|
هواجس اجتماعية ــ 344 ــ
آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8157 - 2024 / 11 / 10 - 18:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بدلًا من أن تحجب المرأة، ارسم قانونًا يضمن كرامتها، وعدم الاعتداء عليها.
من منا، خرج من بيته غير معبأ بكل أنواع النفايات الثقافية كالطائفية والمذهبية والعشائرية والقبيلة، ومن منّا لم يغسل الأهل دماغه بفكر ديني وقومي غارق في التبعية والخضوع. من منا، تخلص من الايديولوجية القابعة في داخله. من منا، بقي متوازنا نفسيًا بعد هذا الحشو الثقافي المريض. لا تكذبوا على أنفسكم، لا تنسوا انفسكم، أنكم مرضى وعليكم معالجة أنفسكم، لا تقدموا أنفسهم طاهرين، أنقياء. كل مزابل التاريخ حطت نهاياتها القذرة فوق رؤوسنا وقبلناها دون أن ننظف هذه التراكمات العالقة فينا. أنت، أنا بحاجة إلى قراءة هذا التاريخ، لنتخلص منه أو نضعه على الرف.
اللاجئ الذي يقطع البحر للوصول إلى بر الأمان على الشواطئ الأوروبية والأمريكية ليس حلًا، أنه ترقيع لمأساة الناس على مستوى الأفراد في البلدان المبتلية بالأنظمة العسكرية أو الديكتاتورية. الحل أن تعمل الدول الغربية على احلال الديمقراطية في هذه البلدان عبر التغيير السياسي، ودعم هذا التغيير بكل الوسائل، لإبقاء الناس المتضررة أو المحتاجة في بلدانها. إن العلاك المصدي عن صعود اليمين في الغرب سببه اللجوء، ورجم اللاجئين بمناسبة وغير مناسبة هو إدانة لهذه الدول وليس للأفراد الذين وصلوا إلى هذه البلدان. أغلب الأزمات الخانقة في هذه البلدان، الاوروبية والأمريكية سببه أزمة النظام العام للرأسمالية، وهذه الأزمة جزء أساس من التكوين الاقتصادي والسياسي لهذه الدول. ووصول اليمين إلى السلطة جزء أساس لحل الأزمة البنيوية الانفجارية في النظام برمته. وصول هتلر إلى السلطة لم يكن اعتباطيًا أو خللًا في الحسابات، بل كان احتقانًا، نتاج أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية، وكانت الدافع للحربين العالميتين، كما يحدث الأن في عالمنا المعاصر. لا شيء في السياسية هو نتاج أخطاء عامة، أنما هو نتاج خلل في البناء كله
رئيس وزراء بريطانيا، ريشي سوناك، طالب مصر بالإفراج عن الموقوف علاء عبد الفتاح أثناء مؤتمر المناخ المنعقد في مصر. لا أعرف بأي صفة طلب هذا الرجل بالموقوف المصري، ولماذا لم يطلب غيره؟ ولماذا يوجد في البلاد العربية والإسلامية موقوفين سياسيين، ولماذا صمتت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية عن الاعتقال السياسي طوال عشرات السنين عنهم، ولماذا توجد أنظمة عسكرية أو دينية ديكتاتورية قميئة ومجرمة ومدعومة من قبلهم؟ إن تصرف سوناك استعراضي شكلاني تافه، فهذا الرجل وحكومته أصغر من أن يدخل في ملفات كبيرة وخطيرة، ودولته بحاجة إلى دعم وإعادة إنتاج وجودها السياسي في الداخل والخارج. جميع المعتقلين السياسيين في العالم الثالث، يدركون ويعلمون أن الأنظمة العسكرية هي ربيب الغرب، نمت وترعرعت في ظلهم خاصة الدولة الأمريكية، واستمدت قوتها منها في كل المجالات. اعتقد أن هذا البوست سيزعج أبطال الحرية والديمقراطية في سوريا؟
لا يمكننا القبض على التاريخ أو تسييره وفق مشيئة البشر، هذا مستحيل، ولا وجود للحتميات أو نهايات للتاريخ. ومهما وضعنا له قوانين، سيبقى التاريخ يسير وفق مصادفات علمية تقررها الحياة، وجملة عمليات معقدة يقدم عليها البشر من خلال العمل والإنتاج. كل اليوتوبيات منيت بالفشل الذريع، لهذا نأمل ان يعمل كل إنسان في موقعه، خلاصة هذه الأعمال هي المحرك أو القاطرة التي تجر التاريخ وتحوله تحولات نوعية.
قال أنترانيك وهو جالس وراء مقود الحصادة، التفت إلينا: ـ لقد وصلنا إلى موقع العمل، سنحتاج إلى عدة أيام لنبدأ الحصاد في هذه القطعة. ثم نزل. ونزل الرجال وراءه. مد يده إلى باقة السنابل، قال: سننتظر قليلًا، نفطر ونرتاح، السنابل رطبة بعض الشيء، ننتظر علّ الشمس تمسح عنها عرق الندى وتجفف شعرها. نزلت الطفل الصغير، وراح يركض فرحًا مثل مهر صغير مقبل على الدنيا في هذا العراء البريء، مذهول، مبهور من جمال الطبيعة الصفراء والخلاء على امتداد الفضاء وسط صمت مطبق. دار حول الحصادة فرحًا، بالحصاد والابتعاد عن المدينة والحياة الروتينية . كان راغبًا أن يرى شيئًا جديدًا. أن يبتعد عن الأماكن المغلقة كالمدرسة والبيت، ليسرح في الفضاء الواسع بين الأفقين، وتلال السماء. مد نظره، رأى الأرض مستوية صافية كاليقين، كالبسمة القادمة من وجه الصباح. هذه الأرض، مثل جميع أراضينا في هذه البقعة من وطننا الجميل. قال: كل شيء يشدني إلى المكان، والرغبة في الاكتشاف تجعل قلبي تواقًا لمعرفة المزيد. وأضاف: مشيت عشرين خطوة إلى الأمام باتجاه الغرب، رأيت طائرين بلون السنابل فروا بجناحيهما في الفضاء. صرخت بملئ الصوت: ـ سرب قطا. قطا. أنظروا. أنظر يا عمو عزو يا عمو أنترانيك يا عم إبراهيم. الطيور صفراء بلون الزنبق والبهاء. وعلى أجنحتهم الجميلة لون السنابل وبقع التراب والضوء والماء. لم يكن الرجال مهتمين بالطيور والطبيعة. ولم يفكروا كما كان يفكر. كانوا مشغولين بالحصادة والحصاد والعمل. ومتأففين من ارتفاع الحرارة، خاصة عزو الذي كان أكبرنا. قال: مشيت مبتعدًا، رأيت حجرة سوداء بحجم جسدي الصغير، في مكان قريب. دخلت لاستطلع. رأيت أرنبًا نائمًا تحت ظله. ما أن أحس بوجودي حتى فز وفر هاربًا مثل الريح. وعلى مقربة منه سرب قطا آخر فر في الفضاء تاركاً بيوضه على الأرض. كان المشهد ملفتًا ساحرًا في غاية الجمال والروعة. قال: ـ بيض قطا في الزرع. إنه طائر غبي يترك نسله لمن هب ودب. فرشنا على الأرض طعامًنا، بعض حبات الزيتون وقطع من الجبنه البلدي والباقسمة" خبز مجفف" يصنع خصيصًا ليتحمل موسم الجفاف والوقت. جمعنا بعض عيدان السنابل وأشعلنا نارًا وطبخنا شايًا. قال: كان الطعام طيب المذاق، لم أكل مثله طوال الحياة، ربما لأنه جاء بعد جوع. أو أن البراري أضفت عليه صفاء الهواء النقي والحياة الأمنة والاطمئنان النفسي.
الحرب ليست الميدان الوحيد للصراع، وإنهاء الحرب في ناغورني كاراباخ لا اعتبره هزيمة، أنما البحث عن خيارات أخرى في الحياة. منذ اليوم الأولى للحرب، كانت النتيجة شبه محسوبة لصالح أذربيجان، هناك تركيا بخبرائها وأسلحتها وخبرتها وقادتها وضباطها في الميدان، والضوء الأخضر الروسي، والدعم العالمي سياسيًا واعلاميًا وعسكريًا لأذربيجان. على الأرمن العودة إلى العمل في مجال التكنولوجية، وتطوير بلدهم في مجالات أخرى للحياة عبر الاستفادة من التقنيات الحديثة. سنغفورة، دولة صغيرة جدًا في المساحة وعدد السكان، لا تملك إلا 600 كيلومتر مربع، مع هذا هي أغنى دولة في العالم، وأكثر دولة متطورة في العالم في مجال التكنولوجيا، ودخل الفرد فيها هو الأعلى في العالم. القرار الأرمني برأي هو حكيم، وكان الواجب أن يبحثوا عن الحلول منذ اليوم الأول للحرب، بعد أن رأوا المعادلة الدولية، ليست في صالحهم خاصة غياب روسيا عن دعمهم، بله كانت ضدهم. إن إيقاف الحرب، وإراقة الدماء هو مكسب للطرفين الجارين على المدى الطويل. كتبت مرات كثيرة أن مفهوم الوطن أصبح ملتبسًا أو في طريقه إلى الزوال، والمسألة مسألة وقت، لهذا على كل دولة وشعب أن يعمل على تحسين شروط وجوده إلى أن تنجلي الأمور.
لكل واحد منّا فرحه الخاص به، يعيده إلى الحياة مرات، يزينه مرات، يلونه مع بقايا الشموع مرات، ومرات مع خوابي الخمر. يضعه على الطاولة كفرح عامر أو غابر، يستذكر ظل أو ظلال تلك الأضواء الخافتة التي أنعشت الروح والجسد بصحبة ذلك الجمال، لذلك الغائب. كل واحد فيّنا، يسرف في نحت ذلك الفرح الراحل بكل تفان، كما ينحت الفنان مجسمه، أو الرسام لوحته بكثير من الجهد والفرح والطيران في السماء العالية. إن العودة للفرح، زينة ورعشة وأمل، في حضور الغائب أو الحاضر أو المفتقد. وهناك إلى الجوار، جوار الغائب في خلده، زهرة الأوركيدا المنسية تغني في سرها، أغنيتها المنشودة، وتنثرها في زاويا البيت، علها تعيد رحى الزمن إلى ذاك الألق. الغائب حاضر أبدًا
لقد تسرع كارل ماركس في تنبئه بنهاية الرأسمالية، بل كان في تحليله خفة عندما اعتبر أن نهاية هذا النمط سيعقبه نهاية الدولة. "إن الطبقة العاملة ستلعب دورا رئيسيا ومحوريًا في التحولات القادمة، ستهيء الأرضية اللأزمة لتحل محل الرأسمالية، يليها مرحلة انتقالية تلي مباشرة الثورة الاشتراكية، وتتميز باستبدال الدولة البرجوازية بدولة تمارس فيها الطبقة العاملة وحدها السلطة، وهو ما يمكن من الانتقال إلى مجتمع بلا دولة ولا طبقات" يقول ماركس" بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي، هناك فترة التحوّل الثوري للأول إلى الثاني. وتصاحب هذه الفترةَ أيضا مرحلةُ انتقال سياسي، لا يمكن أن تكون فيها الدولة شيئا آخر إلا الديكتاتورية الثورية للعمال" نقول إن انهيار الدولة ليس بالأمر العقلاني أو المنطقي، لأن نهاية الدولة يقتضي انقلاب جذري في الحضارة الذكورية كلها، سيلي ذلك انقلاب كامل في المفاهيم والمصطلحات، والحياة برمتها. هل هذا صحيح؟ حتى لو كان تحليله صحيحًا مئة بالمئة نظريًا، إلا أن الواقع له شروطه وحساباته، ولا يمكن أن يتطابق النص مع الموضوع مهما كان دقيقًا. ماركس لم يضع في حسبانه التغييرات الهائلة في بنية الرأسمالية، وقدرتها على التحول تحولات نوعية، كرأس القاطرة التي تأخذ المقطورات وراءها إلى الأمام، وأن الدولة لديها القدرة أن تتلون مع تلون طبيعة هذه الطبقة، وتسير معها إلى تحقيق غاياتها. لقد قرأ قدرات الطبقة العاملة على التحول، بيد أنه أهمل قدرة الرأسمالية على التحول تحولات نوعية، أكثر بكثير من قدرة الأولى. الكينزية بعد أزمة العام 1929 قلبت البناء الراسمالي رأسًا على عقب، عندما أدخلت المجتمع في صلب وجودها، وحولته إلى مشارك في الإنتاج والاستهلاك، وله حصة في الدخل، بهذا غيرت موازين القوى بالكامل. اليوم، الرأسمالية تقود البشرية نقلات نوعية، بله تجبر الجميع للخضوع لتحولاتها الداخلية، الميتا القادمة، هذه التحولات لا نعرف إلى أين ستفضي؟ وجود الإنسان كله أصبح على المحك، سنسأل: هل سيبقى الإنسان، هل سيتلاشى لمصلحة بقاء القلة من البشر، يملكون التقانة المتقدمة جدًا والمال، التي تخدمهم وتجعلهم يتمتعون بكل الاكتشافات العلمية والتكنولوجية، وما بعدها؟ بتقديري هذا ممكن أن يخلق الإنسان السوبر. البارحة كنت أتحدث مع صديقي د. بسام: يفترض في وجود الميتا أن يخلق جيل جديد من البشر مهيئ علميًا، قادر على فهم العصر الميتاوي، والتناغم معه، ولا حاجة للناس العاجزة على قراءة التكنولوجيا الجديدة. فأين ستكون الدولة والرأسمالية في الزمن القادم، إذا حلت التكنولوجيا المتطورة جدًا محل الإنسان الجاهل مثلنا، وما الغاية من وجوده؟
على الكاتب أو المفكر أن يشك بالنص الذي يكتبه، مرة وأثنين وثلاثة، أحيانا يكون النص مضللًا، مخادعًا، يمارس عليه التعمية والتوهان. بتقديري أن الثقة المبالغة بها من الكاتب في نصه، سيأخذه إلى التهلكة، ويأخذ معه مريديه. الكتابة ليست عملية ميكانيكية، أو حسابات رياضية أو فيزيائية، ولا يوجد حتميات للتاريخ. الأيديولوجيا هي التي زيفت التاريخ، ميعته، وضعت ستارًا قاتمًا عليه وأبعدتنا عن معرفة الحقيقة. إن انصار الأديلولوجية دوغما، يدفنون رؤوسهم في الرمال كما يفعل النعام مخافة أن تهتز أفكارهم عندما يعرفون الحقيقة. إن بنية الإنسان الأيديولوجي قائم على العاطفة والمشاعر، لا على العقل، لهذا يبتعد عن المعرفة حتى لا يصاب بانتكاسة وحزن عندما يعلم أنه واقف على أرضية من رمال متحركة. ذهنه مركب على خواء، قائم على النقل لا على العقل. هذا التاريخ العملاق تحول إلى مجرد مكان للإقياء والخواء بسبب الأيديولوجية
ملخص لنص الديمقراطية في أوروبا هي نتاج تسوية تاريخية بين الفئات المتصارعة، وكانت الدولة هي الفيصل أو الممر الإلزامي لهذا الصراع. أما الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية، ليست نتاج تسوية تاريخية، وليست مجبرة على أداء ذلك، لغياب قوى مهمشة فاعلة تفرض شروطها. هذا الأمر أعطى النظام الأمريكي هامش مناورة لا مثيل له، يستطيع إلغاء الطاقة الاحتمالية للممارسة الديمقراطية، ويحولها إلى مجرد طقوس محايدة: ـ تدشين الحملات الانتخابية بمسيرات الرقص والمظاهرات اللأسياسية والمظاهر الاستعراضية. اليوم نرى واقع جديد في الولايات المتحدة، القوى القابضة على الدولة والمجتمع في حالة صدام، ويبدو لا تسوية بينهما في الأفق المنظور.
غافلنا الصدى. بقيت عيناي حائرتان تتجولان، تبحثان عن المدى. كنت سعيدًا بما يحمله الغد لنا من مفاجأت. يغمرني الفرح، في حالة استداد تام لتلقي كومة من الاحتمالات الغريبة القادمة من صوب الزمن، ستحمله يمامة الدهشة فوق أجنحتها المفتوحة. أكثرت الالتفاف يمينًا ويسارًا. ونحت صوب الأفق عله يحمل على صدره سر جديد بين ضفتيه. إنها لحالة غريبة أن يختار طفل صغير في عمر الحادية عشرة سنة أن يكون في العراء بصحبة رجال وحصادة خرساء. سيطر صوت المحرك على أنفاسنا. وفرق بيننا. ومنع التواصل أو الحديث بيننا. كانت سنابل القمح على طول المدى طرية ناعمة سعيدة تتمايل على الميلين بلونها المغمور. وكأنها في ليلة زفافها. التففنا إلى اليسار. ومضت الحصادة في طريقها تعن وتبكي وتقطع المسافات. اقتربنا من أرض مزروعة بالشعير. توقفنا في مكان فارغ من الشجر والبشر والحيوانات. قال أنترانيك وهو جالس وراء مقود الحصادة وملتفتًا نحونا: ـ لقد وصلنا إلى موقع العمل. سنحتاج إلى عدة أيام لنبدأ الحصاد في هذه القطعة. ثم نزل. ونزل الرجال وراءه. مد يده إلى باقة سنابل، قال: سننتظر قليلًا، نفطر ونرتاح. السنابل رطبة بعض الشيء، ننتظر علّ الشمس تمسح عنها عرق الندى وتجفف شعرها. نزلت ورحت أركض فرحًا مثل مهر صغير مقبل على الدنيا في هذا العراء البريء، مذهول، مبهور من جمال الطبيعة الصفراء والخلاء على امتداد الفضاء وسط صمت مطبق. درت حول الحصادة فرحًا بالحصاد والابتعاد عن المدينة والحياة الروتينية . كنت أرغب أن أرى شيئًا جديدًا. أن ابتعد عن الأماكن المغلقة كالمدرسة لأسرح في الفضاء الواسع بين الأفقين، وتلال السماء. مددت نظرت، رأيت الأرض مستوية صافية كاليقين، كالبسمة في وجه الصباح. مثل جميع أراضينا في هذه البقعة من وطننا الجميل. وكل شيء يشدني إلى المكان. والرغبة في الاكتشاف تجعل قلبي تواقًا لمعرفة المزيد. مشيت عشرين خطوة إلى الأمام باتجاه الغرب، رأيت طائرين بلون السنابل فروا بجناحيهما في الفضاء. صرخت بملئ الصوت: ـ سرب قطا. قطا. أنظروا. أنظر يا عمو عزو أنترانيك إبراهيم. الطيور صفراء بلون الزنبق والبهاء. وعلى أجنحتهم الجميلة لون السنابل وبقع التراب. لم يكن الرجال مهتمون بالطيور والطبيعة. ولم يفكروا كما كنت أفكر. كانوا مشغولين بالحصاد والعمل. ومتأففون من ارتفاع الحرارة، خاصة عزو الذي كان أكبرنا. مشيت مبتعدًا، رأيت حجرة سوداء بحجمي في مكان قريب. دخلت لاستطلع. رأيت أرنبًا نائمًا تحت ظله. ما أن أحس بوجودي حتى فز وفر هاربًا مثل الريح. وعلى مقربة منه سرب قطا آخر فر في الفضاء تاركاً بيوضه على الأرض. كان المشهد ملفتًا ساحرًا في غاية الجمال والروعة. قلت: ـ بيض قطا في الزرع. إنه طائر غبي يترك نسله لمن هب ودب. فرشنا على الأرض طعامًا بعض حبات الزيتون وقطع الجبنه البلدي و/ باقسمة / خبز مجفف، يصنع خصيصًا ليتحمل موسم الجفاف والوقت. جمعنا بعض عيدان السنابل وأشعلنا نارًا وطبخنا شايًا. كان الطعام طيب المذاق لم أكل مثله طوال الحياة ربما لأنه جاء بعد جوع. أو أن البراري أضفت عليه صفاء الهواء النقي. لم يكن مع الحصادة بيك آب يخدم العمل. ولم يجلبوا الجيب /الويلس/ لافتقدهم للمال لشراء البنزين أو قطع الغيار. وأبو ليفون متألم من سلوك وتصرفات ابنه الكبير ليفون الذي ذهب العام السابق إلى حلب لشراء دولابان كبيران للجرار الكيز 500. بيد أنه لم يعد. ذهب بالمال ولم يعد إلى هذه الساعة التي كنا فيها في الفلاة. وبدلًا من أن يجلب الدواليب لخدمة موسم الفلاحة 1968ـ 1969 أخذ المال، 800 ليرة في وقتها كان مبلغًا كبيرًا وهرب بهم إلى البرازيل. غابت أخباره وضربت أمه أخماس في اسداس حزنًا على عياب ابنها البكر. وبقيت تنتظره ثمانية شهور وربما أكثر من سنة، بيد أن ذلك كان هباء منثورة. كان موسم العام 1969 سيئًا. أمطار الشتاء قليلة والأرض البعل تعتمد على الماء ورحمة السماء والطبيعة. والفلاح فقير غير قادر على العطاء. لقد منحته حكومة الوحدة سابقا والبعث لاحقًا أرض صغيرة تحتاج إلى مستلزمات كثيرة لاقلاع الانتاج، كالبئر والمحرك الديزل لاستجرار الماء وقساطل وأدوات توصيل. كما يحتاج إلى جرار لفلاحة الأرض وركشها وبذارها. وفي نهاية الموسم يحتاج إلى حصادة لحصد السنابل وجني الحبوب. ولإنه فقير واتكالي ترك كل شيء للقدر. لقد أعاد نظام البعث بأسلوبه الفوقي إنتاج أشكال جديدة من العمل الانتهازي والارتزاقي. وحتى يتخلص من إحراجه التجأ الفلاح إلى المزارع. قال له: ـ أيها المزارع, لقد منحتني الدولة أرضًا صغيرة، مئة دونم، مئتان، ثلاثمائة. ليس لدي الامكانات واللوازم للفلاحة والسقاية والبذار. أنت تقوم بكل هذه الخدمات ونتبادل المحصول بالنصف. رد عليه: ـ تكرم يا صديقي. لك 45 بالمئة ولي 55 بالمئة. أنا سأشتغل وأعمل وأركض. أنت ماذا ستفعل يا فلاح؟ ـ في الشتاء لن أفعل شيئًا. سأجلس بالقرب من المدفأة وأدخن. وستصنع لي زوجتي الشاي. وتطبخ لي الطعام. وفي نهاية كل موسم أما أتزوج امرأة جديدة أو أقتل خصمًا أو غريمًا أو صديق. لقد منحني الاصلاح الزراعي أرضًا لأعيش عالة على المجتمع واتكل على الله. حقًا أنها لطريقة غريبة أن يشكل نظام البعث جيشًا من المتسلقين والاجراء لا هم لهم ولا غم سوى أن يراقبوا السماء ويتضرعوا إليها أن تمنحهم ماءً حتى يبقوا أمنين في بيوتهم ومرتاحين من هم البحث عن عمل أو لقمة خبز فيها تعب. ارتفعت الحرارة أكثر. واقترب الوقت من الساعة الحادية عشرة. لم تكن قافلتنا مزودة بمستلزمات العمل الميداني المتكامل مثل بقية قوافل العمل/ تسمى مصلحة/ في البراري، كالجادر أو الخيمة التي تحمينا من الحر والبرد والحيوانات. كنا أربعة أفراد، انترانيك وعزو سائقا الحصادة. وابراهيم خياطًا في عينه اليسرى القليل من الحول. ونقطة بيضاء على الطرف. كان لدينا طعام يكفينا لمدة عشرة أيام: ساردين وطون، باقسمة، بينما في المصالح الأخرى لديهم خيمة وطباخ وتنحر الخراف. وترسل السيارة إلى رأس العين. وتجلب الخضروات والفواكه، الكوسا، الباذنجان، البطاطا، البندورة والتفاح أو غيرهم. مهمة الطباخ تجهيز الطعام للسائقين القادمين من الخدمة او الذاهبين إلى الخدمة. وكل ثمانية ساعات يكون مستعدًا بعد نزول العمال من الحصادة. وهو الذي يوقظ السائقين والخياطين من نومهم. ويجهز لهم طعامًا سواء بعد منتصف الليل أو أوله أو عند انبلاج الصباح
متى سيتم استدعاء الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات للتفاوض، أم أن صلاحيتهم انتهت؟ من المؤكد أن كل واحد من هؤلاء الإمعات التافه جالس بالقرب من هاتفه، ينظر إليه بحسرة، منتظرًا مكالمة كما ينتظر العاشق عشيقه، ولسان حاله يقول: ـ هل سيتصلون بي أم لا؟ هل أنا مرغوب أم لا؟ هل هم راضون عني أم لا؟ هل أنا عند حسن ظنهم ويرغبون في تمثيلي دور ما أقوم به أم لا؟ إنهم ممحونون. لا يريد هولاء الجناة أن يصدقوا أن دورهم أنتهى، وتمت إحالتهم على التقاعد، وتم إعادة إنتاج السلطة كما توقعنا قبل ستة أعوام. أجلسوا في بيوتكم يا مجرمين، يا شركاء المذبحة السورية، يا رافعة النظام الدولي في تدمير بلدنا ووطننا. يا حيف على التضحيات التي قدمناها، ليأتي كل تافه ويفرط بها.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هواجس فكرية ــ 343 ــ
-
هواجس اجتماعية فكرية سياسية أدبية ــ 342 ــ
-
هواجس أدبية 341
-
هواجس عامة 340
-
هواجس سياسة وأدب ودين ــ 339 ــ
-
هواجس أدبية وإنسانية ــ 338 ــ
-
هواجس في الأدب والسياسة والفكر 337
-
هواجس فكرية ــ 336 ــ
-
هواجس ثقافية أدبية سياسية فكرية 335
-
هواجس إنسانية وسياسية ــ 334 ــ
-
هواجس عالمنا ـ 333 ــ
-
هواجس تمس الواقع ــ 332 ــ
-
هواجس تمس الدولة والحرية ــ331 ــ
-
هواجس إنسانية 330
-
هواجس أدلبة 329
-
هواجس ثقافية 328
-
هواجس قديمة 327
-
هواجس في الأدب ــ 326 ــ
-
هواجس اجتماعية فكرية أدبية 325
-
هواجس فنية وسياسية واجتماعية ــ 324 ــ
المزيد.....
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
ليبيا.. سيف الإسلام القذافي يعلن تحقيق أنصاره فوزا ساحقا في
...
-
الجنائية الدولية تحكم بالسجن 10 سنوات على جهادي مالي كان رئي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|