|
استغلال الكوارث من قِبَل المخابرات الأمريكية وشركاتها
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8167 - 2024 / 11 / 20 - 14:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، استغلت الولايات المتحدة تدمير قارة أوروبا – ساهم الجيش الأمريكي في تدمير مُدُن الحُلَفاء – للهيمنة عليها باسم "إعادة الإعمار" الذي أشرفت عليه الحكومة والإستخبارات والشركات الأمريكية من خلال "مشروع مارشال" وأسطورة "المُساعدات المالية الأمريكية"، ومن خلال الهيمنة العسكرية بواسطة حلف شمال الأطلسي والهيمنة الفكرية والثقافية من خلال مدرسة شيكاغو ومدرسة فرانكفورت ودعوة المُفَكّرين الأوروبيين إلى مؤتمر بالتيمور، ولم تنتهِ هذه الهيمنة بانهيار الإتحاد السوفييتي بل توسعت الهيمنة الأمريكية، مباشرةً ومن خلال حلف شمال الأطلسي، وزاد الضّغط والهيمنة على السلطات السياسية وعلى المجتمعات في أوروبا، وتورد الفقرات الموالية بعض أمثلة الهيمنة الأمريكية، بواسطة الشركات التي أنشأتْها وكالة الإستخبارات المركزية، أي الحكومة الأمريكية، والتي تستحوذ على حجم ضخم من البيانات والمعلومات بشأن المُقيمين في أوروبا وتُهيْمن اقتصاديا من خلال إدارة مشاريع الإعلامية وجَمْع وتخزين واستغلال هذه البيانات، ومن خلال مشاريع البُنية التحتية والطاقة وإعادة إعمار المناطق المنكوبة، كما يحدث في مدينة فالنسيا بإسبانيا حاليا، مما يُذكّرنا بما حدث في نيو أوليانز سنة 2006، كما تُشير الفقرة الختامية إلى اندماج التكنولوجيا بالإيديولوجيا "المُحافظة" والصّهيونية التي يُجسّدها "بيتر ثيل" مُستشار حكومة ترامب لتكنولوجيا المعلومات.
ستقوم شركة "بالانتير" الأمريكية العابرة للقارات - Palantir – وهي واجهة تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، يُديرها بيتر ثيل، مستشار تكنولوجيا المعلومات لحكومة ترامب، بإدارة الأموال المتبرع بها لإعادة إعمار مدينة فالنسيا الإسبانية التي تضرّرت وتضرّر سُكّانها من الفيضانات، وذلك بالتعاون مع شركة Yurest Solutions المحلية التي قامت بتطوير برنامج (Generalitat Valentinena ) الذي سوف يتم استخدامه لإدارة التّبرّعات التي يتم جَمْعُها من خلال بوابة "Som Solidaritat" وسوف تختار الشركة 12 مهندسا متطوعا للإشراف على جمع وتنظيم استقبال المواد الغذائية والمواد والخدمات.
تقوم شركة (Palantir ) التي بتطوير برمجيات تجمع كميات هائلة من البيانات تشمل بصمات الأصابع وسجلات الإتصالات الهاتفية وصور الأقمار الصناعية والسجلات المصرفية واتصالات الشبكات الاجتماعية والتعرف على الوجه، وما إلى ذلك، ودخلت في شراكة مع ( Gemelli Real World Data ) لمتابعة "الحلول البحثية في الطب الرقمي"، وللتذكير فإن شركة (Palantir ) هي المقاول الرئيسي لوكالات الدفاع الأمريكية فيما يتعلق بالحلول الحاسوبية والذكاء الاصطناعي، وتمكّنت من ترسيخ وجودها في أوروبا، بتواطؤ من الحكومات ومن سُلُطات الإتحاد الأوروبي ( التي تُمثل الحكومات) وأصبحت تتمتع بموقع مُهيمن في قطاع الخدمات الصحية في إيطاليا، خصوصًا منذ سيطرة اليمين المتطرف على السّلطة برئاسة جورجيا ميلوني، وتُدير مستشفى Gemelli ثاني أكبر مستشفى في إيطاليا، وأحد أكبر المستشفيات الخاصة في أوروبا، وتمكّنت بذلك من جَمْعِ كمِّيّة كبيرة من البيانات عن المرضى الإيطاليين، بعد أن استحوذت منذ سنة 2022، على بَنْك البيانات التابع لهيئة الخدمات الصّحّيّة البريطانية، وكذلك عن سكان مدينة فالنسيا الإسبانية، وسبق أن قدّمت منظمة العفو الدولية شكوى ضد هذه الشركة التي تُفاوض حاليا حكومة حزب العمال البريطاني برئاسة كير ستارمر لتُشرف على بنك بيانات السجون في بريطانيا وإنشاء قاعدة بيانات أخرى "للوقاية من عودة السجناء السابقين إلى الإجرام".
كان بيتر ثيل الذي يُدِير شركة بالانتير (Palantir ) من أوائل المستثمرين في منصة فيسبوك وأحد مُؤسِّسي "باي بال" ( PayPal ) وشارك في إنشاء يوتوب وشبكة لنكدين وتطبيق يلب (Yelp ) وتم إنشاء جميع هذه الشركات وأمثالها من قِبَلِ نفس الأشخاص الذين تربطهم علاقات مهنية وشخصية وطموحات مُشتركة.
لم يكن اختيار إسم "بالانتير" من قبيل الصدفة، فهي صورة "العَيْن التي ترى كلّ شيء" في روايات "جي آر آر تولكين"، مؤلف كتاب "سيد الخواتم"، و"العَيْن" هي تلك الكُرَة البلورية التي تجعل تلك المرأة العجوز – في الرواية - قادةً على التنبؤ بالمستقبل، وأنشأ بيتر ثيل شركة Palantir بأموال من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بواسطة بوابتها ( In-Q-Tel ) لتيْسير تنفيذ قرارات الحكومة الأمريكية وخصوصًا "قانون السحابة" (قانون توضيح الاستخدام القانوني في الخارج للبيانات) الذي يتطلب من الشركات الأمريكية تقديم تقارير إلى الحكومة عن المعلومات التي حصلت عليها، ولو من خارج البلاد، وتعمل شركة Palantir مع المصارف والاحتكارات الكبرى ومتعدّدة الجنسيات وشركات التأمين، فضلا عن المؤسسات العامة، داخل الولايات المتحدة وخارجها، مثل إدارة الضرائب أو القضاء أو الضمان الاجتماعي وأجهزة الشّرطة في الولايات...
نَشَر بيتر ثيل كتابًا سنة 2015 بعنوان "من صفر إلى واحد" لإعطاء الانطباع بأنه يدور حول المنطق الثنائي، بعنوان فرعي: "كيف نخترع المستقبل"، ويدّعي تعليم القارئ كيفية إنشاء شركة ناجحة تجعل صاحبها رائد أعمال ناجح في الحياة، بمجرّد تطبيق تعليمات بيتر ثيل، الذي يُخْفِي ارتباطَهُ بوكالة الإستخبارات الأمريكية، ولا تَدّعي وكالة المخابرات المركزية وغيرها من المنظمات المماثلة، معرفة المستقبل فحسب، بل تصمم أيضًا حياتنا المستقبلية...
يجُرّ الحديث عن شركة "بالانتير" والمُشرف عليها "بيتر ثيل" المُقَرّب من دونالد ترامب ومُستشار تكنولوجيا المعلومات لحكومتِهِ، إلى استراتيجية وكالة الإستخبارات الأمريكية وسيطرتها على بيانات مواطني أوروبا – بتواطؤ من سلطات الدّول الأوروبية والإتحاد الأوروبي – حيث أنْشَأت والوكالة شركات الكمبيوتر وتعاقدت معها من الباطن، لملء الفراغ الذي تركته الدّولة والقطاع العام، منذ تطبيق برامج خصخصة الخدمات العامة، وأصبحت المعلومات وبيانات المواطنين بِضاعَةً تُباع وتُشْتَرَى، وأصبحت وكالة المخابرات المركزية مركزا متقدما في التعاقد من الباطن على جميع أنواع مهام التجسس، وأنشأت شركات فَرْعِية تابعة لها لِاحتكار جَمْع وتَخْزِين المعلومات وتطوير التكنولوجية القادرة على مُعالجة حجم ضخم من البيانات والمعلومات، وخصوصًا بيانات "المصَادر المفتوحة" المنشورة في صفحات ومنصات ومواقع الشّبكة الإلكترونية...
عندما تنسحب الدولة والقطاع العام من أي قطاع، أو يتم تدمير جهاز الدّولة، كما حَصَل في ليبيا والعراق وأفغانستان، يتولى القطاع الخاص والمنظمات "غير الحكومية" المسؤولية، بإشراف جهاز قَوي مثل الجيش (جيش الإحتلال الأمريكي أو الأطلسي) أو الإستخبارات الإشراف على "الفَوْضى" المُتَعَمَّدة (الفوضى الخَلاّقة وفق إدارة بوش الإبن ووزيرة خارجيته كوندزوليسا رايس) باسم "إعادة الإعمار" و "عودة الحياة الطبيعية" من خلال إعادة إنشاء شبكة مياه الشرب أو الكهرباء، وهنا يأتي دَوْر الشّركات التي أنشأتها وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية، وكذلك المنظمات "غير الحكومية" التي لا يمكنها العمل سوى بعد الحصول على ترخيص من جيش الإحتلال أو من سُلُطات البلاد المُتضرّرة، وتستغل الشركات العابرة للقارات (ومن بينها شركات وكالة المخابرات الأمريكية) الوضع الإستثنائي (تدمير البُنى التحتية وارتفاع عدد القتلى والمصابين والمفقودين) للحصول على عقود بدون مناقصة أو "عطاءات"، كما حدث بعد إعصار كاترينا في نيو أورليانز سنة 2006، وهو ما يحدث حاليا في إسبانيا، حيث تُشكل العواصف والفيضانات التي أصابت سُكّان مدينة فالنسيا وبعض المناطق المَنْكُوبة الأخرى فُرصة لنَهب المال العام من خلال عمليات "إحصاء الأضْرار" و "إعادة الإعمار"...
قد يرتفع حجم هذا الإبتزاز بعد التنصيب الرّسمي لدونالد ترامب (كانون الثاني/يناير 2025) وفريقه الحكومي الذي يَضُمّ كَواسِرَ مثل إيلون ماسك وبيتر ثيل اللّذَيْن يُمثّلان نموذج الهيمنة الأمريكية بواسطة التّكنولوجيا، ويُمثّلان – خصوصًا بيتر ثيل - نموذج الإلتزام بالعقيدة الصّهيونية وبدعم الكيان الصهيوني بلا قَيْد أو شَرْط، وأشْرف ثيل طيلة السنوات الماضية – من خلال شركة "بالانتير" - على تحسين أداء المُجَمّع الصّناعي العسكري الأمريكي، وأجهزة الإستخبارات الأمريكية والصّهيونية بتقنيات المراقبة والإتصالات ومُعالجة المعلومات والبيانات، ويستخدم الكيان الصهيوني تقنيات وتطبيقان "بلانتير" لمراقبة وطَرْد واغتيال الفلسطينيين، كما تستخدم العديد من حكومات دول العالم هذه التقنيات لنظام المراقبة الرقمية التي يتم تسويقها وبَيْعُها ك"أداة دفاعية".
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدّيمقراطية الأوروبية في الغِرْبال الفلسطيني
-
الإتحاد الأوروبي مدرسة فساد
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثّامِن والتّسعون، بتاريخ الس
...
-
إيطاليا – خلفيات قوانين الهجرة واللُّجُوء
-
صناديق الإستثمار المفترسة
-
مُناورات -فينكس إكسبرس 24- والعلاقات العسكرية التونسية - الأ
...
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّابع والتّسعون، بتاريخ التا
...
-
المال عَصَب الإنتخابات الأمريكية والحروب العدوانية
-
آفاق مسرحية الإنتخابات الأمريكية
-
الولايات المتحدة قُبَيْل الإنتخابات
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّادس والتّسعون، بتاريخ الثا
...
-
تمويل ودَعْم العدوان الصّهيوني
-
ثقافة: ستيوارت هول – بين الماركسية و-ما بعد الإستعمار-
-
الأُفُق المحدود لمجموعة بريكس
-
فرنسا/المغرب، نموذج التبادل غير المتكافئ
-
التكنولوجيا والإيديولوجيا
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الخامس والتّسعون، بتاريخ السّا
...
-
هيمنة الإيديولوجية الإمبريالية في -الغرب الإستعماري-
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الرّابع والتّسعون، بتاريخ التا
...
-
جهاز الدّولة الرأسمالية في خدمة الأثرياء
المزيد.....
-
وسط تصاعد العنف والتهديدات... أطباء بلا حدود تعلق عملياتها ف
...
-
جنوب لبنان.. معارك بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله في الخيام
...
-
-مؤامرة التسميم-: الكشف عن تفاصيل خطة اغتيال الرئيس البرازيل
...
-
ممثل أمريكي يرفض الترويج لـ-ستاربكس- خلال حدث برعايتها (فيدي
...
-
-بلومبرغ-: ترامب قد يبدأ المفاوضات مع روسيا مع الأخذ في الاع
...
-
هوكستين: لن أتحدث علنا عن نتيجة المفاوضات وسأتوجه إلى إسرائي
...
-
مدير مشفى كمال عدوان: نناشد العالم نعاني من حصار مطبق والمشه
...
-
الروس على رأس القائمة.. ارتفاع عدد السياح في مصر
-
ضربة صاروخية تستهدف فرقة تكتيكية للقوات الأوكرانية في مقاطعة
...
-
الدفاع الروسية: تصفية مجموعة قوات أوكرانية محاصرة في كورسك
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|