خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8163 - 2024 / 11 / 16 - 16:48
المحور:
الادب والفن
حلمنا بمدنٍ لم تُخلق بعد،
حيثُ الأمواج تُرَقّصُ الهواء،
وحيثُ الجبال شِعْرٌ يتلى على أسماع الزمن.
حلمنا بقلبِ مدينةٍ أُعجِبَت بنفسها،
عرَّت ضفافَ نهرٍ خجول، ونادَت علينا:
"هل فيكم قلبٌ يُفصح عن أحلامي؟"
في مدنِ الأحلام،
حيثُ النايات بُيوت،
والصخور آهاتُ شعبٍ لم يولد بعد.
وفي عيونٍ بعيدة،
تأتينا الرسائلُ مكتوبةً بنبضٍ سريّ،
تذوب الكلماتُ فيها كأطياف،
تترك آثاراً من نورٍ،
وتصير خيوطاً تأخذنا نحو عوالمَ لا تُرى.
هناك، في الأعالي،
غيمٌ يتشكل بوجهِ فارسٍ مكسور،
ينظر إلى الأسفل ويرتقب ثوران البحار.
في يديه عظامٌ متكسرة،
أوراقٌ تحكي قصصاً لم يعرفها أحد،
وكلُّ غيمةٍ منه تحوي ذكرى مُخَبّأة.
وفي زاوية الغيب،
يمشي زمنٌ هادئ، مُتلثمٌ بالحكمة،
ينثر رمادَ الأيام ليبني مناراتٍ
تُضيء لمن تاهوا في متاهةِ الأسئلة.
في قلبِ مدينةٍ ليست في الزمان،
تسمعُ الخطوات كأنها قصائد،
وترى الأحجار كأنها أوراقٌ تُغني،
وأنتَ في تلك اللحظة لا ترى أحداً سواك.
تحسُّ أن الزمنَ صار ظلًّا يتبعُ أقدامك،
وأنت، تُفتِّش عن ظلٍّ آخر،
لعله يُفضي بك إلى سرِّ الوجود.
في مدينةٍ تشتاقُ لكل زائرٍ، تُطل النوافذُ كعيونٍ قديمة، تُشاهدُ وجوهَ الحجاجِ والحالمين، كلهم يأتون ثم يرحلون، يتركون خلفهم عبقَ حكاياتٍ، وأنت وحدك من يسمع تلك الأصوات الهامسة في الليل.
وفي زوايا تلك المدينةِ،
تنتظم الأصداء كأنها أنفاسٌ مستديمة،
تسألُك إن كنتَ تفهم لغةَ الوجود.
تحاولُ أن تجيب، لكن الكلمات تُناديكَ لتصمت،
وتتركها تُفسر ذاتها بحديثِ الفضاء.
هنا، في هذا المكان،
تكتشفُ أن الجمالَ ليس لوناً أو شكلاً،
بل هو تواطؤُ الأشياء على محاكاةِ لحنٍ خفيّ.
في ليلة صافية، تدورُ النجمات حول قبةٍ ذهبيةٍ تُخبر القمرَ عن مدينةٍ،
تُرتلُ فيها الأرضُ للسماءِ قصائدَ بلا حروف.
في القدسِ، كل حجرٍ آيةٌ خرساء،
لكنها تسري في الروح كنسيم الفجرِ على جناح صلاةٍ قديمة.
وفي صمت الأزقة، صوتٌ لا يُسمع، لكنه يناديني:
"تعالَ، اقترب، فإن للغائبين شوقًا يفوق الوصل،
وإن للراحلين عودةً مكتوبةً على جدرانِ الانتظار."
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟