|
المحامي طالب بدر والشاعر مظفر النواب والعبور الأخير/ الحلقة الرابعة
فائز الحيدر
الحوار المتمدن-العدد: 8169 - 2024 / 11 / 22 - 04:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سجن ( باغ مهران ) السري في طهران
بعد إعتقال جميع الهاربين، يذكر المحامي الفقيد (طالب بدر) تم اعتقالنا بمحطة طهران بمنتهى السرية وكنا خمسة ( أنا المحامي طالب بدر، المرحوم كوتي عبد، والمرحوم كيوز لازم، والسيد طارق طرفي السليم، زكي فرحان )، تم نقلنا بسيارة عسكرية الى معتقل ( باغ مهران ) السري وهو معتقل يقع في ضواحي مدينة طهران الجنوبية وسط غابة من الاشجار الكثيفة، وكان يشرف عليه المجرم ( شعباني ) والعريف ( دولتي ) ويحرسه جنود من الجيش الايراني، كانت صدمة مفجعة ومؤلمة لنا حقاً، لم نستطع أن نقوى على الوقوف على اقدامنا، أحتوانا الخوف، وكنا نحس كإننا مساقون الى منصة الاعدام، لقد نجونا من قتل الحرس القومي المجرم ووقعنا في شباك ( السافاك ) الايراني!!، وفي المعتقل استقبلنا رفاقنا الذين ارسلهم الرفيق المزيف عميل المخابرات الأيرانية( أحمدي ) قبلنا للعمل في دول الخليج والذي أدعى بأنه رفيق حزبي مرسل من حزب ( تودة ) لغرض مساعدتنا... الخ يذكر من شارك المحامي الفقيد ( طالب بدر ) المعتقل بأنه كان يمارس رياضة السير وسط ساحة السجن من شتاء 1963. بتلك الهمة الشبابيـة والحركـة الخفيفـة السريعـة المعهــودة له، مقرونـة بحديثـه المكثف بســرعـة حركتـه، ليجارينـــا نحن الأصغــر منه ســنا"، وليستفيد الجميع من فترة ( الهواء خوري ) والتي تعني ( شم الهواء ) في اللغة الفارسية والممنوحة لنا مـرة كل أسبوعين ولمــدة نصف ساعة، نخــرج من ذلك السجن الذي لا يعرفه إلا رجال السافاك الإيراني، كنا نتسابق مع الزمن حتى يعيدوننا إلى غرف الزمهرير الطهراني في السجن اللعين . وعن الاجراءات داخل السجن الإيراني يذكر السيد عبد الله الداخل في مذكراته إن البوابة الرئيسية، كانت مغلقة دائماً، لكنها كانت تشهد دخول مدير المعتقل بملابسه العسكرية دوماً، وإسمُه ( دولـَتي)، مع رجل الأمن العملاق الجلاد ( شعباني ) وهو رجلٌ عرف بسمعته الأجرامية لكونه أحد أدوات تنفيذ الاغتيالات منذ ما قبل أيام القضاء على حكومة الدكتور مصدق في 1953.
ويؤكد السيد عبد الله الداخل إن مظفر النواب واجه معاملة وحشية من السلطات الإيرانية بعد الكشف عن محاولته الهرب من السجن الايراني قبل أن يتم تسفيره الى العراق ضمن دفعة اولى ضمت أحد عشر من رفاقه تلتها دفعة ثانية من 110 مناضلين عراقيين تم تبادلُ تسليمهم في الأول من كانون الثاني 1964 بين الحكومتين الفاشيتين العراقية والأيرانية في ( الشلامجة ) وفي وضح النهار، وتم نقلتهم الى موقف البصرة القديم حيث يعتقد ان مظفر النواب حاول الهرب ثانية بعد ثلاثة أشهر تقريباً من وصوله الى ذلك السجن مما دفع سلطات السجن الى وضعه مع المحامي طالب بدر والرئيس الركن عَرَبي فرحان، وهما من أهل البصرة ومعروفان فيها، في ردهة السجن المقابلة لادارة المركز حرصاً من مسؤولي المركز على أن تكون ردهتهم مزدحمة جداً كما بدا من الواقفين في بابها ونافذتها ومراقبة ليل نهار، وبقضبان تصل الى السقف فكان الفرار منها مستحيلاً. ولاحقاً تم تسفير الثلاثة إلى بغداد ومنها الى سجن (نقرة السلمان) في صحراء السماوة. ويذكر عبدالله الداخل في مذكراته ( مظفر النواب - بدايات الفرار الدائم) .
في احد الأيام انفجرت الفوضى فجأة ًفي السجن .....نصب ثلاثة ٌمن حراس المعتقل بحركات سريعة رشاشاً كبيراً كنتُ استطيع رؤية الجزء الأعلى من قاعدته فوق سطح مبنى الادارة الواطئ، وصار الرشاش بمواجهة الممشى المحاذي لردهاتنا، ونحو الردهات، صوّبوه نحونا معبّرين بحركات واضحة وبالصراخ عن استعدادهم لاطلاق النار علينا فوراً إنْ لم ندخل الردهات ونجلس على الأرض. توقعنا أن يطلقوا الرصاص علينا في أية لحظة، كان المعتقل سرياً، كنا قد ألقي القبض علينا جميعاً بطريقة هادئة، غامضة للبعض، وفي منتهى السرّية! فمَن في العالم كله كان سيعلم بما يمكن أن يحصل في هذا المعتقل لو أطلقوا النار علينا؟
دخل من البوابة الرئيسية، المغلقة دائماً، رجل الأمن العملاق ( شعباني ) ذا الشعر الأشيب الخفيف ، بملابس مدنية عادية يسير مترنحاً وهو ذو سمعة سيئة جداً صاحَبَتـْه منذ ما قبل أيام القضاء على حكومة الدكتور مصدق المنتخبة في عام 195، فقد كان شعباني أداة ًمن أدوات تنفيذ الاغتيالات في طهران وأعاده الشاه الى السلطة بعد الانقلاب الذي نـُظـِم ضد الحكومة المنتخبة وقد كوفئ من قبل الشاه برتبة عسكرية لأعماله. إذن كانت خبرته في الجريمة آنذاك لا تقل عن عشر سنوات بأقل تقدير، وكان يبدو غير مبال،ٍ ، وكان ينظر للمعتقلين بنظرةٍ مزيجة من الازدراء والإهمال لكنْ بيقظة وأحياناً بتفحص، نتيجة خبرته في الاضطهـــاد والتجسس زائداً تناوله الأفيون، رغم صراخه من فم غائر دون بعض أسنانه الأمامية التي قيل أنه فقدها بسبب معارك أو حوادث في مراحل من حياتـه، دخل شعباني ومعه مدير المعتقل، إسمُه ( دولـَتي )، ويُنادى (سركَـُرْد) وهي رتبة عسكرية إيرانية، وهــــو رجل ممتلئ أقصر من ( شعباني )، بملابسه العسكريــة دومــاً، وقام بالترجمة لهمــا شاب فـَيْلي من أكــراد باب الشيخ في بغـــداد عن ماذا حدث.
وبعـد محاولــة مظفر النــواب الهــرب وُجهت العقوبــة للجميع كما هي عـــادة هــذه الانظمة الجبانة، ويبـدو أن مجيء المجـرم شعباني كان للتهديــد المباشر لنا وتوجيـه السباب والاهانة، مستخدماً ألفاظاً بذيئة إطمأن على أنها قد تـُرجـِمَتْ للمعتقلين حرفياً وبوضوح، فالادارة التي قامت باحصاء رؤوس السجناء عدة مرات، كانت متأكدة تماماً أن أحداً منهم لم يفلت بأي شكل فهي مطمئنة للبناء والأسوار والحراس الذين يتكلمون الفارسية فقط، بل ربما عدّوا تلك "المحاولة" نكتة أو لعبة!
يتبع في الحلقة الخامسة
#فائز_الحيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المحامي طالب بدر والشاعر مظفر النواب والعبور الأخير/ الحلقة
...
-
المحامي طالب بدر والشاعر مظفر النواب والعبور الأخير .. الحلق
...
-
المحامي طالب بدر والشاعر مظفر النواب والعبور الأخي
-
قناديل مندائية
-
المندائيون واستعمال الألقاب العلمية والعائلية والعشائرية
-
المندائيون ويوم الشهيد الشيوعي
-
أمي مخلص خير من مثقف هدام
-
هل عبد الرزاق عبد الواحد خط أحمر لا يمكن تجاوزه
-
الطائفة المندائية ... تحديات كبيرة ومستقبل مجهول/ الحلقة الأ
...
-
الطائفة المندائية ... تحديات كبيرة ومستقبل مجهول/ 6
-
الطائفة المندائية ... تحديات كبيرة ومستقبل مجهول / 5
-
الطائفة المندائية ... تحديات كبيرة ومستقبل مجهول / 4
-
الطائفة المندائية ، تحديات كبيرة ومستقبل مجهول / 3
-
الطائفة المندائية ، تحديات كبيرة ومستقبل مجهول ، إنقراض اللغ
...
-
الطائفة المندائية ، تحديات كبيرة ومستقبل مجهول
-
أيام في كوبا ، الثائر تشي جيفارا ، الحلقة الأخيرة
-
أيام في كوبا ، هافانا مدينة التراث والأعمدة ، الحلقة الخامسة
-
أيام في كوبا ، الحصار الإقتصادي ، الحلقة الرابعة
-
أيام في كوبا ، التوجه إلى هافانا ، الحلقة الثالثة
-
أيام في كوبا ، منتجع فاراديرو ، الحلقة الثانية
المزيد.....
-
صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
...
-
الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا
...
-
-غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
-
بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال
...
-
في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
-
5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
-
قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا
...
-
خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة
...
-
اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال
...
-
اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|