آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8167 - 2024 / 11 / 20 - 23:07
المحور:
قضايا ثقافية
هل اللذة حالة جذل، إبتهاج أم أنين وألم؟
إلى أيهما ينتمي الإنسان؟
ففي إنشغاله في الوصول إلى اللذة، هل يبتهج ويفرح في غيابه عن الوعي، أم يحزن؟
وهل الغياب عن الوعي هو امتثال، طمائنينة، أم لذة منفصلة عن الذات؟
مقص الرقيب الذي كنا نتحدث عنه، ونرجمه أو نبصق عليه ونشعر بالظلم من وجوده، انتقل بشكل سلس وسهل إلى الفيس بوك.
أصبح سكان الفيس بوك، الرقباء الطبيعيين الغيورين على التراث، على الدين أو المذهب أو القومية، يعدون أنفاس غيرهم، يراقبونهم فيما إذا فكر أحدهم أن يشذ عن الطريق الذي في ذهن هذا المريض أو ذاك.
أكتب بحذر شديد، لأننا ننتمي إلى مجتمع، وواقع استبدادي شديد القسوة، نرفض رفضًا قاطعًا للنقد، نرفض فضح عيوبنا، نرفض تعرية واقعنا الاجتماعي السياسي، التراث.
أحيانًا كثيرة كنت اتمنى لو أني ولدت في عائلة مسلمة، من أجل أكتب دون اتهام من هذا الطرف أو ذاك، أن أكتب بحرية.
المجتمع المأزوم يخاف على هروب أزمته منه، لهذا يتجنب معالجة عيوبه ونواقصه، يريد أن يبقى مسكونًا بالعيوب والأخطاء بعيدًا عن الأعلان عنهما.
الغرب عرى نفسه، هرش نفسه في كل مجالات الحياة عبر مئات السنين إلى أن وصل إلى مراحل متقدمة في أغلب مجالات الحياة.
لا زلنا نخاف على هويتنا القومية والدينية، نخاف العلمانية، نخاف الديمقراطية، نخاف الانفتاح على الآخر.
وفي الثورة كنا نريد استبدال سلطة بسلطة، هذا على مستوى الأحزاب الدينية والقومية واليسارية، ومع هذا لم نر أحدهم مما عاش التجربة نقدها أو حاول أن يفكك الأسباب الذي أدى إلى ما آل إليه الأمر.
نحن نكره نقد أنفسنا، نخاف من النقد، لأن بنيتنا النفسية والعقلية غير مهيأة للنقد أو تقبل غيرنا.
لأزم نكتب عن النجاحات والإيجابيات حتى لو كانت اخفاقات أو سلبيات قاتلة.
مأساتنا أننا غير متصالحين مع أي شيء ونكره الحديث عن ذلك.
لولا أرسطو، ترجمة الفلسفة الإغريقية إلى العربية، ماذا كان سيكون حال الثقافة في بلادنا؟
هل كان سيكون لدينا ابن رشد، ابن سينا، التوحيدي؟
قرأت قبل أيام أن تنظيم الأخوان المسلمين تنظيم لينيني.
أنا أتفق مع هذا الكلام.
في العام 1903 انقسم حزب العمال الديمقراطي الاشتراكي الروسي إلى حزب البلاشفة والمناشفة، الأقلية والأكثرية على اسس تنظيمية.
التنظيم الحديدي هو المدخل إلى الدكتاتورية على قاعدة الاستبداد.
اختار لينين التنظيم الحديدي، خضوع القاعدة للأقلية، للديمقراطية المركزية كما كان يقال، التي تقرر كل شيء.
استطاع لينين بهذا الحزب الحديدي أن يضبط قواعد الحزب والوصول إلى قمة السلطة، وبهذه القبضة حول روسيا إلى سجن، إلى ستار حديدي.
الأخوان المسلمين تنظيم حديدي مثل تنظيم لينين، البلاشفة، حلو محل دين محمد بن عبد الله، عوموا أنفسهم عليه على أنهم ممثلين للدين، وضربوا ولا يزالون يضربون بسيفه للوصول إلى السلطة والمال والمكانة.
لا رادع أخلاقي لهم، براغماتتين إلى نقي العظام مثل لينين تمامًا، الغاية تبرر الوسيلة.
هذا النوع من التنظيم خطير جدًا، وإذا وصلوا إلى السلطة سيدمرزن كل شيء جميل في الحياة، أولها بناء السجون، زج الناس في السجن على الشبه كما فعلت مختلفت الدكتاتوريات، اعتقال كل من يفكر على غير ما يريده الدكتاتور.
الإعلام العربي غير مهني، لا صدق ولا أمانة ولا مهنية في نقل الحقائق على الارض.
إعلام يتناسب مع هذا الوقت العاري من القيم والاخلاق والمبادئ.
على الناس أن يقلعوا شوكهم بيدهم.
الدول الديمقراطية خلعوا ثيابهم التي كانت تتغنى به، وبدأ الكذب والمحسبية والتراتبية تزداد انقساما، وبدأ المجتمع ينحدر على مختلف المجالات.
ما يحدث هو صناعة جديدة يتبناه النظام الدولي الجديد، تشويه ما يمكن تشويهه، والعمل على تفكيك الدول من داخلها وخارجها.
يبدو ستتم خصخصة الدولة في القادم من الايام، كأن يأتي أحدهم ويحول الدولة الى ملكية خاصة، يبيع فيها ويشتري
جوهر الوجود قائم على الحزن، الفرح حالة استثنائية لهذا يشعر الإنسان بوجوده في الحزن أكثر.
لم يسبق أن كتب أحدهم عن فلسفة الفرح أو تصالح معه.
إن الحياة شقاء أبدي، غربة طاغية طافحة تعبث بنا وترمينا هنا وهناك.
الفرح ظاهرة عابرة والحزن هو الأبقى.
إن الليل هو الخلود، أما الضوء والنور فهما حالة استثنائية.
كتبنا مرات كثيرة، لا يوجد جاهل في العالم كله.
الجهل اختيار.
الفساد اختيار، وبقية العملية السيكولوجية اختيار، كالانتهازية والكذب والارتزاق، والنصب والاحتيال والسرقة والاختلاس، كلها قرارات اختيارية.
مبررات الهروب من المواجهة اسوأ من الممارسة.
واسوأ شيء في الحياة، هي اليقينية، تمنح المرء جهلًا مستدامًا، وراحة نفسية مخادعة وكاذبة، تجعله مغيبًا، عاجزًا عن فهم نفسه وعالمه.
مفهوم الشرف جاء لتأكيد التراتبية الاجتماعية والانقسام الاجتماعي، لتمزيق العلاقات الإنسانية وتفتيتها.
الشرف مفهوم استعلائي، فوقي، جاء لإذلال الفئات الاجتماعية المغلوب على أمرها.
مفهوم الشرف يعني القوة، المكانة الاجتماعية العالية، القبض على المال والسلطة والمجد والبطولة.
أبطال الحروب كلهم شرفاء، لأن الحرب أقذر إنتاج بشري.
عقدة المظلومية، هل هو مرض نفسي أو متعة مازوخية؟
أليست المظلومية جلد للذات، اعلان العاجز عن عشقه لعجزه، والتبرأ من الفعل والعمل، وإعلان عن الهزيمة والاستسلام؟
لماذا التلذذ بالألم، والحاجة للشفقة والعطف والتكرم عليه من قبل الأخر، اقصد على المظلوم؟
اليس هذا تنازل عن إنسانية المرء والقبول بالاستعلاء عليه؟
عندما تشعر أنك مظلوم لن تنتج فكر أو بحث أو عمل جاد ومهم.
عليك أن تتحرر من هذا المرض حتى تستطيع أن تملك عقلًا، أن تكون إنسانًا طبيعيًا يفكر كإنسان طبيعي.
الجهل خيار شخصي، لديك كل الوسائل التي تجعلك تعرف وتتعلم. الإنسان يولد جاهلًا ثم يكتسب المعرفة من المحيط، وهذا المحيط هو الثقافة العامة والخاصة، هناك المدارس والمكتبات والجامعات والتلفزيون والراديو والسينما والفن والرواية. الوعي والمعرفة كمان خيار شخصي، أنت من يدير ظهره للمعرفة. الناس يميلون إلى الكسل والراحلة والاتكال. كل العوامل الموضوعية تسمح بالتغلب على الجهل.
دائما نضع الحق على الأخر، أنهم سبب النكبات التي ابتلينا بها، ونحرم على أنفسنا تحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية لما حدث ويحدث في أوطاننا.
من الذي صفق للدكتاتور في الشوارع، من غنى ودبك له، من قرأ له الأشعار، ولحن له الأغاني والأفراح واحتفل بأمجاده الوهمية والكاذبة.
من صفق لانقلاب حافظ الأسد وصدام حسين وعبد الناصر والقذافي، أليست الجماهير.
من الذي رقص على الدبابات الأمريكية أثناء دخولها العراق، وللجيش الإسرائيلي أثناء اجتياح بيروت؟ أليس الناس، ناسنا!
من الذي سرق الثورة السورية ونقل ملفها إلى الخارج، وعطل حركة الشارع، وأوقف المظاهرات، وحولها لعمل مسلح، أليس نحن كسوريين؟
أنا لا أقلل من شأن الخارج وتدخله في شؤون وطننا لتنفيذ أجندته، لكن علينا في المقابل أن نتحمل المسؤولية.
لماذا لا نقر أننا مشاركين في الفساد، وكل واحد في موقعه، ألم نرشي ونرتشي، ألم نساعد الطاغية في تحقيق مصالحه، من هو أنس الأزرق، غسان عبود، هادي البحرة، رياض نعسان آغا، رياض حجاب؟
أغلب المثقفين السوريين سابقًا ولاحقًا، وفي الغربة مرتزقة، يبيعون ضمائرهم الإنسانية مقابل المال السياسي.
إن تحمل المسؤولية عما جرى ويجري في بلادنا هو مفتاح الحل، هذه المسؤولية ستدفعنا في البحث عن الحلول.
في جلسة عادية في المدرسة، كنت برفقة عشرات العراقيين في المدينة السويدية التي أقيم فيها، أجمع الحضور على أن وجودهم على أرض السويد هي بأموال البترول العراقي المسروق، وليس منّا من أحد.
هذا العقل الاعوج هو العقل السائد في بلادنا، هو الذي يبقينا متخلفين، هو الذي جعل حافظ الأسد وبشار الأسد ونوري المالكي، والحشد الشعبي وحزب الله وغيرهم يتحكمون في أقدارنا.
بمعنى، نحن شركاء في الجريمة، في قتل بلادنا وأنفسنا. ومسؤولية خراب بلادنا هي مسؤوليتنا، لأن الخارج له مصلحة في تحقيق أجندته، لجني المكاسب.
عندما كنّا في السجن، لم يستطع إنسان واحد التضامن معنا بشكل علني، فالمشكلة عندنا أولاً وأخرًا
لا شك أن هناك حواجز وحدود بين الرجل والمرأة، ويزداد الأمر سوءً عندما يضع أحدهما عقبة، عقبات مختلفة أمام الأخر، ويقدم على حيل طويلة للإيقاع به.
هل هي متعة في الوصول إلى هدف ما، لذة في المراوغة، أو تسلية أو لعب على الحبال أو محاولة تأكيد تفوق ذات الأثنى على الرجل، أو الرجل على الأنثى؟
هل هي مازوخية أم سادية، أم عبث؟
ما الغاية من أدخال الكثيرة من الفنون السادية في العلاقة بينهما، كالعلاقة بين القط والفأر.
من منهما يريد أن يكون الضحية وإلى أين يريدان أن يصلا.
لماذا هناك إنعدام الثقة بينهما على طول الطريق، منذ أول وجودهما على الأرض، وعلى تماس مباشر مع بعضهما وإلى اليوم؟
هل هذا التوازي في العلاقة بينهما سيبقى هكذا، وإلى متى؟
أغلب دول العالم أصبحوا مجرد قطع شطرنج، قطع تبديل، أدوات لتمرير الأزمات بعد تفعيلها.
الناس والأوطان مجرد فضلات على المساحة الكاملة لرقعة الشطرنج العالمية، لها أذرع وقلب وأطراف ومركز.
في العام 2016 جرى صراع خفيف في منطقة كاراباخ، ثم توقف، وقتها توقعت أن ينتقل الصراع إلى هذه المنطقة ويستقر بدلًا من تفعيل داعش مرة بعد أخرى في فترة ترامب.
جاء ترامب، وغير مجرى الصراع مؤقتًا تحت يافطة محاربة الإرهاب والقضاء عليه، عطل داعش أو جمدها، وأعطى تركيا دورًا في العبث في أوروبا وشرق المتوسط، وتعزيز موقع روسيا من أجل تسيير حركية الصراع وانتقالاته السريعة من مكان إلى أخر.
صدقت كوندالايزا رايس أن روسيا دولة أقليمية طرفية
هذه الانتخابات الأمريكية هي محطة مؤقتة، استراحة، لاختيار خط ترامب أو بايدين؟
خط بايدن، بتقديري هو الأخطر والأخبث والأكثر استثمارًا وديمومة، والأطول مدة، أي تفعيل الصراع في منطقة القوقاز والجمهوريات السوفياتية إلاسلامية السابقة، لإشراك إيران كقوة فاعلة بعد دعمها وتحريرها من العقوبات، وإدخال السنة والشيعة في الصراع بقوة أكبر.
والقوقاز عمليًا منطقة ملتهبة، تحتاج إلى عود كبريت ليشتعل، وأذرع الصراع موجودة قائمة على ثلاث أرجل، خاصة بعد دخول روسيا في كاراباخ وتحييدها ومعها أرمينيا عن الصراع، ستعمل روسيا على تعزيز وجودها فيه، ليفتح الصراع على وسع. صراع سني شيعي عبثي ومهم لتدوير مصالح النظام الدولي، ليكون قوة استثمار عالمي.
مثلث أقليمي هائل، روسيا تركيا إيران، ارتذوكس سنة شيعة، مخلفات الماضي دينيًا قوميًا طائفيًا، دول وشعوب لديها قابلية، شهوة القتل والموت، لتفعيل الأزمات، أزمتها مع ذاتها ومع جوارها.
سنكون على موعد مع العجوز بايدن، والخبث الذي يقوده الديمقراطيين، ولا ضير من إشراك الخليج وأفغانستان وباكستان والذهاب بعيدًا إلى بنغلاديش والهند والسند وصولًا إلى الصين.
نعود للقول أن الرأسمالية ليس نمط إنتاج إنساني إلا في شكله الخارجي فحسب، ففي داخله نزوع هائل نحو التوحش والقتل والتخريب والانتحار الذاتي.
في البيان الشيوعي الذي صدر في العام 1848، يلفت ماركس وإنجلس إلى ظاهرة" العولمة " أو سيادة نمط الإنتاج الرأسمالي على نطاق عالمي بهذا التوضيح:
إن البورجوازية ستغزو الكرة الأرضية بأسرها بدافع الحاجة الدائمة إلى أسواق جديدة. فينبغي لها أن تدخل وتتغلغل في كل مكان، وتوطد دعائمها في كل مكان، وتخلق وسائل للمواصلات في كل مكان، وباستثمار السوق العالمية، تصبغ البورجوازية الإنتاج والاستهلاك في كل الأقطار بصبغة كونية.
وتنزع من الصناعة أساسها الوطني المحلي.
فتنقرض الصناعات العتيقة أو تصبح علي وشك الانقراض وتخلي مكانها لصناعات جديدة، يصبح إدخالها وتعميمها مسألة حيوية لكل الأمم المتمدنة.
الإنسان خلق الإله من أجل أن ينصب نفسه إلهًا في الظل.
لم يخلق الإله ليعبده وأنما ليعبد.
إن عشق الذات مرض خطير، ملوث للقلب والعقل والضمير، منتج لقيم الانحطاط والدونية والاستعلاء الفارغ.
الشوق المهجور الذي يلاحق الرجل، يدفعه لنحت المرأة بأجمل تكوين لتصبح مطابقة لتصوراته وعشقه ورغبته في تجسيدها بأجمل تكوين ممكن.
إنها مخلوقة، بيد أنه يضفي عليها زينة من ذاته.
في روايته “في الأرض- المسرة”، يمزج آرام كرابيت التاريخ بالواقعي، ويستعير من التّاريخ التركيّ، حادثة الإبادة التي تعرّض لها الأرمن كتجربة حقيقيّة، ويسقطها على المجتمعات الإنسانيّة في علاقة السّلطة بالمجتمع، والنضال ضدّ العنصرية. عن وجه الشبه بين التاريخ العثماني الأسود، والتاريخ الذي يكتب الآن على أيدي الأنظمة الطغيانية، والجماعات التكفيرية، وكأنهما تاريخان مكتوبان بحبر واحد، حبر النفي والإبادة والاقتلاع من الأرض والهوية، يقول محدثنا:
ــ «الهزائم المتتالية للسلطة العثمانية في البلقان، على جبهات القتال، مركزية السلطة والتفافها وتمركزها حول الحاكم، وعدم قدرتها على إقامة نظام تعدّدي مؤسساتي أبرز مميزات الدولة العثمانية التي كتبت عنها، أضيف إلى ذلك الخوف الوجودي للأتراك، الذي دفعهم إلى حل الأزمة السياسية المتفاقمة داخلها بالعنف، وتصفية جسدية كاملة للقومية الأرمنية، وإبادتها».
عن مفردات تتكرّر في كتاباته، ويمكن لأيّ قارئ أن يلحظ ذلك (الأرض، الخابور، الفرات) وعن مردّ ذلك، يضيف قائلا:
«أقسى غربة في الوجود، هي غربة السجن. فيه تضيع ملامح الإنسان، صورته القديمة، صوته القديم. يضيع بريق وجهه الجميل، ولا يتشكل أيّ جديد، ولهذا يبقى هائما، ضائعا. لا يمكن نقل الأرض أو النهر أو الشجر، إنهم أبناء التكوين، أبناء الأزل، ومن يقامر عليهما يضيع. والخابور جزء من التكوين، ومن الحياة، جزء من الوجود عامة. الخابور والأرض والمرأة، ملجأي في السجين. والبشر الهاربين من الظلم. إنه نوع من التماسك، شبهته بالطفل الصغير، الذي ولد مع ولادة الزمن والمكان».
في كتابات آرام كرابيت بصورة عامة نفحة مدنية واضحة، وبالنظر إلى ما بقي من الربيع العربي وكيف يرى أثر الدين على الحراك الجماهيري، ولا سيما أن الصلوات والخطب الدينية كانت تقام في كل ساحات ذلك الربيع، وهل من علاقة بين ذلك وبين ما وصلنا إليه ممّا يسمى تنظيم داعش الإرهابي أم أنه يرى المسألة بطريقة أخرى يقول الكاتب:
ـ «ما حدث هو مسؤولية السلطة الأمنية، التي لا تعرف, ولم تطرح أي حل سياسي. عملياً هي عاجزة بنيويا عن طرح حل. الأنظمة الهرمية ولدت هرمية ولا تستطيع التأسيس لبنية أخرى أو تقبل أن تصبح بنية أفقية. لقد فرّغت السلطة الاستبدادية المجتمع من القوى الحية. ومن المجتمع المدني. وشجع القوى الدينية المنطوية تحت جناحيه. نزل الناس إلى الشارع سلميا، لأشهر طويلة. لو كان لدينا نظام سياسي حيوي ونشط لالتقط اللحظة التاريخية ونقل المجتمع إلى الأمام، وحل الأزمة السياسية سياسيا، وفوّت على هذه التنظيمات المأجورة كداعش وغيرها ما تفعله اليوم. هذه التنظيمات تعمل تحت إشراف السلطات العالمية. شاركت في صناعتها أكثر من دولة، وأولها الولايات المتحدة. لقد رصدت الولايات المتحدة مليارات الدولارات للبرامج الدينية، ونشر أسوأ ما فيه من قصص وحكايات، لتعيد مجتمعاتنا إلى العصور المغرقة في القدم. أعتقد أن هذا التطرف صناعة مقصودة».
صراع طويل
عن تجربة اعتقاله، وفي مقارنتها بما يجري من اعتقالات اليوم، وعمّا أخذه وما أضافه إليه السجن، إذ قضى ثلاثة عشر سنة في زنزانة، يقول آرام كرابيت:
ـ «في سجن تدمر عرفت السلطة وقسوتها، هناك رأيت الوحشية، إنه تدمير ممنهج للوجود الإنساني. تنكشف في هذا المكان قدرة الجلاد على ترويض الذات الإنسانية، وإعادة إنتاجها من جديد وفق شروط السلطة. ما نراه اليوم في سوريا هو صورة مصغرة عن سجن تدمر، وأعتقد أن ما مارسته السلطة من قمع وحشي في بداية الثمانينات لا يختلف عمّا يجري الآن من تعذيب، قتل ممنهج، وتصفية جسدية، خاصة للإخوان المسلمين والبعث القومي. السلطة السورية تعتبر وجودها في السلطة مرادفا لوجودها في الحياة، قاتلا أو مقتولا، لا خيار ثالث. لهذا تنظر إلى كل من يعارضها كعدوّ محتمل، وجب قتله أو تصفيته».إبادة الأرمن والطغيان في سوريا تاريخان مكتوبان بحبر واحد
يضيف الكاتب:
ـ «ثلاثة عشر عاما في السجن، جعلت مني إنسانا آخر. لقد مات الحلم والحزن والفرح في داخلي. أصبحت غريبا، مهجور الروح والذات. لقد خرجت دون حلم».
وهو في السجن، رفض آرام أن يوقع على تعهد، يختصر مدة سجنه ويرجعه إلى الحياة، حياة عادية خالية من أي نشاط سياسي، وبرفضه ذاك مكث في السجن 13 عاما، لذلك طرحنا عليه فرضية عودة الحياة به إلى الوراء، وهل كنت وقعت على تلك الأوراق، ويعود إلى حياته، وإن كان الندم قد تمكن منه على تلك السنوات التي ضاعت من حياته، والتي كان يمكنه أن يستردها بجرة قلم. يقول آرام:
ـ «لا أشعر بالندم على الإطلاق، كانت تجربة أليمة وقاسية للغاية، بيد أني أعتبرها جزءا من حياتي، من تاريخ بلدنا. خضتها بحلوها ومرّها. إنها سوريا، خلاصة ثقافتها، تجربة أبنائها، رفضهم الظلم والاستبداد والقهر. إنه وعي بالواقع والضرورة، ويجب تغييره نحو عالم الحرية. إنه صراع طويل ومستمرّ.
وعن تجربته الطويلة، وبعد كل ما عاينه من أحداث، لا سيما في السنوات الأربع الأخيرة، عن نظرته إلى مفهوم الوطن والهوية، اعتبارا لما يجري على الساحة العربية عموما والسورية على وجه التحديد، يقول الكاتب:
ـ «أضحى الوطن جزءا من المنظومة الدولية تديرها الدول المركزية تحاول إعادة تشكيله على مقاسها.
إن تلك الدول مهيمنة على التقسيم الدولي للعمل. لم يعد بمقدور الدول الصغيرة والكبيرة الحفاظ على الهوية في ظل النظام الرأسمالي في صيغته الجديدة، العولمة. هناك فارق كبير بين مفهوم الحرية كفضاء شامل، ومفهوم الديمقراطية كفاعل سياسي. نحن ننشد الديمقراطية السياسية في بلدنا، تداول السلطة ودستورا فاعلا، بيد أنه يصطدم بقوى دولية لا تقبل ذلك».
آرام الذي فقد المرأة في سنوات حياته، لا سيما أنه تزوج وانفصل بعد سنوات قليلة عن زوجته، فهل عطلت سنوات السجن الطويلة علاقته بالجنس الأنثوي، حتى صار بمقدوره أن يعيش دون امرأة.
يقول: «المرأة هي الحلم، جزء من تكوين الرجل. ولا يمكن أن تغيب عن ذهنه وذاكرته. يخلقها السجين في أجمل وأبهى صورة، ولا يمكن للواقع أن ينتج أي امرأة كما ينتجه الخيال في المكان المعزول. هذا الخيال، يجعل الواقع حلما، يحلق معه السجين طوال حياته. يتحوّل إلى طائر منفصل عن الواقع».
الحرب على الإرهاب هو ايديولوجية, استراتيجية, تم تبنيه من قبل الولايات المتحدة كزعيمة للنظام الدولي أوالرأسمالي. وإنها تمارسه بحرفية عالية على الصعيد الدولي, لإن ذلك ضرورة وجودية للنظام برمته, لتمرير مصالحه وامتصاص تناقضاته وأزماته.
هذه الاستراتيجية ستبقى وتستمر ولا بديل عن ذلك, لإطالة عمر النظام من الانهيار والتفسخ.
إن ايديولوجية الحرب على الإرهاب هي مسألة حياة أو موت النظام.
وداعًا يا نهر الخابور ـ 6 ـ
الحقيقة شفقت على سمير, لان مكانه ليس في هذه المؤسسة القذرة. تطوع في الشرطة فأخذوه إلى هذا المكان أو الموقع. وربما عمل واسطة ليدخل إلى هذا المكان, فلقاء واحد ليس مؤشراً على معرفة التكوين النفسي لإنسان عاش في ظل نظام وسخ, ورئيس نظام متفسخ, عمل على تدمير الدولة والمجتمع بشكل ممنهج, وحول سورية إلى مصح كبير مثل عقله الملتوي.
دخلت إلى غرفة العقيد في مبنى الأمن السياسي في الحسكة. بعد أن دخلت, رحب بي. كان به خفة. وربما ضحك في سره من شكلي, وزني بحدود الأربعين كيلو غرام, ووجه ذابل, ومتعب, روبما كان سعيدا أن نظامه يدمر معارضيه, ويحولهم إلى مجرد هياكل عظمية.
كنت أرغب في قرارة نفسي أن أذلهم في عقر دارهم. لم يكن هناك أي شيء أخاف منه. لقد خسرت عمري وشبابي, ولن يصفوني, وإذا صفوني لا يهمني. كنت مصمماً, أن ألعب معهم وعليهم, وعلى عقولهم الصغيرة.
قال لي:
ـ تفضل.
جلست على كرسي في مواجهته. تحدثنا عن سجن تدمر, أساليب التعذيب, عن حياتي بعد السجن, وعدم قدرتي على معرفة ما حدث ويحدث للبلد, ثم تطرقنا للحديث عن الاعتقال, وأسلوبه والضباط الذين حققوا معي, ذكرت علي محسن, قال:
ـ إنه رئيس الفرع, قلت له:
ـ إنني أعرفه, حقق معي قبل ثلاثة عشرة عاماً, وقتها كان برتبة رائد. ابتسم قال:
ـ إذا رأيته هل تعرفه؟
ـ ممكن.
من خلال الحديث معه شعرت أني أمام بغل حقيقي, لا يفقه أي شيء. أعرف, إن الضباط في هذه الأجهزة مرنين جدًا يتحركون تبعًا لقدرة القادم إليهم. تحدث معي كما تحدث الملازم أول سمير, أن البلد في حالة تغير ونريد من الجميع المساهمة في تدعيم هذا التغيير. قلت في نفسي:
ـ المسطرة ذاتها, العقل واحد. يتحركون عبر التلقين. لا يعرفون غير هذا هذا الكلام الفراغ. إن النظام الأوامري هو هو. قلت له:
ـ أنت تتحدث مثل سمير, الذي استقبلني قبل قليل برفقة المساعد أول, أن هناك تغيير كبير, قلت له وأقول لك الأن, البلد على كف عفريت, بحاجة إلى انفراج سياسي حقيقي. المجتمع مشحون بكل أنواع الكبت, لا تقل لي أن هناك تغيير, وتريدون الناس, المجتمع كله يعطيكم الولاء عبر أجهزتكم, هذا لن يحل مشكلة. إذا انفجر هذا البلد لن تذهبوا وحدكم, ستأخذونا معكم. سنذهب جميعًا إلى الهاوية. راح يضحك بشكل هستيري, لا أعرف إن كان يسخر أم يضحك أم كان خائفًا. رفع السماعة, قال:
ـ سيدي لدي سجين قادم من تدمر, يقول أنه يعرفك وحققت معه عندما كنت رائدًا, هل أرسله لك؟
أطبق على السماعة, ونفش ريشه كأنه حقق إنجازًا عبر حديثه مع معلمه, قال:
ـ سيادة العميد يريد أن يلتقي بك.
جاء الملازم أول سمير بلطفه المعهود وسار بي إلى غرفة رئيس الفرع, بمجرد أن فتح الباب وقف العميد من وراء مكتبه, وجاء إلي, وسلم علي وقبلني ورحب بي بطريتهم التمثيلية المعهودة. قال لي:
ـ الحمد لله على السلامة, كيفك؟
ـ الحمد لله بخير. كيفك أنت؟
ـ بخير. أين قضيت سجنك؟
ـ في سجن عدرا وتدمر. أضفت, قلت له, تغيرت كثيرًا, شعرك أصبح أبيض اللون, كنت شابًا, أصبحت كهلًا؟ قال:
ـ وأنت تغيرت كثيرًا. قلت:
ـ كلانا تغير كثيرًا, كل واحدة في موقعه.
ـ لا تفلسف الأمور, وتبطن الكلام. تفضل أجلس.
عاد إلى مقعده الوثير وطاولته الكبيرة. كانت الغرفة الكبيرة ديوانًا كبيرًا غاصًا بعدد كبير من الضيوف, قضاة, مدراء دوائر, نساء, والقهوة المرة والحلوة تدور بينهم عبر حاجب الأمير. قدمني لضيوفه, قال لهم بفخر, إنه اعتقلني, وحقق معي في فرع القامشلي, وإنني خرجت من السجن قبل بضعة أيام, بعد سجن ثلاثة عشرة عامًا.
جلست بينهم, بيد أني كنت غائبا عنهم. أحاديثهم فارغة, تافهة, عن المال والتجارة. إحدى النسوة تكلمت كلاما غريبًا, أن العميد سرق منها عشرة ملايين ليرة, وأن هناك عاهرة قامت بذلك, بابتزازها. تطور الحديث بينها وبينه, هو ينفي وهي تؤكد. لم أكن استطيع الاصغاء, كنت متعبا, الأصوات العالية كانت تسبب لي ضغطا نفسيا وجسديا, لأننا في سجن تدمر عشنا عزلة قاتلة, لم نسمع أي صوت, ولم يكن مسموح لنا بالحديث بالصوت الطبيعي, كما كنت أتكلم بصعوبة بالغة لأن الحبال الصوتية لدي كانت قد تهدلت ولم يكن بالأمكان إعادتها إلى طبيعتها في فترة زمنية قصيرة. أصبت بالصداع والتعب من كل ما دار حولي. أحاديث سخيفة, ناس أسخف. كنت بينهم كالكريم على مائدة اللئام, أسمع مواضيع تافهة لا علاقة لي بها, ولا تعنيني. بقيت في مكاني مجبرًا أن ينتهي الأمر وأعود للبيت. قلت للعميد علي محسن بعد ساعتين من الجلوس بينهم ولا أعرف لماذا أبقاني:
ـ سأذهب إلى البيت, أنا متعب ولا أستطيع أن أبقى هنا. قال:
ـ حسنًا, أذهب الأن, سنستدعيك مرة ثانية.
خرجت من المبغى, خجلا من نفسي وزمني وبلدي ووطني, وخنوع شعبي وصمته وانفصاله عن واقعه وزمانه, يجتر ذاته كل ثانية. لقد تصالح مع الذل والخراب, وأضحى منتجًا لها بعد ان تحولت إلى ثقافة يمارسها يومياً, أصبح جزءًا لا يتجزء, بله فاعلًا كبيرًا في إنتاج الفساد وممارسته, تحول إلى جزء منه.
عدت إلى البيت, والحزن يأكل لحمي وعظامي من هذا الواقع المقرف. نظام حريص على بقاءه على جثة المجتمع, نظام احتلال, اسوأ احتلال مر على التاريخ, يمارس ساديته على المجتمع, يتفنن في تعذيبه, تخريب كل ما يقع في طريقه.
على جميع شعوب العالم أن يتعلموا فن إدارة الدولة من السويديين. احترام المواطن, وإنسانية الإنسان. الدقة في العمل, الاستجابة لطلبات المواطنين بسرعة, حل اغلب مشاكلهم عبر الهاتف. لا تترك مغبون في البلد
واستقبلوا الكثير من المهاجرين من دول العالم, فلندا, ايطاليا, اليونان, الشرق الأوسط, أفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية. باختصار من جميع انحاء العالم ولم تمنن أي إنسان بأي شيء. وتحتوي الجميع وتقدم له يد العون, دون بعد ايديولوجي ديني أو قومي.
لا يركض السويدي وراء تأكيد هويته المشروخة أو قوميته المستباحة. إنه يعمل بصمت ويقدم بصمت.
وعندما تزور دائرة الهجرة وترى عشرات الآلاف من الناس قطعوا الحدود ليصلوا إليها, تدرك حجم الحمل الذي يحمله هذا الشعب الرائع والكريم.
والمشكلة أن الكثير من الذين جاؤوا إلى هنا, هم من أصحاب اليافطات الايدلولوجية, القومية والدينية. لا يريدون أن يتعلموا أي شيء من تجربة هذا البلد.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟