|
في التأسيس للسوسيولوجيا
صلاح الدين الغزواني
الحوار المتمدن-العدد: 8163 - 2024 / 11 / 16 - 21:06
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
صحيح أن AUGUST COMTE هو من صك تسمية SOCIOLOGIE وهو من بادر أيضا بجعل هذا العلم علما وضعيا تنطبق عليه شروط البحث في العلوم الطبيعية لتحقيق الموضوعية التي حققتها هذه الأخيرة، لكن ما لم يفعله كونت، فعله DURKHEIM من بعده. لقد اتفق العلماء بأكملهم بأن العلم هو الموضوع والمنهج، وبالتالي فالموضوع يكون دائما متاحا للجميع سواء كان ذلك بطريقة علمية أم بأخرى ساذجة، لاكن المنهج دائما مايكون حجر الزاوية لأي علم كيف ما كان شأنه. إن مايحسب لدوركايم في السوسيولوجيا هو أنه وضع أسسا علمية صارمة كانت ولازالت وستبقى مرجعا لاغنى عنه في تناول الظواهر الاجتماعية، فهو من جهة بين الخصائص التي يجب أن تتميز بها الدراسات في علم الاجتماع، ومن جهة أخرى صك قواعد منهجية صارمة تحاكي نظيرتها في العلوم الطبيعة لغرض واحد ووحيد وهو تحقيق الموضوعية التي مافتئت العلوم الاجتماعية تعاني من محاولة فك شفراتها المعقدة والمستعصية. فأول خطوة يجب أن يقوم بها الباحث في علم الاجتماع، حسب دوركايم، هي الوقوف في ضفة مقابلة للظاهرة وتبعدها في نفس الوقت، بمعني تشييء الظاهرة الاجماعية كما شيّء CLAUDE BERNARD الأرانب في تجربته الشهيرة " بول الأرانب". وبالتالي فعلى الباحث أيضا أن يحرر تفكيره وعقله من كل فكرة سابقة سمع بها او يعرفها عن الظاهرة كي لايقع أسير أفكاره السابقة التي غالبا ما تكون مزيفة وتساهم في بناء بحث هش لم يخضع لأهم شروط الموضوعية. ويبقى تعريف الظاهرة تعريفا دقيقا عنصر جد أساسي في تحديد مانبتغيه للدراسة، كي لايتيه الباحث في الموجات العديدة التي يوحي بها اسم الظاهرة. يقول دوركايم في كتابه LES REGLES DE LA METHODE SOCIOLOGIQUE أن علم الاجتماع المقارن، ليس فرعا من فروع علم الاجتماع فحسب، بل هو علم الاجتماع بالذات، لذلك قال دوركايم بمنطق المقارنة في دراسة الظواهر الاجتماعية، ودراسة العلاقات التي تربط الظاهرة بما عداها من الظواهر التي تنتمي إلى شعبتها. بالاضافة إلى ضرورة العودة للتاريخ لتفكيك هذه الظواهر والبحث عن خصائصها البدائية أو الأولية، وبالتالي الكشف عن الوظيفة الاجتماعية التي تؤديها الظاهرة وما خضعت له من تحول وتطور في المجتمعات الحديثة، وهذا بالضبط مافعله دوركايم عندما درس " الطوطمية" في قبائل " الأورنتا" الأسترالية. وكأي علم طبيعي، يجب أن يتوصل الباحث في علم الاجتماع إلى القوانين التي يجب صياغتها بدقة لأنها هي التي تكون مادة العلم.
السؤال المشروع الذي يجب طرحه هنا، هو: لماذا هذا الإنحراف المنهجي الحاد نحو العلوم الطبيعية؟ سؤال مشروع إلى أبعد الحدود ما دامت الظاهرة الطبيعية ليست هي الأخرى الإنسانية، كون البحث في هذه الاخيرة يكون المبحوث فيه من جنس الباحث، بل وأكثر من ذلك، فالمبحوث هو أيضا ذات عاقلة، وهنا الفرق بين الميدانيين. لا يجب أن نخرج هذا الإشكال عن سياقه الزماني والمكاني، وبالتالي فالعلوم الإنسانية التي أقامت ثورة في القرن 19 ماهي إلا تحصيل حاصل لما نجح فيه العالم في مختبره في القرن 17، والذي مهدت له بدوره عدة تحولات فكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية، وبالتالي بحث العالم عن الحقيقة والشفافية وتحقيقه للموضوعية واعتماده على العقل، كل هذه عوامل ساهمت في ازدهار العلوم الطبيعية وتحقيقها لنتائج علمية رصينة الى درجة قتل الإله الذي لم يعد له مكانة في الفكر الغربي لكون العلم هو الإله الجديد المجيب والمستجيب للقضايا التي تحير الحيوان العاقل. كل هذا يدخل في نطاق الحداثة، التي بدورها ليست اختيارا، بل هي نتيجة لمجموعة من التحولات فرضت نفسها على العالم الغربي، وبالتالي لم يكن للعلوم الإنسانية عامة والاجتماعية على وجه الخصوص اختيارا إلا أن تحدو حدو هذه العلوم التي حققت النجاح الباهر ولفتت الأنظار من كل الاتجاهات. وهذا الرأي لاينطبق على العلوم الاجتماعية فقط، بل شمل كل قطاعات الحياة، فالكل أصبح يريد أن يضبط، يحسب، يكمم، وخير مثال على ذلك هو الأنظمة الإدارية وماتشهده من بيروقراطية صارمة وصلبة تكاد تخنق من يطبقونها أنفسهم.
#صلاح_الدين_الغزواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كقاطرة لتحقيق التنمية
-
الهوية تحث مجهر أمين معلوف
-
العولمة كبراديغم للتفكير
المزيد.....
-
مسؤول أمريكي: بايدن سمح لأوكرانيا باستخدام أسلحة أمريكية بعي
...
-
مصر: البرلمان يقر مبدئيًا قانون لجوء الأجانب.. ما هي أبرز بن
...
-
الحوثيون يعلنون استهداف عدد من المواقع العسكرية والحيوية الإ
...
-
-نيويورك تايمز-: بايدن يمنح كييف الإذن بضرب العمق الروسي بال
...
-
وسائل إعلام: ترامب يشكل إدارته بوتائر قياسية
-
لافروف يصل البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين
-
إعلام غربي: أوكرانيا تستعد لشن ضربات على العمق الروسي خلال ا
...
-
هل يجر نتنياهو ترامب لحرب ضد إيران؟
-
الجيش اللبناني ينعى جنديين قتلا في قصف إسرائيلي استهدف مركزا
...
-
غزة.. نساء يعملن على إعادة تدوير الأقمشة
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|