|
وزارة البيئة العراقية ومهمة معالجة المشكلات البيئية المتفاقمة.. ملاحظات أولية ( 4)
كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)
الحوار المتمدن-العدد: 8158 - 2024 / 11 / 11 - 08:40
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
شهد العراق موجة أمطار شديدة، يمكن القول بأنها " نظفت" أجواءه مؤقتاً من الملوثات الغازية التي خنقت المواطنين في بغداد وأطرافها خلال الشهرين الأخيرين. لكن الأزمة لم تُحل ومن جديدد سيتكرر المشهد المقلق- إستيقاظ المواطنين مختنقين من التلوث، وسط انتشار روائح خانقة من الكبريت وغيره، لأن أسباب المشكلة مازالت قائمة، وسيضطر المواطنون من جديد لارتداء الكمامات في محاولة لحماية أنفسهم من الآثار الضارة لهذا التلوث. والمقلق أكثر هو ان التقارير والتوضيحات الرسمية الصادرة من الجهات المعنية بحماية البيئة لم تحدد بالضبط المصدر الرئيس للتلوث، لتضع حد له. وبذلك تدلل ،مرة أخرى،على عجزها عن معرفة الأسباب الحقيقية، ناهيكم عن إيجاد الحلول العاجلة والفاعلة، وهو دليل اَخر على مواصلة التخبط وسوء الإدارة البيئية.. وفي هذا السياق، قوبِلَت التصريحات الرسمية المنتناقشة بردود أفعال قوية، مشفوعة بتصاعد إمتعاض وإستنكار المواطنين،الى جانب تندرهم وإستهزاءهم بالتصريحات المتناقضة وغير المقنعة وغير المبنية على دراسة علمية بشأن أسباب تلوث أجواء بغداد وأطرافها بالملوثات الغازية والروائح الكريهة التي يستنشقها المواطنون مجبرين، ومنها نصيحة المتحدث باسم وزارة البيئة لؤي المختار لأهالي بغداد بـ "عدم الخروج للشوارع في اوقات الليل و الفجر، وإغلاق النوافذ حتى لا يتنفسوا روائح كريهه ومزعجة ، لحين التحقق من الأسباب المفصلة بناء على دراسات علمية رصينة ، وإيجاد حلول جذرية ".. رداً على ذلك، تساءل أحد المواطنين :" لماذا لم تجروا الدراسات العلمية الرصينة احد الآن ؟ وما هو شغل مؤسساتكم ولليوم ليس لديها حلول جذرية لمشكلة وخيمة تهدد صحة وحياة المواطنين ؟!!".. ومن ردود الأفعال الموضوعية الأخرى: * كتب د. رائد فهمي، سكرتير الحزب الشيوعي العراقي موجزاً المشكلة القائمة بالسطور التالية:" التلوث البيئي في العراق بلغ مستويات الأعلى في العالم، وبات يشكل تهديداً اَنياً للصحة العامة. ما يحصل نتيجة طبيعية للإهمال وللسياسات الضارة للحكومات المتتالية. ان مواجهة الأزمة البيئية بفاعلية تتطلب سياسات وإجراءات وفق أولويات عجز عن تأمينها حكم المحاصصة الذي أضعف الدولة وأشاع الفساد".
* وأوردت أستاذة الهندسة البيئية د. سعاد ناجي العزاوي في دراسة انتهت منها أخيراً – بحسب الباحث د. صباح ناهي- قولها إن "العراق من الدول التي تضاعف فيها انبعاث ثاني أكسيد الكربون خلال العقد الماضي بشكل كبير، إذ يحرق 1.7 مليار قدم مكعبة يومياً من الغاز الطبيعي المصاحب للاستخراج النفطي والذي يمثل ما قيمته 2.5 مليار دولار سنوياً، واستورد من إيران مليار قدم مكعبة من الغاز يومياً لإنتاج الطاقة الكهربائية خلال عام 2020، ولو تم استخدام الغاز الطبيعي الذي يتم حرقة في إنتاج الطاقة الكهربائية لكان أنتج ما يقارب 10 ميغاواط سنوياً وشكل انبعاث ثاني أكسيد الكربون في العراق للفترة (2013-2020) ملايين الأطنان"(" Indepemdentعربية"،26/10/2024).. ونشرت د.العزاوي مؤشر تلوث الهواء في العراق ليوم 16/10/ 2024، وبلغ 203 ، اي 10 مرات أعلى من الحدود المقبولة للتلوث التي حددتها منظمة الصحة العالمية. وقالت:" ان مشكلة تلوث الهواء في العراق قائمة منذ اكثر من عقدين، حيث ان محطات توليد الطاقة الكهربائية الحرارية الحكومية الكبيرة والمساهمة بالتلوث قديمة، ويستخدم فيها نفط اسود غير مكرر وديزل. وحيث ان نسبة الكبريت في النفط العراقي هو الأعلى بالعالم. وبدلا من تجديد هذه المحطات وصيانتها او تغييرها بمنظومات تعمل على الغاز الطبيعي النظيف أو حتى الكازاويل، و تركيب فلاتر ومرسبات تمنع هذه الانبعاثات للهواء، كما يتم في كل دول العالم ، تتم سرقة التخصيصات المالية من قبل جيوش الفاسدين واللصوص في الوزارات ذات العلاقة ، وتبقى هذه المحطات تنفث غازات مضرة للصحة وتزيد من تبعات الاحتباس الحراري والتصحر في العراق. ومن هذه الملوثات اكاسيد الكبريت، والكاربون، وكبريتيد الهيدروجين، والسخام الهايدروكربوني، الذي هو مسرطن، وغازات اخرى، والتي منها ما يعتبر ساما اذا تم استنشاقه بتراكيز عالية لفترات غير قصيرة ". . وأكدت : " ان هيئة حماية البيئة في العراق لا تستطيع إغلاق هذه المحطات لان الحاجة الحالية للطاقة الكهربائية للعراق هي بحدود 40 ميكاوات، ولا ينتج منها في العراق أكثر من 25 ميكاوات، نصفها فقط من منظومات قديمة، وباقي المحطات تعمل بالغاز الطبيعي. يضاف لذلك ان كل معامل حرق الطابوق وصناعة الاسمنت تستخدم النفط الاسود، مضافا اليها مشكلة حرق النفايات المنزلية و حتى الالكترونية في مواقع متداخلة مع سكن المواطنين، مثل التي في منطقة معسكر الرشيد، والتي تنبعث منها ابخرة مصنفة سمية وخطرة عالميا. ولذلك هنالك زيادة كبيرة بالوفيات و في الاصابة بالامراض السرطانية في العراق لا تعلن عنها وزارة الصحة، لان العراق اصلا مصنف ضمن اول 10 أسوأ دول بتلوث الهواء في العالم لاكثر من عشر سنوات" * من جهته، أكد عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية باسم الغرابي: "أن الجهات الحكومية تتحمل المسؤولية الأولى عن التلوث البيئي في العراق، حيث سجلت العاصمة بغداد تلوثا في هوائها بنسبة تصل إلى 70 في المائة.ولم تتخذ الحكومة خطوات فعالة لمعالجة مشكلة التلوث"، موضحًا أن الإحصائيات تشير إلى وجود تلوث في الهواء والماء والتربة دون وجود أية معالجات مناسبة. وأضاف، أن وزارة البيئة تفتقر للإمكانات الفنية والصلاحيات القانونية اللازمة لمواجهة هذا الملف الحرج ("طريق الشعب"،14 /10/2024).
* وأفاد مرصد “العراق الأخضر” المتخصص في شؤون البيئة، بأن معامل الاسفلت والطابوق هي المسبب الرئيس لتلوث الهواء في بغداد.وقال عضو المرصد عمر عبد اللطيف، في حديث صحفي ان تلك المعامل، إضافة إلى رداءة الوقود المستخدم في السيارات والمولدات، هي المصادر الرئيسة لتلوث هواء بغداد. فيما لفت إلى ان مصفى الدورة غير معني بهذا التلوث.
* وكانت لجنة الصحة والبيئة النيابية ووزارة البيئة، قد حددتا أسباب انبعاث رائحة الكبريت في بغداد بأنها ناجمة عن حرق الوقود الثقيل المتمثل بالنفط عالي الكبريت، وعند حرقه يولد غازات سامة ("الصياح"، 20/10/2024).
* وكان المتنبئ الجوّي صادق عطية قد نشر يوم السبت 12/10/ 2024 على حسابه الشخصي بمنصّة "فيس بوك"(نقلآ عن الكاتب لؤي الزبيدي) مقطعًا مصورًا يظهر كمية التلوث في العاصمة بغداد.وكتب ان الدخان الصادر عن مواقع الحرق والطمر هو عبارة عن كورة خاصة بالحرق يستخدمها تجار مواد الصفر والنحاس وكيبلات الكهرباء والوايرات، وهي منتجة لرائحة الكبريت كون بعض المواد الممنوعة هي مواد حربية او أجهزة الكترونية دقيقة وايضا قناني الكلور والزئبق وهو ما يسبب ضررًا كبير على البيئة والانسان. وأوضح، انه وصله بان مواقع التلوث تقع في نهاية منطقة العبيدي، جهة الرئاسة، شريط سدة ديالى وشطيط، ونفس الدخان جهة العماري والباوية ومعمل الثرمستون، ونفس الدخان جهة الدورة وجسر ديالى والسيدية، فضلا عن مواقع طمر البلديات". وأكمل،: كل ما في الأمر ان هنالك اتفاق بين تجاره السكراب والمواد المعاد تدويرها وبعض أصحاب الاراضي الكبيرة على استغلال فترة الليل وانعدام الرقابة الامنية والبيئة وايضا طمع أصحاب الاراضي وتاجيرها لأصحاب المواد لغرض استخدام الارض كموقع حرق وتدوير او استخراج المواد لغرض بيعه." * وأكد عضو مجلس النواب ياسر الحسيني أن "رائحة الكبريت والتلوث الملحوظين في الفترة الأخيرة ناجمان عن مصانع تعمل ليلاً بقضايا الأكسدة ومناطق طمر صحي غير ملائمة". هذه الطروحات وغيرها أحرجت المسؤولين في وزارة البيئة، بل وأربكتهم. وتلافياً لما حصل،كما يبدو، أقدمت وزارة البيئة على تصحيح الموقف، فأجملت، في مؤتمر صحفي في13/10/ 2024، أسباب المشكلة في احتراق النفط الأسود من محطات توليد الطاقة، ومعامل الاسفلت والطابوق، اضافة الى إضرام النيران في مطامر النفايات غير الصحية في اطراف العاصمة. وأوضح الوكيل الفني في الوزارة لشؤون البيئة د. جاسم الفلاحي: " يعود ارتفاع مؤشرات تلوث الهواء في مدينة بغداد لبؤر تلوث مرصودة في حدود المحافظة من قبل فرقنا المنتشرة ميدانياً، والمثبتة في التقارير والبلاغات التي تصدر عن هذه الوزارة. وتتمثل البؤر بمحطات توليد طاقة الكهرباء والتي تستخدم الوقود الثقيل ( النفط الأسود) مثل: محطة توليد الكهرباء في الدورة، ومعامل الاسفلت المؤكسد وغير المؤكسد، ومعامل الطابوق المنتشرة في حزام وضواحي بغداد، بالاضافة الى مواقع تراكم النفايات، والمطمر غير الصحي، خصوصا مواقع معسكر الرشيد، والنهروان، والنباعي، والتاجي بالإضافة الى ما تتعرض له من حرق عشوائي وخاصة أثناء الليل". وأشار أيضاً الى "كور الصهر غير القانونية والتي تنتشر بين الأحياء السكنية، والتي يصاحبها انبعاثات غازية ضارة، مع الاخذ بنظر الاعتبار وجود ظهور طقسية في هذه الاثناء والمتمثلة بتغير درجات الحرارة، وتغير اتجاهات الرياح، مع ازدياد معدلات الرطوبة، مع اعتبار تراكم مثل هذه الانبعاثات الضارة والتي تظهر على شكل ضباب أو غيوم تحتوي على ازدياد في تراكيز الغازات الضارة ومنها ثاني اوكسيد الكبريات وغازات الميثان، وغيرها، مع تداعياتها الصحية المتوقعة".. وسرعان ما إنطلقت من "القطط السمان" مطالبات بنقل مصفى الدورة ومحطة الكهرباء الى خارج أطراف بغداد، الأمر الذي دعا أستاذ الأعلام والباحث في الشأن السياسي د.عالب الدعمي ان يتساءل:" لماذا ازدادت الدعوات بنقل مصفى الدورة ومحطة الكهرباء بالتزامن مع انتشار رائحة الكبريت ؟ " وقال بأنه لا يستبعد ان هذه الرائحة الكبريتية يقف خلفها الفساد لذي يخطط للاستيلاء على ارض مصفى الدورة ومحطة الكهرباء الكائنة على نهر دجلة " .. وعلق الكاتب سمير داود حنوش: "أخيراً، يبدو أن الجميع إتفق على المسبب الذي ينطبق عليه شعار “رُبَّ ضارة نافعة”، عازين السبب في إرتفاع نسبة التلوث في العاصمة إلى مصفى الدورة في بغداد وبجانبه محطة كهرباء الدورة"..وتساءل: " هل هناك نيّة لإبادة جماعية للعراقيين قد تحدث لهم من خلال الهواء الفاسد الذي يستنشقونه ؟ .. لا أحد يعلم، لكن المؤكد إن الإجراءات الحكومية لا ترتقي لمستوى الأزمة التي تتصاعد يومياً..
* الأستاذ الدكتور كاظم المقدادي أكاديمي متقاعد، متخصص بالصحة والبيئة، عراقي مقيم في السويد
#كاظم_المقدادي (هاشتاغ)
Al-muqdadi_Kadhim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزارة البيئة العراقية ومهمة معالجة المشكلات البيئية المتفاقم
...
-
وزارة البيئة العراقية ومهمة معالجة المشكلات البيئية المتفاقم
...
-
ملف: في الذكرى الخامسة لإنتفاضة تشرين المجيدة (6)
-
وزارة البيئة العراقية ومهمة معالجة المشكلات البيئية المتفاقم
...
-
ملف: في الذكرى الخامسة لإنتفاضة تشرين المجيدة (5)
-
ملف: في الذكرى الخامسة لإنتفاضة تشرين المجيدة ( 4)
-
ملف: في الذكرى الخامسة لإنتفاضة تشرين المجيدة ( 3)
-
ملف:في الذكرى الخامسة لإنتفاضة تشرين المجيدة ( 2 )
-
ملف : في الذكرى الخامسة لإنتفاضة تشرين المجيدة في العراق (1)
-
نحو ميثاق دولي فاعل من أجل مستقبل الأجيال
-
القنابل الغازية أداة قمع للإحتجاجات السلمية
-
من أجل عالم خالِ من الأسلحة النووية !
-
تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة !
-
في الذكرى السنوية التاسعة والسبعين لأفضع جريمة حرب دولية
-
ماذا وراء التعجيل بإعلان - خلو العراق من التلوث الإشعاعي- ؟!
-
مشروع الطاقة النووية للأغراض السلمية في العراق(3)
-
مشروع الطاقة النووية للأغراض السلمية في العراق(2)
-
مشروع الطاقة النووية للأغراض السلمية في العراق (1)
-
حكومة السوداني مدعوة للمطالبة بحق العراق المشروع
-
الأزمة البيئية العالمية المتفاقمة أمام الدورة السادسة لجمعية
...
المزيد.....
-
السعودية.. تعيين أيمن المديفر رئيسًا تنفيذيًا مكلفا لـ-نيوم-
...
-
أمريكا تعلق رحلات الطيران إلى هايتي بعد تعرض طائرات لإطلاق ن
...
-
متسابق يصبح مشهوراً بعد حل لغز بإجابة خاطئة ومضحكة للغاية..
...
-
هل يدعم إمكانية ضم الضفة الغربية؟ سفير ترامب لدى إسرائيل يُج
...
-
السعودية.. الأمن يُعلن إلقاء القبض على مقيم بسبب -تحرشه بطفل
...
-
أردوغان للأسد: ما زلت متفائلا بلقائنا
-
المصريون في السودان: -لا يعرف أبنائي أن والدهم محبوس لدى الد
...
-
فرحة الزفاف تتحول إلى كارثة.. مصرع 18 شخصاً بسقوط حافلة في ن
...
-
-بلومبرغ- تشير إلى انخفاض كبير في تبرعات الأوكرانيين لجيش زي
...
-
مصادر طبية: مقتل 18 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على مناطق في
...
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|