|
من يضحك ْ لم يأتِه الخبر الفظيع بعد
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 1782 - 2007 / 1 / 1 - 09:13
المحور:
الغاء عقوبة الاعدام
مثلما يقول برتولت برشت: إن من يضحك لم يأتِه الخبر الفظيع بعد ، فاعدام الدكتاتور السابق كأضحية عيد هبة لآلهة الحرب الإمبريالية لن يؤدي إلى الخير لجماهير العراق والمنطقة المكتوية بنار ارهاب قطبي الإرهاب العالمي . وإن أولئك الذين هللوا شماتة وانتقاما لا يقرأون هذا السيناريو الأسود الذي هو نهج الإمبريالية الأمريكية. فقد تم ذبح صدام حسين أضحية في فجر عيد الأضحى، والحجاج يقدمون أضحياتهم من النعاج إلى الذات العليا ، مثلما قدّم إبراهيم النبي ّ أضحيته . وبذلك تم دفن حقائق كثيرة كان من حق الضحايا أن يعرفوها. فعملية إعدام الدكتاتور السابق كانت وستكون لها تداعيات سلبية تؤثر على وحدة وتماسك أهالي العراق، وأنها، على عكس ما صرح بوش، أن الأمر لم ينته بصورة جيدة، وأن العالم لم يصبح أفضل بدونه. وإن اعدام ر ئيس النظام البعثي السابق مثله مثل موت الحجاج بن يوسف وخلفاء بني أمية وبني العباس و مقتل العائلة المالكة ، و مقتل عبد الكريم قاسم و مقتل عبد السلام عارف ، و تسميم البكر ليس" بحجر زاوية في طريق العراق نحو الديمقراطية" ، حسب تعبير بوش ، بل هو استمرار لمسلسل سفك الدماء ، و تدشين مرحلة جديدة للاستبداد والطغيان وإن بأشكال مختلفة.
فالإمبريالية الأمريكية لا تبحث عن الشر ّ، بل تمارس الشرّ بوسائل الشر ّ الواقع وبخلقه ، وبايجاد الأرضية الخصبة لنمو أعداء وهميين للناس ، و كذلك بنشر بذور العداء والفرقة والشقاق بين البشر ، وبذلك تسعى لاكتشاف مخارج من الأزمات الإقتصادية ، والمحافظة على استقرار الرأسمالية والنظام العالمي الجديد ، وايجاد السبل الكفيلة لصعود الإمبريالية الأمريكية كإمبراطورية عالمية. وفي هذا السبيل واستمرارا في ألاعيبها الشيطانية وضعت الإمبريالية نصب سيناريوها الأسود كسب زعماء الشيعة، ومساومة ضمنية مع النظام الإيراني ، حيث يمكن أن تتغير الآية غدا حين تقتضي المصالح الرأسمالية ذلك. وقد كانت السياسة الخارجية الأمريكية منذ أكثر من ستين عاما نفسها بعد أن استهلكت سياستها الإنعزالية . ولم تتلكأ أمريكا في الذبح الإسلامي لصدام ، بل كانت تتربص بفرصة مناسبة. وفي ظروف كان وزيرا الخارجية والدفاع ومستشارون آخرون في إدارة بوش يتوصلون إلى نتائج ماكنمارا في الحرب الفيتنامية للانسحاب من فيتنام لتطبيقها في حرب العراق، وتتصاعد المعارضة الداخلية لسياسة العدوان الإمبريالية ، و في وقت تفشل أمريكا في تصدير أزمتها الإقتصادية إلى أوروبا فشلا ذريعا، وتتزايد الكراهية في الشرق خاصة والعالم للثقافة الأمريكية السائدة، لا يرى المحافظون الجدد الحكام في أمريكا حلا سوى في المعاملة الأكثر جدية مع زعماء الشيعة. فالذبح الإسلامي في عيد الأضحى ، واحتفالات المسيحيين بميلاد المسيح ورأس السنة ، و الأذهان متوجهة وجهة دينية ، كان من تجليات هذا التنسيق بين إدارة بوش و زعماء الشيعة في العراق. إن الدور الخبيث للسياسة الأمريكية في العراق في بث الفرقة والشقاق بين جماهير العراق لواضح وضوح الشمس لكل مراقب سياسي. فقد بينت عملية اعدام صدام المصورة بالفيديو والهتافات بحياة مقتدى الذي أُعدمت سلطة البعث والده ، بينت بشكل لا يقبل الشك أنها انتقام لأبناء مذهب ضد مذهب آخر . إن الإستشهاد بالتاريخ الدموي للانتقام والانتقام المضاد ، من قبيل الإنتقام للحسين بن علي ّ على يد المختار الثقفي ، و ابادة بني أمية ، وبني العباس ثأرا لأئمة الشيعة ، والهتاف باسم آية الله الصدر الذي قتله صدام ، إنما هو تأكيد على أن اعدام صدام لم ولن ينته بخير. وقد عرضت القنوات الفضائية لقطات تعمق من حجم الشقة بين الناس ، واستفزت مشاعر قسم منهم . فإن أمريكا بعنادها وعنجهيتها قد غاصت أعمق وأعمق في المستنقع الشرق أوسطي ، فلا تتراءى نهاية ما لهذه الانهار من الدماء. ولا أحد يستطيع أنكار جرائم صدام ونظامه البعثي في المقابر الجماعية وقصف حلبجة والأنفال وتصفية المئات من السياسيين ، ما يستحق عليه محكمة عادلة ، وكذلك ثمة قادة كثيرون في العالم أصدقاء أمريكا ارتكبوا و يرتكبون جرائم يومية بحق الإنسانية من قتل وتعذيب وارهاب ، وفي مقدمتهم اولئك القادة بوش وبلير وحكام مصر والسعودية والخليج وإيران. يقول كارل ماركس : إن الأفراد لا يصنعون التاريخ، بل على العكس، أن التاريخ هو الذي يخلق هؤلاء. ولتوضيح مقولة ماركس نقول ليس الدكتاتوريون هم الذين يفسدون العالم، بل أن العالم الفاسد بسبب النظام الرأسمالي ينتج ويعيد انتاج الدكتاتور لأجل المحافظة على هذا النظام الهمجي اللا إنساني. فاعدام الحكام المستبدين لم يكن حلا لمشكلة الإستبداد، بل أن هذا النظام يستبدل أفرادا احترقت أوراقهم وانتهت صلاحية عملهم بآخرين جدد بطاقات جديدة لم تصرف بعد.
إن ّ اعدام صدام لم يكن اقامة للعدل، ولم يكن اعداما للديكتاتورية ولسياسة الاضطهاد القومي والطائفي في العراق، و ما كان اعداما للمعادلة الظالمة التي حكمت العراق طيلة الفترة السابقة، و لم يكن اعداما للظلم والطغيان . فاعدام صدام ليس الا ممارسة العنف والإرهاب المنظم ، وأن على البشرية أن تقف بوجه أي عنف منظم. والإعدام ليس اقامة للعدل ، بل تحريف للعدالةـ لأنه بدلا من التصدي للأسباب ، يقوم بمكافحة النتائج والعواقب . لكننا- الشيوعيين- لا نقتل الطغاة ، بل نناضل في سبيل اسقاط النظام الذي يخلقهم واقامة نظام العدل والمساواة نهائيا وجذريا، و نوجه كل حقدنا و روح الإنتقام ضد النظام الرأسمالي لتغييره جذريا. من هنا نقيم الحد بين العنف والغضب، بين العنف الفردي الأحمق و الحقد الطبقي. يجب التأكيد أن النظام الذي أتى بصدام إلى الحكم ، وخلق سلطته الدكتاتورية الدموية ، وخلق سجون غوانتانامو ، وفضائح التعذيب في أبو غريب وبوكا ، باق لم يتغير. وإن اعدامه لم يغير شيئا في الجوهر، بل أطلق يد مجرمين جددا لمواصلة ارتكاب الجرائم . يبدو أنه بدلا من محاكمة الحكام فردا فردا ينبغي محاكمة الظروف والنظام السائد، إذ لا يستبعد قط أن الناس الذين يجلسون قبالة المتهمين كمدعين عامين أن يجلسوا في مكان المتهمين. فإن النظام الرأسمالي العالمي ولسخرية القدر يتخذ اليوم شكل المدعي العام لحقوق الإنسان يجب أن يحاكم محاكمة عادلة. ما كان يجب أن يُعدم صدام ، ولا أن يموت الشاه و سيسيسيكو دكتاتور كونجو ولا بينوشت. كان بقاؤهم مفيدا لكي يكشفوا المزيد عن جرائم النظام الذي هم من نتاجاته. كان يجب أن يوضحوا للبشرية الأبعاد الخفية لجرائمهم. لكن نفس القدرة "الالهية" التي قتلت الشاه محمد رضا بهلوي و موبوتو سيسيكو بمرض السرطان هي التي أقدمت على شنق صدام حتى الموت ، أو بالأحرى تقديمه أضحية لاله الحرب والرأسمال في عيد الأضحى. نعم ، أن النظام الرأسمالي يرمي أوراقه المحروقة، ودُماه منتهية الصلاحية إلى مزبلة التاريخ ، ويُجري على نفسه أعمال الصيانة والإدامة. إنه لا يقوم سوى بتغيير أدوار بيادقه ، ولفظ ما نفدت صلاحيتهم وقدرتهم على الأداء. إنه يغير وجوه رجاله، ويحافظ على العلاقات اللاإنسانية التي تشكل عصب حياته.
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية لا تعني الحريّة والرفاه والمساواة
-
ليلة يلدا
-
مات بينوشت تاركا الغصّة في قلوب أحرار العالم
-
تقرير بيكر_ هاملتون تأكيد على هزيمة النظام العالمي الجديد
-
نوبل والحيل الشرعية في دعم الرأسمالية العالمية
-
خمسة أعوام من نهش قلب الظلام
-
منشار الإحتلال الإمبريالي
-
اليسار الجديد في أوروبا.. يدا بيد مع القوى الرجعية الإرهابية
-
عزرا باوند طالبانا
-
نداء البراري_ صراخ المحرومين
-
في ذكرى سقوط جدران برلين – الشبح يحوم
-
الموقف التحريفي ّ للستالينية واليسار القومي من السوريالية
-
عدالة الجبابرة الفاتحين
-
في ساقية الجنيّات
-
أورتيغا من ثوري ّ إشتراكي إلى اصلاحي برجوازي
-
فيتنام والعراق - جرائم الطرف الواحد و جرائم الطرفين
-
بريشت والحرب الإمبريالية
-
الإنسان في النظرة البرجوازية الغربية
-
شاعر المقاومة بول ايلوار
-
وضوح الرؤية بعد وصول اليمين الوسط إلى الحكم في السويد
المزيد.....
-
المحكمة الدولية: على الدول التعاون بشأن مذكرتي اعتقال نتنياه
...
-
الأمم المتحدة: نصف عناصر الجماعات المسلحة في هايتي أطفال
-
اليونيسف: نسبة غير مسبوقة... نحو نصف أعضاء الجماعات المسلحة
...
-
في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة وتزامناً مع انطلاق
...
-
آليات الاحتلال تطلق النار العشوائي على خيام النازحين في مواص
...
-
الأونروا: نصف مليون شخص في غزة معرضون لخطر الفيضانات
-
-هيومن رايتس ووتش-: استهداف إسرائيل الصحفيين في حاصبيا جريمة
...
-
عدنان أبو حسنة: منظمات الأمم المتحدة ليست بديلا عن الأونروا
...
-
تشديد أمني وحملة اعتقالات تستهدف مسيرة لأنصار عمران خان في ب
...
-
منخفض جوي على غزة.. أمطار غزيرة وأمواج البحر تغرق خيام الناز
...
المزيد.....
-
نحو – إعدام! - عقوبة الإعدام
/ رزكار عقراوي
-
حول مطلب إلغاء عقوبة الإعدام في المغرب ورغبة الدولة المغربية
...
/ محمد الحنفي
-
الإعدام جريمة باسم العدالة
/ عصام سباط
-
عقوبة الإعدام في التشريع (التجربة الأردنية)
/ محمد الطراونة
-
عقوبة الإعدام بين الإبقاء و الإلغاء وفقاً لأحكام القانون الد
...
/ أيمن سلامة
-
عقوبة الإعدام والحق في الحياة
/ أيمن عقيل
-
عقوبة الإعدام في الجزائر: الواقع وإستراتيجية الإلغاء -دراسة
...
/ زبير فاضل
-
عقوبة الإعدام في تونس (بين الإبقاء والإلغاء)
/ رابح الخرايفي
المزيد.....
|