجراءات الزجرية في حال تنظيم دروس خصوصية خارج المؤسسة التعليمية العمومية.
ـ الدروس الخصوصية دليل على فشل المنظومة التربوية وعجزها.
عوض الإجابة عن سؤال: لماذا يلجأ التلاميذ وأوليائهم بكثافة إلى الدروس الخصوصية؟ تجنح السلطة إلى عدم طرح هذا السؤال أصلا وتهدد المدرسين بالإجراءات الإدارية (الإيقاف التحفظي عن العمل والإحالة على مجلس التأديب) وحتى بالتتبع العدلي. إن الغرض من هذه الحملة هو استدار تعاطف الجمهور في إطار غوغائية شعبوية تشمل اليوم غلاء الأسعار وندرة مواد الاستهلاك وهاهي تتجه أيضا إلى الدروس الخصوصية التي تتزامن مع حملة تبخيس و إهانة ومسّ من اعتبار المدرسين.
إن تنامي ظاهرة الدروس الخصوصية هي دليل قطعي على فشل المنظومة التعليمية السائدة،فما يعلمه جميع متابعي الشأن التربوي في تونس هو كون الساعات الرسمية عاجزة عن إكمال البرامج المكثفة، بل ثمة من له قناعة أن البرامج الرسمية صيغت بما يؤمن الالتجاء للدروس الخصوصية التي أصبحت سوقا بأتم معنى الكلمة، خاضعة لقانون العرض والطلب، تباع السلعة (الدروس) وتشترى ارتباطا بالقدرة على الدفع. وهي سوق يخترقها التنافس القوي بين مسدي الخدمة (المدرسين) ومتلقيها (التلاميذ وأوليائهم)، وأصبح التمتع بها محالا لإبراز الوجاهة الاجتماعية والقدرة المادية. وضمن هذه السوق ضاع الضعفاء من التلاميذ والأولياء كما هُمّش المدرسون ذوي الضمائر. اللافت أن أعداد المدرسين الذين يقدمون الدروس الخصوصية بصدد التناسل والتضاعف وذلك لأسباب مادية بحتة تتعلق بالدهور المريع لأوضاعهم المادية والاجتماعية والتي ألحقتهم بالفئات الأكثر فقرا والأكثر خصاصة. لقد اضطر عديد المدرسين إلى الالتحاق بمهن أخرى مثل العمل في العطل أو ليلا لقناعة أن الاكتفاء بالجراية الخاصة بالمدرس يجعله عاجزا عن تأمين الأدنى من حاجياته. وضمن التوجه لأعمال أخرى اتجه البعض إلى الدروس الخصوصية كما انحدر البعض إلى ممارسات غير تربوية مثل الضغط على التلاميذ وأوليائهم أو المقايضة بالأعداد، وهي ممارسات شاذة شوهت سمعة القطاع التربوي رغم انخراط عديد القطاعات فيه مثل القطاع الطبي وغيره.
وجب التنويه إلى رياء السلطة التي تصدر بلاغا للتذكير بمنشور منع الدروس الخصوصية خارج الفضاء التربوي، وفي الآن ذاته يقوم المنشور بتنظيم الدروس الخصوصية داخل المؤسسة، وهي دروس تقدم بمقابل مالي محدد (35د و 45د) بما يضرب مبدأي مجانية التعليم وتكافؤ الفرص، فعديد التلاميذ عاجزون عن تأمين معاليم أكثر من مادة هم في حاجة إلى دروس إضافية فيها.
ـ الإصلاح الجذري للمنظومة التربوية هو الحل.
إن الاتجاه الزجري التي تتجه إليه السلطة لن يحل مشاكل القطاع التربوي، علما وأن المنشور الذي تعتمده اليوم في حملتها هو منشور صدر منذ 2015 وتزامن حينها مع حملة شيطنة للمدرسين، وهاهي وزارة الإشراف تسحبه من الدرج لتخويف المدرسين وفرض محور اهتمام عليهم يلهيهم عن طرح الملفات الكبرى التي تهم ضرورة الإصلاح الجذري للمنظومة التربوية القائمة التي تثبت الدراسات المخفية في ذات الأدراج في وزارة التربية فشلها وعجزها في مختلف تفاصيلها من البرامج والمضامين والزمن المدرسي إلى هيكلة التعليم والتوجيه المدرسي والجامعي والانفصال بين درجاته وبين التكوين. إن هذه المشاغل لا يبدو أن السلطة معنية بها ولا هي من اهتماماتها وأولوياتها. إن الشعبوية في تونس كما في العالم تستفيد من تهميش التعليم وفاعليه وتستهدفهم باعتبارهم جزء من النخبة التي تعاديها بطبعها، وذلك لحساب فاعلين آخرين توظفهم لتأبيد سيطرتها.
20 نوفمبر 2024



#علي_الجلولي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعبوية والقيم: وهم الأخلقة ينكشف أمام التدهور والسقوط
- التونسيون والقضية الفلسطينية: ما سرّ هذا التراجع؟
- في الذكرى الأولى لطوفان الأقصى: بعض الدروس وبعض العبر
- فلسطين ولبنان في قلب معركة العالم ضد الهمجية والعربدة.
- على هامش العودة المدرسية والجامعية: أوضاع التربية و التعليم ...
- خالدة جرار أيقونة فلسطينية واقفة رغم ضيق التنفس.
- في حوار شامل مع -صوت الشعب-: الصحفي المقدسي -راسم عبيدات- يق ...
- محمد الغول من قلب النار، من غزة: من وسط الألم يصنع الفلسطيني ...
- حوار مع الرفيق فهد سليمان،الأمين العام للجبهة الديمقراطية لت ...
- حوار مع الرفيق ماهر الطاهر،القيادي بالجبهة الشعبية لتحرير فل ...
- القضية الفلسطينية في منعرج جديد: هل تتحرك شعوبنا لإسناد الان ...
- النتائج النهائية للباكلوريا: تواصل نفس العوائق الهيكلية للمن ...
- مشكل الماء في تونس: الشعب التونسي يعطش
- الشعب البوليفي يحبط محاولة انقلابية
- حوار مع الرفيق فتحي فضل الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي الس ...
- الأنظمة العربية وفلسطين: الحقيقة عن التواطؤ واللامبالاة.
- بعد 110 يوما من حرب الإبادة: العدو ينهزم، المقاومة تنتصر.
- تجريم التطبيع بين شعبية المطلب وشعبوية التعاطي.
- المقاطعة كسلاح فعّال في النضال التحرري.
- في الذكرى 13 للثورة التونسية : أفكار حول الثورة والمسار الثو ...


المزيد.....




- شاهد.. ركاب يقفون على جناح طائرة بعد اشتعال النيران بمحركها ...
- سوريا.. القلم الأخضر بيد أحمد الشرع عند توقيع الإعلان الدستو ...
- كالاس: وشنطن وعدتنا بعدم قبول أي شروط روسية حول أوكرانيا إلا ...
- الاتفاق بين دمشق والأكراد.. ماذا عن التفاصل والآثار المحتملة ...
- سوريا.. محافظ اللاذقية يعزي سيدة من الساحل في مقتل نجليها وح ...
- شيخ الموحدين الدروز الحناوي: لم نطلب الحماية من أحد ويجب إعط ...
- طهران: العقوبات الأمريكية الجديدة دليل على الخداع وخرق القا ...
- حريق ضخم في أحد مباني المعامل المركزية لوزارة الصحة المصرية ...
- محامو الطالب الفلسطيني محمود خليل يطالبون بالإفراج الفوري عن ...
- اكتشاف قد يحدث ثورة في علاج داء الثعلبة


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - علي الجلولي - الشعبوية والمرفق التربوي: الشعارات الخاوية عوض الانجازات