آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8169 - 2024 / 11 / 22 - 01:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل انتصرت النفس الإنسانية على الشهوات في المجتمع الذي عزل الرجال عن النساء؟
هل هذا العزل أعطانا الحصانة والقدرة على التماسك النفسي والجسدي، بعيدًا عن الشهوات؟
هل يصح أن يرقص الرجال لوحدهم والنساء لوحدهن؟
هل تنمو الأشجار دون حبات الطلع؟
لماذا تحب الصحراء الجفاف والصمت وحبات الرمال المتناثرة في الهواء بعيدًا عن الماء والظل واسترخاء الطبيعة؟
هل يمكن أن تكون النفس الإنسانية طاهرة دون رقة وماء وحنان وحب؟
هل انتصر الدين على النفس بعد عزل النفس عن النفس؟
لماذا أراد الدين أن يزرع الجفاف في الغابات والأنهار والأرض والإنسان؟
لماذا الدين على عداء مع الله والحب والكون واندفاع الجسد للجسد، للحرية والجمال؟
لن نرى في حياتنا المعاصرة حاكم سياسي يوازي الأمبرطور الروماني الفيلسوف الرواقي ماركوس أوريليوس، الذي كانت أعماله، أحد أعظم الأعمال الفلسفية والصروح الأدبية في الحكم والإدارة.
هذا كان في القرن الثاني الميلادي.
أما اليوم، في عصرنا، لنتأمل الرئيس الامريكي بايدن، ونظيره ترامب، كلاهما مجرد خواء ثقافي وإنساني، كلاهما جاف عقليًا وفلسفيًا، كلاهما مجرد حطام، والكونغرس ومجلس الشيوخ لم ينتج أديبا واحدًا، أو مفكرًا، أو إنسان متواضع.
جميعم استعلائيين، نتيجة الخواء والفراغ النفسي الذي يعانون منه ويسكنهم.
سيدة العالم، فرضت نفسها على عالمنا، فانتجت مجتمعات مريضة، وشعوب مريضة مطابق لمرضها، دول وشعوب حطام.
بالطبع ستموت الثقافة والحرية والفلسفة والإخاء والحب وحقوق الإنسان والطبيعة.
نحن أموات سريريًا، إلى حين ينضج زمن أخر مختلف.
أمة محرومة من الفن، الموسيقا والنحت والرسم والمسرح والحب والتفكير الحر لا يمكن أن تنتج عقل متقدم على زمانه.
إلى اليوم نحن محرومين من النقد، من معرفة تاريخ منطقنا، ولماذا بلادنا صحراء ثقافية وفنية وإنسانية، ولماذا يعشعش الاستبداد في جنباتنا ولا رغبة لدينا في كشف حجاب تخلفنا.
زبدة الكلام هذا هو، علاقتنا بالعصر، لا علاقة، ولا رغبة لدينا في معرفة أنفسنا.
التيارات الخارجية سامة، رياح عاصفة ومدمرة، كلها ستقتلعك من جذورك، أنت وذاتك وإلا عليك السلام.
ذاك الصبي الأبرص يظن أنه قوي بمجرد امتلاكه للأسلحة العابرة للفضاء.
حبيبنا الأبرص، القوة ليست تلك الخارجة عنك، حاول أن تبحث عنها في داخلك، التي تأتيك من الخارج تدل على الضعف والخوف وعدم الأمان.
إن المجتمع، أي مجتمع ينحو أفراده نحو الأمان والحرية والفرح، يحن إلى وطن أمن مسلح بالقيم العليا، كالعدالة والحق والمساواة.
أنت واحد غوغائي، بيد أنك تظن أنك محبوب وموضع إعجاب الأخرين من ابناء شعبك، نصفه يحتاج إلى الغذاء والدفئ والدولة الديمقراطية الاجتماعية، دولة فيها قضاء عادل.
الاستزلام في مجتمعك ودولتك، لا يختلف عن النظام السوري، كلاكما تشبهان بعضكما، مجرد مجرمان، تبتزان شعبيكما من أجل استعراض مجاني فارغ.
تواضع قليلا يا أبرص، سترى الحياة مختلفة عما هو في ذهنك المشوهة.
وأنت في بحثك الحثيث عن الحقيقة، ستفتح الحرية قلبها لك، وستعدد لك مساراتك أو خطاك في الوصول إليها.
في عالم البحث عن الحقيقة أو الخلود، ستكون لك أخلاقًا أخرى وقيم أخرى، وستتحول إلى كائن جميل مزين بالفرح والسعادة.
أبحث عن نفسك في الحقيقة، ستأخذك الحرية إلى الحرية، إلى بيتها الجميل، وستفرح بك وستفرح بها.
البارحة لم تسمح الشرطة لي في الدخول إلى بيتي، حاصرت مداخل البناية التي أقطن فيها.
نمت خارج البيت.
تم إطلق النار على شاب في الرابعة عشرة من العمر، الموضوع يتعلق بالمخدرات.
السويد لم تعد دولة أمنة، تعاطي المخدرات زادت فيها بكثرة، طلبات الفدية، عصابات المخدارت امتلأت فيها، جرائم كثيرة تحدث في وضح النهار، كل يوم نسمع بجريمة جديدة بشعة، وحضرة الدولة تتستر على أسماء المجرمين خوفًا من تصاعد اليمين ضد الأجانب.
لا مشكلة في دخول السجن، فهو مرفه، خمس نجوم، ولا يعتقل المجرم إلا بأدلة ثابتة.
وعقل المجرم متقدم على عقل الشرطي البيروقراطي، يستطيع المجرم أن يتوه الدولة كلها، وإذا أخطاءات هذه الأخيرة في القبض عليه فمشكلة، سيبقى حرًا طليقًا متنقلا من جريمة إلى أخرى، وإذا اعتقلته بعدم كفاية الأدلة سيعوض بمبالغ مالية هائلة.
في الحقيقة، الدولة السويدية تعيش في عصر السبعينات، وما يحدث على أرض الواقع يعيش في زمن أخر، زمننا.
لقد صبت أنهار قذرة، ملوثة، فاسدة في الأنهار السويدية، بدأت الرائحة الكريهة تصعد على السطح.
وأغلب الاحزاب السويدية لا علاقة لها بعصرنا، أنها ميتة، لا يحاولون طرح برامج جديدة تربط الواقع بالتحولات الهائلة على الصعيد العالمي.
لم تعد السويد دولة معزولة، فأصغر طفل في جنوب الرد في شرق القامشلي يعرف أدق التفاصيل عن السويد، بل أفضل من أي برلماني سويدي.
إن تقييم التاريخ يجب أن يكون بأدوات العصر.
وإن تقييمه وكتابته يجب أن يخرج من يد البخاري والشعراوي والطبري وابن العباس وابن الكثير وغيرهم.
إن يقيم وفق منطق علم الاجتماع المعاصر والفلسفة وعلم التاريخ، والأركيولوجية، وإن ننظر إلى التاريخ على أنه صراع بين فئتين متناقضتين، أي بين النخبة والعامة، مثله مثل أي تاريخ في العالم، أي أن نعزله عن الأخلاق والمبادئ والقيم الفاضلة.
إنه تاريخ الصراع على السلطة ومصالح النخبة في السلطة. ولا مجاملة في هذا الموضوع.
وإن الرسول وأصحابه ينتمون إلى النخبة.
وإن بقاء النخبة في القمة يتحتم عليهم أن يصنعوا التاريخ، تاريخهم، أي أن يسعوا إلى تأمين الفوائض المالية للبقاء في القمة.
فكانت الفتوحات أو الغزوات أو الاحتلالات سمها ما شئت.
هذه هي القراءة الصح.
وإن القراءات العاطفية والهروب من مستحقات الحقيقة لن يفيدنا بشيء، وسيأتي اليوم الذي سيعرى تاريخنا سواء كان في أيدينا أو على يد غيرنا.
الحقيقة عارية، وحقيقية، وستنبعث كالزهور من تحت أقسى وأثقل الصخور.
إن التلظي أو الأختباء وراء الأيديولوجية يخفي الصراع، يميعه، لهذا نقول أن الإنكشاف يفتح الأفاق على الحقيقة، من أجل العري، إن يتعرى كل شيء، أولها السلطة ثانيًا، نخبها الفاسدة.
ليكن كل شيء عاريًا.
ليبق الصراع على المكشوف، دون أدوات تربط بين النخبة والعامة، حاضرًا وقديمًا.
في السابق، قبل اكتشاف الله، كان الناس يقدمون القرابين البشرية للآلهة. يشعلون النار في أعلى الجبال ثم يصعدون إليها، ثم يختارون أجمل طفل، يقدمونه كأضحية عبر ذبحه ونثر دمه، ثم يدورون حوله من أجل التقرب من الآلهة ليمنع عنهم الكوارث الطبيعية كالفيضانات أو البراكين، ولإنقاذهم من شرور الطبيعة وغضبها.
مع الأيام، مع تطور الوعي سعى الإنسان إلى البحث عن مخارج تقيهم من هذا الحمل الثقيل، فخففوا من رمي أضحية بشرية كاملة عبر استبدالها بأعضاء صغيرة فاصغر إلى أن اهتدوا إلى قطع قلفة الرجل كتعويض عن دم إنسان كامل.
وصل تفكيرهم إلى أن الآلهة تحتاج إلى قطرة دم واحدة تبعد عنه الإحساس بالذنب.
نستطيع القول أن ما يسمى طهور هو عادات وثنية جاءت إلى بعض الأديان من خلال النقل، أي لم يكونوا منتجين حقيقيين لها.
أعضاء أو جماعة هذه الأديان المتمسكة بهذه العادة يعتقدون أنهم أطهر من غيرهم إذا أدوا هذه العملية الجراحية.
نريد القول:
لا يا سادة، النجاسة ليست في الجسد، النجاسة في الرأس.
في فترة المراهقة كنّا مجموعة شبان صغار في اتحاد الشباب الديمقراطي الشيوعي.
وكنت متحمسًا لدرجة الجنون.
لقد ألغيت كل شيء جميل في حياتي من أجل هذا التوجه، التوجه الذي لم أكن أعرفه تمامًا.
ناضلت في صفوف الطلبة والأصدقاء، مدفوعًا برؤية مسبقة عن الاتحاد السوفييتي والشيوعيية في العالم، نتيجة البروبوغدا أو الآلة الإعلامية في ذلك الوقت.
عندما كنت أسمع أحد الكتاب أو الأدباء أو المفكرين أو العلماء أنشق عن الخط العام للتوجه السوفييتي، أدخل في الحزن والكآبة، وأقول لنفسي:
ـ معقول هناك مجانين يتركون نعمة الشيوعية ويذهبون إلى الغرب؟ لماذا يبيعون أنفسهم بالمال السياسي أو السائل؟
وهل هناك أنبل من صفة الشيوعي؟
كنت في قلب الصندوق، الصندوق الأيديولوجي الذي حنطني وحولني إلى مجرد صنم ميت في داخله.
حتى الأطفال الذين كانوا في مثل عمري، في الخامسة عشرة، عندما كنت أريد أن أرشدهم إلى توجهي، كنت أرى الصد منهم، أو البرود أو النفور أو الابتعاد عني، واسأل نفسي:
ـ هؤلاء الأصدقاء أغبياء لا يعرفون هذه النعمة الذي أنا فيها. هذه النعمة تجعلني أحلق في السماء دون جناحين، أرى الناس صغار الحجم وهم صغار.
عندما خرجت من الصندوق كان الزمن قد عبرني، تركني حطامًا، لم أقبض إلا على الريح.
ما أريد قوله من خلال هذا النص القصير، انتبهوا إلى أطفالكم، لا تزنروا عقولهم بأي بعد ايديولوحي سواء ديني أو قومي أو طائفي، دعوهم يختارون طريقهم في الحياة بأنفسهم عندما يبلغون الثامنة عشرة من العمر دون تدخل منكم، دون توجيه منكم، ستشوهون طفولة أطفالكم وستمنعوا عقولهم من التطور.
ما يفعلوه ماكرون في فرنسا، بأبعاد الأطفال المسلمين عن فكر أباءهم هو لمصلحتهم حتى لا يعيشوا أزدواجية ثقافتين وعقلين مختلفين في بيئة عالمية واحدة تنحو نحو التداخل، متجاوزه أو في طريقها إلى تجاوز المخلفات والهويات الماضية كالدين والقومية إلا بما يخدم الاستثمار السياسي.
لا تجعلوا أولادكم وقودًا للحروب والموت والوهم.
بدأت الحداثة دموية في المراكز ونقلت إلى الأطراف من موقع التابع، أي قبل ثلاثة قرون تقريبًا.
بعد الحرب العالمية الثانية تغير الأمر، الحداثة والديمقراطية والتكنولوجية المتطورة للمراكز، والتخلف والعنف والاستبداد والحروب للأطراف.
اعتقد أن انتقال الرأسمالية إلى مرحلة الأمبرطورية، فكك وسيفكك العلاقات القديمة بالكامل، بمعنى، إن التداخل بين المراكز والأطراف سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا هو موضوعي وسيستمر لمصلحة تعويم هذه الأمبرطورية.
في هذه الحالة سيدخل العالم الثاني والثالث في الأول لنحصل على تشكيلة متقاربة، مثلما يحدث الان في البلدان المتخلفة:
تداخل الريف في البداوة في المدينة أوصلنا إلى تشكيلة جديدة قائمة على الفوضى العارمة.
الفوضى العارمة هي منظمة بدقة شديدة ويجري السهر عليها.
الامبرطورية الرأسمالية اليوم أهليلجية ليس لها مراكز حقيقية أو أطراف حقيقية، أنما في تفاعل، تناقض وتقاطع، تباعد وتقارب.
أنها كالبلدوزر الضخم يكسح كل من يقف في طريقه، ولا يبقي على أي شيء صالح للحياة.
وفي داخله تتداخل الحرية بالفوضى والدمار في البناء.
إن النظام الأمبراطوري سيأكل نفسه بنفسه في الوقت الذي يحاول أن يخدم نفسه بنفسه، وفناءه منه وفيه
الأنظمة في هذه الأيام عارية تمامًا، ويجري كل شيء على المكشوف.
أنظمة لصوصية، وجودها اضحى فائضًا عن الحاجة، لم يعد لديها من تقدمه للمجتمع، ولم يعد يسعفها خطابها الخشبي البائد.
ماتت الأيديولوجية الدينية والقومية الكاذبة التي كانوا يتشدقون بها. ولا يمكن العيش مع الميت في الهواء الطلق.
بين المجتمع والنظام القائم حد فاصل، أما نحن أو أنتم، اما نظام يعبر عن مصالح المجتمع أو الصراع في الشارع وتحت قبة السماء الصافية، أما الموت لكم أو الحرية لنا.
والزمن في مصلحة الجموع العامة التي تبحث عن وجودها وحريتها وبقاءها.
إلى أن ينضج نظام دولي جديد سيبقى وضع العالم تحت رحمة الدولة الأمريكية.
المخرج الوحيد من هذا الوضع المدمر هو إعادة الدولار إلى سابق عهده، إلى بريتون وودز، إلى معيار الذهب.
المشوار طويل جدًا ومحفوف بالمخاطر، ولا توجد قوة في العالم تصمد في وجه أمريكا.
لديها خبرة عريقة في تمزيق الكيانات القائمة، تمزيقها من الداخل،
أو تفكيك كل دولة، أو تحالف دول، كبريكس.
مصيبتنا مع أمريكا سيبقى إلى زمن أخر، ربما ينضج في السنوات العشرين القادمة.
قال الخامئني:
ليعلم الأصدقاء وكذلك الأعداء أننا دحرنا العدو في ساحات الحرب. يقصد بها أن الشعب الإيراني الجائع، أنه عدو، ويجب محاربته، ويعتبر الاحتجاجات مسألة أمنية، وتحل أمنيًا.
أي أن إيران لن تعرف الديمقراطية بوجود هذا الماموث، الخرفان الدموي الذي أخذ إشارات مطمئنة من الولايات المتحدة أن يستمر في قتل المتظاهرين، عندما قالوا له:
نحن لا نريد إسقاط النظام.
هذه هي المرة الثانية التي تفعلها دولة الولايات المتحدة التي تسرب إشارات إطمئنان لدولة إيران.
المثقف كائن غريب عن مجتمعه وعالمه.
إنه يتوجع في صومعته لعدم فهم الناس له. إنه يرى الحياة ليس كما يراها العامة. ويدرك على غير ما يدركون. وصلة الوصل بينه وبينهم شبه معدومة.
إنه متقدم على زمانه، وفي انتظاره لهم ليصلوا إليه يكون الزمن قد طوى جسده بين جناحيه وغاب.
من الذي يجالس المثقف أو يهتم بالفكر أو فكره؟ من يحبه؟
الناس يحبون ما يقع تحت أيديهم وأعينهم المباشرة ولا يهتمون بما يحدث في قاع الحياة أو في الأماكن المخفية عن العين.
هنا نتكلم عن المثقف الذي يحمل الهم الإنساني والوجودي وليس من يركض وراء مصالحه الخاصة كالمال والشهرة.
الثقافة حالة غربة والمثقف إنسان غريب، نتاجه يبرز بعد أن يأكل العمر جسده.
العقل حمال أوجه، لا يركن إلى قرار.
إنه متلون متغير متناقض متناسق متكالب متصالح متخاصم منتصب لا يعرف الاستقرار أو الخضوع أو الركون للإجابات.
إنه يقظ دائمًا.
ودائم الشك بالحقيقة أو اليقظة أو الزيف.
يقولون أول الرقص حنجلة.
منذ 11 أيلول العام 2001 إلى الأن، ومنطقتنا تتحول شيئا فشيئا إلى ميدان وحيد للصراع المحلي والأقليمي والدولي.
الهلال الشيعي لم يأت عبثًا، إنه توظيف سياسي استراتيجي طويل المدى لإبقاء تناقضات المنطقة في أعلى مستوى من التوتر والاقتتال.
دخول الولايات المتحدة إلى العراق أعطى ثماره بالكامل. بالطبع ليس حبا بالشيعة ولا كرها بالسنة، وكمان العكس صحيح.
إنني أرى اللوحة واضحة تمامًا من الناحية الاستراتيجية: القتال البيني سيمتد إلى أجل طويل لإغراقنا في الوحل، الجوع والموت والفقر والمرض والتخلف.
لقد تم استدعاء التاريخ، تاريخنا، نهلوا منه صراعاته ونثروه فينا.
كما نرى ونشاهد أن جميع دول العالم منخرطين في هذا الصراع المدروس والموظف لمصلحة استمرار الحروب وبيع السلاح وتحريك الإعلام والسوق وتدوير السلعة.
أعرف لسنا عقلاء، لنقول لبعضنا أننا أدوات، مجرد محرقة في أتون صناع المشاريع الاستراتيجية التي تعلم ماذا تريد.
اليوم لدينا افتعال حرب دموية جديدة، هي الحرب بين الغرب وروسيا، ولا أحد يعرف إلى أين تتجه اقدارنا كبشر
ما هي الحصيلة السياسية التي كسبوها هؤلاء الذين انكمشوا على الدين أو الطائفة أو القومية أو المذهب؟
ما هي النتائج التي حصل عليها هؤلاء الذين أججوا الكراهية وبذروا بذور الحقد الطائفي في المجتمع السوري؟
هل وقفوا أمام أنفسهم، والتاريخ وراجعوا أخطاءهم؟
هل كانوا الوجه المكمل للنظام المافيوي أم تفارقوا عنه؟ هل كانوا بديلًا يعتد به أم صورة عن النظام؟
هذا السؤال يحال علينا جميعاً، ناس ومجتمع وكتاب وأدباء وفنانين ومفكرين وسياسيين؟
هل نحن على قدر المسؤولية التاريخية التي حدثت أم علينا الانكفاء على أنفسنا والتراجع؟
إن الكتابة دون مسؤولية إنسانية وأخلاقية أعطت نتائج سلبية جداً لمجتمعنا وبلدنا. ويفضل من لا يعرف الأبعاد السياسية الدولية والأقليمية أن يكف يده عن العبث في ما لا يعرف.
عالم الفيس بوك كما أراه خلق حالة كآبة هائلة لدى الجميع، لحشر الكثير من الناس أنفوفهم في ما لا يعرفون. وعليهم أن يتوقفوا.
من الواضح أن العالم السياسي، النظام الدولي هو مع النظام منذ بدء الثورة، لهذا لا داعي لنشر صور الضحايا، أمواتنا. وعلينا دفن أحزاننا بأنفسنا. والاستعداد للمستقبل.
أغلب اليساريين كانوا في السجون يأكلون الذل يومياً والقهر والحرمان. والقسم الأكبر كان يقرأ التراث العربي والإسلامي والعالمي, يقرأ الطبري وابن كثير والبلاذري والجابري والطيب تيزيني وغليون وأركون وسمير أمين والأدب العالمي والكتب السياسية وعلم النفس وعلم الاجتماع.
وأغلبهم لا صوت له لأن الآلة الاعلامية همشتهم.
ومن خرج من السجن لم يرمم نفسه على المستوى العاطفي والمعيشي والنفسي إلى اليوم. خرج مكسورا مهمشا ضائعا لا يعرف من أين يبدأ. الرحمة على اليساريين الذين كانوا يذهبون إلى محكمة أمن الدولة ويجرمون ويحجر عليهم ولم يتعاطف معهم أي إنسان بأستثناء أهلهم, الأم والأب والأخ والأخت.
ولم نر ابن امرأة في الشارع يتضامن معهم من شدة الجبن والخوف والهلع. اليوم الجميع أصبحوا أبطالا ويرجمون شرقا وغربا دون رحمة أو شفقة.
عندما تعرف أنك ضعيف وجبان ولم تستطع أن تتضامن بكلمة واحدة مع من كان في المعتقل, عندما كان الكلام مكلفاً, عليك أولاً أن ترجم ضعفك وجبنك وذاتك المريضة المهزومة, ثم تكلم على الأخرين. يا ضعيف كن مؤدب, أخجل على دمك.
هيك الحسبة تصبح صحيحة.
إن التضامن مع الضحايا في هذا العالم هو سياسي, أي غير موضوعي. كفوا عن إصباغ القضايا الكبيرة بعدا إنسانيا.
لا إنسانية في السياسة.
أضحت الدول في البلدان المركزية خادمة مطيعة للشركات الاحتكارية, تنفذ أجندتها ومصالحها. وفي ظل نظام عولمي مهترئ, التناقض بين الدولة والاقتصاد وصل إلى مرحلة يحتاج إلى القطع, للوصول إلى شكل أكثر تكيفا مع حركة الاقتصاد الما بعد وطني أو دولي, ولا يوجد في الأفق القدرة على ذلك, لهذا يحاول كلا الطرفين أن يتكيفا على حساب مصالح المجتمعات الضعيفة والصغيرة والغير قادرة على حماية أنفسهم, والعمل على سحب المكتسبات الاجتماعية والسياسية من دول المركز.
إننا في ظل نظام قاسي, وسنرى آثار ذلك على المدى المنظور القادم. إننا في طور دورة جديدة.
أرى أن الذين يخرجون في مظاهرات في قلب العالم الغربي, للمطالبة بدولة إسلامية, ليس بريئا من قبل منظميها. وإنهم يعملون وفق أجندة سياسية خطيرة مدروسة سواء منهم أو من حكومات هذه الدول.
هذا الأمر سيترك آثارا خطيرة على الطرفين, سواء اللاجيئن الذين تحولوا إلى مواطنين أو السكان الاصليين.
سيدفع ذلك, لوصول اليمين المتشدد إلى السلطة. ولا استبعد أن ندخل في دورة سياسية يؤدي بهذا الوضع إلى سحب المكتسبات الاجتماعية في هذه الدول. وتعرية وضعنا الاجتماعي والاقتصادي فيها.
كنت أتمنى أن أرى دولة الخلافة في البلدان العربية والإسلامية, لتكون لنا جميعًا, مثالا وقدوة. على الأقل كنا استفدنا من انجازاتها الحضارية والثقافية والفكرية والاقتصادية والسياسية, بدلا من أن نذهب إلى الدول الغربية, ونعلنها من هناك.
ألسنا أولى بها من الأغراب؟ بمعنى, لماذا نبنيها في الغربة, ونحرم أنفسنا وديارنا من هذه النعمة.
ولماذا لا نذهب إلى الصين والهند وأفريقيا, ونعرض عليهم منجزاتنا التاريخية, ربما يستفيدوا منها ويطوروا أنفسهم.
لا اعتقد ان ما يسمى التكفيريين لهم مشروع.
أشعر أنهم ضحايا أكثر مما هم في موقع من يقرر. إنهم جزء مفروم من اللحم الخارج من مكنة المقرر الاسترتيجي القابع وراء البحار.
أنظمة الاستبداد العسكرية هي أكثر خطورة على مستقبلنا, والحليف الاكثر عملياتي للنظام السلطوي الدولي.
مشوارنا ما زال طويلا في الوصول الى الديمقراطية, لأنها ما زالت حكرا على الدول الكبيرة في المدى المنظور, ولا تسمح لنا بامتلاكها.
امتلاك الديمقراطية, تعني امتلاك التكنولوجيا, التطور التقني والانفتاح على الفضاء العام الكوني كله بعلومه وتطوراته في كل المجالات.
صراع الحضارات أثمر نتائج عملية هائلة.
المسلمون الذين عشنا معهم كأخوة وأصدقاء وأهل تحولوا بقرار إلى إرهابيين. وارتبط اسم العربي والمسلم بالإرهاب. وتحولت منطقتنا إلى مكان للانقسام الاجتماعي الأفقي, والسياسي العامودي. وضاع الحابل بالنابل. وتحولنا من طلاب حق إلى مشبوهين وكل إنسان يطالب بالديمقراطية إلى محتقر ومرفوض.
الإرهاب ليس نظرية فقط, أنما تختزن في جذورها عنصرية مقيتة.
التفوق والرخاء للمراكز الرأسمالية والفقر والقهر والدمار للأطراف.
وما زال بيننا من يطرح أفكار لا علاقة لها بمستحقات العصر.
زمن الهوية انتهى. بح. نحن في زمن التداخل في كل المجالات. السوق هو الموحد لعلاقات البشر.
وقانون السوق, خالق الإنسان, الغنائم, موزع الارزاق, وصانع الحضارات والأمم. يعني بالمشرمحي, نحن أولاد سوق. ولا يجي واحد يزاود علينا بالهوية, وكأننا خارج التاريخ وسياق الزمن.
مافي شيء اسمه هوية في هذا العصر وفي كل العصور. هذا هروب من استحقاق إنسانية الإنسان في الحرية والحياة.
جربنا بناء دولة عربية, طلعت طوائف, قبائل وملل. فشلنا. بسبب عدم طرح استحقاقات بسيطة, وسهلة للغاية. المواطنة, القانون, حرية الفرد وكرامته, لم نهتم بمؤسسات الدولة, الفاعلة والعملية والخادمة للمجتمع.
كان لدينا شعارات كبيرة جدًا, براقة وحلوة. جذابة تسيل لها لعاب أكبر إنسان في العالم. الحرب على الامبريالية والصهيونية وتحرير الأرض من الغزاة.
الأن, راحت السكرة وجاءت الفكرة. ضحينا بالمواطنة. وراح معها الوطن كله.
اليوم, الشباب الغر, مثلنا أيام زمان, يريد دولة إسلامية. وتعال فسر إذا بدك تفسر شو معنى هذا الكلام الفارغ؟
نقول:
الدولة التي لا تنضبط بالقانون, بمؤسسات فاعلة, هي سلطة. يعني بالمشرمحي, عصابة. يعني راح نستبدل عصابة بعصابة أخرى.
والدولة الحديثة بدها عقل يحترم القانون والدستور وتشريعات المؤسسات ويعمل على تطبيقها.
هل نحن على قدر المسؤولية؟
البلدان الاوروبية فقدت تجانسها الاجتماعي بعد الحرب العالمية الثانية. أصبحت خليطًا من شعوب العالم, في الوقت الذي بقيت بلداننا/ والعالم المتخلف/ على وضعها التاريخي دول أي تغيير. هم يقبلون بينهم من كل الاديان والملل والقوميات ونحن نرفض بعضنا. هم يهضمون كل المخلفات الماضوية ونحن نعيد الماضي بكل جلاله ونحطه في عيوننا ثم نصوب النار لانفسنا.
إلى متى نبقى نتجتر الماضي ونعتبره قدرًا لا فكاك له؟
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟