أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد القاهري - عن القوالب الحضارية وتفعيل القالب اليساري















المزيد.....

عن القوالب الحضارية وتفعيل القالب اليساري


محمد القاهري

الحوار المتمدن-العدد: 1783 - 2007 / 1 / 2 - 11:08
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


التشكيلات الحضارية تصنف من حيث منبعها إلى قالبين (paradigms) رئيسيين احدهما عقلي والآخر لاهوتي تفرعت منهما فصائل بقوالب ثانوية. من تلك الفصائل نجد الفلسفة الإنسانية، الحكمة الزراعية، الزعامة الحربية-السياسية التي تجسدها الإمبراطورية وأشكال الدولة الأخرى، وأخيراً المبادئ البضاعية (أو الرأسمالية). والقوالب ولفصائل الثانوية خليط من جذور في المنبعين الرئيسيين ومن الخصائص المحددة للزمان والمكان.
المنبع اللاهوتي أعطى قالباً دينياً أخذ في الإسلام شكل الدولة الدينية الفاتحة. وفي الحالة الرومانية بعد هيمنة النزعة المحاربة اعتنقت الدولة الديانة المسيحية لتغدو إمبراطورية دينية. حديثاً، في اليهودية ثم في البروتستانتية والكاثوليكية (الغربيتين) أخذت التشكيلة الحضارية شكلاً بضاعياً.
بالنسبة للقالب العقلي فقد كانت أولى تجلياته الفلسفة اليونانية ومن تجلياته الحديثة فلسفة الأنوار الأوربية ثم الماركسية والاشتراكية الديمقراطية. وهناك تجل أخر له يتمثل في الحضارة القائمة على الحكمة الأرضية وليس على اللاهوت مثل البوذية. الحضارة الفرعونية أو حضارة الإنكا وغيرها (فيما يعرف الآن بالامريكيتين الوسطى والجنوبية) قامت بدورها على حكمة أرضية وعلى قيادة حربية-سياسية.
تعاقبت هذه الحضارات على القيادة و التأثير في التاريخ البشري وساهمت في تطوير وسائل الإنتاج وأشكال تنظيم المجتمع مما يعني أن لكل منها وكما هو بديهي عمر على شكل عوامل نشوء وبقاء ثم تراجع.
تم إيراد هذه المقدمة من أجل طرح السؤال: مامدى قدرة الإنسان على التحكم أو التأثير على تلك العوامل بصورة تحفظ عوامل البقاء وتبعد عوامل التراجع؟
إن عملية التحكم تلك، وبالتعريف، عقلية أي تقوم على البحث الفلسفي والعلمي في سلوك الإنسان وعلاقاته وتأثيره ببيئته. وبالتالي فإن النجاح سيكون حليف الحضارات أو التيارات العقلية والإنسانية لأن الإنسان هو مصدر الفلسفة والفكر وطالما كان موجوداً فبإمكانه الإبقاء على شروط الحضارة إلى مالا نهاية. هذا الكلام يمكن أن يطمئن اليساريين المؤمنين بالفلسفة العقلية بينما سيتعين على التشكيلات اللاهوتية ترقب السماء في انتظار الحلول (ومن ذلك عودة المسيح والمهدي المنتظر) أو إخضاع الإنسان للنصوص الموجودة سلفاً وهو مانلاحظه من عودة إلى الأصولية في المسيحية واليهودية والإسلام أو من تواتر ظهور الديانات والطوائف الجديدة في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الرأسمالية ماعدا فرنسا التي تميزت بإتباع العلمانية كنزعة عقلية. فضلاً عن ذلك فإن حظوظ التشكيلات اللاهوتية الغربية في البقاء مهددة بمحدودية عقلانية الرأسمالية والتي تؤدي من بين أشياء أخرى إلى تناقص مستمر في الولادات وفي النمو السكاني بشكل ينذر بتراجع حضارتها.
لكن بالنسبة لليسار الماركسي فهناك معوقات أمام إبقاء وتعزيز الفلسفة والحضارة الإنسانيين.
أولى تلك المعوقات هي كيفية تنمية الثروة الجماعية. فالجانب التطبيقي للماركسية في النموذج السوفيتي كنموذج مرجعي ركز على عدالة توزيع الثروة أو الدخل وعجز عن مجاراة الرأسمالية في زيادة حجم الثروة مما أدى إلى مساواة الناس في الفقر وإلى انهيار النظم الماركسية. وسبب العجز يرجع بصورة رئيسية إلى عدم استمرار تطابق العلاقة بين القاعدة الاجتماعية المنتجة والمالكة لوسائل الإنتاج من جهة والقيادة السياسية من الجهة الأخرى. فقد تم استخدام الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج كآلية لإلغاء علاقة الاستغلال الرأسمالي ومن ثم كنظام للتوزيع العادل للثروة المنتَجة. لكن عدم استمرار تطابق العلاقة عنى أن ممارسات القيادة السياسة لم تعد تعكس مصالح وأفضليات الجماعة المنتجة مما قتل لدى هذه الجماعة الحوافز اللازمة لزيادة الإنتاج وتطوير وسائله أي تطوير التقنيات.
المعضلة الثانية هي غياب الديمقراطية ولها علاقة بالأولى. فعدم انعكاس مصالح وأفضليات الجماعة المنتجة في الأداء السياسي لقيادة الدولة هو مشكلة ديمقراطية عويصة ولها وجهين أحدهما عدم تعبير الجماعة المنتجة عن مصالحها وأفضلياتها بشكل جيد (لنقص وعي غالبية أعضاء الجماعة أو لغياب الآلية المناسبة للتعبير) والآخر عدم تكفل القيادة السياسية بتلبية تلك المصالح والأفضليات بالصورة المطابقة. والملاحظ فعلاً أنه في نموذج النظم السوفييتية تحولت القيادة السياسية مع مرور الزمن إلى فئة منفصلة عن الجماعة المنتجة وغدت طبقة دولة أمنية وبيروقراطية شبيهة بالإمبراطوريات المحاربة مما غيب الديمقراطية. والمسألة كلها ترجع إلى أن نمط المركزية الديمقراطية فقد البعدين الفلسفي والجماهيري ليرتكز على الأداء الميكانيكي ضمن دائرة مغلقة أمام التجديد وأمام مشاركة الجماعة المنتجة بشكل يضمن التمثيل الكامل لمصالحها وأفضلياتها ويوفر وسائل رقابة وتصحيح لعملية تلبيتها. وإثارة البعدين الفلسفي والجماهيري هي للقول أن الفلاسفة فقط يمارسون الرقابة الذاتية للوفاء بشروط الديمقراطية أما غيرهم من القادة فيحتاجون إلى رقابة خارجية من طرف الجماهير المنتجة ولابد من تصحيح آلياتها.
المعضلة الثالثة تتصل بفقدان البعد الفلسفي وتتمثل بالقطيعة المعرفية التي تحدث مع تعاقب الأجيال، بمعنى أن المخزون المعرفي، بما في ذلك الذخيرة الفلسفية، ينتقل جزئياً من شخص لأخر أومن جيل لآخر. هذه المسألة بالغة الحساسية ويغفل عنها الناس عادة ويمكن توضيحها باختصار. فالأجيال والأفراد رغم وجودهم في إطار اجتماعي فإنهم بلغة الرياضيات متغيرات منفصلة مما يعني أن الانتقال من جيل لآخر أو من فرد لآخر يمر بقطيعة. في نقطة القطيعة تلك نفقد جزاء مهماً من مخزون المعرفة عند نقله من فرد لآخر أو من جيل لآخر. مفعول القطيعة يأخذ طريقين: أولاً أن موت فيلسوف أو نبي أو نهاية جيل أسس حضارة يسبب خسارة لجزء من المخزون المعرفي المنتَج في فترته. يرجع ذلك أساساً إلى أن تكرار الرسالة بين مرسل ومستقبل ينقطع فتنقطع عملية التعلم لتظهر بالضرورة رسائل أخرى (بمرسلين ومستقبلين آخرين) تؤدي إلى طوابع تعلم أخرى ومحتوى معرفي مختلف. اختلاف اللغات أو اللهجات ينفع كمثال على ذلك. ثانياً أن عملية الفكر حيوية مرتبطة بالشخص أو بجيل لأشخاص المنتجين لها بينما الكتب والمراجع المختلفة التي تنقل الرسالة المعرفية مادة جامدة بذاتها ولا تكتسب المعرفة المنقولة حيويتها إلا من خلال تناول شخص آخر أو جيل لاحق لها. غير أن الشخص الآخر أو الجيل اللاحق كمستقبل للرسالة مختلف ويعطي حيوية مختلفة للمعرفة. هذا الاختلاف يؤدي حتماً إلى اختلاف في حجم وطابع المعرفة هو أساس اختلاف الزمان والمكان. ينجر عما سبق أن محاولة شخص ما لعب دور شخص آخر يأخذ شكل التقليد ليس إلا، وأن محاولة جيل لاحق عيش حياة الجيل السابق المؤسس بحذافيرها عبارة عن إعادة إنتاج شكلية تنتهي بالدوران في حلقة مفرغة من الشروط المعرفية المحددة للزمان والمكان.
ومن هنا تنصب أمام اليسار الثلاث المهام الفكرية التالية: 1) حل المعضلة المرتبطة بزيادة الثروة المنتجة جماعيا، 2) حل المعضلة المرتبطة بالديمقراطية و 3) التجديد الفلسفي باستمرار والنظر إلى ذلك كانشغال دائم في أذهان الأجيال المتعاقبة وهو ما قصدناه أعلاه بعملية عقلية يتم التحكم بها وكأسلوب لمواجهة القطيعة المشار إليها. أما عندما لا تتم عملية التحكم تلك فإنه يتم الرجوع إلى تفسيرات جانبية كالقضاء والقدر عند اللاهوتيين ونضوج الظروف الموضوعية عند العقليين وهي تفسيرات تعكس أثر القطيعة المعرفية.



#محمد_القاهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- .عدم الاتساق في خطاب الدكتور أحمد صبحي منصور: ملاحظات
- في الذكرى الخامسة لانطلاق الحوار المتمدن: مساهمة في فهم إشكا ...
- تناقض الديمقراطية الغربية ماوراء البحار
- في تعريف الفساد وسبل الحد منه: حالة اليمن


المزيد.....




- فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح ...
- الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
- على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
- الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان ...
- مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
- مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
- الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
- عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و ...
- في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در ...
- حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد القاهري - عن القوالب الحضارية وتفعيل القالب اليساري