آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8163 - 2024 / 11 / 16 - 15:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قال المتنبي
إذَا أَنْتَ أَكْرَمت الكرِيمَ مَلَكْتَهُ... وإن أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئيمَ تَمَرُّدا.
أكبر غلط أقدمت أوروبا عليه أنها قبلت لجوء المسلمين لها.
كانت سمعة السويد راقية في العالم، جاء هؤلاء إليها بقصد اللجوء والهرب من الحرب، وبعد فترة قصيرة بدأوا يتمردون على قوانين الدولة والإساءة إليها.
قالوا مرات كثيرة عنها في الصحف وفي الأقنية الإسلامية، مثل قناة الجزيرة الإسلامية، أن السويد تسرق أطفال المسلمين، على أساس المسلمين أكابر، وجاء الأخر وسرق أطفالهم.
أنا شبه متأكد أن هناك عشرين بالمئة من أطفال المسلمين في العالم بين مشرد ولقيط وشحاذ وحرامي ونشال ويقتاد زاده من على المزابل، مع هذا لا يوجد قناة تتكلم عنهم
أكتب عن المسلمين بصفتهم سياسيين، وأن الحريات والهمجية في صراع عميق ودائم وسيستمر، وأنا مع الحرية، مع الديمقراطية، مع وجود دولة المؤسسات الفاعلة.
أحد هؤلاء المسلمين لديه قناة خاصة، ويبعر ووراءه طرش، يقول: السويد دولة من ورق.
تصور أن هذا الكلام يصدر من واحد همجي، موقعه أسمه شؤون إسلامية.
الغلط الثاني الذي أقدمت أوروبا عليه، أنها قبلت ناس يرفضون وجود الدولة كمؤوسسة فاعلة متعددة الوظائف، ولا تنتمي إلى دين أو قومية، اقصد الدولة كمفهوم حداثي، هؤلاء لن يندمجوا بالدولة، هذا ليس من تقاليدهم، ولا من دينهم ولا من فكرهم السياسي.
ملاحظة: سأعيد ما كتبته، أنا أكتب عن الإسلام بصفته كيان سياسي.
أنا مقتنع أن الأوطان مجرد لعبة، بيادق، رقعة شطرنج، بيد صناع القرار السياسي والاقتصادي.
ولا يزال بيننا من يفكر بعقلية القرون الوسطى.
الوطن لم يعد حدودًا، خرائط نرسمه ونقصه ونفصله على مقاسانا.
إنه مقصوص بمشرط صانع القرار بشكل مسبق. علينا إدراك ذلك. إن نحاول نعرف كيف ننظمه بيننا، نعرف كيف نعيش معًا، حتى لا يتم خطفه منا بين زمن وزمن، والمرة تلو المرة
إنني أرى، أبطالا يتقاتلون على قسمة ليس لهم فيه جحر أو وكر أو موضع.
اعقلوا، وتعلموا كيف تعيشوا معًا في المكان الذي سوروه لكم.
العاقل الذي يعرف كيف يطوع المكان لصالحه بشكل عقلاني.
زمن العضلات ولى، إلا إذا أردتم ان تستمروا كوقود لمن يريد أن يحرقكم.
حتى في الدفاع عن الحرية، هناك خيارات كثيرة ومتعددة. ولا تقتصر على طريق واحد.
لولا بعض المحسوس، لأصبح الكون كله مجردًا
هناك مزايا كثيرة جدًا في النظام الرأسمالي، منها أنها استطاعت كسر الكثير من التراتبيات القديمة كتقديس الذكر، واحتقار المرأة.
حطمت ولا تزال تحطم الكثير من العادات والتقاليد القديمة، أخرجت المرأة من البيت، من الحطام الذي كانت فيه عندما كانت ضمن الجدران الأربعة، في السجن الديني وعاداته وقوانينه وقراراته.
غيرت العلاقات الاجتماعية كلها، قزمت الدين، بل أنه في الطريق إلى لفظ أنفاسه، ومعه القومية.
بل أصبح للفرد قيمة وصوت.
اليوم أصبح لجميع الناس لهم صوت وصورة معترف بهما، وصفحة شخصية عامة، دولية، يطل من خلالها على العالم كله، يعبر فيها عن أفكاره وقناعاته ونفاقه وكذبه وتفهاته وجهله.
بل أجبرت الدول على سماع أصوات الناس، بما فيهم الغوغاء.
لقد حطمت الرموز الكبيرة، والمكانة، قزمت المثقف ورجال السياسة والدين والدولة.
اليوم الجميع على مفترق طرق، نحن في أول الغيث، لا نعرف إلى أين سيأخذنا الطريق الطويل.
منذ العام 2011 لم يبق للحاكم أية قيمة، بل تحول إلى مسخ، يرمى بالسباب ومراقب من قبل الجميع، ولم يعد هناك كبير أو صغير في عالمنا.
الحصادة بدأت تحصد كل شيء، المشوار بدأ
غزة، قال الراوي عنها أنها كانت جزءًا من جزيرة كبيرة في وسط البحر، مملوءة بالناس، غنية جدًا، بل ساحرة يجوبها التجار والرحالة والباحثين عن المال والجاه، والأطباء الذين لديهم حب ورغبة في اكتشاف أنواع جديدة من الأعشاب لمداواة المرضى والمجانين.
وجاؤوا إليها من الهند والصين وأفريقيا واليابان والأمريكيتين.
وكان هناك الرحالة العابرين، والسحرة وكتاب الرقع والمنجمون، وصناع أثواب الحرير والكتان.
حفروا الغزاويون الآبار عميقًا، أخرجوا الماء النقي من باطن الصخور، ومدوا الأقنية المائية تحت حجارتها الصلبة مئات الكيلو مترات.
زرعوا الأشجار المثمرة كالدوالي والتين والتفاح والرمان، كما نبت التين البري والزيتون الأسود والأخضر.
وصنعوا الشباك، وصنعوا السفن بأنواع كثيرة، واكتشفوا الشراع، وجابوا البحار، وسافروا إلى مناطق بعيدة للبحث عن المرجان والألماس واتجهوا شمالًا لاصطياد سمك السلمون والسلاحف البحرية.
كانت غزة محط أنظار العالم كله، وحسدهم، وأرادوا النيل منها.
فكر العلماء والمفكرين والشعراء والمنجون في تلك الحقبة القديمة من زمن العالم كيف يجابهون هذه الغزة، ويدمروها.
في ذلك الوقت لم يكن هناك سماء أو الله، ولا مؤمنين بالغيب، ولا حماس أو حزب الله أو إيران الدجالة أو تركيا الوسخة.
قال أحدهم:
ـ لماذا ندمرها أو نقتل شعبها، تعالوا نسحبها، نجرها جرًا من مكانها وندفعها من الأسفل إلى الأعلى لتسوح في الأرض لتبقى دون مرسى أو شاطئ، نحول مكانها إلى مكان ونغير أحوالها بعد أن نغير موضعها.
قال آخر:
ـ كيف سنغير مكانها، وهناك الناس والعمارات والحيوانات فوقها، هذا مستحيل، قال آخر:
ـ نعومها، قال آخر:
ـ نحفر تحتها، تحت ماء بحرها، نعزلها عن جذورها، نرحلها عن المكان، ننحيها، في هذه الحالة ستفقد هذه البقعة من الأرض علاقتها بماضيها، بجذورها القديمة.
نزل الناس إلى تحت البحر، بمئات الآلاف، بل بالملايين من البشر، بحماية ومساعدة السفن والحيوانات إلى أن فصلوا اليابسة عن جذورها في أسفل البحر.
دفعوا الجزيرة إلى وسط البحر، ارتفع المد والجزر إلى الأعلى بعد أن اقترح البحر على نفسه أن يرفع ماءه ويرتفع إلى الأعلى فعوم الجزيرة، وأخذها معه، وعام بها إلى أن ضاعت في وسط المحيطات والبحار.
المأساة الكبرى أن هذه الجزيرة لا زالت عائمة إلى يومنا هذا، وعليها ناسها وسكانها وكل مستلزمات حياتها.
يولد الإنسان حرًا نقيًا أنيقًا منتميًا إلى الوجود، متناسقًا مع ذاته وذات الوجود.
يستمر الطفل دون خلفيات مسبقة، دون إرادات دافعة بهذا الاتجاه أو غيره، يشعر أن هذا الكون ملعبه، مكان لعبه وفرحه ومرحه.
يبقى سعيدًا منشرحًا باسطًا ذراعيه للحياة برحابة صدر.
عندما يبدأ وعيه بالتشكل، يبدأ الانفصال عن ذاته، ينقسم على نفسه وكأن ذاك الطفل ليس القائم حاليًا.
هذه الغربة يعاني منها العاقل أو الذي نسميه العاقل، وتستمر غربته بالتشكل والتوسع، والبقاء ما بقي.
اسوأ من دمر البشر هو الوعي المتموضع فوق العقل.
أنا من صنع منك ذلك الكائن الجميل....
لونتك، زينتك، نحت وجهك وجسدك بلون السماء والأشجار والتلال واصبغت على ظلالك كل هذا البهاء.
وجعلت منك دون إرادة مني اللوحة الخلفية لذاكرتي وتكويني ورغباتي الدفينة.
هذا التاريخ لا يمكن أن يكون خطيًا، هو انقطاع وتواصل، وكل مرحلة لها حمولاتها وشروطها وقوانينها ضمن السياق العام للقانون العام للحياة.
إنه قانون نفي النفي، دائري، ينطلق من نقطة ثم يعود إلى النقطة ذاتها، بيد أنه يكون محملًا بحمولات أخرى ثقافية وفلسفية وفكرية، وقيم أخرى اجتماعية أو دينية.
و لا يمكن لمرحلة زمنية أو حقبة زمنية أن تشبه التي قبلها لا في المجسد ولا في المجرد، لا في البيت الواحد ولا في البيوت الأخرى، القصد في الحضارة الواحدة أو في غيرها.
ولا يمكن أن يكون الفكر الذي عاش في القرن الواحد يشبه القرن العاشر أو العشرين.
وكل نص يقرأ وفق زمنه أو حقبته، ولا يمكن قراءة نص عاش في القرن السابع أن يقرأ كما نقرأ في عصرنا.
في زيارة بابا الفاتيكان لمدينة أور السومرية قبل أشهر، هناك رائحة عفنة انبعثت في الفضاء السياسي، من هذا الدلال السياسي الر خ يص.
في الحقيقة لا يأتي من الدين إلا هكذا رائ حة.
فمدينة أور، هي العاصمة السومرية، الواقعة على مصب نهر الفرات في الخليج العربي قرب إريدو، شيدت قبل أكثر من خمسة آلاف وخمسمائة سنة.
الزيارة تمت لموقع أثري يسمى، الزقورة، كان معبدًا للإلهة أنانا، إلهة القمر.
يعتقد هذا البابا، أن إبراهيم الخليل، الشخصية الوهمية، شرب كأس عيران في طريقه لحران، وشوي خاثر مصنع في الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا الفاس د، جاء ليضع حجر الاساس لإلغاء هذا الحضارة العظيمة لشعب عظيم، السومرين، ويستبدلهم بمجموعة رع اع، رع يان الخ نازير، لا ثقافة ولا علم ولا تاريخ محترم، قصدي اليهو د.
هل يريد هذا البابا أن يزوّر حضارة المنطقة، لمصلحة قطاع الط ر ق؟
اعتقد أن تركيا وأذربيجان اكتشفا عمق الورطة التي وقعا فيها في حربهما ضد أرمينيا.
كانوا في صراع مع عدو صغير، وكان بالأمكان التفاوض معه في الوصول إلى أتفاق يرضي الطرفين.
ليس مهمًا المدة الزمنية التي ستستغرق مدة المفاوضات، المهم أن يكون هناك صبر طويل، ونوايا جدية وضمانات لبقاء السكان في أراضيهم وحمايتهم تحت أشراف الأمم المتحدة.
اليوم دخل على الخط عدو ضخم، روسيا، له مطالب عظيمة، وشبق تاريخي عميق في السيطرة على القوقاز أولًا، وتهميش تركيا وتقزيمها، والتمدد في العمق باتجاه الدول الإسلامية الناطقة بالتركية، التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي.
مع الأسف، أن كلا الجارين ارتكبوا حماقة كبيرة في قتالهما مع بعضهما، وقدموا ضحايا ثمينة دون مكسب سياسي، قتلى وجرحى ومشوهين وخراب العمران، وفسح المجال لعدو أخر أن يأخذ كل المكاسب دون تعب، ودون أن يدفع نقطة دم واحدة.
الحمقى لا مكان لهم تحت الشمس خاصة عندما يكون تفكيرهم محدود.
اليوم الأرمن يتظاهرون ضد الدولة، يريدون متابعة القتال، يا للحماقة.
الجيش الأرمني غير جاهز لوجستيًا، ولا يملك أسلحة حديثة وليس له عمق استراتيجي مع اي دولة، وليس لديه عتاة ولا امكانيات مادية.
لو كنت مكان باشانيان لطلبت الاستسلام من أول يوم.
الاستسلام في السياسة ليس هزيمة، هو البحث عن خيارات أخرى في المستقبل.
دول عظمى استسلمت، الألمان احتلوا فرنسا ، وباريس بأيام ودون قتال، المانيا استسلمت مرتين وبإذلال، لكن المانيا لم تمت، ولم يعيبها هذه الهزيمة، فقد قامت من الرماد ولكن بخيارات أخرى
الدولة هي الدولة، في جوهرها أداة قمع واخضاع واستلاب، تحتكر القوة والتنظيم عبر أذرع متعددة كالمؤسسات الفاعلة التي تقبض على المجتمع وتخضعه لمتطلباتها.
تتغير في الشكل، بيد أن جوهرها هو هو، أي أنها تنظم النوازع والرغبات والمصالح في ذاتها والمجتمع، وتضع غلة المكاسب في حصالة النخب المالية والبنوك والشركات الكبرى.
استطاعت الدولة في البلدان الغربية عبر صيرورة طويلة، وصراعات مفتوحة بينها وبين نفسها، وبينها وبين المجتمع أن تهذب مخالب السلطة شكلانياً، بمعنى أن تخبئ هذه المخالب باقتدار، وتضعه في قفاز من حرير، وأن تقلب مطالب المجتمع السياسية، من التغيير السياسي الرئيسي إلى سياسة مطلبية شكلانية، لا تمس جوهر السلطة ومصالح النخبة المالية والسلطة.
أصبح واضحاً للجميع أن أقصى مطالب الناس في الدول الديمقراطية هو الحصول على العمل وشراء فيلا جميلة وسيارة فارهة.
من أجل سلامها السياسي الداخلي استطاعت الدول الديمقراطية المركزية أن تفرغ المجتمع من المطالب في التغيير السياسي الرئيسي لتضعه تحت السياسي، أي في عب المجتمع المدني، لتتفرغ للتحكم في هذا العالم السياسي على مستوى العالم.
ومع هذا ما زالت الدولة الديمقراطية تعرف قانونياً بدولة المواطنة. بمعنى، أن الدولة تضع قوانينها وإرادتها فوق المجتمع وتبقى على مسافة منه، أي بعيدة عن ذات المجتمع وحيوات الناس ومشاعرهم وصراعاتهم الذاتوية، وتبقى الحقوق والواجبات عامة، كبناء فوقي، دون الدخول في البناء الذاتي للإنسان، وكأن لسان حالها يقول: هذا علفك يا كديش، تأكله صباحاً ومساءً، وأن عليك أن تسير وفق هذا الخط وأي انزياح عنه يحيلك إلى مصير مجهول. لا مكان للقفز عمّا خطته هذه الدولة لك، ولا إرادة أو حرية لك خارج هذا الغطاء القانوني.
من بعيد، تبدو الأمور صحيحة وصحية وراسخة، وعال العال، بيد أن الواقع يقول غير ذلك تمامًا. ما زالت القوانين الصادرة عن الدولة تشكل غربة عميقة في علاقة الإنسان بنفسه وبالآخرين. عملياً، تخلق الدولة، قوانينها حواجز ومسافات متباعدة، وآلية انفصالية، تفصل الناس عن بعضهم بحدود وحواجز عالية جداً، تهيمن عليهم، بل تسيطر عليهم دون إدراك المجتمع لقسوة القانون وتدجين حيوات الناس وتمزيق إرادتهم ورغباتهم. كأن لسان حالها يقول:
أنت كانتون في وحدتك، كائن مقيد بما نمليه عليك. إن إرادتنا كدولة هي فوق إرادتك، وعليك أن تذوب في ذاتنا. أنت لا شيء دوننا، ولا شيء خارج قوانيننا. أنت لا مواطن خارج قوانيننا، كائن ممزق، غريب. وبالرغم من أن قوانيننا غربة، بيد أنك خارجها. أنت لا شيء.
الديمقراطية ليست من مرتكزات الدولة، إنها دخيلة عليها، ثوب يتم خياطته على مقاس النخبة الحاكمة. ويمكن اللعب عليها وفيه وحولها وتغيير اتجاهها وخط سيرها كما فعل هتلر. إنها برقع أسود يغطي عيوب السلطة وممارساتها القذرة.
ومع هذا ينبغي القول إن الديمقراطية أفضل إنجاز سياسي على مدار التاريخ السياسي العالمي، وهي أقل قسوة من التسلط السياسي المباشر، كأن يعتقل الإنسان لرأيه أو لمجرد التفكير أو محاسبته لهفوة أو الدخول في ذاته الشخصية ومراقبة تفكيره وسلوكه الشخصي. هي رابط المؤسسات بالقانون، وخاصة السلطة التنفيذية.
لم تصل البشرية إلى بناء نظام مفهومي جديد يقود هذا العالم إلى احترام الإنسان والطبيعة والحيوان وبقية الكائنات، لأن جوهر الدولة يرتكز على دعائم القوة وتنفيذ إرادة النخبة.
إن السلام الاجتماعي الذي نراه في المجتمع هو مجرد سلام سياسي، أي لا سلام. إنه سلام مختلس يمكن أن يتمزق إرباً إربا، لهذا عليك الامتثال لإرادة الدولة الكلية القدرة. إنه سلام نخبوي، منحة من الدولة تستطيع أن تأخذها متى تشاء وفي الظروف التي تريدها. والمعطيات الحالية تشير إلى ذلك على صعيد العالم.
إن الخطر الذي يتعرض له المجتمع في هذا العالم أكثر من واضح. وهذا الأخير في حالة عجز كامل. ولا يملك الفكر ولا المفهوم ولا القدرة على تعبيد الطريق لبناء منظومة مفهومية وواقعية لبناء ذات خاصة به بغياب نخبه.
إن مفهوم الدولة الديمقراطية العلمانية هو أحد إفرازات النظام الرأسمالي، في مراكزه تحديداً، أوروبا والولايات المتحدة واستراليا وكندا ونيوزيلندا وإيسلندا. وما زال المجتمع يتلقى الفتات من هذه الدولة، النخبة.
صحيح أن الدولة مكون اجتماعي نخبوي، تكوين عمودي، هرمي وعالي التنسيق وعلى المجتمع كمكون أفقي أن يخضع لنا.
لا يمكن تصور الحياة الحالية القائمة على التراتبية الشديدة دون وجود سلطة. إنها اساس الدولة ومتكئها.
برأيي أن السيطرة على مخالب السلطة تطور كبير، بيد أن السؤال: كيف استطاع الغرب أن ينظم علاقة الدولة بالسلطة، وإخضاع الأخيرة لشروط الأولى، التي اعتبرها مكسباً كبيراً، وكبيراً جداً لإدارة الاقتصاد والسياسة بأقل كلفة على كل الصعد، وأعطت أصحاب النفوذ المالي والسياسي القدرة على ترتيب مصالحهم وأولوياتهم. وأيضاً تحويل السلطة إلى مؤسسات يعتبر إنجازاً وتطوراً كبيراً.
مع الأسف الشديد، لم يتطرق الفكر العربي والإسلامي لقضية الدولة وعلاقتها بالسلطة، وكيف يمكن تقليم أظافر هذه الأخيرة لمصلحة الدولة، وأصحاب النفوذ.
الحرية لا تمنح للجاهل. ستحرقه وتذوبه وتحوله إلى رماد
إنه كالطفل الصغير الذي لا يقوى على حمل نفسه، ولا يميز بين النار والماء.
الحرية كالقدر عليك أن تتعامل معها كأنك تحمل روحك وجسدك بين يديك وتمشي بها كأنك تمشي على الجمر.
الحرية تحتاج إلى وعي في مثل عمقها ونبلها وخلودها.
لا يملك الحقيقة إلا المبدع، وبقية الكائنات العاقلة كالمجنون. إنه يعيش فيها. والحقيقة مرمية في ظلال الوجود، في أبديته أو جنته لهذا فإن المبدع لديه هذا التناغم بين عشقه للحقيقة والموت والانفصال عن الوعي.
التخوين هي صفة ملأزمة للاستبداد السياسي والثقافي والاجتماعي.
هذا يعني أن البلاد المبتلية بالاستبداد مريضة، مستلبة، منقسمة على نفسها، تفتقد الرؤية والهدف والتجانس الاجتماعي والسياسي والنفسي.
إنها مشتتة الأهداف والقناعات والمبادئ.
في البلدان الوطنية لا يوجد خونة. هناك مواطنون. وهناك قانون ومؤسسات. ودستور فاعل يخضع له الجميع.
الدولة الوطنية لا تخون مواطنيها.
الخيانة صفة رئيسية من صفات الدولة المستبدة وطاقمها الحاكم.
تحدثنا اللغة الفرنسية, بالأسلوب الذي تتداوله النخب الباريسية, الثقافة والعلم والمال والعهر.
ما أثارني أن أغلبهم يعرف باريس أكثر من الباريسيون أنفسهم, المراقص, البارات, مرابع الليل والأسواق والمحلات الراقية والعطور والألبسة والأحذية.
كانت الموسيقى الهادئة تبعث على الافتتان وتنعش الروح والقلب. استرخيت تحت وقع الخمر وحرارة اللقاء بالسلطة والمال والاندفاع نحو الشهوة. تلذذت كثيرًا بالطعام الشرقي الذي كان يقدم لنا بين الفينة والأخرى في أطباق خزفية ملونة, سلطة, تبولة, محمرة, كبة نية, كباب, دجاج مشوي على الفحم. كل أنواع المتبلات, بابا غنوج, خيار مثوم. خاروف محشي بالرز. شيء يدعو للشراهة وتنقيب الذاكرة. لقد شربت ذلك اليوم حتى الثمالة. وحلقت في ذاكرة الحياة وجمالها. ومنذ تلك اللحظة أصبحت أسيرًا. دخلت في لعبة السلطة والمال والعلاقات الشرقية المعقدة. وفهمت أنني رسول متعال في صورة منقذ للبلاد بدلًا من رجل أعمال. مصيري مربوط بنهوض هذه البلاد أو سقوط السلطان. لم يكن يخطر في بالي أنني سأصبح على علاقة شاذة ومباشرة مع مركز القرار هنا.
شذى زهر البنفسج البعيد جاء رطبًا متقطعًا متقدًا يحمل الهواء تارة ويقذفه مرات, مختلطًا برائحة العطور الفرنسية المنبعثة من ثياب وجسد الصدر الأعظم ووزراءه.
جلسنا بالقرب من بعضنا حول الطاولة. وانضم إلينا فيما بعد رجال أعمال أتراك وأوروبيين. رفعت الانخاب, الشامبانيا والنبيذ الفرنسي المعتق. وعبقت الصالة برائحة الدخان وزفرات الليل المثير والمثمر. حلقنا وطرنا. والتصقنا ببعضنا وانتعشنا وانتشينا. وأضفي على الجو حميمية دافئة. والموسيقة تصدح والهواء يرقص في العراء.
كنا نرتدي ثياب أوروبية حديثة وفق آخر طرز. وأخذنا الحديث كله باللغة الفرنسية الجميلة في جو مملوء بطقوس الفرح والمرح والضحك.
كان الصدر الأعظم يلف صدره بشريط حريري زهري اللون. جالس على كرسي كبير بمساند مزينة بالذهب جلبت خصيصًا له. مشذب الذقن, مستحمًا وشامخًا في ثياب مدنية أوروبية جميلة. يسرد علينا القصص القديمة برشاقة ويتناول حديثه في الحديث عن ذكرياته ومغامراته التي عاشها في فرنسا. ويطلق بعض النكات الخفيفة عن الحياة في الأناضول والفلاحين والأرض. وهنا وهناك. واستحوذ على المكان كله بدء من الأكل وانتهاء بالحرية.
وفجأة, حط نظره في مكان آخر, بشرك الحنين للزمن الآخر في محاولة للتملص من تبعات المكان. جاب بنظره بعيدًا, إلى طاولة وزينة, وكأنه على موعد مع القدر والمفأجات الغريبة. سرح بعيدًا عنا وغاص في عيون ووجه امرأة فرنسية في مقتبل العمر جالسة في مواجهته. تشرب وتبتسم وتسمع الموسيقى.
مضيت أراقب سلوكه الغريب حتى خلت أنه لم ير امرأة أخرى من قبل. قلت في نفسي:
ـ ما يفعله هذا الرجل يدعو للغرابة. ففي مثل مقامه عليه أن يعتدل. ثم زفرت بهمس ومضيت أضع الاحتمالات المعجونة بالاحتمالات. قلت:
ربما هي يقظة من غفوة أبدية أو حنين للحنين, حنين الغريب للغريب, للخطايا وعصيان الزمن. أو دوار معجون بألم قديم استيقظ للتو وزفر في ضلوعه وعقله أو وسيلة للمواساة.
ثم تركنا واتجه نحو المرأة في خطوة تثير القلق. انحنى لها كعاشق ولهان. ومد يده لها طالبًا أن يراقصها على أنغام موسيقى الفالس.
كان الذهول قد تساقط علينا كالبرد. حيث لم يكن شائعًا في التقاليد الشرقية عامة والتركية خاصة أن يطلب رجل في مقامه أو مقام غيره الرقص مع امرأة غريبة وغربية في مكان عام في استانبول. تسمرت العيون حول المشهد الحداثي الغريب. وبدأ برد الليل يهل علينا محملًا برائحة البحر وتبدل قوانين الطبيعة. والخوف يشع من العيون أن ترفض هذه الحسناء طلب الصدر الأعظم.
وشاهدت رجاله يحومون حول الصالة باحتراس أحمق, يمدون أعناقهم نحو طاولاتنا ليتأكدوا أن سيدهم بخير. ساد صمت مختلس كأنه دهر. تخلل هذا الصمت صوت نباح كلب بعيد يتفرس في عيون جناح الظلام. فجأة سمعنا صوت مكتوم يخرج من حنجرة. خامرني الشك أنه بح امرأة متعبة. كان زوجها بجوارها ينظر إلى وجه الرجل الواقف مستغربًا. وصوت الصدر الأعظم أشبه بفحيح أفعى نائم في حضن الدفء:
ـ هل تسمح سيدتي برقصة كقداس للبوسفور والقرابين الليلية؟
سلطت الأضواء على الصرخة المكتومة. وساد صوت آخر, متوتر. كان في أعماق جميع الحاضرين رغبة أن تلبي الحسناء رغبة السيد. أن تطفئ شهوته ويخف هديره وزمجرته ومطالبه.
ـ اعذرني يا سيدي.
ـ إذا ممكن يا سيدتي. لاتتركيني أعود مكسوفًا, مكسور الفؤاد والرجولة إلى طاولتي ورجالي.
ـ ليس لدي رغبة في الرقص اليوم. أعذرني, أرجوك. لا أستطيع. أعرف مقدار الحرج الذي أنت فيه.
كان صوتها شهدًا ينقط من بين ثملات شفتيها وفمها. وحمرة قانئة تدفء وجنتيها الجميلتين. ولعبت لغتها الفرنسية كنقط على المرآيا العاكسة. بصوتها الباريسي الرقيق, العذب.
فجأة, رأيت الصدر الأعظم يخر على ركبيته ويقول:
ـ سيدتي! أرجوك, أن تمنحيني ذاتك لحظات. لقد احتجت إلى وقت طويل من أجل الوصول إلى ملامسة يدك. وأرغب في تقبيله. يشرفني أن يلامس جسدي جسد سيدتي الفرنسية. أن نرقص معًا.
عاد الصوت كالبكاء, متضرعًا وأكثر استجداء. انحنى أكثر حتى اقترب رأسه من الأرض وكاد يلمسه.
في أثناء ذلك الوجع الدافئ زاد نباح الكلاب القادم من وراء مضيق البوسفور. حدث هرج ومرج. حامت الأضواء حولنا وشاهر الجنود سيوفهم. وخاف طاقم الخدم وانزووا مخافة من أحداث لا تحمد عقباه.
سكب لها نبيذًا وقدمه لها بكل رقة ووقف ينتظر ردها. أصبحت الفتاة وصديقها أو زوجها أو مرافقها في وضع حرج جدًا ولم يعرفا ماذا يفعلان.
جاء مدير الفندق برفقة أربعة رجال وانحنوا أمام الصدر الأعظم طاعة وخضوع. اقترب أكثر ووشوش في أذنه بضعة كلمات.
كنت أجلس في مقعدي متوترًا, مدركًا تعاسة اللحظة وانعكاس الموقف علي كزائر وعلى رجل شرقي في موقع مهم. أراقب الأرباك اللذيذ الذي خلفه الموقف, لهذا الوضع البالغ بحساسيته في مكان عام وأمام الملأ. وربما يأخذ صداه عبر الصحف. فلا بد أن يكون بين الجالسين صحفيًا خبيثًا ينتظر أو يترقب أو يراقب مثل هذه الفضيحة ليرميها في صدر صفحة جريدته. خامرني الشك ان الموضوع سيأخذ أبعاد كثيرة. وسنحتاج إلى معجزة كبيرة للخروج من هذا المأزق.
فجأة, انفرجت أسارير الصدر الأعظم. وابتسم عندما جنح الظلام فوق تلال البوسفور وهبت عاصفة خفيفة اهتزت على أثر ذلك أشجار الغابات الوارفة البعيدة, النائمة بين احضان الوديان والأراضي الخصبة لهذه الإمبرطورية المكشوفة للريح والعواصف.
عاد ضاحكًا, كأن شيئًا لم يكن. وكأنه نسي أو تناسى المرأة والنبيذ والكأس والجمال. تغندر في المشي بخفة ورقة. استغربت لهذا التحول السريع. ولم استطع معرفة أبعاد تصرفه ولم يجرؤ أي فرد من الجالسين أن يفتح فمه أو يسأله ماذا وشوش ذلك الرجل في أذنه. واكتفينا بالتأمل لانزياح الهم والثقل عنا.
جلس في مقعده ورفع كأسه في الهواء, وقال:
ـ نخب الانتصار. تركيا ليست متسلطة إلى ذلك الحد الذي يظنه جيراننا الاوروبيون. وجرع كأسه وجرعنا كؤوسنا وراءه.
نظرت في الوجوه المحلقة حولنا. لم أر أية علامة استغراب عليهم. فكرت في الكلمة التي نطقها السيد الأعظم في هذه البلاد, الانتصار؟ قلت في نفسي:
ـ ماذا يقصد وإلى ماذا يرمي بكلامه؟ ثم قلت:
أنهم شرقيون, مثقلون بحكايات العرافات والبدع والثقة العمياء بالنفس. ولهذا لا يمكن للمرء أن يضبط توقعاته على إيقاع سلوكهم.
عجلة الإرهاب ستبقى مستمرة طالما هناك دول عظمى تغذيها وتسهر عليها وتنظمها وتدفع لها.
الإرهاب عمل سياسي منظم, بديل عن حروب نظامية لم يعد القيام بها ممكنا في هذا العصر.
وفروا الضغط على أعصابكم حتى لا تنهاروا.
مشكلة الإرهاب هي في الرأس وليس في الأطراف
الحرب تكثيف لعملية النهب المنظم. سرقة طاقات الناس وأموالهم, وتكسير أحلامهم وتدمير حيواتهم, لإعادة تمركز المال المنهوب, ووضعه في يد وجيوب النخب المالية والسلاح والسلطة.
لا تستطيع الدولة, كقوة متمركزة حول ذاتها, تدار من قبل النخب أن تعيش دون حرب أو صراع, أو قلق, لكون الدولة ولدت لتكون قوة مسيطرة على المجتمع.
في الغرب, السويد وغيرها. المسيحيون القادمون من منطقتنا, هم الفئة الأكثر انكماشًا على أنفسهم وتقوقعًا. في الحقيقة, لم أكن أعرف هذه الحقيقة إلا بعد زواجي. كنت أظن أن الرجم سيأتي من المسلمين, بيد أن الواقع مختلف تمامًا.
لم يسألني مسلمًا واحدًا عن زواجنا, لماذا, وكيف؟
الغريب, كما أقدر, وأرى, أن المسيحيون, هم الفئة الأكثر قلقًا على دينهم. لماذا, وفي الغرب تحديداً؟
إحدى النساء, زوجة رجل ماركسي قاطعتني منذ اللحظة التي تزوجت. ولم تتحدث معي إلى اليوم.
رجل ماركسي, مسيحي, أثناء ذهابنا للاجتماع, قال لي:
ـ أنت كمان رحت وخبصت وتزوجت من دين أخر؟
وماركسي آخر, مسيحي:
ـ ليش يا صديقي تتزوج من دين آخر.
هذا, على الصعيد ناس متجاوزة الدين, فكيف بالناس العاديين.
ودائمًا نقول, ليس الجميع, أنما فئة كبيرة من الناس هنا.
أبي والمرحومة أمي تقبلا الموضوع. وأحبا ديالا كثيرًا.
الكثير من النساء, هنا, يذهبن إلى الكنيسة كملاذ أمن لأنفسهن. تقوقعوا وتزمتوا. هل هو فراغ, خوف من الضياع؟ أم هو إحساس بالخواء وعدم جدوى الحياة, والمكان الجديد؟
البارحة قال لي أحد الأصدقاء, زوجتي غارقة في الدين, لا أعرف ماذا أفعل؟ شيء لا يطاق! وقتها كله في العبادة.
هي أسئلة, وحقائق نعيشها في أوروبا. الناس الذين جاؤوا إلى هنا, لم يتحضروا, لم ينفتحوا على العالم. إنما انغقلوا على أنفسهم وعادوا إلى بدائيتهم.
ألف, لماذا, يساور عقلي, لماذا يحدث هذا؟ وفي أوروبا الديمقراطية التي هضمت الدين ورمته في المتاحف, وتعاملنا جميعًا على قدم المساواة مع مواطنيها الأصليين.
في الوقت الذي يطالب فيه, الشعب السوري, بحريته واستقلاله, هناك بيننا من يطالب باستقلاله عن استقلالنا. لا أعرف ليش البعض منا يضع نفسه في موقف بايخ وعدائي ومخجل.
على الأقل احترامًا لدماء من ضحوا من أجلنا وأجلكم.
معليش, شو بدنا نسوي, اللي ما علمته كل هذه المحن والمصاعب ما راح يتعلم بعد ذلك.
دائمًا, نقول, حافظوا على ما بين أيديكم قبل أن يذهب كله. ويطير.
إعادة تعذيب الذات في كل عاشوراء, ليس اكثر من نرجسية مريضة, أنانية مفرطة في عشق الذات, التخلص الوهمي من الإثم الزائف العالق بها.
جلد الذات لا يفيد, انه إعادة تدوير الألم المجاني, للهروب من التفكير الحر, العقلاني لتناقضات الحياة.
الجوائز العالمية للأدب اساء للأدب أكثر مما نفعه. وجعل العلاقات الشخصية والانتهازية والوصولية كبديل عن العمل المبدع والخلاق والنظيف. الأدب تراجع على مستوى العالم بعد منح الجوائز ووضع الأدباء على سكة نهج السياسات التي يريدها من يدير الجوائز ونهج من ورائهم.
الأدب هو الخاسر الأول من هذا الفعل الظالم.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟