إيطاليا – خلفيات قوانين الهجرة واللُّجُوء

الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 8161 - 2024 / 11 / 14 - 20:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

وقعت حكومة جورجيا ميلوني ( يمين متطرف)، سنة 2023، بروتوكولاً مع حكومة ألبانيا ( جنوب شرقي أوروبا، وهي ليست عضوًا بالإتحاد الأوروبي) لِنَقْل العمليات الحُدُودية ( فحص مطالب الهجرة واللجوء) إلى الخارج، وذلك بإنشاء مَرْكَزَيْنِ لإيواء اللاجئين إلى إيطاليا، على أراضي ألبانيا، أحَدُهُما للقيام بدراسة أَوَّلِيّة لوَضْعية آلاف المهاجرين غير النّظامِيِّين الذين تنقذهم السفن الإيطالية في أعالي البحار، والثاني لمعالجة طلبات اللجوء من المهاجرين القادمين من ما يسمى بالدول الآمنة، خلال ثمانية وعشرين يومًا، ويحتجز المركز أولئك الذين رُفِضت طلبات لجوئهم، في انتظار إعادتهم إلى بُلْدانهم، وسبق أن وقَّعَ الإتحاد الأوروبي ( وكذلك بريطانيا) اتفاقيات مماثلة مع بلدان المغرب العربي ومصر وتركيا وغيرها، وتدخّل القضاء الإيطالي، فاعتبرت محكمة إيطالية إن احتجاز مهاجرين ( 16 مواطنين مصريين وبنغلاديشيين ) في ألبانيا غير قانوني...
تندرج الإتفاقية بين حكومة إيطاليا اليمينية المتطرفة وحكومة ألبانيا الفاسدة، ضمن رؤية اليمين المتطرف الإيطالي والأوروبي للهجرة ولوسائل تشديد التدابير الرادعة ضد الوافدين غير النظاميين عن طريق البحر الأبيض المتوسّط وَتُصِرُّ رئيسة الحكومة الإيطالية على فرض رقابة صارمة على مياه البحر الأبيض المتوسط وكذلك البحر الأحمر، ليس بهدف القضاء على الهجرة النّظامية، بل للحَدّ منها وتوجيهها نحو قطاعات معينة من سوق العمل الإيطالية لتعديل الهيكل الديموغرافي للسكان العاملين، وقبول 452 ألف مواطن أجنبي خلال ثلاث سنوات، لسدّ نقص العمالة في مجالات النقل والبناء والفلاحة والفنادق والمطاعم وصيد الأسماك وخدمة المنازل والأُسَر ورعاية المُسِنِّين، ولتسديد تكاليف رعاية المتقاعدين ومعاشاتهم، ويمثل هؤلاء حوالي 25% من السكان، ويوضّح الإطار التّشريعي إنه لا يتم قبول المهاجرين من غير البيض عرقياً سوى من يُلَبُّون المطالب الفورية للاقتصاد الإيطالي ويكونون على استعداد لتولي أدوار ثانوية، وهم معرضون للترحيل إذا لم يتمكنوا من تأمين عقود عمل مستقرة في القطاعات المحددة التي يحتاج إليها الإقتصاد الإيطالي...
يعتبر اليمين المتطرف الإيطالي وجزء كبير من الإيطاليين المهاجرين الأفارقة والآسيويين مختلفين ثقافيا وعرقيا بحيث لا يمكن دمجهم بسلاسة في المجتمع الوطني دون تعريض تماسكه الداخلي للخطر، ولكن اللجوء إلى الهجرة منذ العقد الأخير من القرن العشرين جعل المجتمع الإيطالي مجتمعًا متنوعًا عرقيا، ونظرًا لنتاقص عدد الإيطاليين وارتفاع نسبة كبار السّنّ، تحتاج إيطاليا إلى تدفق مستمر من المهاجرين للحفاظ على مكانتها الإقتصادية في أوروبا والعالم، ولذلك انتهج اليمين المتطرف سياسة "واقعية" (براغماتية) لمواجهة هذا التهديد الوجودي بالإعتماد على الهجرة، مع تفضيل الأوكرانيين والأرجنتينيين والفنزويليين، بدل العرب والإفريقيين، على أمل أن يبقى الإيطالي أبيضًا ومسيحيًّا، ويعمل اليمين الإيطالي المتطرف على تعزيز بيئة معادية للمهاجرين العرب والإفريقيين من خلال وصفهم بالمجموعات العرقية غير القابلة للاندماج" ويعتقد اليمين المتطرف أن حماية الوحدة الوطنية تتطلب عزل هذه المجموعات في أحياء اجتماعية معزولة بعيدًا عن المساحات الديمقراطية، لكي يتم حرمانهم من رفع صوتهم والدفاع عن حقوقهم...
يُقَدَّرُ عدد سكان إيطاليا بحوالي ستين مليون نسمة، من ضمنهم أكثر من خمسة ملايين أجنبي و1,62 مليون مواطن إيطالي من أصل غير أوروبي، ويحاول اليمين المتطرف وقف انخفاض عدد الإيطاليين البيض المسيحيين، من خلال جعل المهاجرين يعملون في وضع هَشّ لا يُساعد على الإستقرار، فيما تراقب بريطانيا وألمانيا وفرنسا ومُفَوّضِيّة الإتحاد الأوروبي مخطّطات اليمين المتطرف الإيطالي عن كثب لأن اليمين المتطرف يتقدّم في انتخابات جميع أو معظم دول أوروبا، ويطمح الزعماء الأوروبيون، سواء يتم تصنيفهم ضمن اليمين المتطرف أو "المُعتدل" إلى الحفاظ على مجتمع متجانس وغير متنوع عرقيا وثقافيا، مما يعني محاربة التنوع والإنفتاح على شعوب وثقافات العالم، ويعني كذلك تراجعًا عن مبادئ الديمقراطية التي بشّرت بها البرجوازية خلال القرنَيْن الثامن عشر والتاسع عشر، وتقليصها إلى إلغاء الأغلبية حقوق الأقليات، ويراقب اليمين المتطرف بإعجاب ممارسات الكيان الصهيوني الذي يمارس التطهير العرقي وطرد السكان الأصليين من بلادهم لإقامة دولة يهودية خالصة، ولذلك تندرج هذه المواقف والممارسات ضمن برنامج سياسي لليمين المتطرف في أوروبا الذي أصبح يُجاهر بدعمه للكيان الصهيوني – بعد أن كان مُتّهمًا بمعاداة السامية – وظهر هذا الدّعم بوضوح خلال العدوان الصهيوني على الشعبَيْن الفلسطيني واللُّبناني، وبمناسبة أحداث هولندا التي كانت استفزازات أبناء المستوطنين الصهاينة الشرارة التي أطلقتها، دعمت أهم وسائل الإعلام الإيطالية الصهاينة، بدون تحفظ...

#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات