أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - -الإبراهيمية- وحواشيها : المنطلقات والأهداف(1من2)















المزيد.....


-الإبراهيمية- وحواشيها : المنطلقات والأهداف(1من2)


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 8156 - 2024 / 11 / 9 - 10:19
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


"صوفية السلام الروحي الإبراهيمي".

الابراهيمية مفهوم سياسي - ثقافي أخذ يطفو على سطح المستنقع السياسي في منطقة الشرق الأوسط مع حلول القرن الحالي. يحمل المفهوم المستحدث خطرين على شعوب المنطقة : يجرف القيم الدينية المقدس والتراث التي يقوم عليها الكيان القومي لشعوب المنطقة؛ يغفل دور الامبريالية والصهيونية التي طلعت من بين أضلعها قوتين قاهرتين فرضتا تخلف مجتمعات المنطقة وتبعيتها .
تفرعت عن "الابراهيمية " مسميات تراوحت بين "الدبلوماسية الروحية" و" الولايات المتحدة الإبراهيمية". جميع المسميات تطرح وعيا زائفا لحقيقة المشاكل المعترضة لانطلاقة شعوب المنطقة من أوحال التخلف والتبعية وتسد الدروب بوجه تحرر مجتمعات المنطقة وتقدمها. حتى انها تخترع إسلاما مستحدثا مجرفة منه مقدساته المكانية والقيمية. ولا أدري لماذا يتغافل الأزهر والمؤسسات الدينية عن كشف وتعرية "روحانية" التوجه الإبراهيمي وفضح أهدافه السياسية. ،
أجرت الباحثة المصرية، هبه جمال الدين محمد العرب، دراسة تحليلية لبنود "المشترك الإبراهيمي" وأهدافه في مؤلفها " الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي"، الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية [بيروت ، شباط 2021]. جاء الكتاب في أربعة فصول، في الثلاثة الأول عرضت الباحثة منطويات "الدبلوماسية الروحية، ثم "القوى الفاعلة لتطبيق الدبلوماسية الروحية والقبول بالمشترك الابراهيمي"، وفي الفصل الثالث أتت على ذكر "المشروعات المطبقةعلى الأرض والمبادرات المطروحة"، وبعضها في العالم العربي . الكتاب زاخر بالتوثيق والمستخلصات الدقيقة التي خرجت بها في الفصل الرابع " قراءة في مفهوم الدبلوماسية الروحية واستشراف المستقبل"، مستندة الى معطيات ومراجع موثقة. أبرزت الباحثة شواهد دالة لا تخفى على القراءة النقدية. في الفصل الرابع تعري الأنياب الكاسرة ل "صوفية السلام الروحي الإبراهيمي". ولا يقبل المنطق انها بأبحاثها العانية أغفلت او غفلت عن اتفاقييات التطبيع بين دول عربية تابعة للامبريالية مع الدولة الصهيونية تحت مسمى الاتفاقات الابراهيمية، كمشروع مطبق على الأرض؛ إنما هو فلم الرقيب في بلدها، أبقى على فيدرالية كردية تشكلت شمال شرقي سوريا، كما قرن بدوافع السياسة في ذلك الحين " مشروع الخلافة العثمانية..يستثمره أردوغان" تحت غطاء الصوفية التركية. ليس من الحمة تكثير الأعداء.
في مقدمتها للكتاب تطرح المؤلفة تساؤلات تنبه القراء بضرورة القراءة النقدية حتى لا ينخدعوا بالورود المفروشة والآمال الخلب عبر"المسار الروحي". تتساءل على سبيل المثال لماذا تنعت الأديان السماوية بالأديان الإبراهيمية في مسعى لأخوة إنسانية تقوم على الاحترام المتبادل؟ لأي غرض تنزع القداسة عن الأديان القائمة ولها أتباع بالملايين في مشارق الأرض ومغاربها؟ ومن هو الأب الشرعي لتوظيف نبي الله كمدخل للتصدي للنزاعات الممتدة والوصول المشترك وتحقيق السلام الديني؟ لماذا تم تغييب العدوان الامبريالي – الصهيوني على شعب فلسطين؟ لماذا اختط مسار إبراهيم عبر عشر دول شرقأوسطية ممهدا للولايات المتحدة الإبراهيمية يقودها الأقدم من بين الديانات الابراهيمية؟! لماذا التركيز ( أكثر من ثمانية عشر مرة ) على النزاع السني – الشيعي، واعتباره حجر العثرة الوحيد بوجه مشروع السلام الديني؟ وما هي العلاقة الزمنية بين المشروع ومطلع القرن الحالي؟ وكيف تأتى أن يكبح جماح الاحتكارات عابرة الجنسية كي يطرح البنك الدولي مشروعه للتنمية المقرونة بالدين المستحدث ؟ وتساؤلات اخرى كثيرة تستتهض من خلالها يقظة القارئ كي لا ينخدع بعبارات معسولة هي بمثابة قشرة من الحلوى تغلف حبوب السم الزعاف.
شأن جميع السلفيين، يروضون الدين في خدمة السياسة، تورد الباحثة في الجدول الأول نماذج من تفسير "مجتمع المؤرخين" بتفسيرت إنسانية ملفقة. حتى ضرب هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة الذرية، ينسجون تبريراتهم تقليدا لمقولاة التوراة ،’ الرب يبردغضبه بتطهير الأثمين‘! نزلت القنبلتان تطهيرا لليابان من آثام الفاشية العسكرية التي انضمت الى النازية في الحرب العالمية الثانية . وبذلك يكون مسلسل العدوان الأميركي مبعوث العناية الإلهية للتطهر من كل رجس. ما يطرح هو تفسير لا قبول له دينيا من مختلف المدارس الدينية" [22]
تستعرض الباحثة "أهم الأفكار والمبادئ التي يعليها هذا التيار وأبرز المؤسسات العاملة وأدواتها في الارتباط بالمجتمعات المحلية والقيادات الدينية... "وذلك للوقوف على سبب اختيار قادة الدبلوماسية الروحية للصوفية العالمية دربا يوصلهم الى "القيم الإبراهيمية السمحة"[64]، طبعا بعد التخلي عن كل ما لا يتم الاتفاق عليه من قبل ممثلي الديانات.. نبوة محمد ورسالة عيسى مثلا!!
حين يُستهدَف الوعي والكيان القومي والديني بالتذويب والتلاشي فالخطر حينئذ يشل المقاومة ؛ ذلك ان الابراهيمية تطمس الوعي الوطني والقومي، وتخلخل الروابط التي تنتظم العلاقات القومية، "مدخلا لتغيير الأديان وتحريفها ... وهي مدخل أيضا لتغيير المقدسات ووضع كتاب مقدس يكون له القداسة ... هو مدخل لتسلط الاستعمار الجديد الى الأبد. يتقاطع مع مسار الفرسان الماسوني... ومدخل لنشر المخطط الصهيوني على الأرض والوصول الى أرض إسرائيل الكبرى.
تأسست الصوفية الحديثة منذ قرن من الزمان تتلاقى أفكارها مع المبادئ الروحية وميثاق العمل الذي يضعه أنصار الدبلوماسية الروحية... مستغلة عدم العلم بمضمون ما تدعو اليه من شعارات ماسونية، كما توضح الباحثة في كتابها. القوى الصوفية أو الحركة الصوفية تيار غربي عالمي لا يمت بصلة لصوفية الإسلام ، تلك الظاهرة الاحتجاجية على ترف الخلفاء والسلاطين والحاشيات مع إفقار الجمهور بما يناقض الشريعة الإسلامية، وارتقت الى الذروة مع ابن عربي والحلاج والسهروردي القتيل ثم اخذ نورها يخبو مع تدهور المجتمعات العربية –الإسلامية. ... جاء تطويع صوفية الغرب سياسيا على الأرض مع مطلع الألفية الراهنة ، عبر إنشائها اطرا مؤسسية لتطبيق ونشر أفكارها في العالم ، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط[62]. ترفع الصوفية شعار " يمكن للمرء أن يكون صوفيا مسلما وصوفيا مسيحيا وصوفيا بوذيا او صوفيا هندوسيا ، او أي تقليد إسلامي آخر ، أو لاشيء على الإطلاق. كل من يرغب بصدق الدخول في طريق الصحوة وفتح القلب هو موضع ترحيب"[71]؛ لاحظ "طريق الصحوة وفتح القلب"!! ليس للعقل والتفكير مقام. والحقيقة ان من تتوجه اليهم الصوفية العالمية هم الغافلون ممن يغلقون عقولهم ويغيبون وعيهم. ومن "أبرز القيادات الصوفية العالمية لمنظمة الطريقة الصوفية التي تساوي بين الصوفية والماسونية في ميثاق عملها على نحو صريح"[63-62]. الصوفية هي الماسونية الروحية القديمة ... يعتقدون ان الصوفية هي التعاليم السرية في كل الديانات"[73]
والماسونية احد أذرع الدبلوماسية الروحية وفقا لمستنداتهم المعلنة ، كالصوفية العالمية التي يمولها في الأساس جورج سورس."[188] وهناك دول ربطت مشاريعها بالمنطقة مثل المانيا الغربية ." أبرز ملامح خطورة المشروع هو عدم اعترافه بملكية الدول التي يمر بها المسار رغم تنسيقه السياسي معها ."[189]فالمشروع وسيلة لنزع ملكية الدول العربية لأقسام من أراضيها ومنحها هدية للتوسع الإسرائيلي. ترتكز الدبلوماسية الروحية على "المشاركة المباشرة بين القادة.."..,. وتستند الى"المشاركة المباشرة بين القادة الروحيين العاملين مع دبلوماسيين ومحللين سعيا لإيجاد الحلول للتحديات المعقدة"[82]. بداهة سيكون التأثير الأعظم للدبلوماسيين والمحللين؛ بينما يشكل القادة الروحيون الواجهة الجذابة بمظهر البراءة. وشارك في مؤتمر"قمة السلام العالمي" ، نظمته الأمم المتحدة عام 2000، كل من فرانسيس الكاردينال رئيس مجلس الفاتيكان للحوار بين الأديان ، كونراد رايزر امين عام مجلس الكنائس العالمي ، مئير لاو كبير حاخامي إسرائيل ، والشيخ عبدالله صالح العبيد من رابطة العالم الإسلامي في السعودية"[70].
لدى التساؤل من هم الشعوب الأصلية، ومن هم أصحاب الحق الأصلي، "تظهر مشروعات صهيونية نثبت انهم أصحاب الحق على الخريطة السياسية، وأن لهم حقوقا في الأراضي العربية ، بل ويطالبون بتعويضات بالمقابل"[190] . وفق المفهوم الديني تكون الغلبة لإسرائيل والصهيوينة. كما سلف، حسب التأويل الغربي للديانة فإن " الجنس اليهودي أصل كل الأجناس البشرية وأتباع الأديان ، ومن ثم ستكون لهم الغلبة ، لأن نتائج دبلوماسية المسار الثاني ستقوم على إعطاء الشعوب الإصلية الحق على الخارطة السياسية بوصفهم أصحاب الحق الأصلي... ظهرت كتب ودراسات تتحدث عن الحق في عودة اليهود الى الأرض العربية ، ككتاب آفي ليبكين ضابط الموساد السابق بعنوان العودة الى مكة الصادر عام 2016-عن دار نشر أميركية متطرفة- ومطالبته بأحقية اليهود في مكة والمدينة، وأن الكعبىة هي رمز للديانة اليهودية وليس الإسلام... فضلا عن طرحه ان الإسلام هو الخطر على البشرية، وأن الحل يكمن في التخلص من الإسلام عبر السيطرة على الكعبة لتكون تحت سيطرة يهودية مسيحية غربية تميدا لتدميرها وهدم الركن الخامس للإسلام لإسقاطه. يرى ليبكين ان هذا الأمر سيتحقق عبر إثارة النزاع بين الشيعة والسنة"[191] ". إن ما يعرف ب ‘ أرض الميعاد’التي سيعود اليها اليهود تحت قيادة الماشيخ – المسيح المخلص – هي الأرض التي ستشهد نهاية التاريخ. فأرض إسرائيل هي مركز الكون لأنها توجد وسط العالم ، تماما كما يقف اليهود وسط الأغيار . ويمثل تاريخهم المقدس حجر الزاوية في تاريخ العالم ، تماما كما تمثل أعمالهم حجر الزاوية لخلاص العالم. إن هذا مرتبط بالتصور الساذج لهيكل المعمورة ، إذ استمرت "فلسطين التوراتية" مدرجة بالخرائط في مركز المعمورة رغم اضطراد التفدم العلمي في القرنين السادس عشر والسابع عشر.

حسب "تصور وتكوين الولايات المتحدة الإبراهيمية" يخطط لأن تشغل " إسرائيل السلطة المركزية في الاتحاد بسبب ما تتمع به من قدرات تكنولوجية متقدمة. الدولة الثانية في الاتحاد هي تركيا بسبب تطورها التكنولوجي... هذا مقابل الضعف العربي وضعف مستويات العلم والمعرفة وانتشار المهن الرعوية والزراعة على نطاق واسع بمختلف الدول العربية... العالِم الإسرائيلي الواحد يوازي آلاف المزارعين البسطاء من العرب."[174]

تتشكل فيدرالية الولايات المتحدة الإبراهيمية على أنقاض الدول القومية و"بهزيمة الفكر الإسلامي في ساحة الأفكار ... تكوين الولايات المتحدة الإبراهيمية مؤسسات أخرى تدعم التيار المعتدل، وفق المعايير الأميركية مع السماح بإنشاء المزيد من المؤسسات التي تخدم المصالح الأميركية"[55] اليست الدولة الأميركية قوة خير في الشرق الأوسط على ذمة بومبيووزير خارجية إدارة ترامب؟ تلك هي الأهداف المعلنة والأفكار المحركة للخيار الامبريالي- الإسرائيلي البديل. موضوعيا يمضي خيار الحرب والسلام الصوفي جنبا لجنب.


رؤية "صوفية السلام الروحي الإبراهيمي" لمسار حل الصراع العربي- الإسرائيلي، قدمها وليام اوري، ومنحها طابع الضرورة الحتمية، منطلقا من حقيقة ان" السلام العالمي أساسه انتهاء الصراع في الشرق الأوسط وبخاصة "الصراع" الدائر مع إسرائيل"[126] . ولا يستيعد الانطلاق من النتائج المروعة لحرب الإبادة الجماعية الدائرة حاليا في غزة ولبنان للترويج لهذا الحل المستشرف أفق هيمنة الدولة الصهيونية على المنطقة وكيلة للامبراطورية الامبريالية. تلعب اللغة دور ا تضليليا ، حيث يتكرر مفهوم "الصراع" ، حيلة خادعة تنفي حقيقة العدوان المتواتر من قبل إسرائيل على شعب فلسطين وأرضه وعلى دول الجوار. أرسلت الرابظة الأنثروبولوجية الأميركية مجموعة من باحثيها لدراسة الوضع في إسرائيل- فلسطين( التقريرالسابع بتاريخ1 أكتوبر 2015). انطلقت تقييمات البحث من اشتراط " الصراع يدور بين طرفين متكافئين من حيث المصادر ( بما في ذلك المصادر المادية، وحرية الحركة وحرية التعبير عن الرأي، الى جانب وسائل العنف)، ولكنهما تصارعان لأن مصالحهما تتعارض".( يضاف لذلك عدم التكافؤ من حيث مستند الحق القانوني المطابق للقانون الدولي). يضيف التقرير ،" غير اننا نتعامل هنا مع وضع احتلال؛ يتحكم فيه احد الطرفين تحكما عسكريا ، او غير غسكري ، بالأرض والزمان والحرية وغير ذلك من المصادر التي يعتبر تحكم الطرف الثاني فيها تحكما هو من حقه" . اقدم أوري على تجريف الصدام من أسبابه الهيكلية المرتبطة بالمكائد الامبريالية ( المجازر ونهب الأرض . وكذلك يروج اوري مزاعم تستبعدعوامل العصر الامبريالي ليبرر زعمه) ان "السلام الدائم في الشرق الأوسط مسألة هوية... إذ يزعم وجود قصص خاصة لكل طرف بصدد الأرض والتاريخ الذي يحدد هويتهم؛ وهذه محركات صراع، وتذويبها سيؤدي الى حل الصراع تدريجيا"[127]. والهدف واضح: يجب التضحية وتقديم التنازلات (من الجانب الفلسطيني فقط )والتخلي عن " مشاعر قديمة ؛ إذ شعر إسماعيل انه مستبعد كما شعرت هاجر أنها مستبعدة ، وسارة أيضا . من هنا شعر الفلسطينيون بالإقصاء"[127].

يصل أوري، بناء على الفرضية الملفقة، الى افترا ح بأن "أبراهام هو الطرف الثالث الذي سيقرب المتصارعين في الشرق الأوسط عبر التذكير بالإطار الأوسع -الذاكرة الثقافية؛ فطريق إبراهيم هو مشروع للذاكرة الثقافية "[128] والصحيح انه معول لهدم الذاكرة الثقافية القومية. وفقا لتعبير اوري " نهرا النيل والفرات حيث عاش النبي إبراهيم و"وعد الرب" بوجود أمة جديدة (ليست عربية بالطبع) ، ومن ثم فهذا وعد الهي يجب تحقيقه... يحتضن الدين الصراع ويعالجه بطرائق مختلفة "[128]. ويقولون بالابتعاد عن السياسة والانخراط بالروحانيات ، أي تلفيقات الروايات التوراتية.

الى جانب الموضوع الفلسطيني تقارب الروحانية الإبراهيمية موضوعة التنمية وتصفية الفقر ، والقضية لا تخلو من التلفيق وإشاعة الوعي الزائف. في ضوء الدبلوماسية الروحية يقام الاقتصاد "على الروحانية والتعاطف والقيم الأخلاقية والعدالة الاجتماعية التي نصت عليها الأديان الابراهيمية ... فالمشكلة الحالية ليست اقتصادية او تكنولوجية –وفقا له- وإنما غياب الروحانيات والأخلاق عن الاقتصاد".[48] "، لتطوير مبادرات جديدة في السياق ، وكذلك التشبيك مع المجتمع المحلي، الى جانب " مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر ( من مائة دولار الى الفي دولار) يتم جمع الأموال وتوزيعها للمشاريع الصغيرة في هذه المناطق"[65]. يجري تغييب الرؤى الطبقية والهدر الاجتماعي بالتنكر لمصالح الطبقات المستغَلة والمضطهَدة بانتظار الذي لن يأتي.
خلافا لما بات مؤكدا في سياسات الليبرالية الجديدة من إفقار لشعوب العالم يتم الإصرار على أن هدف الدبلوماسية الروحية تحويل المشترك والمتفق عليه الى ‘مبادرات تنموية ’ تقلل من معدلات الفقر وتعمل على تمكين الفئات الفقيرة والأقل حظا( لنلاحظ التمويه للاستغلال والنهب الضاريين من قبل الاحتكارات عابرة الجنسية)، كما تحقق التضامن الاجتماعي والاستيعاب والشمول ، وتؤكد المصير الإنساني المشترك"[42].عبر هذا السبيل، تروج القيم السمحة المقربة للروح ، ويكون الولاء فيها للدبلوماسية الروحية ومقدم الخدمة (كبار الماليين بالطبع) يتم تسويق الدبلوماسية الروحية.
يصح في المقام تعبير صحفي التقصي الأميركي ، كريس هيدجز "الطبقة الحاكمة من خلال الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) تقدم الأكاذيب حول الصفقات التجارية واتفاقية نافتا و‘الإصلاح’ وإلغاء الترتيبات المالية والتقشف والحرب في العراق والليبرالية الجديدة، تلك التي ألحقت الأضرار بالشعب الأميركي اكثر مما ألحقته اكاذيب ترمب"..
تأتي الباحثة في تحرياتها على"مراكز ومؤسسات او برامج الدبلوماسية الروحية: الانتشار القاعدي"، فمن برامجها " تعزيز العلاقات بين المشاركين كمدخل لنشر المفهوم عالميا عبر مركز للحرمة والقدسية – العلاقات الدينية - ، أي نقل حرمة دور العبادة في الأديان الى حرمة المراكز الإبراهيمية العاملة- كمعهد أبناء إبراهيم؛ احترام النص المشترك وفتح بوابة دائمة للحوار، فهذه البوابة هي مصدر القداسة"[94]. يتضح مما ٍتقدم "أنهم يخططون، بمفهوم المقدس، لتغييره بنزع قدسية الكتب السماوية لتكون أدلة الفكر الجديد هي المقدسة، ونزع حرمة العبادة لتصبح مراكز الفكر الإبراهيمي هي التي لها الحرمة وفقا لهذا الفكر وفتح باب التاويل المستمر للنصوص وفقا للأغراض السياسية ومواجهة اي عقبات سياسية [96]. تجريف كامل للقيم وللمقدس ولكل ما يربط الهوية القومية!

من مفاهيم الترويج للفكر الإبراهيمي "مناسك حج مشتركة تنظم رحلات الحج المشتركة التي تجمع مختلف الديانات"، ولا مانع من شطب احد فروض الإسلام أو شطب المقدسات كالأقصى! عبر مسار إبراهيم ، ثم "نشر هوية عالمية واحدة تجمع البشرية جميعها معا ، لا تعتد بجنسية او عرق او دين محدد.
تختزل صياغة ميثاق العمل ، تتكشف الغايات المستهدفة والمضمنة في المبادئ الملزمة للجميع [124]:
1-المهم ليس التملك ، وإنما "إرساء الاحترام المتبادل" .
2-توظيف النبي إبراهيم ذاكرة ثقافية موجهة لسكان الإقليم ..
3- تتم تنحية المختلف عليه، ويستثمر في "محددات تؤصل لقيم التسامح القائم على الانتماء لعائلة واحدة".
4- "لا يتم الانتماء الى الأرض او المدن"، أي بما يؤدي الى الارتباط بانتماء قومي - ديني.
5-الحرص على "خلق مكاسب اقتصادية محركة ومحفزة للقبول بالوضع الجديد"، بمعنى تقديم رشوات تتجسد في " مشروعات ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة" ، لا تتجاوز منح صناديق خيرية تقيمها الشركات الكبرى تعويضا عن نهج الإفقار الذي تمارسه.
6- اختيار فاعلين على الأرض مؤمنين بالفكرة و داعمين لتنفيذها عبر دول المسار .
7- البحث في ملكية الآثار المكتشفة على الطريق، هل تخضع لإطار الملكية المشتركة؟ وهذا يفضي الى منح إسرائيل حق التملك في أراض عربية مجاورة !!

الميزة في المخطط انه غربي مدعوم صهيونيا وغربيا "[184].
في الفصل الرابع والأخير تقدم الباحثة قراءة في مفهوم الدبلوماسية الروحية واستشراف المستقبل. ترى ان المشروع "ما هو إلا مخطط استعماري بدأنا بالوقوع في براثنه تحت دعاوى اتهام العرب والمسلمين بالحقد والعداء والعنف وخطاب الكراهية "[183]

تستخلص الباحثة هبة جمال الدين في كتابها أن "الدبلوماسية الإبراهيمية والمشترك الإبراهيمي مخطط استعماري للقرن الجديد" [173]. وجدت الباحثة أنه "مقترح مطبق على الأرض بالفعل ، بل ويتشابه مع ملامح صفقة القرن التي أعلنت عنها الولايات المتحدة الأميركية " [163]، يحمل المسمى ملامح "مشروع استعماري جديد بدأت إرهاصاته منذ تسعينات القرن الماضي... وجد في الدبلوماسية الروحية مطية للاستيلاء على الموارد العربية والأراضي العربية. فالمشترك الديني سيؤدي الى الإيمان بقبول المسئولية المشتركة في الحفاظ على الموارد عبر إقامة اتحاد فيدرالي يجمع 18 دولة عربية وإسرائيل وتركيا وإيران معا"[164]. وتعود الباحثة لتحدد تاريخا أبكر للمشروع ، إذ " مارس الرئيس الأميركي كارتر دورا في نشر فكر المسار وممارسة ديبلوماسية المسار الثاني ؛ (وبلير رئيس وزراء بريطانيا) أنشأ جمعيتين تهتم الأولى بالشرق الأوسط والسلام عبر نشر فكر الدبلوماسية الروحية والوساطة عبر نشر المشترك الإبراهيمي ، والجمعية الثانية تطبق النهج نفسه لكن في إفريقيا"[208]. لم يجد بلير تناقضا بين المهمة "الروحية" للجمعيتين ومشاركته الرئيس الأميركي بوش في الغزو المسلح للعراق، حيث أباد الغزو قرابة المليون عراقي. يظنون ان الشعوب بلا ذاكرة يأتونها كل يوم بمنطلق جديد وذريعة جديدة.
تشير الباحثة الى مجموعة من القضايا البازغة في الوضع الدولي أولاها إشكالية النظام الدولي الجديد."فنحن نشهد مرحلة مخاض لظهور قوى عالمية جديدة تنافس الولايات المتحدة على رئاسة العالم في ظل نظام متعدد الأقطاب... والأهم ان المخطط الإبراهيمي "تحقيق تصور الصهيونية المسيحية التي تسيطر على الولايات المتحدة الأميركية وتتلاقى في طرحها مع الإنجيليين والبروتستانت والكاثوليك في الدول الأوروبية "[185]. طروحات هذه الطوائف تدخل في نسيج ثقافة مجتمعات الغرب كافة، وتلون مواقفها السياسية بصبغة دعم إسرائيل الكبرى في منطقة الشرق الأوسط والتشكيك في مقولة ‘ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية’. " الفاعل في المنطقة سيكون إسرايل . –يتبع لطفا


..



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسرائيل بلا أقنعة
- أربعينية رحيل المناضل الوطني ، الشيوعي نعيم الأشهب
- سياسة أميركا الخارجيية رعت الفاشية بالداخل
- المشهد الأشد بشاعة وقذارة في سياسة الولايات المتحدة
- إسرائيل أعظم استثمارات أميركا بالشرق الأوسط
- جدار جابوتينسكي في غزة
- تراث باولو فريري: من من يسيطر على التعليم يمتلك القدرة على ت ...
- تراث باولو فريري: من يسيطر على التعليم يمتلك القدرة على تشكي ...
- الحقائق خلف حرب الإبادة في غزة ولبنان وما يضمره الكيد الصهيو ...
- إيديولوجيا الصهيونية تدمير وإبادة جماعية تقنّعها بالدفاع عن ...
- مشروع الشرق الأوسط الجديد ينهض من بيات ه الشتوي
- نتفنيد أكذيب الصهيونية واختلاقاتها
- نتفنيد أكاذيب الصهيونية واختلاقاتها
- من سيرة حياة ثورية من العند
- بالمال يحكم اللوبي الصهيوني قبضته على السياسة والرأي العام ف ...
- كي تصعد المقاومةالفلسطينية الى حركة ثورية إقليمية
- هراوة غليظة ترهب الجامعات الأميركية(2من2)
- هراوة غليظة ترهب الجامعات الأميركية (1من2 )
- هل تغير صدمة الفشل نهج الدولة الصهيونية؟
- إبادة سياسية ، إبادة بشر ، إبادة مدرسية وثقافية وهوية وطنية، ...


المزيد.....




- بمناسبة الذكرى 50 لاغتيال الشهيد عبد اللطيف زروال، وقفة احتج ...
- على طريق الشعب: في المهرجان يكبر الفرح وتتعزز الثقة بالغد
- بــلاغ صادر عن مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب
- تفاؤل مغربي وترقب من البوليساريو.. هل يُنهي ترامب نزاع الصحر ...
- هل تستطيع تركيا التوصل إلى اتفاق مع الأكراد للقضاء على حزب ا ...
- حزب النهج الديمقراطي العمالي بجهة أوروبا الغربية: حول أحداث ...
- وقفة احتجاجية بالرباط من أجل حرية التنظيم والتجمع وحرية الرأ ...
- محمد عفيف: الحكومات ستتكاتف من اجل قمع الحريات وعدم المس بما ...
- هولندا.. اعتقال متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في أمستردام
- وداعًا المناضل أحمد الأهواني


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - -الإبراهيمية- وحواشيها : المنطلقات والأهداف(1من2)