وليد عبدالحسين جبر
محامي امام جميع المحاكم العراقية وكاتب في العديد من الصحف والمواقع ومؤلف لعدد من
(Waleed)
الحوار المتمدن-العدد: 8164 - 2024 / 11 / 17 - 08:46
المحور:
سيرة ذاتية
لن أنسى معلمة القراءة في الصف السادس الابتدائي حينما طلبتْ منا في أحد دروسها أن نكتب إنشاءً نعبّر فيه عما نحبُّ فكان الموضوع الذي كتبته على السبورة (الأم ).
قالت المعلمة لكم وقت الدرس كله كي تعبروا في دفتر الإنشاء عن هذا الموضوع و أسحب الدفاتر منكم في نهايته .
بصراحة أخذتني الحيرة ماذا أكتب عن أمي ، عن طيبتها التي جعلتنا ننكمش أمام أبينا وننطلق أمامها ، نقول كل شيء لها ما نخفيه عن أبينا ، نشكو لها ما نمر به ، نكلفها قضاء شؤونا عند الأب ، عن صوتها منذ الفجر ، عن صوت يديها التي أنهت جمالها أعمال البيت والخبز في التنور الطين ، عن تنقلها بين مكان الحيوانات كي تأتي لنا بالحليب الطازج منها ، عن ماذا أكتب ؟
بقيتُ أفكّر دقائق حتى خشيت أن ينقضي وقت الدرس ولم أكن قد كتبت شيئاً فأرسب في امتحان الإنشاء .
لا أذكر ما كتبته في حينها ولكنني أتذكر أن معلمتي في اليوم التالي حينما وزعت علينا دفاترنا ، جعلت دفتري آخر من يسّلم وحينما أعطتني إياه طلبت مني أن أقف بالقرب منها عند السبورة قائلة للطلاب جميعا ، تعلموا من وليد كيف تكتبون، فقد أبكاني تعبيره عن الأم ، ومتأكدة سيكون كاتبا في يوم ما !
للأسف نسيتُ الآن اسم معلمتي ولم أعرف مصيرها كي أقبّل يديها على تشجيعها لي وزرعها فيّ حب الكتابة والقراءة فعلا ، غير أني لا مازلت حائراً ماذا أكتب عن الأم ، ولكن اهتديت إلى حقيقة عشتها وأعيشها ربما تحل جزء من حيرتي ، أن الأم مهما قدمنا لها سنبقى مقصرين ، قد نتفاوت كأبناء في الوفاء إلا أننا جميعا مقصرون ، في صباح يوم اصطحبت أمي لزيارة المراقد المقدسة لعلمي أنها تعشق هكذا رحلة ، وكنت أخفف خطواتي كي أسير معها في ظل زحام الزوار ، وأحسب إني فعلت خيرا في تحملي عناء الزيارة والتكفل بمصاريفها ، غير إني في داخل المرقد المقدس الذي يزوره الآلاف شعرت بأني لم أفعل شيئا أصلا ، لإنني وجدت أبناء يدفعون عربات أمهاتهم رغم التعب والزحام والعناء ويبذلون في سبيلهن جهود مضنية ، فشعرت كم أنا متوهم حينما حسبت نفسي أني قدمت لإمي شيئا فقياسا لجهودها معي وتاريخها المعطر بالعناء والوفاء وما شاهته من عناء كثير من الابناء مع امهاتهم إنني لا زلت مقصرا وحائرا كيف أعمل كي أفي حق أمي وماذا أكتب عنها.
#وليد_عبدالحسين_جبر (هاشتاغ)
Waleed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟