جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية
(Jadou Jibril)
الحوار المتمدن-العدد: 8156 - 2024 / 11 / 9 - 10:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
القرآن : قراءة أخرى، قراءة الإسلامولوجيين
لتسليط الضوء على أوجه القصور ومناطق الغموض و الضبابية في المصادر الإسلامية – السردية الاسلامية، قارن الباحثون بين الروايات المتناقضة لتنقيح النص الذي ينقله التقليد، بالإضافة إلى أوجه القصور التصويرية في اللغة العربية (بدون أحرف العلة أو التشكيل)؛ ولم تكن قواعد اللغة العربية قد استقرت في عهد عثمان. وتظهر الأدلة أيضًا أن النسخ المتباينة كانت لا تزال متداولة حتى القرن العاشر على الأقل. ويمكننا أن نعاين المقاربة النقدية للمصادر الإسلامية التي تربط تاريخ القرآن بمسارين.
- ما يسمى بالتيار المفرط في النقد أو المتشكك الذي يدعو إلى التشكيك في تاريخية وصحة التقليد – ماورد في السردية الاسلامية. يؤكد مؤيدوه على الفجوة التاريخية الموجودة بين الأحداث التي تم سردها وتدويدنا (المكتوبة بعد قرن إلى ثلاثة قرون من حدوث الواقعة). ويضاف إلى ذلك انحياز المؤلفين (موالون للأمويين ومناهضون للشيعة). ويحاول هذا التيار "نزع عربية أو عروبة" النص" عبر البحث عن أصول آرامية أو سريانية.
إن هذا النهج قد تم تقويضه إلى حد ما من خلال اكتشاف المخطوطات (صنعاء وبرمنغهام)** التي توضي حسب البعض بالتثبيت المبكر للنص القراني.
-----------------------------------
** - مخطوطات صنعاء هي مجموعة من المخطوطات والرقائق القرآنية تبلغ حوالي 4500 مخطوطة، كتبت بالخط الكوفي والحجازي وغيرها من الخطوط غير المنقوطة، وتعد بعضها من أقدم النصوص القرآنية الموجودة حاليا اكتُشفت مع عدد من المخطوطات التاريخية في الجامع الكبير بصنعاء القديمة عام 1972 وتعود للعصور الأولى للإسلام ويُعتقد أن بعضها كتبت بخط علي بن أبي طالب.
أما مخطوطة القرآن بجامعة برمنغهام فهي مخطوطة تضم صفحتين من القرآن ، عُثر عليها في جامعة برمنغهام؛ استخدم الخبراء في علم المخطوطات مسارع جامعة أكسفورد الإشعاعي والذي يحلل عمر المخطوطات بواسطة عنصر الكربون المشع، وتبيّن أن عمرها يبلغ نحو 1370 عاماً واستنتج أن المخطوطة قد دونت في فترة السنوات 568-645 م، مع العلم أن فترة نبوة النبي محمد قد كانت بين السنوات 610-632 م، وهذا يعني أن المخطوط دون من قبل شخص عاصر النبي محمد وعاش معه. أو ربما بعد الهجرة النبوية بـ 70 عامًا، وهو ما يجعلها من أقدم نسخ المصحف في العالم.
----------------------------------------------------
- وهناك مسار آخر لا يرفض السردية الإسلامية، ويعتبر أن النص كتب سريعا بعد الوحي في حياة النبي عند البعض، أو في خلافة عثمان عند البعض الآخر. ويرى أنصار هذا التيار أن الكثير من المواد الموجودة في السردية الاسلامية في المراجع المتأخرة كانت موجودة بالفعل في المراجع السابقة أعمال سابقة على الرغم من أنها قد تكون قد خضعت لعملية إعادة الكتابة وشيء من التنقيح.
وعلى أية حال، فإن هذين التيارين متفقان على خلل – عدم اكتمال سيرورة تقعيد اللغة العربية في هذه الفترة المسماة بـ - التاريخ المبكر للاسلام- ، عدم السماح بتمييز الحروف الساكنة حسب موقعها في الكلمة. مما سمح بظهور نوع من الاضطراب في نطق كلمات أو نطقها بطرق مختلفة مما ولد عددا كبيرًا من القراءات وعلى أية حال، فإن هذين التيارين متفقان على خلل اللغة العربية في هذه الفترة المسماة بالعصر القديم، وعدم السماح بتمييز الحروف الساكنة حسب موقعها في الكلمة. هذه الخصوصية المتمثلة في الاضطرار إلى نطق النص بطرق مختلفة تولد عددًا كبيرًا من القراءات تسمى القراءات.2
-----------------------------------------
2 - إشكالية تعدد القراءات من الاسكالات التي ظلت تثير الكثيرمن التساؤلات سواء لدى عموم المسلمين – العامة- أو خاصتهم وفي برنامج تلفزي سبق للقرضاوي أن ألح بقوة - مع شيء ظاهر من الغضب- على عدم إتارة هذا الموضوع في صفوف العموم
أما ما جاء في السردية الاسلامية بخصوص هذه القضية فكله يلفه الكثير من الضبابية
وحسبها إن تعدد القراءات طبعا ليس من التحريف، حيث أن القراءات المتواترة مروية كلها عن النبي وبالتالي على المسلم المؤمن أن يعتبرها كلها قرآن ولا تناقض بينها، وهي كلها تفيد معاني صحيحة لا تناقض بينها. قطع أهل العلم بصحة جميعها, وكانت موافقة لرسوم المصاحف التي كتبها الصحابة .
فلما كان العرب الذين نزل فيهم القرآن مختلفي اللهجات، وإن اتحدت لغتهم أنزل الله كتابه على لهجاتهم ليتمكنوا من تلاوته وينتفعوا بما فيه من أحكام وشرائع، فلو نزل بلهجة واحدة لكان في ذلك من المشقة ما لا يخفى، وخاصة أن العرب في ذلك الوقت أمة أميَّة لا تكتب ولا تحسب، ، فلو كلف الله العرب مخالفة لهجاتهم التي درجوا عليها، لكان في ذلك مشقة وحرج شديد، وهذا الدين – الاسلام- جاء برفع المشقة والحرج
أنزل بلغة العرب، ولغة العرب مختلفة اللهجات، بحيث يوجد في كل لهجة بعض الكلمات التي لا يفهمها ولا يعرفها أهل اللهجة الأخرى، فسهل الله على الأمة بإنزال القرآن على سبعة أحرف، وهنا يتم الاستناد على الحيث :
أن الرسول قال: أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرى
وأيضا حديث كَذلكَ أُنْزِلَتْ. . .
----------------------------------------------
كما أن أصل اللغة العربية القرآنية- لهجة قريش- ظلت محل خلاف أيضًا - لسان قبيلة قريش (التي ينتمي إليها النبي) وبالنسبة لعلماء اللغة، ربما تكون لهجة وسطية مستهجنة تفهمها جميع القبائل وقتئذ.
هناك تَدَخُلَانِ بشريان مهمان قد يكونان ساهما في تثبيت النص القراني: تدخل والي العراق الحجاج (ت 714) 3، وتدخل ابن مجاهد (ت 936) الذي قلل من عدد القراءات
-------------------------------------------------------
3- حثَّ الحجاج العلماء على تنقيط – إعجام -المصحف .
أما حسب رواية أبي داود السجستاني قام الحجاج بن يوسف بتغيير-في مصحف عثمان - أحد عشر حرفاً، وجاء في السردية الاسلامية أن هذه الرواية موضوعة لأنها تقوم على عباد بن صهيب ،وهو متروك الحديث، كما أن متن روايته يطعن في قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) . )
-------------------------------------------------------
فإذا كانت السردية التقليدية الإسلامية تقول بحفظ القرآن تذكرا وكتابة بأمانة في وقت مبكر جدًا - بين عام 632م-وفاة النبي- و656م- نهاية خلافة عثمان-؛ فالأمر ليس كذلك بالنسبة لأبحاث الاسلامولوجيين مؤيدي النهج النقدي المفرط. فهؤلاء يسلطون الضوء على البعد التاريخي لكتابة النص وتنقيحاته التي امتدت لأكثر من قرن من الزمان. وهناك عنصر آخر مهم هو عدم استقرار القواعد اللغة العربية وقتئذ وكذلك تباث النطق الأصلي للالفاظ والكلمات.
وتدرك الأرثوذكسية أن هناك قراءات مختلفة وليس نصوصًا مختلفة. ومع ذلك، فإن السردية الاسلامية نفسها تقر و تذكر أن النبي أثبت صحة الاختلافات في النصوص من خلال اللجوء إلى الترادف.
في مواجهة هذه القصص التي تضفي الشرعية على النقل الشفهي والمكتوب ، اتخذ الباحثون المستشرقون مواقف مختلفة تتراوح بين قبول السردية الإسلامية - مثل نولديكه4 - Nöldeke إلى رفضها التام معتبرين أنه من المستحيل التحقق من صحتها التاريخية- مثل وانسبرو5- Wansbrough -كأحد ممثلي النهج النقدي المفرط. وقد يكون هناك، حل وسط، يتضمن النظر في القصص التي تبدو محتملة عوض رفض – جملة وتفصيلا- كافة السردية الاسلامية.
-------------------------------------------------
4
- Nöldeke (Theodor). Geschichte des Qorâns, Göttingen, Dieterich, 1860
5
Wansbrough (John). Quranic studies, New York, Prometheus Books
------------------------------------------------------------
وبالنسبة للباحثين الفرنسيين كلود جيليو6- Claude Gilliot وA- و بريمار7- A.-L. de Prémare -، فالقرآن هو ثمرة عمل جماعي.
جماعي بمشاركة الكتبة.
--------------------------------------------------------
6- Gilliot (Claude). Origines et fixation du texte coranique, Etudes, 2008
https://www.cairn.info/revue-etudes-2008-12-page-643.htm
7- Prémare(A.L de). Aux origines du Coran, Paris, Téraèdre, 2004
---------------------------------------------------------------
أما بالنسبة للتسلسل الزمني، فقد كان غوستاف ويل أول- Gustav Weil- هو من من اقترح تسلسلًا مختلفًا عن التسلسل الزمني للمسلمين وذلك في 1833-1834 بناءً على أدلة تتعلق بأحداث معينة وتغيرات في الأساليب. واصل نولدكه عمله، لكنه تبنى الطرح الإسلامي بشكل تقريبي. يمكننا أيضًا الاستشهاد بريتشارد بيل - Richard Bell - صاحب كتاب
Introduction to the Qur’an, , 1970 1970))
كرائد مستعرب في هذا المجال. وطرح معارضو هذا النهج الزمنية فكرة أن أسلوبين مختلفين لا يعكسان بالضرورة زمنيتين مختلفتين، بل يمكن أن يتعلقا باهتمامين مختلفين.
على سبيل الخلاصة
وإذا كان تقديم الكتاب التأسيسي للإسلام في إطار المرجعية الإسلامية، والذي يؤدي إلى القول بأن القرآن قد حفظ وكتب في وقت مبكر، قد أثبته بعض الابحاث، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للباحثين الذين يعتمدون المنهج التاريخي النقدي. . وبغض النظر عن ذلك، فإن النقاش والجدال لا يزالان قائمين على الرغم من التقدم في الأبحاث.
وفي هذا السياقوجبت الاشارة الإشارة إلى القراءات الجديدة للنص االقرآني التي يقترحها الباحثون ذوو خلفية ثقافيةإسلامية ومنهم الباكستاني فضل الرحمن الفيلالي - الأنصاري صاحب كتاب - إصلاح الإسلام – 2003 - الذي خلص إلى نتيجة مفادها أن القرآن كلام إلهي ونبوي ، وأطروحة حسن الشهدي-"مفارقة نقل القراءات"- paradoxe de la transmission des qira’at - مما يدل على أن القرآن لم ينقل حرفياً بل بالمعنى.8
------------------------------------------------------
8- رابط
https://www.theses.fr/2016EPHE4055
https://cas.ens-lyon.fr/
---------------------------------------------------------------
أما الباحث محمد أركون فاقترح رفع القدسية على النص بإخضاعه لنفس القواعد المطبقة على أي نص علماني، وذلك من خلال حشد مساهمات مختلف العلوم الاجتماعية. ومع ذلك، وعلى الرغم من كونها محفزة، إلا أن هذه القراءات المبتكرة لم تجد أتباعًا وآذان صاغية في البلدان الإسلامية.
__________________________ يتبع_______
#جدو_جبريل (هاشتاغ)
Jadou_Jibril#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟