|
محرقة غزة: لماذا سمح الغرب الديمقراطي بالإبادة الجماعية؟ (لن يكون الغرب قبل محرقة غزة هو نفس الغرب بعد محرقة غزة)
محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)
الحوار المتمدن-العدد: 8168 - 2024 / 11 / 21 - 00:51
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
حطمت محرقة غزة (التي لازالت مشتعلة وشملت لبنان أيضا) التي باركها ودعمها وبررها وموّلها الغرب (الذي يتبجح بعقيدتيه، القديمة المتمثلة في اليهودية-المسيحية، والجديدة المتمثلة في حقوق الإنسان) "الإيمان" بهذا الغرب الديمقراطي وبشعاراته وليبراليته وتقدميته، بل وحطت كل أمل لمناهضي الأنظمة الاستبدادية والسلطوية بمساهمته في "إقحام الديمقراطية" في بلدان هذه الأنظمة، أو "إنباتها" بدعمه لحلفائه "الإيديولوجيين" بها. إذا كان الغرب "ديمقراطيا"، كما ادعى هو ذلك منذ بداية القرن التاسع عشر، وتباهى بذلك، وخاض حروبا شعارها نقل الديمقراطية إلى "بلدان الاستبداد"... فلماذا سمح بحدوث محرقة غزة ولا زال يدعمها ويبررها ويمولها ويباركها ويعلن ذلك جهارا ويمنع حتى "تعبير المدنيين السلميين عن احتجاجهم عما يحدث في غزة فوق أراضيه"؟ هل يؤمن الغرب حقا وفعلا بأن الإنسان إنسان في كل مكان؟ لماذا لا تكون كل مفاهيمه المجردة (المدعية للكونية) مفاهيم تخص الإنسان الغربي الملموس؟ هل ألغى الغرب حقا وفعلا التمييز العنصري من فكره وسلوكه؟ ألم تكن مواقف بعض أشهر مفكريه وفلاسفته ملتبسة تّجاه غير الأوروبيين البيض منذ أرسطو وحتى هيجل؟ ينبغي على ساكنة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (في عمومهم وأغلبيتهم) إعادة النظر، بعد محرقة غزة، في مفهوم الغرب وسياسته وثقافته وأيديولوجياته. من السهل أن نكتب اليوم دون مبالغة أن الشر هو الغرب. وأن هذا الشر هو العائق الأكبر الذي يعيق تقدم شعوب هذه المناطق المنتمية للعالم الثالث. ويعيق دمقرطتها وتنميتها. وأن البشاعة المرتكبة في غزة (والتي لازالت ترتكب وتمتد للبنان) ستحفر في قلب كل مواطن من مواطني هذه البلدان في هذه المناطق (كل مواطن غير ملحق بسفارة غربية، وغير عميل للصهيونية أو للدول التي تنوب عنها وتقوم بأعمالها وغير منخدع بأكاذيب الإيديولوجيات الاستعمارية الجديدة) حقدا دفينا مبررا وتوقا قويا مشروعا للثأر ووعيا حادا بمن هو العدو الأصلي الذي ارتدى على مدى عقود قناع "الحليف المستقبلي وراعي الحريات وحامي الحقوق وضامن الحق في الحياة...". ظن الغرب أن تجريد الناس في هذه المناطق من العالم الثالث من مقوماتهم الروحية والثقافية واللغوية سيجعلهم يقبلون بشاعة محرقة غزة. لقد استثمر في إعداد الناس لقبول التغيير الجذري في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أموالا ضخمة ودعم تنظيمات وجمعيات وأفرادا ومول أنشطة فكرية ظاهريا لكنها دعائية وتخريبية عمليا. إن ما حدث في غزة يتجاوز قدرة الإنسان على استيعابه: الغرب الديمقراطي، راعي حقوق الإنسان ومأوى المستجيرين به من الأنظمة الاستبدادية... يقتل على يد إسرائيل وبماله وأسلحته الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ ويهدم بيوتهم وقراهم ومدنهم ويعتقل شبابهم ويهينهم ويعذبهم حتى الجنون أو الموت... هل هذا هو غرب الحريات؟ لا يمكن فصل عنصرية الغرب وهمجيته وعدوانيته تجاه غير الغربيين وغير البيض عن الأفكار العنصرية التي تبناها مفكروه وفلاسفته الذين يعتبرون أسسا لثقافته الحديثة. فولتير: وصف الأفارقة بأنهم أدنى من الشعوب الأخرى غير السوداء واستعمل قوالب جاهزة سلبية لتبرير استعبادهم. يقول في كتابه (Essai sur les mœurs et l’esprit des nations): "ليس مسموحا، إلا لأعمى، الشك في أن البيض والسود والألبينو والهتونتو واللابون والصينيين والأمريكيين أعراق مختلفة اختلافا تاما"، ويضيف: "الألبينو أمة صغيرة ونادرة يقطنون وسط أفريقيا ولا يسمح لهم ضعفهم بالابتعاد عن كهوفهم التي يعيشون فيها، إلا أن السود يصطادونهم أحيانا فنشتريهم منهم بدافع الفضول". كانط: صنف الأعراق البشرية وفق تراتبية أخلاقية وثقافية واضعا الأوروبيين في قمة ترتيب الأعراق، وواضعا الأفارقة في أسفل ترتيب الأعراق. يقول في كتابه (Le sentiment du beau et du sublime): "في البلدان ذات المناخ الحار، ينضج الناس بسرعة من جميع النواحي، ولكنهم لا يبلغون الكمال الذي يبلغه سكان المناطق المعتدلة. تبلغ البشرية اعلى درجات الكمال في عرق البيض. يتميز الهنود الصفر بضعف القدرات والمهارات، أما السود فيحتلون اسفل القائمة". دافيد هيوم: أكد أن السود طبيعيا من البيض في الذكاء والقدرات. ويرى أن هذه الدونية تبرر معاملتهم التمييزية واستعبادهم. يقول في كتابه (Of National Characters): أميل إلى الاعتقاد أن السود هم أدنى من البيض طبيعيا. لم توجد أبدا أمة سوداء متحضرة. بل لم يوجد أسود نابغة في العمل أو الفكر". هيجل: أمد ان أفريقيا ليس لها تاريخ خاص بها، وأن سكانها ظلوا على هامش التطور التاريخي العالمي. ووصف الأفارقة بأنهم بدائيين لا يتطورون مررا استغلال الأوروبيين لهم كعامل من عوامل التقدم. يقول في كتابه (Leçons sur la philosophie de l’histoire): ما يحدد طابع السود هو غياب القيود. لا يسمح لهم وضعهم بأي تطور ولا بأية تربية. من يريد معرفة التجليات المرعبة للطبيعة البشرية سيجدها في أفريقيا. إن اقدم المعلومات التي نملكها عن هذا الجزء من العالم تقول نفس الشيء. فأفريقيا ليس لها، بالمعنى الدقيق للكلمة، تاريخ". مونتسكيو: يرى بأن العبودية تلائم المناخ الحار لان الناس في هذه المناطق اقل امتلاكا للقدرات والمهارات من البيض. قال في كتابه (Essai sur l’origine des langues): لا يمكننا أن نصدق أن الله الحكيم قد وضع روحا خيّرة في جسد أسود (...) من المستحيل أن نفترض أن هؤلاء بشرن لأنه إذا افترضنا أنهم بشر سنشك في أننا مسيحيين". لا شك أن هناك خطأ كبير في قراءة مفكري الغرب، لا شك أنه تم القفز على مواقفهم العنصرية وعلى ميولاتهم التسلطية. لقد اختار الغرب سحق فلسطينيي غزة والذين تطوعوا لمساعدتهم وتقديمهم قربانا لإسرائيل إما للتكفير عما قام به النازيون الألمان، وإما لخضوعه للوبي الصهيوني العالمي. والنتيجة هي في الحالتين واحدة: التضحية الإجرامية بشعب فلسطين في غزة. وإذا كان الغربيون حسب دينهم الأصلي قد تمردوا على "الله"، سواء بممارستهم لحريتهم أو باتباعهم "الشيطان"، فما علاقة شعب غزة بتمردهم هذا؟ هل كانت النازية عقابا للمتمردين على "الله" فاقتنع الغربيون بذلك فأرسلوا المتمردين إلى فلسطين ليسلموا من شرهم؟ وإذا كان للغربيين إله، فهل ليس للفلسطينيين ايضا إله؟ وهل هو نفس الإله؟ وهل على الفلسطينيين أن ينتظروا هزيمة الشيطان لكي ينعموا بالسلام؟ ألم يعدهم دينهم بأن إلههم "سيقضي على المتسببين في العذاب، من الناس والشياطين، وسيمكن الصالحين من الفوز على الأشرار؟ وسيدمر من يدمرون الأرض؟". فمن يدمر غزة وجنوب لبنان وبيروت؟ أليس هو الغرب على يد إسرائيل وبأسلحته؟ لقد أدب الله البشر قديما في "عهد نوح" بالطوفان، وها هو طوفان جديد، طوفان القرن الواحد والعشرين، أنجزه مستضعفون محاصرون ضد الآلة العسكرية الغربية في العالم: إسرائيل. إن الشر المطلق هو ما تمّ في غزة وفي لبنان. فكيف للبشرية "المتقدمة المتنورة المتعلمة المثقفة" أن تقبل بإبادة جماعية لآلاف الفلسطينيين؟ لن نثق بعد محرقة غزة في الغرب ولا في مبادئه ولا في مثقفيه. أما الغرب الإيجابي فهو جد هامشي ولم يتمكن حتى من إسماع صوته لأهله، ولا من حماية حقوقه ضد دوله ويبذل كل ما في مسعه ليبقى على قيد الحياة، تنخره التناقضات ويعشش في اوساطه صهاينة يخرجون للعلن من حين لآخر. لا بد من مساءلة الغرب، اخلاقيا ودينيا وفلسفيا، عن سبب دعمه وتمويله لإسرائيل في إبادتها الجماعية للفلسطينيين وتدمير لبنان وتقتيل اللبنانيين. لقد استعمل الغرب قوته الهائلة للسيطرة على شعوب العالم، ومن آليات هذه السيطرة إسرائيل. ولا بد لفعله هذا من ردود فعل ترتد ضده، وهي ردود افعل المنتظر من شعور منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (كنموذج)، هذه الشعوب التي تتضرر من الغطرسة الصهيونية، ويتم تجويعها وتفقيرها وتجهيلها وإفساد اخلاقها وتشويه معتقداتها والتلاعب بهوياتها وتاريخها. لكنن ماذا لو كان عدم تدخل الغرب لإيقاف الإبادة الجماعية في غزة ولبنان ناتجا عن عجزه أمام اللوبي الصهيوني؟ في هذه الحالة سيعني ذلك أن الغرب المتغطرس على هذه الشعوب ضعيف وخاضع للوبي الصهيوني اليهودي والعالمي. لقد تخلى الغرب عن سيادته وقوته وليبراليته لصالح طغمة مالية هيمنت عليه: الصهيونية اليهودية والمسيحية. إن الحل الجذري للشر الجذري سيأتي به المستضعفون. برهن الطوفان المعاصر أن غزة الضعيفة أقوى من الغرب القوي. لذلك ستكون نهاية الغرب على يد مستضعفي الشرق. لقد صار الغرب منهكا. قدم كل ما كان بوسعه تقديمه. وليس من الغريب القول: يحتاج الغرب لمن يخلصه من اللوبي الصهيوني. الغرب القوي بحاجة لمن ينقذه من قرب انهياره. وسيأتي يوم يعبر فيه ملايين من المغاربيين والأفارقة نحو اوروبا مشيا على الماء، ويعيدون تشكيل مكونات ساكنتها ويحققون نبوءة اليمين المتطرف الغربي بخصوص "الاستبدال العظيم": لا بد من إجبار الغرب على أداء الثمن عن جرائمه.
#محمد_الهلالي (هاشتاغ)
Mohamed_El_Hilali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جيل دولوز مُمارسٌ مُشاكسٌ للفلسفة
-
عن كتاب الإمبراطورية - أنطونيو نيغري ومايكل هاردت
-
وَحْدَةُ النّضَالْ
-
وَمَضاتُ غـــــزّهْ
-
أطروحات جورج قُرُم: نقد وتفكيك مفاهيم الغرب والشرق
-
الكوجيطو الديكارتي كما يراه بول ريكور
-
مَن هوَ العدو؟ ولماذا يُحبُّ المغفلون عدوّهَم؟
-
الدراسات -العلمية- للقرآن (خلاصات تركيبية)
-
حسن نصر الله: اغتيالُ الجَسدِ وتَحْريرُ الطّيْف
-
رسالتان للفيلسوفين كاريل كوزيك وجون بول سارتر
-
نقد جيل دولوز للفضاء العمومي
-
السفر إلى قلعة الرفاق (عن -سيرة شجرة البُطم- لمعاد الجحري)
-
كيف تستغل الصهيونية التوراة؟ مضامين التوراة وتدوينها
-
وداعا فيلسوف الامبراطورية والحشود: أنطونيو نيغري
-
جيلْ دولوزْ الفيلسوف المُعجبُ بالشعبِ الفلسْطينِي والمُعادِي
...
-
سيجموند فرويد والصهيونية
-
دروسُ غزّة مِن إدوارد سَعيد إلى مُحمد ضيفْ
-
طوفان الأقصى وبداية نهاية الصهيونية
-
المثقف المغربي والنقد الجذري - نصوص لحُسين أسْكوري من خلال ر
...
-
ميشال وِلبِك - كيفَ تَشكلَ موقفُ أشهر الروائيين الفرنسين الم
...
المزيد.....
-
توجيه تهم رشوة للملياردير الهندي غوتام أداني في نيويورك
-
نيوزيلندا تدرج -حزب الله- اللبناني و-أنصار الله- على قائمة ا
...
-
غارات إسرائيلية عنيفة استهدفت ضاحية بيروت فجرا (صور + فيديو)
...
-
التعب الطويل: إرهاق يستمر بعد الإصابة بالعدوى
-
ضبط لحوم حمير قبل اجتياحها أسواق ليبيا (صور)
-
صحيفة عبرية تحصي عدد العسكريين السوريين القتلى في الغارات ال
...
-
-الشيوخ الأمريكي- يبقي باب تسليح إسرائيل مفتوحا على مصراعيه
...
-
بدولار فقط.. قرية إيطالية تقدم عرضا مغريا للأمريكيين المنزعج
...
-
مباشر: الإعلان عن مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين في معارك لبنان
...
-
أنقرة تندد باستهداف الحوثيين سفينة تركية بالبحر الأحمر
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|