|
لماذا تم إعدام صدام يوم العيد؟
حمزة الجواهري
الحوار المتمدن-العدد: 1782 - 2007 / 1 / 1 - 08:28
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لقد تفاجئ الجميع بما فيهم الحكومة العراقية بأمر تسليم صدام من قبل الأمريكان للحكومة! وقد تلا عملية التسليم تصريحات تؤكد أن الحكومة لا علم لها بالأمر وأنها لم تستلم صدام من القوات الأمريكية، ويبدو أن الفريقين كان على حق، فقد تبين فيما بعد أن صدام قد تم نقله صباح تنفيذ الحكم من سجنه في المطار إلى مقر قوات حفظ النظام وهو المقر السابق للاستخبارات العراقية أيام نظامه في الكاظمية، وهذا يعني أنه بقي تحت سيطرت الأمريكان حتى ساعات التنفيذ القليلة التي أحيطت بسرية تامة، وبنفس الوقت أن أمره قد انتقل بالفعل إلى السلطات العراقية، بمعنى أن الطرفين كان محقا بما صرحوا به، لكن يبقى هناك أسئلة كثيرة بحاجة إلى إجابة صريحة لا مجرد تصريحات إعلامية لمسئولين بعضهم مذعورا والآخر يتحدث من خلفيات طائفية لا تمت للواقع بصلة. إن توقيت عملية التسليم يوم وقفة عرفة تحديدا وبهذه الطريقة المفاجئة لابد أن يكون له هدف محدد! فما هو الهدف يا ترى؟ الحكومة العراقية، صحيح أنها تمتلك أجهزة أمنية تعتبر كبيرة بالقياس بالمهمة، وهي الحفاظ على شخص واحد، لكن الشخص هو صدام، وكما هو معروف أن أنصاره كثر في هذه القوات، حيث أنها مخترقة منذ اليوم الأول كما هو معروف، وهذا يعني، بلا أدنى شك، أنه سوف يكون حرا طليقا بعد سويعات من تسليمه فيما لو بقي في سجن تابع لحكومة، لأن أعضاء الحكومة أنفسهم لا يأتمنوا على أنفسهم من بطش هذه القوات، لذا لا نجد منهم واحدا يقبل بأن يكون رجال حمايته من هذه القوات لأنها مخترقة من قبل جميع القوى المتناحرة في العراق، لذا هي ليست القوات التي تؤتمن على أمر كهذا، أي أمر حماية سجن صدام المحكوم عليه بالإعدام وينتظر التنفيذ، ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن التسليم كان يوم وقفة عرفة، أي اليوم الذي يسبق عيد الأضحى، بنفس الوقت يقع ضمن أيام أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، لذا كان متوقعا جدا من حكومة معظم أعضائها من أحزاب الإسلام السياسي هو تأجيل التنفيذ وأن لا يكون يوم العيد، ومتوقعا أيضا أن يكون هناك ضغط من قبل بعض رجال الدين الذين يبدون تعاطفا مع صدام بشكل غير معلن على تأجيل التنفيذ، إضافة إلى ضغوط إعلامية يقودها إعلام عربي منحاز ودول منحازة بشكل مطلق للدكتاتور المحكوم عليه بالإعدام. هذه الضغوط بدت واضحة جدا منذ أن أعلنت الفضائيات العربية خبر التسليم، واستلمت لجنة الدفاع في عمان رسالة من القوات الأمريكية تؤكد لهم تسليم صدام للحكومة العراقية، وبعد ساعات من ذلك اعترفت الحكومة العراقية باستلام المسؤولية، لكنها لم تعلن أن يكون التنفيذ في صباح اليوم التالي، وكل ما ظهر عن هذا الأمر هو مجرد توقعات أو تحليلات سياسية لمتحدثين على شاشات هذه الفضائيات. كان لابد للحكومة العراقية عند هذه النقطة أن تناقش الموضوع وأن تتخذ قرارها بشأن الرجل، لكنها تلكأت بأمر استلام صدام من القوات الأمريكية فعلا لحين اتخاذ القرار، حيث كما أسلفنا، أن صدام بقي في سجنه بمطار بغداد الدولي تحت سيطرة القوات الأمريكية. عند هذه النقطة أكاد أجزم أن رئيس الحكومة لم يكن قد ناقش مع الأمريكان أمر استلام صدام قبل الإعلان الأمريكي عن تسليمه للحكومة العراقية، لأن لو حدث أمر كهذا لما قبل المالكي باستلام صدام بهذا التوقيت أبدا، ولطلب التأجيل لبضعة أيام أخرى، لأنه من الوهلة الأولى يستطيع تحديد شكل الورطة التي سوف تكون بها حكومته فيما لو استلمه في هذا الموعد، لكن وضعه أمام الأمر الواقع بهذه الطريقة، لابد أن يكون له أهداف محددة! فما هي الأهداف من هذا التصرف الأمريكي؟ كان لابد لأي عاقل أن يسأل نفسه هذا السؤال قبل القدوم على حماقة استلامه وهو غير مهيأ لذلك. بعد أن حكمت محكمة عراقية على صدام بالإعدام، وصادقت عليه محكمة التمييز العليا العراقية المستقلة عن الحكومة، وكان أمر الشرعية في محاكمة هذا الطاغية والجلادين من حوله قد استوفى كامل جوانبه من حيث القانون الذي عملت المحكمة بموجبه والجهة الشرعية التي أصدرته واستقلالية المحكمة التي قامت بمحاكمته والتي لا يؤخذ عليها أي صفة محاصصاتية، لكون رؤساء المحكمة ليسوا من العرب فقط ولا من الطائفة المتهمة أبدا بطائفيتها رغم أنها هي المتضرر الأكبر من طائفية النظام المقبور ومن طائفية فلوله ومن طائفية الأنظمة العربية التي أعلنت الحرب على الشعب العراقي بشكل صريح، لذا وبالرغم من استمرار الإعلام العربي المظلل بمحاولاته المستميتة تشويه صورة المحكمة، لكنها قد اكتسبت شرعيتها ومقبوليتها من قبل الشعب العراقي أولا ومن قبل شعوب وحكومات العالم الحر والدول العظمى في العالم، فلم يستطيع رئيس أو سياسي يحترم شعبه أن يطعن بشرعيتها، ما عدا ألائك الذين يحتقرون شعوبهم أصلا، وهم معروفين ولا يمكن إقناعهم بشرعية المحكمة، لأنهم أصلا ضد كل ما هو شرعي. لهذه الأسباب لم يبقى أمام الدول العربية في الجوار الإقليمي وأعوان الدكتاتور سوى المحاولة الأخيرة المتمثلة بالمؤامرة، وهي إحراج الحكومة العراقية بموعد التسليم، ومن ثم يضربون ضربتهم وينقذوا صدام من المصير المحتوم بعد أن فشلت كل المحاولات لإنقاذه أو تحريره من سجنه. كان لابد للحكومة العراقية التي فاجئها أمر التسليم أن تتصرف بوعي ومسؤولية وحذر لكي لا تخسر معركتها مع الشر أولا، وأن لا تبدو ضعيفة للحد الذي لا تستطيع به أن تحافظ على رجل واحد خلال أيام العيد الأربعة، لأنها على يقين أن عملية التسليم تعني بلا أدنى شك تحرير للطاغية من سجنه، ولابد أن تكون الاستعدادات قد تمت بالفعل وتهيأ فريق الإنقاذ الذي يقوم بهذه المهمة، حيث أن قادة النظام المقبور أصلا يتواجدون في دول الجوار الإقليمي ولابد أنهم قد استعدوا لمثل هذه المحاولة التي تجد لها مقبولية ودعما من قبل هذه الدول. لكن ما تقدم يعني أن الولايات المتحدة أيضا ضالعة بهذا الأمر، ربما تكون وزارة الدفاع تحديدا، لأن وزارة الخارجية الأمريكية لم يكن لديها علم بمثل هذا التنسيق! وهذا الأمر يثير الاستغراب حقا! حيث بقي المتحدث باسم وزارة الخارجية حتى المساء ينفي عملية التسليم من قبل الجيش الأمريكي! وإن مثل هذا النوع من الإرباك غير طبيعي على إدارة دولة عظمى! لكن بمراجعة مواقف أعضاء الإدارة المتضاربة من الشأن العراقي خلال هذه الأيام التي تبلور فيها الإدارة سياستها الجديدة في العراق، نجد أن مواقف وزارة الخارجية لا تقيم وزنا لمطالب أصدقاء أمريكا في الجوار الإقليمي، لأنها تفتقد للمسوغات الأخلاقية وتخالف الأعراف الدبلوماسية ولا تستند لشرعية القوانين الدولية، فكل ما تستند إليه هو ابتزاز المواقف من خلال تقديم المزيد من الخدمات على حساب شعوبها وشعوب المنطقة، أي بمعنى أن وزارة الخارجية تدرك أن أصدقاء أمريكا هم فعلا أصدقاء السوء رغم أن المصالح الأمريكية تفرض نوعا من التصالح المحاباة لهذه الأنظمة الضالة والخارجة على القانون، لكن وزارة الدفاع لا تتورع من فعل أي شيء للخروج من الحالة التي تحارب بها في العراق، لذا فهي أقرب إلى رؤى لجنة بيكر وهاملتون التآمرية على العراق. كان لابد للحكومة العراقية أن تدرك هذه الأمور بعد أن فوجئت بأمر التسليم بهذا التوقيت، فهل تترك المؤامرة تمر ويتم تهريب صدام؟ أم أنها تأخذ موقفا حازما وتقوم بالتنفيذ مباشرة بعد التسليم؟ خصوصا وأن الضغوط أخذت بالتصاعد فعلا من قبل أجهزة الإعلام العربي الموجه، حيث بدأت بالفعل بالضغط على الحكومة العراقية موحيا أن الحكومة لا تستطيع إعدام صدام خلال أيام العيد لأن ذلك مخالف للقوانين العراقية من ناحية، ومخالف للأعراف الدينية من ناحية أخرى، وبذات الوقت وبكل كفاءة عملوا بسرعة على تعبئة الشارع العربي بهذا الاتجاه، مراهنين على تمسك رجال الدين الذين يتقاسمون السلطة في العراق بالأعراف الدينية وأنهم سوف يرضخون للأمر الواقع. خلال العيد سوف تكون الضغوط أكبر، وسوف تتحرك الحقائب الدبلوماسية عبر القارات من أجل إيجاد صغية لإنقاذ صدام في حال فشلوا بعملية التحرير التي نتوقعها، والعراق هش يبحث عن حل للحالة التي هو فيها، وأن الضغوط الداخلية والخارجية من خلال لغة المصالحة وفعالياتها يمكنها أن تفعل الكثير في هذا الاتجاه. لكن اسقط بيدهم حين تم التنفيذ يوم العيد، لأنها معركة وعلى العراق أن يكسبها، وللمعارك دئما أثمان غالية. المهم بهذا التنفيذ كان تحقيقا للعدالة، وإقرارا للحق، وتفويت أية فرصة يمكن تحقيقها لإنقاذ رمز الشر المطلق من يد العدالة.
#حمزة_الجواهري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القطاع الخاص والخصخصة في الصناعة النفطية 6من6
-
القطاع الخاص والخصخصة في الصناعة النفطية 5من6
-
القطاع الخاص والخصخصة في الصناعة النفطية 4من6
-
القطاع الخاص والخصخصة في الصناعة النفطية 3من6
-
القطاع الخاص والخصخصة في الصناعة النفطية -2من6
-
القطاع الخاص والخصخصة في الصناعة النفطية 1من6
-
خطوة للأمام وقفزتان نحو الهاوية
-
دلالات زيارتي المالكي والطالباني
-
بعض ملامح استراتيجية النصر
-
تفعيل دور القاعدة السياسية والاجتماعية للدولة المدنية
-
الرقص الهستيري بعد الانتخابات الأمريكية
-
أحذروا لعبة الأمن مقابل حياة صدام!؟
-
ماذا يحدث لو لم يحكم على صدام بالإعدام؟
-
أمريكا لن تنتصر على الإرهاب ما لم....
-
أما آن الأوان للتخلي عن الأحلام المريضة؟
-
اتفاق مكة كان فرصة لأداء العمرة فقط
-
655000
-
نريد نظام فدرالي وليس إمارات إسلاموية شمولية
-
الاتفاق الأخير حول الفدرالية ومهلة الحكومة
-
مازال الحديث عن الفدرالية مستمرا
المزيد.....
-
المافيا الإيطالية تثير رعبا برسالة رأس حصان مقطوع وبقرة حامل
...
-
مفاوضات -كوب 29- للمناخ في باكو تتواصل وسط احتجاجات لزيادة ت
...
-
إيران ـ -عيادة تجميل اجتماعية- لترهيب الرافضات لقواعد اللباس
...
-
-فص ملح وذاب-.. ازدياد ضحايا الاختفاء المفاجئ في العلاقات
-
موسكو تستنكر تجاهل -اليونيسكو- مقتل الصحفيين الروس والتضييق
...
-
وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في كييف ومقاطعة سومي
-
مباشر: قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في
...
-
كوب 29: اتفاق على تقديم 300 مليار دولار سنويا لتمويل العمل ا
...
-
مئات آلاف الإسرائيليين بالملاجئ والاحتلال ينذر بلدات لبنانية
...
-
انفجارات في كييف وفرنسا تتخذ قرارا يستفز روسيا
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|