|
وداعًا النقابي محمد المرباطي
فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 8170 - 2024 / 11 / 23 - 11:03
المحور:
سيرة ذاتية
فقدت الحركة العمالية والنقابية البحرينية منذ أيام النقابي البارز محمد المرباطي، الذي عرفته المنابر العمالية مدافعًا عن المصالح النقابية في زمن يتطلب فيه، التضحية، وشجاعة الموقف، والتحرر من الأنانية، وقيود الأنتهازية.
تميز الراحل بروحه المفعمة بالمحبة، وبحسن الخلق، والهدوء في المعاملة، والمواقف المبدئية الحازمة.
عرفته عن قرب، بحكم أننا نسكن في حي واحد، حي حالة بوماهر الكائن في جنوب المحرق، وهو في الواقع لا يختلف عن الأحياء الفقيرة الأخرى المطلة على البحر.
هناك ، في تلك الأزقة القديمة الضيقة الرطبة ، تفوح رائحة الزفر والبخور، وفي المساء تسرد حكايات الحب والجن والأساطير وويلات البحر، ومع ارتفاع أشعة الشمس، تتحول تلك الأزقة إلى فضاءات مزدحمة بالوجوه الحالمة، والأجساد المتعبة، المتعطشة للفرح، والخلاص من العتمة، وضنك الحياة هناك، وفي الأفق البعيد يطل الأمل، وتحلق طيور النورس فرحة وهي تلامس سطح البحر.
في ذلك الحي، لقب الفقيد بـ«حَنَف» ولا أدري لماذا أطلق عليه هذا اللقب؟ لكن كل ما أعرفه عنه، إنه إنسان بسيط، طيب القلب، محدود العلاقات، لا تغريه الأضواء، وحب الظهور، لا يعرف الغرور والتباهي «النفخة»، واللغة الفوقية الأستاذية ، المرض الذي ابتلى به بعض الساسة والمثقفين الذين يدعون المعرفة والثقافة، وهم في الواقع غير ذلك.
خلال النصف الأول لسبعينيات القرن الماضي، وأثناء دراستي في جامعة دمشق، التقيت به أكثر من مرة. وما أن شهدت البلاد مشروعها الإصلاحي، حتى عاد إلى أرض الوطن، مكث في أحضانه، حريصًا على استكمال المشوار النقابي والوطني . كان شرسًا في الدفاع عن حرية العمل السياسي والنقابي، رافضًا، كغيره من النقابيين المخضرمين، كافة أشكال التبعية والوصاية على الحركة النقابية، التي تشهد في الوقت الراهن إنقسامًا طائفيًا غير مسبوق.
قد تختلف معه حول قضايا سياسية وفكرية.. لكنه لا يعرف الحقد والكراهية.
لقد كان الفقيد صادقًا في تعاطيه مع المسائل التي تهمّ الطبقة العاملة ووحدتها، وقد عرفته الساحة العمالية بمواقفه الصلبة دفاعًا عن حقوق العمال وحريتهم ومكاسبهم.
وقد اتضح ذلك ليس فقط في عمق بصماته في الكثير من المعطيات التي تهم المصلحة العمالية والنقابية، بل وفي كتاباته وأرائه.
قبل عقد ونيف، كتب الكثير من المقالات المتنوعة، نُشرت في جريدة «الأيام»، تناول فيها الأوضاع العمالية والنقابية في البلاد، وكذلك السياسة والاجتماعية، فعلى سبيل المثال، ثمة مقال عنوانه «الديمقراطية واللاديمقراطية النقابية» نُشر في العدد �، يذكر فيه أصبح لزامًا على جميع المخلصين لحركة نقابية ديمقراطية مستقلة، وبعيدًا عن الصراعات السياسية والطائفية، المساهمة الجادة في بلورة الوعي النقابي، وذلك من خلال طرح المفاهيم النقابية السليمة التي تبرز أهميتها في هذه المرحلة بالذات كإحدى حلقات الوعي العمالي، وكذلك المساهمة لإيجاد بعض الحلول للمشكلات العمالية، خاصة الاقتصادية والاجتماعية، من أجل رفع القدرات العمالية والاجتماعية نحو البناء والتنمية الوطنية الشاملة، والاستقرار الاجتماعي، والعمل على تأسيس نقابات تساهم في إيجاد الحلول للمشكلات العمالية، مثل البطالة والسكن وتدني الأجور والصحة وتضخم الأسعار، ويذكر أيضًا ، أن مثل هذه الأعمال تعزز لدى الجميع المشاعر العمالية في المساهمة مع الدولة في تجاوز المشكلات التي تواجه أبناء هذا الوطن، وهو امتحان يخرج الفعل النقابي من دائرة الحالمين الذين لا يملكون حلولًا عملية لما تواجه الحركة العمالية والنقابية من تحديات، أو الذين لا يريدون لهذه المشاكل حلًا، والتي تسببت في عزوف العمال عن المشاركة الإيجابية في النشاط النقابي.
فقد خرج من وجهة النظر هذه بأن نجاح العمل النقابي سوف يضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية نظرًا لأهميته الخاصة للنقابات، التي تشهد، برأيه، تحولات إيجابية نحو الديمقراطية والشفافية، لذا تكمن الأهمية القصوى في تفعيل الدور النقابي لحماية العمال ودفعهم نحو المشاركة الإيجابية في الفعل الاقتصادي والاجتماعي، بدلًا من الانجرار وراء بعض القضايا الهامشية أو العزوف النقابي الذي يزيد المشاكل تفاقمًا، ويهدد مستقبل الحركة النقابية بأفدح الاخطار، وبالتالي أصبح من الضروري الأخذ بفكرة الإعداد النقابي، من خلال الدراسات التي تتناول آليات ومفاهيم العمل النقابي الديمقراطي، ويأتي هذا العمل مترافقًا مع مرحلة تأسيس النقابات والاتحاد العام لنقابات العمال، حيث أصبحت الحاجة الماسة لمثل هذه الدراسات التي تخلو منها المكتبة النقابية العربية، لذا يتحمل الجميع مسؤولية المساهمة بقدر المستطاع في إيجاد السبل التي تؤدي إلى بلورة الوعي النقابي، ولكن ذلك لن يتحقق ما لم نكن قادرين على تفعيل دور النقابات العمالية القادرة على إيجاد مؤسساتها الثقافية ومراكزها النقابية، عندها فقط نكون قد تجاوزنا مرحلة صراع المواقع إلى آفاق إبداعية أخرى من خلال التنسيق بين جميع النقابات لإيجاد مؤسسات للعمل النقابي، وخلق البنية الأساسية لتراكم الثقافة العمالية، وصولًا إلى تأسيس المعهد النقابي المتخصص في الدراسات والعلوم النقابية والاقتصادية والفلسفية.. أسوة بدول العالم الأخرى.
إن التنسيق والتعاون الجاد بين النقابات لا يتم إلا ضمن خطة متكاملة بين نقابات فاعلة،تضع جميع هذه النقابات أمام مسؤولياتها بعيدًا عن أية استحقاقات أو خلفيات، بحيث يكون هدف الجميع مصلحة الحركة النقابية دون النظر لأي خلفيات أخرى سواء كانت طائفية أو سياسية أو فئوية أو مصالح ذاتية وغيرها، وذلك لإدراكنا بأن الدور النقابي لا يقل أهمية عن الأدوار الأخرى للمؤسسات الرسمية إذا تم تنظيم هذا الدور النقابي بشكله الصحيح والسليم.
وحين تناول أزمة الهوية الوطنية بدأ بمقدمة يشير فيها إلى أن التعصب بجميع أشكاله، حالة مرضية، لأنه عامل فرقة لا عامل اتفاق أو توافق، إضافة إلى أن التعصب أو العصبية تخلق جماعات أخرى خارج الإطار الوطني العام، عندما تشكل ولاءاتها وهوياتها الخاصة بها، والتي تتنافر مع الآخر في المجتمع ذاته، وقد تتطور إلى تقسيم الوطن لأجزاء متنافرة، وهي نتيجة لتراجع الهوية الوطنية أمام الهويات السلبية التي تجعل منا شعوبًا متنافرة لا يجمعنا الوطن، فغياب الهوية الوطنية يعني بالضرورة غياب الضمير المشترك لمجتمعنا، حينها تكون الهوية عامل صراع وأزمات تعجز عن لعب دور إيجابي في إيقاظ الوعي الوطني وتماسك النسيج الاجتماعي الذي يجمعنا كشعب ينتمي لوطن واحد.
وفي تقديره، إن هذه الظاهرة أخذت تنمو من خلال إضعاف البنية الاجتماعية والتأثيرات السلبية على جوانب حضارية نتيجة لتنوع الثقافي، الديني والمذهبي والعرقي، وهي حقائق علينا إدراكها والتعايش مع مشتركاتها، فالناس في بلادنا يشتركون في الجغرافيا وفي المصالح واللغة والدين وإلى حدما في التاريخ، ويختلفون في الأعراق والمذاهب، وهي التي أنتجت أي المذاهب عبر تاريخية مثقلة بمخزون من الكراهيه، ثقافة عدم التعايش والتخوين والإقصاء، وقد استفحلت عندما تراجعت الذات الوطنية لتسمو عليها الذات الطائفية التي تأطرت في كيانات سياسية، وانتقلت لمرحلة المشاريع الطائفية السياسية، وهي أخطر مراحل أزمة الهوية الوطنية، التي تؤدي إلى تفكيك نسيج المجتمع، وتهدد مقومات السلم الاجتماعي، وفي هذه الأجواء ومع تراجع مؤسسات الدولة المدنية، ينشط البعض لإحياء القيم القبلية المتخلفة التي تقوم على ثقافة المفاضلة والتمايز، وهي نتيجة طبيعية لأزمة الهوية الوطنية الجامعة.
برحيل المرباطي فقدت الحركة العمالية والنقابية أحد كوادرها المخلصين. وبهذه المناسبة نتقدم بأحر التعازي لعائلته ولرفاق الدرب ومحبيه.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيد درويش... رائد الأغنية الوطنية
-
مأزق المشروع الحضاري العربي
-
العرب والفكر النقدي
-
قيم قابلة للتبديل بحسب الحاجة
-
المنهج النقدي عند محمد مندور
-
لماذا لا تزال أوروبا تدور في الفلك الأمريكي؟
-
الكتابة والحرية
-
هل تراجعت الهيمنة الأمريكية؟
-
يوسف سلامة.. فيلسوف العقل والتغيير
-
كتاب «وجهة نظر»
-
الدولة العميقة في الولايات المتحدة
-
المفكّر برهان غليون وحديث عن الطائفية
-
الدولة الفلسطينية والانقسام الأوروبي
-
الأنانية تقتل الليبرالية
-
المفكر الكبير لويس عوض
-
الصراع الروسي الأمريكي أكبر من أوكرانيا
-
حديث عن تغييب العقل وغياب الوعي
-
52 عامًا على اغتيال الأديب غسان كنفاني
-
«لن نصوِّت لك»
-
جرجي زيدان أبرز أركان النهضة العربية
المزيد.....
-
بتوبيخ نادر.. أغنى رجل في الصين ينتقد -تقاعس الحكومة-
-
مصر.. ضجة حادث قتل تسبب فيه نجل زوجة -شيف- شهير والداخلية تك
...
-
ترامب يعين سكوت بيسنت وزيراً للخزانة بعد عملية اختيار طويلة
...
-
ترامب بين الرئاسة والمحاكمة: هل تُحسم قضية ستورمي دانيالز قر
...
-
لبنان..13 قتيلا وعشرات الجرحى جراء غارة إسرائيلية على البسطة
...
-
العراق يلجأ لمجلس الأمن والمنظمات الدولية لردع إسرائيل عن إط
...
-
الجامعة العربية تعقد اجتماعا طارئا لبحث تهديدات إسرائيل للعر
...
-
ابتكار بلاستيك يتحلل في ماء البحر!
-
-تفاحة الكاسترد-.. فاكهة بخصائص استثنائية!
-
-كلاشينكوف- تستعرض أحدث طائراتها المسيّرة
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|