عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 8159 - 2024 / 11 / 12 - 15:59
المحور:
سيرة ذاتية
عندما كانَ (ع .ع) يَسْكَرُ.. كان يبكي.
يبدأُ جلسةَ الشرابِ ساخِراً، ضاحِكاً، مهذاراً، وعندما يَسكَرُ.. كانَ يبكي.
يبدأُ عندهُ توقيتُ نحيبهِ الطويل والعميق في لحظةِ سُكرَتِهِ، ولا يتوقّفُّ إلاّ حين يصحو.
لم يكن بالإمكانِ أن تُعقَدَ جلسةُ "الشُربِ" في تلكَ القريةِ المشهورةِ بانتهاكِها لأكثرِ الأسرارٍ تحصيناً، ولو في قلب نملة.. فكان أصدقاءُ (ع .ع) يأخذونهُ معهم إلى "نادٍ" في القضاءِ المُجاوِرِ، ويبدأونَ هناكَ بـ "الشُرْبِ"، وما أن يدُبُّ دبيبُ الخمرِ في العروق، وإذا بـ (ع.ع).. يبدأُ يبكي.
وفي طريق عودتهم من "النادي" إلى القرية، كان الأصدقاءُ يتوقّفونَ في مكانٍ ما على مشارفها، وينتظِرونَ أن يصحو (ع.ع) من سُكرتِه ليأخذونَهُ إلى بيتِ أهله، وذلك لكي لا يفضحهم، ويفضَحُ نفسه.. لأنّهُ كان يبكي.
في واحدةٍ من رحلاتِ العودةِ العصيبةِ تلك، كان (ع.ع) عائداً إلى البيتِ صُحبةَ صديقٍ على ظَهرِ درّاجةٍ ناريّة. كان الصديقُ يقودُ الدرّاجة ببطءٍ شديدٍ، في انتظارِ صحوةٍ مُبَكِّرَةٍ لصديقه، بينما (ع.ع).. كانَ يبكي.
فجأةً انحرَفَت الدرّاجةُ عن الطريق، وسقَطَت في ساقيةٍ قريبة، وسقطَ معها في الماءِ الشارِبُ والمشروبُ و رفيقُ الشرابِ العجيب.
وإلى لحظةِ البَللِ في ماءِ الساقيةِ الباردِ، فإنّ (ع.ع).. كان يبكي.
الماءُ البارِدُ بدّدَ سُكرَةَ (ع.ع)، فتوقّفَ عن مواصَلَةِ البكاءِ فجأة.
سحَبَهُ الصديقُ من الساقية، وأنتظرَ لبعضِ الوقت حتّى تجِفَّ الملابس، وعادا بعدها، معاً، سيراً على الأقدامِ إلى القرية.
كان (ع.ع) وهو يدخلُ إلى بيتِ أهلهِ، يبدو صامِتاً، حزيناً، مُنكَسِراً، مفطورَ القلب.. دونَ فضيحةٍ ناطقة.
بعدها لم يَعُد (ع.ع) حينَ يَسكَرُ.. يبكي.
(ع.ع).. عندَ صحوتهِ.. كان يبكي.
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟