أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آرام كربيت - هواجس تاريخية ــ 353 ــ















المزيد.....



هواجس تاريخية ــ 353 ــ


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 8167 - 2024 / 11 / 20 - 00:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يتبادر إلى الذهن هذا السؤال:
ماذا لو قبل المهاجرون باقتراح سعد بن عبادة في سقيفة بن ساعدة هذا الاقتراح:
ـ منكم أمير ومنّا أمير؟
هل كان الإسلام سيستمر مازومًا إلى يومنا هذا؟
ولو قبلوا بالاقتراح الثاني:
ـ منكم أمير ومنّا وزير؟
ولماذا قبل ابو بكر الصديق الاقتراح الثاني، ورفضه عمر بن الخطاب رفضًا قاطعًا. ولماذا قدم استقالته من المنصب الذي جاءه بإلحاح وضغط من عمر ثم رضخ له؟
ماذا كان في ذهن ابو بكر برفضه المنصب؟
يبدو أن عمر بن الخطاب هو الذي قاد هذه الدولة الناشئة الفتية إلى أخذ المسار الأحادي للسلطة، أي، أن تحكم قريش والمهاجرون مدة ستمائة عام، وتهميش الانصار وتجريدهم من أي منصب أو منفعة عامة.
الا يحق لنا محاكمة عمر بن الخطاب محاكمة تاريخية، لتسببه بإيصال هذه الدولة إلى الملك العضود؟
لماذا قتل سعد بن عبادة، هذا الرجل الذي وقف إلى جانب محمد والإسلام ودعمهما ليقفا على قدميهما، وتحدى قومه باستضافة الرسول في المدينة؟
هل تم سلق السلطة بسرعة، وكأنها غنيمة حرب أو سطو مسلح على بنك مخافة أن تذهب إلى غيرهم؟
كان هناك بوادر حوار ونقاش في السقيفة، وكان من الممكن أن يتطور ليأخذ مسار أخر أو نتائج تخفف أزمة غياب المؤسس، والبدء بتكريس واقع اجتماعي سياسي مختلف عما آلت إليه الأمور كما وصلتنا أو كما نعرفها.
هي اسئلة ما زالت مستمرة ومطروحة بقوة.
سقيفة بني ساعدة لو قدر له النجاح كانت ستكون هو المدخل إلى الحداثة والديمقراطية.
كان سيفضي الطرح، ربما إلى تداول السلطة، وإدارتها بالانتخابات الذي كان سيناسب ذلك العصر كمقدمة أولى للدخول إلى العصر.
إن انتصار تيار أبو بكر وعمر بن الخطاب، عطل السياق التاريخي للمنطقة.
سيقول البعض أن ما أرساه الرسول هو الطريق الذي كان هو الطريق الذي سار عليه ابو بكر وعمر، نقول هذا المسار رأيناه، وعاشته المنطقة بكل آلامها وأوجاعها، ولم نفق منها إلى اليوم.
لو أنهم استفادوا من تجربة الملأ في قريش وشكلوا مؤسسة على نفس الصيغة كانوا تجنبوا معظم الصراعات الدموية.
لكن ماذا لو تمت التسوية السياسية بين الفرقاء المتخاصمين، منكم أمير ومنا أمير، من المؤكد كان سيكون هناك كلام أخر ونتائج أخرى.
هذا الطرح إذا كان صحيحًا كان سيحتاج إلى عقلانية، اعتدال، تفاهمات وركائز وأسس للوصول إلى واقع اجتماعي سياسي، كان سيفضي إلى احتمالات كثيرة، منها مجتمع كان سيرقى بنفسه إلى الأعلى.
الاستبداد هو الطريق الأقصر للوصول إلى الثروة والمكانة، بيد أنه سيخلف الخراب وراءه، والتهميش والإبادات، وسحق إنسانية الإنسان، وهذا ما نراه اليوم.

من هو ليس بسلعة؟
مي خليفة نتاج واقع وسخ، بناء عالمي مضطرب ووسخ، فيه تراتبية.
جاء مفهوم الشرف للتمييز، للاستعلاء، كأننا نقول لانفسنا في محاولة تبرير الواقع:
انظروا إلي أنا نقي شريف، ذاك قذر وسخ عاهر، مع أن الشرف والعهر هو نتاج ظروف تسمح بهذه التراتبية.
من منا يريد أن ينزل إلى تحت، إلى الذل أو الفقر أو إلى مستوى مي؟
لماذا هربنا إلى أوروبا؟
اليس من أجل تأمين هذه الحماية، الشرف المفخخ الذي جاء إلينا من خارجنا، لكن هناك ناس مثلنا في الحضور، بقوا في مكانهم في واقع الفقر والقهر، والكثير تحول إلى متسول أو انتحر أو إلى أشكال كثيرة بشعة.
لا اقول أن ما فعلته مي شيء ايجابي أو سيء، عملها هو انكشاف، هو تعرية بنائنا النفسي والسلوكي لإنساننا المعاصر.
هي كشفت الغطاء فقط.
لنتساءل عن المتابعين لها بالملايين، لماذا يستمتعون بأداءها أمام الشاشة، ثم يتبرأون منها بعد القذف؟ أليس هذا توافق بينها وبينهم، انها تقدم المتعة العلنية لهم، وهم يستمتعون بها ويفرحون بها ثم يبصقون عليها وكله في الخفاء.
هي جريئة وهم جبناء.
باختصار حضارتنا، حضارة كذب ونفاق، ومنتج وينتج وسينتج الملايين من مي بريئة وملوثة، لأن المنتج مكنة تقذف إلى السطح كل أشكال الألم والذل والقهر.
لنحاكم الحضارة كلها، المنتج للمنايك حصرًا، وبدلًا أن تقدم نفسك بطل وصنيد، وشريف من خارج الشرف، فكر في هؤلاء الذي تركتهم خلفك، المسحوقين، هؤلاء الذين يشبهوك في كل شيء باستثناء أنهم لم يصلوا إلى مرتبة قذارتك.


الإعلام ليس بريئًا، أنه الجرافة التي تهندس المصالح عبر ضخ ما يريده أصحاب النفوذ.
ماذا تريد الميديا الأمريكية من غزة، لماذا تعومها، لماذا يتم التركيز عليها، والتمركز حولها، لماذا تبرز قضية الإنسان المسحوق في هذه البقة من الأرض؟
لا شيء في السياسة بريء، إن نزول الملايين من الناس في أوروبا والولايات المتحدة لا جواب له إلى الأن.
إلى أين تريد أمريكا أخذ القضية الفلسطينية، ولماذا يتم التعتيم على ممارسات الجيش الإسرائيلي؟
هل هناك تسوية سياسية، إنهاء الصراع للتفرغ من هذه المنطقة للانتقال إلى أطراف أخرى من العالم؟
إنها الولايات المتحدة، جبتها مملوءة بالأشواك والأسماك الفاسدة.
لننتظر ونرى!

مفهوم الشرف مفهوم تمييزي، ذكوري.
الشرف كذبة كبيرة، جاء لتأكيد مكانة المسيطرين على السلطة والمال والمكانة.
مي خليفة على سبيل المثال لا الحصر، قدمت تضحيات هائلة للرجال المأزومين والمحتاجين لتفريغ الطاقة الجنسية عبر الاستمناء.
أغلب المتزوجين يستمنون أكثر من العزابية، يضعون جسدها أمامهم كأيقونة ويبدأون بالشغل، وبعد الانتهاء يبصقون عليها.
هل كانوا شرفاء عندما بدأوا الأستمناء في العتمة، وبعدها عادوا إلى قواعدهم سالمين غانمين، شرفاء؟
جميع المفاهيم استعلائية تم استخدامها بدقة شديدة لتصبح اللغة في خدمة هذه الفئة المسيطرة، ولتؤكد مكانتها، ورفعة مستواها، ولتحول الآخر، الضعيف إلى مجرد كائن ناقص لا قيمة وجودية له.
الإنسان عمومًا، كائن أعزل، لا شرف له، أنه ضعيف، بائس، يبحث عن وجوده في غربته، عبر تأكيده أنه رفيع القيمة، عنوة.


مشكلة العرب ليست مع إسرائيل أو في وجودها، هذه الأخيرة مجرد مشجب، مشكلة العرب مع أنفسهم في المقام الأول.
العرب ليسوا في العير أو النفير، ولا يعرفون ماذا يريدون من أنفسهم وواقعهم ومستقبلهم، أنهم في حالة ضياع.
وجود إسرائيل منحهم طاقة إيجابية للبكاء، للطعم على الذات الضائعة، لتبرير سبب هزائمهم على مختلف المستويات، العلمية والثقافية والفلسفية والعقلانية، أو الدخول في العصر الحديث بمختلف إنتاجاته وتطوراته.
منحهم فرصة لتبرير كسلهم وانحسار دورهم الحضاري منذ ما يقارب الآلف سنة.

السؤال، لماذا لم يدافع اليهود عن حقهم في الحرية والديمقراطية في وطنهم سوريا؟
لماذا اكتفوا بالندب والبكاء على أنفسهم؟
قالوا عن أنفسهم أنهم مظلومين، مضطهدين، منبوذين، قبلنا طرحهم، بل توطائنا مع نهجهم، وتعاطفنا معهم دون أن نسأل أنفسنا:
ـ لماذا قبلوا الذل، لماذا سكتوا، ولماذا اعتبروا أن قضيتهم ليس قضية السوريين؟
لم يكن لليهود وطن أخر، المكان الذي عاشوا فيه كان وطنهم، بالتالي لهم حق وواجب أن يقدموا أنفسهم مواطنين سوريين، وأن يناضلوا جنبًا إلى جنب مع أخوتهم في سوريا في الوصول إلى حقوقهم.
أنا أرمني، بيد أني كنت اعتبر نفسي سوريًا، وطني سوريا، وعملت مع السوريين من أجل سوريا ديمقراطية.
هل كنت خائفًا على مصيري ومصير أهلي ومستقبلي، نعم كنت خائفًا، وكنت أرى مستقبلي ضائع، لكني فضلت أن اقاوم، فشلت، هذا ليس بيت القصيد.
حقوق اليهود كانت في سوريا، هل كان سيقتل اليهودي على يد النظام، هذا احتمال وارد جدا، وممكن أنا كمان كنت اقتل على يد النظام.
والتبرير مرفوض.

مي خليفة، الممثلة الإباحية سابقًا، خريجة كلية التاريخ، ماستر، من جامعة تكساس، امرأة مثقفة واعية وجميلة.
أغلبنا، عندما يسمع اسم مي خليفة، يترفع عن ذكر الأسم، يشعر بالاستعلاء والفوقية، يريد أن يقول لنفسه بكل فخر:
أنها عاهرة لا تستحق مني أي احترام، أنها في موقع دوني، بينما أنا شريف محترم، في موقع فوقي.
أغلبنا يعطي لنفسه قيمة عليا، ويحط من قدرها كونها إنسانة لها مهنة نترفع عن ذكرها،.
ننسى أو نتناسى، أنها نتاج واقع اجتماعي سياسي اقتصادي، ومثلها الكثير من الناس يكونون في الموقع ذاته ولكن بأشكال مختلفة، سواء كانوا رجالا أو نساء، هي تعمل في العلن وأغلبنا يعمل في السر.
أكيد هناك الكثير على مستوى العالم يشاهد أفلامها، يستمني لمرآها ويتمناها في أحلامه، لكنه في حضور الأكابر والعظماء من أمثالنا يخجل أن يذكر أسمها.
آه، كم نحن كذابين، فقراء وضعاف، ولا نستطيع أن نكون نحن كما نحن.
عالمنا كله عاهر، ولا يوجد فيه شريف واحد، العبودية يا سادة عهر، القتل عهر، السلطة قمة العهر، السياسة عهر، رجال السياسة أقذر إنتاج بشري دون استثناء، حذاء مي خليفة أطهر من كل من يدعي الشرف.


كنّا نعيش في مدينة القامشلي في الحي الذي يسمى، حي الوسطى، أغلبه من السريان والأرمن الذي يمتد من شارع الجسرين إلى بساتين الكروم قبل أن تزال هذه الأخيرة من الخارطة بسبب زيادة السكان والمساكن والشوارع.
وكان اليهود يعيشون في نفس الحي، بمعنى كنّا جيران.
في الحقيقة كانت علاقة المجتمع سواء كان عربيًا أو كرديًا أو سريانيًا أو ارمنيًا مع اليهود مثالية، هذا بالنسبة لي، ولأغلب الناس في هذه المدينة الجميلة.
هذا رأي، وليس من حقي مصادرة حق الأخرين في التقييم
كان العرب أكثر الناس ودًا لهم، واحترامًا، والتعامل معهم. والرجل اليهودي كان موضع تقدير واحترام من قبلهم.
كانت بيوتهم في شارع الصياغ، صياغة الذهب، بيع وشراء، وفي هذا الشارع كان كنيسهم.
أول من سكن هذه المدينة كان اليهود، فالجزيرة السورية كانت أرض أميرية، فيها عرب رحل طلبًا للكلا، وكان اليهود يبيعون لهم ويشترون منهم قبل قيام وبناء مدينة القامشلي وقيام دولة سوريا.
اليهود كانوا مقيمين في النصيبين على بعد واحد كيلو متر عن القامشلي، نزحوا نحوها عندما أصبح الخط الحديدي هي الحدود الدولية بين تركيا وسوريا بناء على طلب الفرنسيين، الاستيطان في المدينة الجديدة.
كانت الثكنة الفرنسية أول بناء في القامشلي وأول بناء في الحسكة.
محل عزرا في شارع الصياغ كان شغالًا، بل متروسًا بالزبائن، لم يكن عزرا يستطيع أن يتنفس دقيقة واحدة من زخمهم، يبيع ويشتري، أستطيع ان أقول برحابة ضمير لا يوجد واحد في منطقة القامشلي لا يعرفه.
لم أسمع أي إنسان اعتدى على اليهود، بل كانوا محبوبين جدًا، لأنهم كانوا مسالمين، الجماعة شغلية وبحالهم.
ربما كانوا يشعرون بالغربة والخوف من الوسط العربي بعد قيام إسرائيل، لكن بعيدًا عن السياسة وإسرائيل، لم يكن هناك عداء بين الناس العاديين واليهود.
أقول هذا الكلام بعد الفيديو الذي نشره موقع اسمه أهل الكتاب، تحدث فيها ابن غزرا بشكل غير موضوعي عن وجودهم في القامشلي.
في الحقيقة لم أعرف دوافعه ولماذا تكلم هكذا، وحسب علمي كان اليهود وعزرا تحديدا أغنى عائلة في الجزيرة السورية.

عرضت السويد على لسان وزير دفاعها، على أوكرانيا أن تدرب جيشها، فذكرتها روسيا على لسان سفيرها في استوكهولم، بمعركة بولتافا في العام 1710م، كنوع من التهديد السافر، وإبراز القوة.
في هذه الفترة كان الملك السويد كارل الثاني عشر، هو قائد الجيش السويدي، وبطرس الأكبر قائد الجيش الروسي، خسر فيها السويديون المعركة.
يمكن أسوأ ملك سويدي جاء إلى الحكم في الدولة السويدية هو الملك كارل الثاني عشر، منذ أن كان عمره سبعة عشرة عامًا وهو محارب، وكل معاركه هزائم متواصلة
ثم سجن في تركيا، وعاد لبلاده هاربًا، وعندما وصل جهز جيشه واتجه باتجاه الشمال ليحارب على الجبهة النرويجية، هناك قتل وهو في عمر صغير.
وضعت نص مترجم عن هذا الملك، نشر في العام 2007.
ولد كارل الثاني عشر في السابعة عشرة من حزيران من العام /1682/ .
كانت السويد دولة قوية وكبيرة، تنعم بالسلام والمنعة. لم يكن يوازيها بالكبر والقوة سوى روسيا القيصرية.
دخلت السويد في حروب كثيرة مع الدول المجاورة، خرجت منتصرة وقوية في أغلبها.
يقول عن نفسه:
تزوج والدي من السيدة أولريكا إليانورا أخت الملك الدانمركي.
الدفئ والحب والألفة والسعادة لفت علاقة والدي بأمي وأسرته. لقد رزق بثلاث صبيان وبنتين. لكن بعد فترة قصيرة من ولادتهما توفي الأطفال الذكور الثلاثة.
أضفى هذا الوضع الحزن والكآبة على قلب والدي وبيته.
أنصب اهتمام والدي علي بشكل غير طبيعي لأنني كنت وحيده.. الوريث الوحيد لعرش المملكة السويدية.
ذهبت معه في سفراته الطويلة قبل أن أبلغ الرابعة من العمر. كنت أركب على ظهر الحصان:
ـ أرى والدي كيف يتمرن مع جنوده ويقوم بالتدريبات العسكرية.
كنت معجباً بقدراته.. فخوراً به.
تتأجج في داخلي الرغبة والأمل أن أبلغ مبلغ الرجال وأصير مثله.
خلال المئة سنة الأخيرة، دخلت السويد في عدد من الحروب، أستولت على الكثير من دول الجوار التي تقع في جنوب بحر البلطيق.
من أجل التجارة.. من أجل السيطرة على ممرات التجارة، ضمت السويد بحر البلطيق كله إليها.
صار بحر البلطيق سويدياً خالصاً.
كان العدو الأخطر للسويد هي روسيا.. وبعض الدول الألمانية الصغيرة المتناثرة.
كان والدي في السبعة عشرة من العمر عندما أصبح ملكاً.
بعد ثلاثة أعوام من التنصيب، هاجم السويديون بقيادة والدي مقاطعة أسكونا الدانماركية. حدثت معركة غير عادية هناك ذهب ضحيتها آلاف الجرحى والموتى في ميدان المعركة.
على مشارف مدينة لوند الكائنة في مقاطعة أسكونا أجبر والدي الجيش الدانماركي على الفرار.
نجحت السويد في إدخال مقاطعة أسكونا ضمن المملكة/حالياً ضمن المملكة السويدية/.
الحروب الكثيرة جعلت السويد بلداً فقيراً. لهذا أجبر الملك النبلاء على التنازل عن بعض ثرواتهم. في الوقت نفسه عمل على مسك مقاليد السلطة والحكم بيد من حديد على كامل السويد والدول الواقعة تحت سيطرته.
لم يقبل أن يتدخل النبلاء في إدارته للسلطة والدولة والحكم.
عندما كنت في الرابعة من العمر تتلمذت على يد أول معلم. بسرعة كبيرة تعلمت القراءة والكتابة. قرأت التأريخ واللغة اللأتينية. في دراستي للتاريخ أطلعت على الخرائط. من خلال التاريخ قرأت الجغرافيا. بسهولة وسرعة أتقنت اللغة اللأتينية والألمانية والفرنسية. لكن المادة المفضلة لدي كانت الرياضيات. لكن أولاً وقبل كل شيء حاولت أن أتعلم كيف يمكن للمرء أن يقود الفرق العسكرية في الحرب عندما يكون في الخط الأمامي من الجبهة من أجل الدفاع عن حدود المملكة في وجه الكثير من الأعداء.
في السادسة من عمري صار عندي غرفة خاصة لي وأتهندم مثل الكبار.
كان يطيب لوالدي الجلوس مدة طويلة ويذهب في حديث طويل عن عظمة السويد وقوتها قبل الحرب. كثيرة هي المرات التي يكون فيها غاضباً. أحياناً كثيرة كان من الصعب أن يتكلم مع أحد. مع هذا كنت أتمنى أن أكون مثله. كان وحيداً.. قوياً وشديد المراس.
كان والدي المثل الأعلى لي!
مع ذلك يلبس ثياباً بسيطة مثل أي جندي. يتحرك ويدور حول البلاد طولاً وعرضاً على حصانه. راغباً في رؤية الناس العاديين ومعرفة مشاكلهم ومحاولة مساعدتهم قدرما يستطيع.
أما والدتي فقد كانت لطيفة ورقيقة ودافئة. توفيت عندما كنت في الحادية عشر من العمر. كتب والدي في مفكرته الكلمات التالية:
ـ لقد فقدت أعز حبيبة وأطيب زوجة. أحس بالحزن العميق والفاجعة. عسى الله يمنحني القوة والصبر في مصابي.. ويواسيني مع أبنائي الثلاثة في هذا الحزن الجلل لفقداننا لها.
عندما بلغت الخامسة عشر من العمر توفي والدي. بقي لي على قيد الحياة أختي الكبيرة هيدفيك صوفيا وأولريكا إليانورا. دربت نفسي على الوحدة والعزلة. قلت:
على الملك أن يثق بنفسه أولاً.
أحسست إنني أحب الوحدة والعزلة مثل والدي. بعد عام على وفاة والدي توجت ملكاً على السويد.
تم التتويج في الكنيسة الكبيرة لأن النار جاءت على القصر كله.
عندما توجت ملكاً كان في خاطري ثلاثة أشياء مهمة علي القيام بها:
ـ أن أقرر على كامل التراب السويدي السلام والحرب.
ـ أن الله أختارني لأكون ملكاً ومسؤولاً عن الأرض والشعب.
ـ أن أدافع عن حدود الدولة الممتدة من السويد.. فلندا.. إستونيا.. ليتوانيا وأجزاء كبيرة من المانيا.
أن يكون المرء ملكاً.. عليه أن يجلس كل أوقات النهار في الغرفة.. يرد على مختلف الرسائل أو يستقبل الزوار من البلدان الأخرى.
أحياناً أهمل الرد على كل الرسائل. ومرات كثيرة أجول على حصاني حول البلاد حتى أنهك من التعب.
إحدى المرات جاءنا زائر من فرنسا قال لي:
ـ الملك لا يشبه أحد.. لا يخاف من المخاطر.. لا يبالي عندما يطلب منه الحذر.. حينها يصير أكثر جنوحاً ولا يهاب الموت على الأطلاق. يجب أن يكون ممتلئ القناعة بالله الذي يحميه ويصونه.
كان ذلك صحيحاً.
أحب صيد الطرائد وطعنها وقطع رأسها مباشرة. أنام في غرفة مفتوحة النوافذ مثلما أكون في الجبهة.
خلال هذا الوقت رحت أبحث عن امرأة من أجل الزواج بها وأنجاب طفل يورث العرش من بعدي. لكني لم أعر الفتيات أي اهتمام. كنت على استعداد دائم.. في أي لحظة يمكن أن تندلع الحرب.. عندها يجب أن أكون موجوداً على رأس الجيش. لذلك لم يكن لدي وقت للعشق. الذين التقوا معي علموا إنني مختلف عن الناس الذين من جيلي. أحد النبلاء الدنماركيين قال بحقي:
ـ كارل الثاني عشر في السابعة عشر من العمر. لكنه يلبس الثياب البسيطة.. لا يهتم بالنساء كما لا يستخدم الباروكة.
لا أعتقد أن أحدهم يعرف كيف أفكر أو أحس أو أشعر.
في الحقيقة كنت وحيداً وأحب العزلة والوحدة.
لم يكن لدي الوقت للعشق والعواطف والمشاعر!
أستيقظ في الساعة الخامسة صباحاً من أجل مواصلة العمل. أراقب تطورات التجارة على الصعيد الداخلي والخارجي. أرعى وضع البلاد والشعب وسير حياته بشكل أفضل.
أحياناً كنت أرغب أن ألبس ثياباً أنيقة. أجهز حفلات صاخبة. لكن أغلب الأقات كان ينتابني أحساس أن الحرب قادمة.. على الأبواب.
الملوك في أوروبا كانوا ينظروا إلي على أني مجرد شاب صغير يمكن هزيمته وهزيمة السويد بسهولة في الحرب.
كان الدانمركيون يتطلعون إلى استرجاع مقاطعة إسكونا وروسيا القيصرية عينها على احتلال الموانئ والمدن الواقعة على الشاطئ الشرقي من بحر البلطيق التي كانت تحت الحكم السويدي مدة طويلة من الزمن.
لم أكن أخاف من الحرب.
كان والدي محارباً ذكياً. كنت أريد أن أكون مثله! تحدث معي مرات كثيرة عن كيفية قيادة الجيوش عندما تبدأ المعركة. كنت أكثر واحد مستعد لخوض الحرب من أي ملك أوروبي.
في آذار من العام 1700 جاء رسولنا بخبر فحواه:
هاجمت فرقة عسكرية من الجيش الروسي على ليتوانيا الواقعة تحت السيادة السويدية. كنت في السبعة عشرة من العمر ومستعداً لكل الاحتمالات. أنتابني احساس غريب.. احساس غامض بالسعادة. قلت:
ـ أخيراً سأعيش أجواء الحرب التي أنتظرتها طويلاً. لبست الثياب العسكرية مثل بقية أفراد الجيش.. معطف أزرق يصل إلى الركبة. تحت المعطف صدرية من الجلد وبنطال أصفر ضيق يصل إلى الركبة. انتعلت جوارب طويلة وجزمة غليظة. أعلنت النفير العام. أرسلت الرسائل والرسل إلى كل الأجزاء الواقعة تحت الحكم السويدي من أجل الاستعداد للحرب. بسرعة فائقة تقدم مئة ألف رجل للسير ورائي في معركتي الأولى.
سميت ذلك النفير كارولينا.
الدخان والضباب واللون الداكن عوامل مساعدة في الحرب.. في دفع أشرعة السفن. من أجل مساعدتنا أنا وجنودي للوصول إلى قلب الحرب. كان علي أن أدافع عن بلادي وعن أرض المملكة وأن أحكم السويد والشعب بشكل عادي.
العديد من العربات حُملت. الأقداح والبورسلين.. الطعام والنبيذ.. الأسرة والبطانيات.. الخيم وأشياء أخرى من مستلزمات الحرب.
جهزت السفن.. دفعت الأشرعة بأتجاه الشرق.. إلى الخليج الفلندي. أحتل الروس إحدى الحصون الواقعة في مدينة نارفا. أقترب جيشنا.. الجيش السويدي من ميناء قريب من مدينة نارفا. هناك تركنا سفننا. بدأنا نسير بأتجاه الشمال.
كنت مستعجلاً. لكن الأمر لم يكن بيدي. الأمر يحتاج إلى وقت أطول. من أجل أن يسير الجيش.. المرافقين.. الخيول والعربات. نريد ان نصل قبل أن ينتهي شهر نوفمبر.. قبل البرد والمطر والوحل. حتى لا تغرز العربات في الوحل.. قبل أن يتعفن الخبز.. قبل أن يمرض الجنود ويصيبوا بالأفات.
في ديسمبر/كانون الأول/من العام 1700 كنا في مرمى الهدف.. كنت في نارفا ووجه لوجه مع العدو. وقتها كنت في الثامنة عشرة من العمر. خليط من المطر والثلج يتساقط طوال الليل. خيم على الجيش الأجهاد والتعب وتبللت الثياب والأحذية بالماء والوحل. لم ندق الطعام لعدة أيام متواصلة ولفنا الجوع.
بدأت في الساعة السادسة من صباح اليوم التالي أخطط للهجوم. في الساعة الثانية بعد الظهر أعلنت النفير العام وأمرت بالهجوم. في هذه اللحظات هبت عاصفة ثلجية قوية. راح الثلج المتساقط يهب على الروس. كان من الصعب عليهم أن يروا الجيش السويدي يهجم عليهم وهم مكتوفي الأيدي. في الوقت نفسه راح جنودنا يطلقون الرصاص من بنادقهم. راح أزيز الرصاص يملأ الفضاء صدى وضوضاء رهيب. بعد فترة وجيزة أقترب جيشنا كثيراً. صرنا على مقربة صغيرة منهم.. مسافة لا تتجاوز الثلاثين متراً من الجيش الروسي. صار القتال بالسلاح الأبيض.. بالسيف والحربة.. طعن وقطع أجساد.
حاول الروس الهرب من ميدان المعركة عبر الجسر. لكن الجسر أنهار عليهم فأودى بحياة أفراد جيشهم غرقاً في المياه المتجمدة الباردة.
في الساعة الخامسة بعد الظهر أنتهى كل شيء. كان النصر الأول لي. النصر الأكبر! سرت بمحاذة الجنود.. درت حولهم مدة طويلة. بقيت معهم إلى حدود منتصف الليل. كنت متعباً ومجهداً. طوال الوقت كنت في العراء.. أمشي على الأرض مدثراً بمعطفي الرمادي الداكن. راح أسمي بعد المعركة يضرب الأفاق.. في كل أوروبا. للنصر الذي أحرزته على الروس في نارفا.. صرت مشهوراً!
فقط بضعة مئات من الجنود السويديين ماتوا. بينما مات للجانب الروسي بضعة آلاف. حصلنا على الكثير من المعدات العسكرية.. بنادق وسيوف. وأيضاً الكثير من التوابيت المملوءة بالنقود والسبائك الذهبية وأشياء أخرى ثمينة.
النصر الأول أعطاني الشجاعة في مواصلة الحرب ضد أعداء السويد.
الحرب مثل الشطرنج تخضع لحسابات دقيقة. تدرس بدقة. خطط نفسك وخطط عدوك. كيف تمركز فرقة عسكرية ومتى تجهز. ساعة توقيت الصفر في الهجوم. هذا يعني إنه يتوجب أن يقيم المرء وضع جنوده.. الفرسان في المكان الصحيح.
إنها لعبة مثيرة عن الحياة والموت.. الهزيمة أو النصر. لكن لم أفكر بالخسارة على الأطلاق!
كنا أمام حاكم روسيا القوي والعنيد بطرس الأكبر. حتى يلتقي الجيشان يتوجب علي أن أعبر إلى بولونيا. ملك بولونيا في ذلك الوقت كان أوغوست.. القوي.. الصديق الحميم لقيصر روسيا الأكبر بطرس. لهذا علي أن أهجم على أوغوست وأنتصر عليه.
بعد عامين.. في يوم صائف. بدأنا القتال خارج مدينة كراكوه الكائنة في جنوب بولونيا. بعد ستة ساعات من القتال. هزم البولونيين. قتل منهم ألفان من الجنود.. مثلهم أخذناهم كأسرى.
كان نصراً كبيراً. جعل العديد من الدول والملوك تنظر لي بعين الأعجاب.. كبطل ومحارب صلب.
مكثنا في بولونيا ستة أعوام. بين الحين والأخر يبدأ القتال بيينا وبين روسيا وبولونيا من جهة أخرى. دائماً كان النصر إلى جانبنا.
طوال القوت كنت أنتظر وصول الأسلحة والمعدات والكثير من الجنود من السويد وفيلندا من أجل الألتحاق بي.
تعلمت الصبر والانتظار.. علمتني الحياة أشياء كثيرة!
دائماً أحتاج للوقت الطويل من أجل أن أنتقل من هذا الميدان إلى ميدان أخر.
خلال هذ الوقت زارني العديد من النبلاء من بلدان متعددة. أحد الفرنسيين تحدث في رسالته فحواها كالتالي:
ـ الملك كارل شاب يافع.. ربما يكون طويلاً ونحيفاً.. شعره بني وقصيروسبل.. عليه معطف أزرق قصيرمتسخ.. يمتشق حساماً أطول مرتين من أي سيف أخر. في الغالب لا ينزع حذائه من قدميه عندما يذهب إلى النوم. مرات كثيرة ينام على كومة التبن مثلما ينام المرء على الأرض المتسخة.
الملك كارل كثير الصمت.
نعم.. كنت كثير الصمت مثلما كان عليه والدي. لم أتكلم إلى أحدهم على الأطلاق فيما أفكرأو أخطط أوما أرمي له في المستقبل.
كنت وحيداً. أحب أن أقررما أريده لوحدي. أبقى صامتاً طوال الوقت. عندما يتحدث الطاقم الأستشاري المرفق لي.. أسمع وأنصت. لكن في نهاية المطاف أقرروحدي ما أراه مناسباً دون دون أن أسمح لأحدهم أن يسأل أو ينطق بحرف.
لكن في إحدى المعارك تركت غيري يأخذ مكاني.
كنت أتواجد في كل مكان. أنتقل من موقع لموقع أخر من جيشنا لأعتقادي أن ما أفعله شبيه بعمل أي جندي بطل.
خلال هذه المدة الطويلة كنا في بوبونيا. محاطين بالأعداء من كل الجهات. لقد مكثنا في نفس المكان مدة طويلة. كنت.. الجيش.. جميع المرافقين لي بحاجة ماسة للطعام يوماً بعد يوم وشهر بعد أخر وسنة بعد أخرى.
رحنا نغزو الأرياف وننهبها من أجل الحصول على الطعام. وما يثير الاستغراب أن البولونيين سلبوا أبناء جلدتهم ونهبوا المعوزين على طول عدة أميل من مخيماتنا أضعاف مضاعفة لما قمنا به.
كنت أقتل بسهولة ويسر كل معارض أو معترض على بقائنا هناك.. سواء كان رجلاً أوامرأة أو ولد.. بعدها أحرق الضيعة كلها بمن فيها حتى أخيف وأرعب الناس في جميع القرى المحيطة بنا. لم يكن الناس بالنسبة لي في القرى البولونية المجاورة لنا مجرد ناس عاديين.. لديهم أسرة وبيت إنما أعداء محتملين يجب سحقهم.
كانت الأخبار الواردة من استوكهولم تشير إلى تذمر المستشارين والنبلاء مني.. من طول فترة الحرب.. من التكاليف الهائلة التي سببتها في إفراغ الخزينة من النقود.
لهذا كان علي تدبر الأمر ومتابعة نهب المدن والأديرة من أجل الحصول على الذهب والفضة. لقد أعددت جيشاً كبيراً من بلدان عديدة. هؤلاء يحتاجون إلى رواتب وطعام ومؤنة ومعدات كثيرة. لهذه الأسباب استمرت الحرب. القسم الأكبر من جنودي لم يعودوا إلى أوطانهم أبداً. العديد منهم فقدوا أيدههم أو ارجلهم. لكن.. لم أكن أبالي بهم على الأطلاق!
كنت أحب جيشي/ كارولينا/. لكن.. لم يكن يثير أهتمامي عدد القتلى أو الجرحى عندنا كما لم أكن أهتم بعدد القتلى أو الجرحى عند الأعداء او كم من البولونيين أحترقوا أوشنقوا.
يجب أن أدافع عن السويد بأي ثمن.
كنت أخاف من الليل.. من الظلمة وما سيحدث تحت جناح الظلام. لهذا السبب سمحت لبعض الجنود أن يناموا في خيمتي.
تابعت روسيا هجومها وأخذت أجزاء كبيرة من الأراضي الواقعة على أمتداد الساحل الجنوبي لبحر البلطيق. تلك الأراضي كانت تابعة للسويد لمئة سنة خلت. لهذا يجب أن أنتصر على بطرس روسيا الأكبر وجيشه. ألتفتنا نحو روسيا.. لكن الشتاء القاسي حل علينا. لم يسمح لنا بمتابعة السير والزحف. العديد من جيشنا تجمد من البرد حتى الموت. لم يبق معنا زوادة أو طعام. لم تكن بولتافا إلا مدينة صغيرة. لكن في داخلها يكمن بضعة الآف من الجنود الروس. لقد أنتظرت طويلاً هذه اللحظة الجميلة! أنتظرت وصول القيصر بطرس الأكبرإلى بولتافا قبل أن أبدأ هجومي على المدينة. أريده أن يكون موجوداً.. حتى يساعد جنوده حين أزحف عليه.. من أجل أن أسحقه وأنتصر عليه.
جئنا إلى مولتافا في مايو/أيار/ من العام 1709.
في فترة الأنتظار.. أنتظار مجيء القيصر.. ألتفت إلى الوراء.. ألتفت نحوجيشي.. من أجل تحفيزه.. ورفع روحه المعنوية.
كنت قد نجحت في جمع عدد كبير من الجنود يصل إلى خمسة وعشرين ألفاً منهم. كانت كارولينا/ جيش كارل الثاني عشر/ تعاني من مشاكل كثيرة.. بضعة الآف من الجرحى وعدد مضاعف منهم يحتاج إلى رعاية ومساعدة ومثلهم الخيول المجهدة والعربات المعطلة التي تحتاج إلى إصلاح. كل هذه الأشياء تحتاج إلى وقت لألتقاط الأنفاس وعلاجها قبل البدء بأي شيء أخر.
بالإضافة إلى ذلك كان المعسكريعج بالنساء والأطفال في المخيمات. الكثير من الضباط والجنود كانوا متواجدين مع عائلاتهم. هناك الكثير من الخادمات والممرضات وأشياء كثيرة لخدمة حاجات الجيش والحرب.
أستمرت الحرب لمدة عشرة أعوام.
لقد أعتاد الكثيرمن الجنود على هذا الوضع. من الصعوبة بمكان أن ينتقل من هذه الحالة إلى حالة أخرى. لقد صارت الحرب جزء من حياته وعمله الذي يعتاش عليه.
الأن يجب أن نستعد للهجوم على الروس وبطرسهم الأكبر. لقد سمحت للجيش أن يحفرخندق عميق حول المدينة على طول محيطها الدائري. بهذه الطريقة نستطيع أن نعزل الروس عن بعضهم عند أقترابهم من المدينة.
في إحدى الأيام كنت على جوادي بالقرب من النهر، من أجل التحري ومعرفة الوضع الميداني على الارض. أصبت برصاصة في قدمي. في البدء لم أخذ الأمرعلى إنه شيء خطيرإلى الحد الذي أخاف منه. شيئاً فشيئاً بدأ الرصاص يلعلع بالقرب من رأسي. كان الرب معي ومع جنودي. لقد نجوت من الموت المحقق باعجوبة.
حينها سقطت على الأرض مغشياً من الألم. عندما عدت إلى المعسكروجدت رصاصة صغيرة مخترقة جزمتي اليسرى وهشمت بعض العضام في داخل قدمي.
الإصابة لم تكن خطيرة.. الجرح لم يكن عميقاً. بسرعة راح يلتئم. لكن الألتهاب أخذ يتمدد ويكبرداخل القدم لدرجة أعتقد البعض إنني سأموت خلال بضعة أيام.
بينما كنت مستلقياً في خيمتي كالعاجز. بدأ القيصر بطرس الكبير يقترب منا. كان لديه عدد كبير من الجنود والمعدات. خلال فترة قصيرة.. راح يغرز أوتاد خيام معسكره بالقرب من النهر إلى الشمال من بولتافا.
لم يكن لدي خيارأخرسوى المباغتة والهجوم قبل أن يستعدوا. ثم نلحق بهم هزيمة ساحقة وماحقة. لكن لم أكن في الوضع الذي يسمح لي أن أكون في مقدمة الجيش.. أن أقوده وأسيربه. إلى أخذ زمام المبادرة والنصر.
كنت على النقالة، مربوطاً ومثبتاً بين حصانين. من هناك، أستطعت أن أعطي الأوامرللجنود والأبواق.
في الليل جمعت الضباط. شرحت لهم كيف يمكن أن تتوزع الفرق العسكرية.
الساعة الأن تشير إلى الواحدة والنصف.
تحت جنح الظلام الأسود خارج خيمتي. كانت النقالة والخيول تنتظرني. في الجانب الأخرمن مولتافا.. كان النوم يرخي بذيوله على عدوي بطرس وجنوده.
أطلقت الأبواق النفيرالعام من أجل البدء بالهجوم. لكن الظلام أربك الجنود. الضباط لم يتفقو على موقف موحد.. لم ينفذوا أوامري. الجنود لم يروبعضهم. ضاعت الوجوه في الظلام وأرتبكوا وأختلط الحابل بالنابل. خلال هذا الوقت كان بطرس وجيشه قد أخذ الحيطة والحذر.
بدأ النهاريطلع بالتدريج قبل أن أبدا الهجوم النهائي وقبل أن يستعد الروس.
حتى وقت طلوع النهاركنت متأكداً من إننا سننتصر. كانت قدمي تؤلمني. لكن كنت أستطيع أن أصرخ أو أعبروأسمع الجنود الذين يحملون نقالتي من مكان إلى أخر.
عندما نهضت الشمس من مخدعها.. كان الهواء يمتلئ بالبارود والدخان.. الغباروالرماد يفرش أنفاسه على المدى الواسع ويمنع الرؤية على مسافة متر.
الأصعب كان الدخان الثقيل والكثيف المنبعث من المدافع. كلا الجيشان كان يكافح تحت ثقل الضباب الأسود السديمي الكتيم.
الجنود هائمون على وجوههم في هذه الظلال.. يصولون ويجولون داخل الضباب الذي يفل قلوبهم. الجنود الروس يطلقون النار على الروس والجنود السويديون يطلون النارعلى رفاقهم. الأبواق تستصرخ المدى وتحث كلا الطرفين على مواصلة الذبح.. تبعث الأشارات والرموزمن أجل أن يختفي الصراخ وصوت الوجع.. من أجل أن يموت صوت الألم المنبعث من القلوب الجريحة.. ان يموت صوت الموت للأحياء المقتربة من الموت سواء كان الجنود أو الخيول.
أحد الخيول التي كانت تحمل نقالتي أصيب برصاصة فسقط على الأرض. فوجب ان أدبر حصان أخر.. بعد قليل أصيبت نقالتي.
سمحت للضباط أن يجتمعوا من أجل المعركة الحاسمة.
كان أمامنا الآلآف من الجنود الروس لكن الجنود السويديون تحركوا بشجاعة وبسالة نادرة وأتجهوا إلى الأمام متحدين الرصاص المنبعث من البنادق الروسية. كذلك الصراخ والأندفاع خرج من الجانب الروسي وفي اذهانهم الموت أو الحياة.
كانت النقالة التي تحملني قد تكسرت. لكن أحدهم ساعدني ووضعني على الحصان. خلال لحظات.. مات الحصان الذي حملني. بعد قليل حصلت على حصان أخر بسرعة.
خلال هذا الوقت أستطاع الجيش الروسي أن يحاصرالجيش السويدي وراح فينا الطعن والقتل.. الآلآف ماتوا في المذبحة. المذبحة أستمرت ساعات. سقط مثلها من الضحايا في الجانب الأخرفي الوقت نفسه.
في الساعة الحادية عشرة قبل الظهر.. كان كل شيء قد أنتهى.
الجيش الروسي حسم المعركة وأنتصر.. بينما أنا خسرت!
كنت مجروحاً. يجب أن أحمل على نقالة.
قبل لحظات. كان لدي الآف الجنود. بينما الأن لدي بضعة مئات يحاولون أن يخلصوا بجلودهم قبل أن يقعوا بالأسربيد بطرس روسيا الكبر.
حاولت مع جنودي أن نتجه إلى تركيا التي كانت في حالة عداء وحرب مع روسيا. نتجه إلى مدينة صغيرة أسمها بيندر.
يتوجب علينا أن نأخذ طريق آمن وسليم لكي نصل إلى بيندر. هناك. كنت أمل أن يساعدني الأتراك من أجل تجهيز جيش ومواصلة الهجوم على الروس.. لكن الأتراك لم يقبلوا.
خمسة أعوام وأنا أنتظر في بيندر.
حكمت السويد بمساعدة من سعاة البريد الذين يذهبون عدة مرات في الشهرعبر أوروبا إلى استوكهولم. في البدء كان الأمر يتعلق بتأمين المال من أجل دفع رواتب الجنود ومواصلة الحرب. بالإضافة إلى ذلك.. كانت هناك مشكلة أخرى علي الأهتمام بها. العام بعد العام قتل الآلآف من الجنود الشباب في ميدان المعركة التي خاضتها السويد في مواجهة أعدائها. الكثير من المزارع والحقول أقفرت لأن النساء لم يستطعن رعاية الماشية وتربيتهن. كما لم يستطعن القيام بأعمال الزراعة ومستلزماتها. لهذا أثرذلك على المواسم وجعلها في حالة كساد. القمح.. الذرة والشوفان لم ينضج بسبب الجفاف أوالتجلد والبرد المصمط.
علاوة على ذلك. علمت أن أختي هيدفيك صوفيا القريبة من قلبي. التي أحبها كثيراً قد ماتت. راح اليأس والكآبة تغزوروحي وقلبي. رمى قلبي في مستنقع البكاء والقهر. ربما هذا البكاء كان الأول لي في حياتي. بكيت عدة أيام متواصلة. كنت أحزن على الأحداث التي حلت أخيراً بي.
كنت في ساحة الحرب مدة تسعة أعوام. تسعة أعوام من الهجوم.. الدفاع.. دم وأكوام من الجثث والموتى من الجنود. ماذا فعلت بحياتي؟ لقد تزوج والدي امرأة فاضلة وطيبة ورزق بأبناء يحبونه. بينما الشيء الوحيد الذي أثار أهتمامي وعملته هو الحرب. عندما أستلمت الرسالة الأخيرة. عندما قرأت خبر وفاة أختي أحسست وفهمت مقدارالخسائرالتي تعرضت لها في حياتي. لم يبق لي إلا أختي أولريكا إليونورا.
تدريجياً راح الأتراك يسأمون من وجودي على أرضهم. مضت الأيام تزداد صعوبة يوماً بعد يوم. بعد أربعة أعوام دخل الأتراك والجنود السويديون في نزاع مسلح. نزاع أشبه بأحداث الشغب في المنطقة التي أعيش فيها/بيندر/. قتل من جنودنا بضعة رجال. بعد ذلك ألقوا القبض علي ووضعوني في السجن. نقلت إلى مكان ما. وضعت في السجن عشرة أشهر. تركت هناك مثل الأنسان العاجز المشلول على سريره. كنت أتساءل أين هم الأن جنودي.. كيف السبيل لأخذ حقي وأنتقم من الذين فعلوا ما فعلوه بي! هناك في الجانب الأخر.. روسيا ورجلها القوي بطرس.. سلطة ونفوذ وقوة. بصراعه معي.. جردني من كل مكامن القوة والسلطة والنفوذ. كنت في الثلاثين من العمر.. عاجز وضعيف. لا أملك من وسائل البقاء إلا الغربة والأحساس بالخواء!
مضت أعوام طويلة.. أربعة عشرة عاماً بعيداً.عن الوطن والأهل والأحبة.
أستلمت رسالة من أختي أولريكا إليونورا تقول في فحواها:
ـ الأوصياء على الحكم في السويد. يفكرون جدياً.. بملك أخر. ملك يحكم البلاد. لأنك لم تعد أبداً.
عندما أستلمت الرسالة في أيلول/سبتمبرمن العام 1714 قررت أن أعود إلى السويد مع بضعة ضباط مرروراً عبرتركيا. تنكرت بثياب العامة.. عامة الناس حتى لا يقبض علي أحدهم. عزمت على الرحيل عبر روسيا أو المانيا. وضعت على رأسي باروكة سوداء ولبست ثياب أخرى حتى لا تثير الأهتمام.. غير تلك الثياب التي أعتادوا أن يروني بها!
ركبت على الحصان مع أثنان من رجالي. سرنا عبررومانيا.. أوكرانيا.. النمسا.. المانيا. سرنا مباشرة إلى مدينة سترولستوند. كانت ما تزال ضمن المملكة السويدية. لقد قطعنا كل الأراضي الأوروبية خلال أسبوعين. نجحنا في الوصول إلى المبتغى. خلال هذه المدة الطويلة من السفر لم أخلع أحذيتي من قدمي التي تورمت داخله. لهذا كنت أحتاج إلى مساعدة أحدهم من أجل نزع الاحذية من قدمي قبل أن أنام!
على ظهر السفينة جلست متأملاً.. خمسة عشرة عاماً في الحرب والغربة والأسروالضياع. أخيراً عدت إلى البلاد.. بلادي!
عندما صرت ملكاً. عند بدأت أول معركة لي. كانت السويد بلداً قوياً.. كبيراً. بينما الأن خسرت القوة والأرض. الأعداء على الأبواب من كل الأتجاهات يهددوا بالهجوم علينا. كنا في حالة حرب مع الدانمرك.. روسيا.. إنكلترا والعديد من الدول الألمانية.
كنت أسأل نفسي:
ـ في أي يوم سيبدأ الهجوم الدانمركي على السويد؟
لهذا قررت أن أفاجئ الدانمركيين ببدأ هجومي على النروج الواقعة ضمن سيطرتهم.
بعثت بالرسائل إلى الناس في المملكة السويدية والأجزاء التابعة لها من أجل التحضيرللأيام القادمة. التجهيزات اللأزمة من الرجال والمعدات كالطعام والخيول.. التبن والعربات.. البنادق والمدافع وأشياء أخرى من مستلزمات الحرب.
كان الشعب السويدي قد تعب من الحروب التي لم تنته. مع هذا نجحت في جمع ما أريد أورغب. من أجل الحرب والمباغتة والهجوم.
كنت ما أزال ملك السويد.
بعد عدة سنوات من الحرب في بولونيا تعلمت كيف يدبر المرء الحاجات اللأزمة للجيش والحرب.
في شهر تشرين الأول/ أكتوبر/ من العام 1718 كان كل شيء جاهزاً.
الأن علينا أن ننتزع النروج من الدنماركيين وأن نثبت للأعداء أن السويد ما تزال دولة قوية.
كالعادة.. لم أتحدث مع الأخرين عن الخطط التي في رأسي.
كان الجيش يثق بي.
بجانب مدينة سفينسود قرب بوهولسن على الحدود ما بين السويد والنروج. كانت تقع مدينة ريدريكسهولد. هناك كان يوجد حصن منيع. كان علي أن أنتزعه بالقوة. من أجل ان أستمر في التوغل في العمق النرويجي.
لكن الدانماركيين المتواجدين في الحصن أبدومقاومة عنيفة ضد الجيش السويدي. لكننا أستطعنا أن ننجح في السيطرة على حصن أصغريقع بالقرب من الحصن الأكبر.
لقد أمرت بحفر خندق حول الحصن كما فعلت عندما كنت في مولتافا في بولونيا في مرحلة التحضير لمواجهة الجيش الروسي. حفرنا الخندق كمسار طويل حول الحصن من أجل حماية جنودنا من رصاص الجنود الدانماركيين.
الأن الدانماركيون تحت الحصار من قبل جنودنا. عاجلاً أم أجلاً سيستسلموا ولدينا الوقت الكافي للأنتظار! لقد علمتني التجربة أن أنتظريوم أو شهر أو سنة في الحرب وأنتصر على أعدائي.
كنت محارباً مميزاً وممتازاً! أضحت بلادي فقيرة. لكن مع هذا نجحت في ترتيب الوضع.. جهزت جيشاً من أجل مواصلة الحرب. الكثير من السويديين كانوا يكرهوني بسبب الحروب الكثيرة التي خضتها. النبلاء لم يكونو يرغبون في عودتي إلى العرش. كانوا يرغبون أن تتولى أختي أولريكا إليانورا العرش والحكم على السويد والسويديين.
لكن الحرب إلى الأن لم تنته.. ولدي رغبة كبيرة في الأنتصار على أعدائي.
ليل الأحد الواقع في الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني/ من العام 1718. صعدت فوق سد ترابي ورحت أرى الطرف الأخرمن الحصن الذي يتمركز فيه الدانماركيين. من هذا المكان رحت أراقب كيف يستطيع جنودنا حماية أنفسهم من رصاص الأعداء من ظلمة الحفرة القريبة من الحصن.
من خلال الجبل الطويل أسمه/ جبل أوفاند/ كانوا يطلقون علينا الرصاص طوال الوقت. كانوا يستعملون الخردق الصغيرالقاتل. يطلقون علينا طوال الوقت.. الرصاص يعبربيننا. أحد رجالي حذرني أن لا أتسلق السد الترابي. لكن طوال حياتي كنت مغامراً ولم ألتفت إلى نصائح أحد او أهتم بكلامه!
إذا مت.. سأترك ورائي بلداً فقيراً وبائساً. بعد أن كان في عهد والدي قوياً ومنيعاً. أعرف تماماً إنني لن أستطيع أن أستعيد ما خسرته حتى لو حاربت ستة عشرة عاماً. لهذا يجب أن أهجم على الحصن الواقف أمامي.
الحرب الوحيدة الأهم حدثت خلال حياتي. لهذا.. ربما وقفت على السد الترابي بالرغم من التحذيرالذي سمعته. وفي تلك الظلمة.. لم أخف على الأطلاق من أن أصيب بطلق ناري. في تلك الظلمة أصبت بطلق ناري. طلقة صغيرة جاءت من الجانب الدانماركي أنهت حياتي المجازفة.
مات الملك كارل الثاني عشرفي عمر لا يتجاوز السادسة والثلاثين.
وضعوا الجثمان في التابوت وحملوه على عربة يقودها ستة أحصنة ونقل إلى استوكهولم.
كان الشتاء على الأبواب ورحلة الموت أخذت وقتاً طويلاً.
في الأول من يناير/ كنون الثاني/ وصل الجثمان إلى المدينة التي غادرها قبل تسعة عشرة عاماً.. إلى استولهولم.

الشوق، هذا الإله المتوحش، الذي لا يعرف الرحمة أو الشفقة، لا يهدأ ولا ينام ولا يموت.
إنه لغة النفس الخضراء المورقة، كامن في الأعماق، مفعم برائحة المطر وضوء القمر، يبحث عن فم بطعم السكر البري.
إنه متنافر، مضطرب متأرجح متطلب وملحاح، لا يستكين ولا يهدأ له بال إلا بعد الوصال.
إنه إله القلق والترقب والوحشة.

هناك صراع في الأقنية الخاصة الإسلامية المسيحية، على من يمتلك الحقيقة والشارع.
كل طرف لديه أسلحته وأفكاره وقناعاته، ميدانهما هي النصوص التي ولدت قبل آلاف السنين.
إنه صراع على امتلاك الماضي وتزيينه.
هذا الصراع الثقافي الفكري محبذ بالنسبة لي، فكلا الخصمين، متحمس ولديه أجندته وانتماءاته، كل طرف يخرج عيوب خصمه، ويفند افكاره، وسعملان على تدوير الماضي والبقاء فيه.
كل طرف يسفه الأخر، يحط من شأنه، يقلل من قيمته، بله يتعاملون مع النص كوسيلة وأداة لتأكيد موقفهما، بمعنى أن هذا الصراع ليس بقصد الفهم ومحاولة التغلب على الجهل، أو البناء على الوعي من أجل المستقبل، أنما لإخراج كل ما في النصوص من عيوب وإشكاليات.
يتعاملون مع الأخرين كأنهم أغبياء، لهذا كل طرف يضع النقاط على الحروف للإبقاء على الواقع المريض كما هو.
الساحة العامة هي الميدان، والمتابعين من على طرفيي الصراع هم بشر، بالكاد يفهمون ما يدور في الحلبة بين الأبطال المتقاتلين المنهكين.

قال أبو بكر:
من كان يعبد محمدًا فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فان الله لا يموت.
ماذا قصد أبو بكر بأن محمدًا قد مات؟
الا يحق لنا أن نفكر في هذا الكلام بعمق شديد، وإلى ماذا يرمي؟
إذا كان محمدًا قد مات، لماذا يعبد المسلمون الميت؟
الا يوجد في حديث أبو بكر إشارات غامضة؟
هل مات محمد كجسد، كإنسان، كرسول أو نبي، أو فكر أو وجود؟
المسلمون يقدسون محمد، ولا يسمحون لأي كائن أن يقترب من شخصه، تحت عقوبة القتل، إذا لماذا لا يلتفتون إلى كلام أبو بكر الغامض، بله يفتخرون بما قاله.
المسلمون من يقدسون بالضبط، محمد الجسد أم المفكر أم الرسول، وهذا الرسول أدى رسالته وانتقل إلى ربه كما قال أبو بكر، فلماذا يضعون خط أحمر عليه، ولا يسمحون لأي إنسان بالاقتراب منه سواء بموقف أو رأي أو تقييم أو رسمة أو نحت؟
من هو المقدس بالضبط، هل هو الرمز، الجسد، النص؟
الا يحق لنا أن نتعمق في قراءة الكثير من المفاهيم، وإلى أين تذهب بنا، حتى نستطيع أن نكون على بينة من أمرنا في هذا العالم المضطرب.
وهذا السؤال يحال إلى جميع الأنبياء، موسى وسليمان والمسيح وغيرهم، نحن في وقوفنا على المحراب، نركع ونصلي، لكن السؤال:
ـ لمن نصلي بالضبط.
الرموز أفخاخ قاتلة، الا تحتاج منّا إلى قراءة في داخلنا، أم أنها جزء من خارج سيكولوجيتنا؟

الرغبة، إرجوحة النفس المتآرجحة، تمنحنا الكثير من الدوافع، بيد أنها تغرقنا بالاضطراب والقلق وعدم التوازن، وتزرع في النفس الغيرة القاتلة.
في الغيرة تنكشف النفس على النفس، الخوف الوجودي على الرغبة الهاربة أن تبقى هاربة.
الخوف من العراء، من عدم القبض على الغايات، من استمرار انقسام الذات على نفسها، من عدم الانتماء.
إنه صراع بين الاحتفاظ بالذات أو العوز والوحدة.
إن يفلت الوجود من يدك، يرحل، وتنكشف على هزيمتك أو هشاشتك.
الرغبة، هي الطبيعة البرية التي لا تعرف أنصاف الحلول، أما أن تكون أو لا تكون

أمسك الكمنجة يا ولدي وأعزف، لنجن قليلاً ونخرج من غيبوبتنا.
دعك من الوعي والتصق بالروح والأفق. لنرقص، ولتشاركنا هذه البراري العذبة والأنهار العظيمة الألم ذاته.
ولتنهض الريح والنار من غفوتهما ويتحررا من القيد، قيدنا ونطير معاً.

السكين، تلك الأداة القاطعة الذي اخترعها الإنسان للدفاع عن نفسه في مواجهة قسوة الطبيعة.
السكين ذاته، ارتد عليه، تحول إلى أداة قاطعة لتمزيق نفسه وذاته.
هذا السكين ذاته، خلق التراتبية الاجتماعية والسلطة والمال.
هو ذاته زرع الخوف والانقسام النفسي والاجتماعي والإنساني، وعمق الظلم.

لم يعد للإنسان مكان يستند عليه أو أرض يقف عليها أو جذور يركن إليها ليرتاح من عناء التعب، سواء كان سياسيًا أو اجتماعيًا او إنسانيًا، فكل شيء حوله يميد ويتحرك ويتبدل بسرعة هائلة، الأحلام والأمال والأفكار والمواقف والثقافات والعلوم والاكتشافات. كلها في حالة انتقالات سريعة من مكان إلى آخر.
لم يعد هناك مجتمع مستقر أو إنسان مستقر ولا سياسيات يمكن الركون إليها لتكون مخرجًا للإحباطات الإنسانية.
أننا نتمزق دون أن يكون لدينا جسر نعبر عليه من ضفة إلى آخرى.
حتى المال لم يعد سندًا للمرء في عالم غير مستقر.


في غياب دولة مهيمنة على النظام الرأسمالي تتحول الساحة العالمية إلى مجال واسع للحروب والقتال دون ضابط أو مرجع.
من الواضح أن انسحاب الولايات المتحدة من النظام الدولي الذي أسسته في العام 1945 في طريقه إلى الانحسار والتلاشي, خاصة بعد وصول نخبة سياسية جديدة يمينية الاتجاه ومتطرفة على الصعيد الديني والسياسي إلى البيت الأبيض وبقية المؤسسات السيادية التنفيذية.
إنهم يذكرونا بخطابات هتلر, وانبعاث الشعور القومي من الرماد لتفعيله سياسيا من أجل السيطرة على المجال العالمي عبر وضع تفوقها العسكري على الطاولة وتخويف الجميع.
لم يعد هناك حلفاء في العرف الأمريكي الجديد, عليهم دفع الخوة المالية سواء بالإكراه أو الترغيب, فلم تعد اليابان وألمانيا مهمتان لها, بله خصم اقتصادي يجب تقليم أظفاره.
النظام الدولي والتجمعات البشرية على مفترق طرق خاصة أن نهج هذه الإدارة هي شق العالم القديم إلى نصفين عبر طرح تعاون كامل مع روسيا وعزل الصين والهند عن أوروبا.

قالت:
ـ لماذا يضع الله سره في الخمر والموسيقا والنشوة؟
قلت:
ـ إنه الشيطان, يأتي إلينا بهذه الصور الجميلة, ليحملنا من ثقلنا ويهرب بنا, منا, من هذا المكان الثقيل. لقد تمرغت حياتنا في أوحال الزمن المضني. لولاهم, لكانت الحياة كئيبة, ضيقة, باردة فيها رتابة وخمول وملل.
بيد أن السؤال:
بالله عليك, لماذا يخاف الإنسان, من الفرح والطيران؟



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس عن الدولة 352
- هواجس تتعلق بالرواية ــ 351 ــ
- هواجس وقلق 350
- هواجس فكرية وسياسية 349
- هواجس وطنية 348
- هواجس تتعلق بالقيامة ــ 347 ــ
- هواجس عامة 346
- هواجس القوة 345
- هواجس اجتماعية ــ 344 ــ
- هواجس فكرية ــ 343 ــ
- هواجس اجتماعية فكرية سياسية أدبية ــ 342 ــ
- هواجس أدبية 341
- هواجس عامة 340
- هواجس سياسة وأدب ودين ــ 339 ــ
- هواجس أدبية وإنسانية ــ 338 ــ
- هواجس في الأدب والسياسة والفكر 337
- هواجس فكرية ــ 336 ــ
- هواجس ثقافية أدبية سياسية فكرية 335
- هواجس إنسانية وسياسية ــ 334 ــ
- هواجس عالمنا ـ 333 ــ


المزيد.....




- شاهد لحظة هبوط معزز -ستارشيب- في خليج المكسيك بعد إلغاء التق ...
- هل سيبصر مشروع السكك الحديدية عالي السرعة ببريطانيا النور؟
- علقوا لساعات.. فيديو يظهر تعطّل لعبة ملاهي على ركابها في اله ...
- أم وابنتاها يقدمن مأكولات أردنية بلمسة عصرية في قلب دبي
- -سي إن إن-: بعض الدول الغربية بدأت في تغيير نهجها تجاه العلا ...
- أمريكي يقتل والده أمام أقاربه ويلوذ بالفرار
- الجيش الإسرائيلي يعلن حصيلة قتلاه منذ بدء الحرب
- روسيا.. ابتكار تقنية لتحديد حدود الأورام في الدماغ
- ارتفاع عدد سكان -منطقة الحظر- الإشعاعي بتشيرنوبل الأوكرانية ...
- روسيا.. العلماء يرصدون 8 توهجات شمسية قوية


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آرام كربيت - هواجس تاريخية ــ 353 ــ