|
كيف أدمنت الصهيونية انتهاك الشرعية الدولية
سعتيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 8169 - 2024 / 11 / 22 - 22:40
المحور:
القضية الفلسطينية
ما يطلع عليه العالم الحر بذهول ويحدث في قطاع غزة ولبنان وينتظر بقية الفلسطينيين بالضفة الغربية عثر الكاتب البريطاني، توماس سواريز، على مقدماته نتنشط بأسلحة دون الأسلحة الراهنة من حيث القدرة التدميرية والإبادة الجماعية. رجع الكاتب الى أرشيف الأمن البريطاني في النصف الأول من القرن الماضي ـ وكذلك الى مدونات أخرى بهذا السياق، أودعها مؤلفه، "دولة الإرهاب.. كيف قامت إسرائيل الحديثة على الإرهاب". صفة "الحديثة" تفيد انه صدّق أسطورة دولة إسرائيل القديمة التي فشل التنقيب الأثري المكثف منذ العام 1867 في العثور ولو على رسم لها ؛ لكنه يورد انتقادات تستهجن فكرة العودة آلاف السنين للوراء. الكتاب يضم مقدمة الكاتب (عن التعقيدات الغيبية وغيرها من الأساطير) يبددها ليثبت انها ليست سوى الغطاء لمشروع استعمار استيطاني أوروبي. جريمة شاع مثيلها في قارات آسيا وإفريقيا وأستراليا ؛ ومن هذه الجريمة الأساس تناسلت حوافز الجريمة على أنواعها . حكاية الاستعمار الاستيطاني واكبت الغزو الاستعماري للإمبريالية في اواخر القرن التاسع عشر. استفاق الرأسمال الاحتكاري اليهودي لمواكبة الأطماع الامبريالية على هيئة استعمار استيطاني، والاندماج معها في غزو منطقة السرق الأوسط، مستظلا بمظلة التوراة وحكاياتها، واضعا مشروعه بالشرق الأوسط نقطة حراسة للمصالح الامبريالية "ومركزا متقدما للحضارة بوجه البربرية." الاستعمار الاستيطاني غير الهجرة، تقبل العيش في المجتمع الجديد ملتزمة بأنظمته ومندمجة في حياته الاقتصادية والمجتمعية. الاستعمار الاستيطاني يفد حاملا مشاريعه الخاصة وانظمته ومنظومات قوانينه الحقوقية المتميزة عن حقوق المواطنين المحليين بادعاء التفوق عليها. فالتمييز العنصري أحد مسوغات فاعلية الاستعمار الاستيطاني بفلسطين. عمليا هجر المستعمرون الغيبيات، فلم يلازموا الهيكل، ولم يلتمسوا معونة الرب، الذي فضلهم "واختارهم مركز حضارة البشرية"، كما يزعمون، ولم يستنفذوا الأوقات في تأدية طقوس العبادة ؛ إنما انخرطوا في مستنقع الاستيطان الاستعماري، فركبوا متون الشطط في تركيب التبريرات وتمويه الأفكار الاستعمارية لدرجة ان وقفت قوى الامبريالية مذهولة تبارك جرأة الشطط . بالفلسفة البراغماتية وجدت انتهاكات الصهاينة التبريكات، بل التصفيق، إذ نجحت في سرقة وطن خاليا من سكانه إلا النزر اليسير. تشكلت، من خلال الانتهاكات المتواترة قسمات الشخصية الصهيونية، كما يوردها مؤلف الكتاب متزودا مادته من أرشيف الهيئات الأمنية البريطانية ومن المعلومات المفرج عنها في أرشيف الحركة الصهيونية.
وفد الاستعمار الاستيطاني الى فلسطين حاملا انظمته وقوانينه ومشروعه الاقتلاعي الإحلالي مدعوما بشواحن التاريخ المؤول تسند مزاعمه بأنه الأحق بالبلاد. تختزل إيديولوجية الاستعمار الاستيطاني في مبادئ ثلاث: 1-ادعاء اليهود انهم شعب الله المختار، أقطعهم الرب الأرض وأعفاهم بذلك من الالتزام بالقوانين الإنسانية الوضعية؛ 2-اليهود يحتكرون صفة الضحية على مدى التاريخ وكل انتقاد لتصرفاتهم إثم يستوجب الإدانة؛ 3 الفلسطينيون شعب لم يبلغ مرتبة الإنسانية، وليسوا شعبا يستحق تقرير المصير، وحياة الفلسطيني بلا قيمة. يستهل الكتاب بتفنيد الأساطير الغيبية ثم ينتقل الى مفاهيم مغلوطة أهمها مفهوم "الصراع" كتعبير عما جرى ويجري على أرض فلسطين عبر مائة عام او أكثر. ثم ينتقل الى متن الكتاب يضم محتوياته في ثلاثة أقسام في 373 صفحة من القطع المتوسط و134 صفحة شروحات وهوامش. القسم الأول: أراضي شعب آخر ويسرد التلفيقات والأحابيل الموظفة لسرقة الأراضي الفلسطينية، وتهجير الشعب الفلسطيني؛ القسم الثاني: سقوط الفاشية ونهوضها (مجسدة في المشروع الصهيوني) يتحدث عن هزيمة حلف النازية والفاشية وإنشاء دولة فصل عنصري وإرهاب مستدام؛ القسم الثالث: موطئ قدم (فالدولة الصهيونية نقطة انطلاق للتوسع المضطرد كما سيتبين من السرد) يحذر المؤلف من إطلاق مفهوم "صراع"(او نزاع) على الصدامات التي جرت وتجري على أرض فلسطين وجوارها طيلة قرن او يزيد:" تسيء كلمة ’الصراع‘ تفسير الواقع لمصلحة إسرائيل؛ إذ يفترض استعمال مصطلح الصراع بفلسطين- وفق تفسير الرابطة الأميركية للأنثروبولوجيا ، التي ارسلت مجموعة من باحثيها لدراسة الوضع في إسرائيل[التقرير السابع بتاريخ 1 أكتوبر-15،ص7] ان الطرفين متكافئين من حيث المصادر ( بما في ذلك المادية وحرية الحركة ، وحرية التعبير عن الرأي، الى جانب وسائل العنف)، لكنهما يتصارعان لأن مصالحهما تتعارض.[ لم يتطرق المؤلف الى المستند الحقوقي المطابق للقانون الدولي] . غير اننا نتعامل هنا مع وضع احتلال؛ يتحكم فيه احد الطرفين تحكما عسكريا ، او غير عسكري، بالأرض والزمان والحرية وغير ذلك من المصادر التي يعتبر تحكم الطرف الثاني فيه تحكما هو من حقه". يحتوي كل من الأقسام الثلاثة على فصول تتسلسل حسب التسلسل الزمني، حيث تندرج الفصول على النحو التالي: القسم الأول يضم الفصول: الهيكل الثالث، الصهيونية والانتداب البريطاني، بينما كانت الحرب تستعر(تواصلت الأنشطة الإرهابية) القسم الثاني وفصوله انتصار الحلفاء، السباق نحو التعصب، حامية محاصرة. ويضم القسم الثالث الفصول: التقسيم "الإجراء المؤقت"1047-1948؛ اسرائيل بلا حدود ثم خاتمة قصيرة تنتقل بالقارئ الى الزمن الراهن. مستظلا بالخلفية الغيبية الأسطورية صدر بيان بلفور، وزير خارجية بريطانيا، واكتسب قيمة الوعد واجب التنفيذ. لحقت الصهاينة قبل ان تطأ قدمهم الأرض الفلسطينية علة التفوق العنصري وخصوصية المشروع " ادعاء الحركة الصهيونية بحق اليهود في فلسطين لا يخضع للمعايير التي تخضع لها بقية الأمم"(17)؛ بمعنى إباحة تلاوين الخروقات وتبريرها في عرف السياسات الامبريالية . العنصرية الموروثة تعززت في المناخ الفكري للغزوات الامبريالية. ضرورات الاقتلاع عززت العنصرية بشطط الإقصاء تولدت طاقته تلقائيا. "نظم المهاجرون الصهاينة عام 1907، ومنهم الشاب دافيد بن غوريون حملات مقاطعة لتجويع غير اليهود وتخليص البلاد منهم. كذلك الصندوق القومي اليهودي يطبق سياسة "العمالة اليهودية فقط" على الرغم من مخالفتها قوانين الانتداب التي تمنع التمييز على أساس العرق والدين واللغة".(45) تحيلنا هذه البداية الى تفسير الكاتب اليهودي أشر تسفي غينزبيرغ كيف تتولد ، تلقائيا، الية خاصة في النفسية الاجتماعية لمجتمع الاستعمار الاستيطاني تمارس العنصرية و تدعي لنفسها التفوق العرقي وتنزع الى الطغيان. كاتب يهودي الديانة أبى فكره وضميره البقاء مع تيار الحركة الصهيونية، فاعتزلها مباشرة بعد انتهاء مؤتمرها الأول عام 1897. زار فلسطين عام 1891، وأرعبته النفسية المشوهة بالطغيان التي ينطوي عليها الاستعمار الاستيطاني. اتخذ الاسم (أحد هعام) [واحد من الناس] واحتفظ به طوال حياته. كتب مقالة بعد عودته من الرحلة جاء فيها: كانوا – المستوطنون- عبيدا في أقطار منافيهم، وفجأة وجدوا أنفسهم وسط برية غير محدودة الحرية، توجد في قطر مثل تركيا فقط. هذا التغيير ولد لديهم ميلا الى الطغيان الذي ينمو حين يصبح العبد ملكا. إنهم يعاملون العرب بعداء وقسوة على أراضيهم بدون وجه حق ويتباهون بذلك". طوال مسيرة الصهيونية كان فريق يتخذ دور المعارضة للتيار الرئيس الملتزم بالقيم السائدة والمقبولة، دونم بعد دونم وغنمة بعد غنمة مع توفير حيز إقامة لشعب مشدد يعاني الاضطهاد. وفريق يتخذ صفة المعارضة يروج للخطوة اللاحقة في إطار الصراع الفكري والثقافي. وفي الوقت الراهن نجد الصهيونية الدينية بفاشيتها تروج لتهجير سكان فلسطين وضم مناطقهم الى دولة إسرائيل. توزيع الأدوار هذا تجلى منذ بدايات النشاط الصهيوني. استن بن غوريون، وقد تزعم التيار الرئيس داخل الحركة، مبدأ العمل العبري الى جانب الملكية العبرية ثم الدفاع العبري- الهاغانا. هذه الأقانيم الثلاثة هي صلب الصهيونية العملية التي سددت خطى الوجود اليهودي الحديث بفلسطين - الييشوف. عارضت هذه المنهجية رؤية تبناها جابوتينسكي توخّى الصراحة والمباشرة في عرض المشروع الصهيوني باسم المراجعة، أي الرجوع الى قرارات المؤتمر الصهيوني الأول وطروحات الزعيم هيرتزل، الذي فارق الحياة بالسكتة القلبية عام 1904. تركز المشروع البديل على اقتلاع سكان البلاد وإحلال مستعمرين مكانهم هدفا استراتيجيا يتوجب إشهاره لترشيد العمل من اجله. طبيعي ان يتطلب الأمر مراكمة القوة الإرهابية كي تجبر الفلسطينيين على التسليم للمشيئة الصهيونية. لذا يجب الشروع في الحال بتعبئة عناصر القوة وفرض الوقائع على الأرض الى ان يجد الفلسطينيون أنفسهم امام واقع صلد بلا حول ويرفعون ايديهم خانعين. اسس جابوتينسكي حزب حيروت وانشآ منظمة الإرغون تمارس الإرهاب. "أدى لقاء بين المتشددين وممثلي الوكالة الى إصدار الملخص التالي بخصوص ’ أعداء اليهود‘ ؛ العدو الأكبر هو اليهود غير الصهاينة ؛ ويأتي بالدرجة الثانية ’الدول الديمقراطية ووثيقة الأطلسي التي أصدرتها‘ ومنها بريطانيا ؛ وأخيرا العرب"(94). لم يكن الملخص بعيدا عن تأثير بن غوريون. في الوثائق ما يشير الى اجتماع دعا اليه حاييم فايتسمان وروتشيلد في آذار1919مع "مسئولين بريطانيين نوقش فيه التطهير العرقي للفلسطينيين غير اليهود بوصفه موضوعا لا ينفصل عن خططهم، مع " خطة للهجرة الجماعية "، حسب تعبير روتشيلد، لنقلهم الى مصر وسوريا. لكن قيل ان الكتمان ضروري، فهذه مسألة لا يحسن التحدث فيها في باريس (المقصود مؤتمر فرساي)، بل يمكن متابعتها بعد انتهاء فترة الانتداب. ولم يعترض اي من ت.أ.لورنس او غيرترود بل".(57). وفي زمن قريب كان فايتسمان موجودا بفلسطين على رأس الهيئة الصهيونية المشتركة التي نظمها البريطانيون؛ وفي 28 ابريل القى كلمة وصفتها وزارة الحرب بأنها "اعدت بعناية" أنكر فيها ثانية ان الصهيونية قامت بأي تحرك باتجاه إقامة دولة"(56). نظر فايتسمان الى “المبدأ الديمقراطي لا يأخذ بنظر الاعتبار وجود فرق جوهري بين اليهودي والعربي"، وطالب الانتداب برفض حق تقرير المصير لأن" العرب متخلفون وان حق تقرير المصير سيعني التعامل مع اليهود كما يعامل آهل البلاد من الناحية السياسية"(55). طالب فايتسمان أيضا بان تمتد دولة اليهود حتى نهر الأردن في وقت لا يتجاوز ثلاث سنوات او اربع بعد الوعد، اي مع حلول العام 1921؛ ثم تتوسع بعد ذلك الى ما وراء النهر. وأصر أيضا على ان يُعطى اليهود ميزات خاصة لا تعطى للفلسطينيين، وأن تكذب بريطانيا فيما يتعلق بالخطة (55). نُقِل عن شاريت زعمه " أن إسرائيل ليست بحاجة الى إعادة الأراضي المسروقة بدعوى بالغة الغرابة مفادها انه لم يكن من بين الفلسطينيين من هو متفرغ تماما للزراعة"(44). اشتطت دبلوماسية الصهاينة في الكذب والتلفيق. غدت الباطنية أسلوبا يغلف خروقات الصهيونية تستبيح الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ، الذي لم يفق بعد علة أحابيل السياسة في مرحلة الامبريالية. كان الرئيس ويلسون قد أرسل بعثة الى فلسطين يرأسها تشارلز ريتشارد كراين وهنري تشرشل كينغ. وصلا البلاد وهما متعاطفان مع وعد بلفور؛ لكنهما بعد إجراء الاتصالات وجدا الواقع مغايرا. بعد جولات موسعة وصلت مدينة دمشق جرت خلالها اتصالات، أعدا تقريرا يقدم الى مؤتمر فرساي. وفي التقرير تحذير من أن تنفيذ الوعد سيكلف الحروب والمشاكل السياسية التي لا حصر لها. رفضا التأكيدات الصهيونية القائلة ان الميزة التي سيعطيهم اياها الكتاب المقدس اهم من رغبة الفلسطينيين في تقرير المصير على انها ذات قيمة. فالادعاء الذي قدمه الممثلون الصهاينة والقائل ان لهم حقا في فلسطين اساسه احتلالهم لها قبل الفي سنة لا يمكن اخذه مأخذ الجد". اتضح مرارا من لقاءات البعثة مع ممثلي اليهود ان الصهاينة يتطلعون الى تجريد السكان غير اليهود في فلسطين من كل شيء. ( 59) حجب تقرير كنغ- كراين حتى اواخر العام 1922، حين زود الرئيس نسخة لصحيفة نيويورك تايمز. نشرت الصحيفة التقرير كله في 3و4 ديسمبر، وقالت في تقديمها "مما يؤسف له ان العالم لم يطلع عليه قبل ثلاث سنوات، قبل ان تتخذ الأحداث المجرى الذي اتخذته في الشرق الأوسط، ولم يعد بالإمكان تغييره." كانت صحيفة نيويورك تايمز حتى العام 1967 تنتقد معارضة المشروع الصهيوني. بقيت الصهيونية غريبة عن يهود الشرق الأوسط، فقد عاشوا طويلا مندمجين بمجتمعات المنطقة. كنب ريتشارد ماينرتسهاغن، صديق فايتسمان ، رسالة من القاهرة في سبتمبر 1919 مؤيدا خطة التطهير العرقي؛ وحذر من “الاتصال باليهود المحليين" ، وهي الثقة التي اطلقت على يهود الشرق الأوسط الذين كانت اغلبيتهم العظمى معادية للصهيونية.(60)اما الصهيونية فقد نزلت المنطقة مدركة غربتها عن البيئة؛ لم يدخل الثقافة الصهيونية تعابير وطن ووطنية ومواطنة، بل إقصاء عن "وطن الآباء". استعدت الصهيونية جميع سكان المنطقة حتى بعض اليهود، وهيأت المناخات النفسية والفكرية لتهجير سكان البلاد الأصليين. كان اول إجراء امر به بن غوريون حال وصوله البلاد حظر ظاهرة تشغيل العرب بالمزارع والورش اليهودية. اشتكى يهود ارثوكس الى مناحيم اوسشكين ، مدير الصندوق القومي اليهودي، يطلبون السماح بتشغيل عرب في مزارع الأبقار. قال المتدينون ان لم نحلب ابقارنا يوم السبت فإنها ستمرض، ولو قمنا بذلك بأنفسنا نقع بالخطيئة. فما كان من اوسشكين إلا ان قال ان التحريم الصهيوني للعمالة العربية أقدس من يوم السبت"(45). وادعاء أخر روجته الصهيونية مفاده ان الفلاح الفلسطيني عبء على الأرض. فند الادعاء في حينه سمبسن(سير جون هوب) المعروف بتخصصه في قضايا اللاجئين، إذ قال : " ان من الظلم للفلاح الفقير، الذي أخرج من هذه الأراضي، تناقل القول انه كان عبئا على الأرض وانه لم ينتج شيئا منها. يجب ان يكون واضحا تماما ام هذا القول يبتعد عن الحقيقة". (44). ليس في الأمر مغالطة، بل قرار ملزم للجميع تقليع جذور المواطن الفلسطيني رمن وطنه عن طريق نزع الأرض من يديه ثم حرمانه من فرص العمل. وكتب اسحق إبشتين ، وهو موفد المؤتمر الصهيوني عام 1905: حان الوقت لتبديد الوهم السائد بين الصهاينة، والقائل ان فلسطين أرض خالية بسبب قلة الأيدي العاملة او كسل السكان المحليين. ليس فيها حقول مهملة. ولئن كان ثمة مزارعون يسقون الأرض بعرقهم فهم الفلسطينيون."(49). وعدو آخر افرزته الصهيونية هم اليهود "الخوارج"، مصيرهم القتل او تسفير من لم يكتسب الجنسية بعد على ظهر سفينة بدون وثيقة، كي يدور على الموانئ البحرية عاجزا عن الوصول الى اليابسة. من هنا تشكلت عقدة أشبه بالعقد النفسية الناجمة عن طغيان الأب مع الصغار فلا يدري أحد سبب الشذوذ النفسي والعقلي. تشكلت عقدة اللاسامية تدمغ كل نقد للصهيونية ودولتها كانهما هالتان مقدستان. حمل بن غوريون على من يخرج عن صهيونيته او حتى لا يجاري تعسفها وتطرفها؛ باتوا مطاردين ل"عدالة" المشروع الاستيطاني الاستعمار، وبالذات أولئك الذين تضامنوا مع العرب الباحثين عن عمل محظور عليهم العمل بالبيارات اليهودية. "يعقوب إسرائيل دي هان ’ من حثالة المعادين للسامية‘ لأنه كان ينتقد الصهيونية ووصفه بن غوريون “خائن". غادر هان الكنيس بشارع يافا بالقدس في 30 يونيو /حزيران 1924 واردي قتيلا بإطلاق الرصاص عليه. كان السادس ضحية الاغتيال والأول على يد منظمة الهاغانا التابعة للوكالة اليهودية. (58) المنظمة تدعي ان مهمتها دفاعية، بدلالة الاسم. اتخذ الإرهاب الصهيوني وجهته ضد اليهود المتخلفين عن الالتحاق. تعرض اليهود الذين يرفضون دفع الأموال للصندوق القومي اليهودي للتهديد. وفجرت سيارتان تابعتان ليهوديين رفضا دفع "ضريبة" خاصة ( كوفر هايشوف) فرضتها الوكالة اليهودية.(85) اشتط بن غوريون في تزمته لدرجة رفع الفكر الصهيوني الى مرتبة المقدس لا يجوز الخروج عليه او التهاون في تطبيقه. شمل تشدده منحى الشمولية المنفتحة على الديكتاتورية والفاشية، حين أمر "بطرد كل أعضاء الوكالة اليهودية ممن كانت لهم آراء مخالفة، لاسيما أي شخص صوت لمصلحة هاشومير هتصعير الاشتراكي واعترافه بالحقوق الوطنية للفلسطينيين". (95) شغل بن غوريون منصب سكرتير عام منظمة الهستدروت ، وبإشرافه اتخذت مواقف مناهضة لإشراك عمال عرب في التنظيم العمالي استعدى الصهاينة كل من لا يجاريهم في تشددهم. كانت تصدر بالألمانية جريدة ينشرها حزب المهاجرين من المانيا، عكست نبرة أخف من الخط الذي تنتهجه الوكالة. في 12 يوليو/تموز (1942)تعرضت نسخ الجريدة للحرق وفجرت مطبعتها منتصف الليل. أدت قوة التفجير الى تهديم منزل مجاور. (94) تكرر في عقد الثلاثينات مطالبة بن غوريون وفايتسمان من المندوب السامي تهجبر الفلسطينيين ممن جردوا من املاكهم التي اشتراها الكيرن كييمت من أقطاعين سبق ان سجلوها بأسمائهم بموجب قوانين الطابو التركية الصادرة منتصف القرن التاسع عشر. دون علن المزارعين الغافلين . وبخصوصية مشروع الاستعمار الاستيطاني برروا خيانتهم للقرارات الدولية في زمن مبكر. هذه الخصوصية التي صفقت وتصفق للإبادة الجماعية في الوقت الراهن!! كسر الصهاينة المقاطعة المفروضة على النازيين، وسوغوا خيانتهم للمقاطعة الدولية انهم لم يريدوا ان يتخذوا مواقف سياسية يمكن ان تؤثر على مشروعهم الخاص بالاستيطان. عام 1933، وبعد أشهرمن تسلم هتلر المستشارية، وقع بن غوريون اتفاقية هافارا مع المانيا النازية. نصت الاتفاقية على أن " اليهود الذين يغادرون المانيا الى فلسطين يمكنهم استعادة بعض أموالهم بشراء مصنوعات المانية ليبيعوها في الخارج. جربت الفكرة في نهاية 1933على يد شركة المانية للحمضيات اسمها هانوتايا.(62) رأى النازيون ان الاتفاقية هي وسيلتهم الوحيدة لهزيمة المقاطعة التي تقصم الظهر. وافق المؤتمر الصهيوني المنعقد في أغسطس/آب 1933 على الاتفاقية. (62) انضمت الهاغانا الى المنظمتين الإرهابيتين الإرغون وليهي أواخر عقد الثلاثينات لتمارس المنظمات الثلاث عمليات الإرهاب ضد مجمع الأعداء المتفق عليه. المرة الأولى التي سجلت فيها أحداث تفجير قنابل بالمقاهي الفلسطينية عام 1937 في حيفا، وفي الحافلات الفلسطينية في ايلول / سبتمبر من تلك السنة. في 11 نوفمبر قذفت الأرغون قنبلة على مجموعة من الفلسطينيين في شارع يافا بالقدس قرب كراج شركة الحافلات الوطنية، وهاجمت في الشهر بعض المقاهي بالقدس بالرشاشات والقنابل، وهوجمت السيارات الفلسطينية في منطقة الجليل في ديسمبر، وفي 27 ديسمبر أطلقت الإ رغون النار على حافلة فلسطينية كانت تسير قي طريق يافا- القدس. (68) كانت منظمة الإرغون وليهي التي انشقت عنها في عقد الثلاثينات وكذلك الهاغانا المحسوبة على الوكالة اليهودية تدعي ان عملياتها دفاعية، وهي تدرك انها تزيف وتلفق. تصاعد الإرهاب الصهيوني أواخر عقد الثلاثينات. بحلول عام 1940 ومع اندلاع الحرب اعترفت وزارة الحرب البريطانية أن الادعاءات بان عنف منظمة الإرغون كان دفاعيا "لم يعد بالإمكان قبولها". شهد شهر نوفمبر 1940 وقوع واحد من أشد حوادث الإرهاب فتكا، وذلك عندما نقل البريطانيون مهاجرين غير شرعيين من سفن نقل هي باسيفيك وميلوس الى سفينة باتريا لكي تأخذهم الى المورش. نقل أخر المسافرين على ظهر السفينة يوم 24. وعند التاسعة والربع من صباح اليوم التالي حدث انفجار قوي او اثنان متتابعان فانشقت السفينة "على الفور" وفق تقرير اعدته لجنة بريطانيىة، "وفي غضون 15 دقيقة "انقلبت تماما" في ميناء حيفا؛ وقدر عدد القتلى 267 والجرحى 6. وسرعان ما تبين ان التفجير كان من فعل الهاغانا. وكان إحراجا للوكالة اليهودية، وطلب من الجميع إشاعة تفسير ان المهاجرين أنفسهم قرروا الانتحار الجماعي احتجاجا على حرمانهم العبور الى فلسطين. قال شاريت خلف الأبواب ان تحويل سفينة باتريا الى اسطورة مأساوية عن البطولة والتضحية سيفيد القضية الصهيونية في رواية المؤرخين لها. اقترح تأليف مسرحيات وقصائد ملحمية لتخليد الذكرى. باتريا هي المسادا المعاصرة" (86). عام 1957 ادعى شخص اسمه مونيا ماردور انه الذي استخدمته الهاغانا لنسف السفينة باتريا وادعى انه قصد التعطيل وليس الإغراق (87) استمرت عمليات الإرهاب سنوات الحرب العالمية الثانية وبعد انتهاء الحرب، وفي العام 1946 سيطرت المنظمات الإرهابية على فلسطين واستطاعت محاصرة القوات المسلحة البريطانية "حامية محاصرة " عام 1947. ادت فظاعة الهولوكوست الى تعاطف لا حدود له مع اليهود المضطهدين، مما سهل استغلال الوضع لمصلحة الاستعمار الاستيطاني. شاعت آنذاك فكرة ان فلسطين هي الجواب الوحيد لآلام اايهود، وأطلقت صفة النازي على كل من شكك في هذا التفسير.كانت جرائم النازية المسكوت عنها الميلاد الحقيقي للاستيطان الاستعماري بفلسطين. بدأ الجهد الإرهابي الصهيوني يأخذ منحى جديدا اتسم بالعنف الشديد ضد البريطانيين، مع عقد المؤتمر الصهيوني لأول مرة بالولايات المتحدة في مدينة نيويورك(11 مايو /أيار 1942) نتج عن مؤتمر بلتيمور (اسم الفندق الذي عقد به) برنامج بلتيمور، وضعه بن غوريون بتأييد فايتسمان؛ تطابقت استراتيجيا بن غوريون مع استراتيجيا الحيروتيين أسلاف الليكوديين حيث طالب ب" استسلام فلسطين كلها استسلاما تاما غير مشروط للصهاينة". جاء مؤتمر بلتيمور إعلانا بانتقال الصهيونية الى الحضن الأميركي والتخلي عن بريطانيا ام الوعد. يعتقد بأن دورا في فظاعة العمليات الإرهابية ضد البريطانيين في تلك الحقبة يعود لمسعى الامبريالية الأميركية الحلول محل الامبرياليات كلها. رغم التحالف أثناء الحرب وُجِه التحريض الموارب ضد وينستون تشرشل يتهمه ب "الجمود والتخلف" لأنه يرفض التخلي عن المستعمرات البريطانية لصالح الإمبراطورية الامبريالية الأميركية الناشئة.عارض القاضي بروسكاور برناج بلتيمور لتطرفه ، فاعتبر في الحال "خائنا". وصفه ستيفن وايز وابا سيلفر، الزعيمان للصهيونيان بالولايات المتحدة، بأنه "خائن لقومه"! لهذه الدرجة بلغ التزمت درجة ان الصهيونية غدت المرادف لليهودية ثم البديل لها. دعم الصهاينة بالولايات المتحدة بقوة التوجه الشمولي للحركة الصهيونية. انتقد رئيس الجامعة العبرية، ييهودا ماغنس، التوجه الشمولي، أثناء زيارة للولايات المتحدة، وانتقد أيضا: "يبدو اننا فكرنا في كل شيء ما عدا العرب"؛ فثارت بوجهه هجمات لم توفر مكانته العلمية. بالمثل ، اهينت ، في خضم التعصب الزميت، المكانة العلمية لآينشتين الذي عارض فكرة الدولة والتوجه الشمولي. خذل في محاولته تنظيم مؤتمر ضد السلاح النووي، يحظر استخدام العلم في الإبادة الجماعية. كتب في رسالة الى صديق، وقد رفض عرض بن غوريون تولي منصب رئاسة دولة إسرائيل: “سأظل مقيما هنا (بالولايات المتحدة) بقية حياتي، عازلا نفسي كلية عن الآخرين قدر استطاعتي. فكل ما أحاول عمله في المجال الإنساني يتدهور بسرعة بشكل ثابت الى كوميديا سخيفة". وضع كتابا عن ماغنس الذي توفي قبله في ظروف غامضة. شرعت الدعاية " تلطخ سمعة ’ المعارضين لأهداف الصهيونية بل حتى من يتقاعسون عن دعمها بوصمهم بأنهم ’ فاقدون للمشاعر الإنسانية، منكرون لقيم المسيخ ، معادون للسامية ومساندون ضمنا للنازية‘". اعتبر “علاقات اليهود بهذا البلد(فلسطين) لا يمكن الحكم عليها بتطبيق قاعدة تنطبق على بلد آخر". واتهم كل من لا يتفق معه بانه نازي(276) ، في 6 نوفمبر /تشرين ثاني 1945 جرت اول عملية اغتيال صهيونية خارج فلسطين؛ إذ اغتيل اللورد موين ، وزير الدولة لشئون الشرق الأوسط. كان مستهدفا بسبب انتقاده للصهيونية؛ علق امام مجلس اللوردات قبل عامين ان الدعوة الصهيونية مخطئة في بابين: طالبت بالهجرة على نطاق واسع الى بلد مكتظ بسكانه، والثاني الهيمنة العرقية لهؤلاء القادمين الجدد على السكان الأصليين."(118) جرد الصهاينة بالولايات المتحدة حملة إعلامية ضخمة لتصوير قاتلي موين كأنهما "شهيدان" ولوقف المحاكمة"(118) علقت الإيكونوميست على اغتيال لورد موين بالقاهرة،" يمثل قتله صلب المشكلة الراهنة التي تتمثل في ان الصهاينة الذين تدعمهم أميركا، يريدون فلسطين كلها، وأن اي شخص يعرض عليهم ما هو أقل من ذلك يعد عدوا لهم"(73) حتى وينستون تشرشل استنزل غضب منظمة ليهي الإرهابية حين استنكر اغتيال لورد موين، وأشير الى انه مستهدف عام 1945. لم يهزلوا ؛ فلدى تفجير لغم الرسالة الموجهة لتشرشل على أيدي الشرطة البريطانية على صفيحة فولاذ سمكها ربع إنش تم ثني الصفيحة. توصل المختصون الى ان فتائل التفجير من صنع اميركي.(301) كان شاريت يفيض حماسة وهو يخاطب الدورة غير العادية للجنة التنفيذية للوكالة اليهودية؛ أكد ان التأثير السياسي للولايات المتحدة " سيكفي لإجبار الرئيس على التصرف "بقوة وسرعة" لمصلحة الصهيونية. الرئيس الأميركي يعرف ان تهديدات العرب لا قيمة لها وأن قدراتهم العسكرية صفر... ولسوف نستغل الضغط الأمريكي على الحكومة البريطانية للحد الأقصى."(163). وأبلغ سركيس ، المخبر من الوكالة اليهودية ان بن غوريون دعا الى تلقي الاستشارات من الولايات المتحدة وليس من بريطانيا . يتبع لطفا
#سعتيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف يمكن لواشنطن مساعدة إسرائيل
-
زيلينسكي يقرّر سحب الأوسمة الوطنية من داعمي روسيا ويكشف تفاص
...
-
إسبانيا: السيارات المكدسة في شوارع فالنسيا تهدد التعافي بعد
...
-
تقارير: طالبان تسحب سفيرها وقنصلها العام من ألمانيا
-
لبنانيون يفضلون العودة من سوريا رغم المخاطر - ما السبب؟
-
الدوري الألماني: ثلاثية كين تهدي بايرن الفوز على أوغسبورغ
-
لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على مبنى سكني وتدميره في الضاحية ال
...
-
سلسلة غارات جديدة على الضاحية الجنوبية في بيروت (فيديو)
-
مصدر مقرب من نبيه بري لـRT: هوكشتاين نقل أجواء إيجابية حول م
...
-
فريق ترامب الانتقالي: تعليق القضية المرفوعة ضد الرئيس المنتخ
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|