|
نحو حكم رشيد: تحديات الديمقراطية في العالم العربي
حمدي سيد محمد محمود
الحوار المتمدن-العدد: 8156 - 2024 / 11 / 9 - 08:42
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
في ظل التحولات السياسية والاقتصادية العميقة التي يشهدها العالم العربي، أصبحت مسألة تطبيق نموذج ديمقراطي حقيقي موضوعًا جوهريًا يتجاوز الأبعاد النظرية ليصل إلى عمق التحديات المعاصرة التي تواجه الشعوب العربية في سعيها نحو الحكم العادل والمشاركة الفاعلة. يُعتبر مفهوم الديمقراطية عند كثيرين بوابة لتحقيق الحرية والمساواة، ولكنه في السياق العربي يواجه تعقيدات تاريخية واجتماعية وثقافية تتطلب إعادة تفكير جذري في الكيفية التي يمكن بها تأسيس نموذج ديمقراطي يلبي الاحتياجات الفعلية للمجتمعات العربية دون استنساخ غير مدروس للنموذج الغربي.
إن مناقشة إمكانية تطبيق الديمقراطية في العالم العربي تتطلب الغوص في تاريخه، حيث تتشابك التقاليد الدينية والثقافية مع الهياكل الاجتماعية المتنوعة، وتتشابك التحديات الاقتصادية مع تأثيرات القوى الخارجية والتدخلات الإقليمية والدولية. العالم العربي ليس مجرد وحدة جغرافية، بل هو فسيفساء متداخلة من الشعوب والثقافات والقيم التي تعكس تنوعًا غنيًا، وفي الوقت ذاته، تحديات جذرية. وهذا التنوع يفرض على من يسعى إلى فهم الديمقراطية في هذا السياق أن يأخذ بعين الاعتبار الهوية الحضارية والشعور القومي والديني الذي يغمر الوعي الجمعي.
لقد أثبتت السنوات الماضية، من خلال انتفاضات وحركات شعبية واسعة، أن هناك توقًا عميقًا لدى الشعوب العربية نحو الحرية والمساواة والكرامة. ومع ذلك، برزت تحديات حقيقية؛ فالتجارب الديمقراطية التي انبثقت عن هذه التحولات واجهت صعوبات في ترسيخ نفسها ضمن بيئات تفتقر في كثير من الأحيان إلى المؤسسات المستقلة وإلى ثقافة سياسية قائمة على المشاركة وحقوق الإنسان. كما أن السياق الأمني غير المستقر، الذي غذته التدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية، قد خلق مناخًا صعبًا للاستقرار السياسي والاجتماعي، مما زاد من تعقيد عملية التحول الديمقراطي.
من هنا، ينبع السؤال: هل يمكن صياغة نموذج ديمقراطي يراعي هذه الخصوصيات ويتكيف مع التحديات التي تواجهها المجتمعات العربية؟ نموذجٌ يتجاوز مجرد تطبيق الآليات الديمقراطية المعروفة، ليصبح نظامًا حيًا وفعّالاً يعبر عن هوية الأمة، ويستجيب لتطلعاتها، ويضمن التوازن بين مبادئ الحرية والعدالة والتنمية المستدامة؟ أم أن الديمقراطية في صورتها الغربية التقليدية ستظل عسيرة التحقق في العالم العربي؟
هذه التساؤلات تشكل جوهر هذا الموضوع، الذي يهدف إلى استكشاف ما إذا كان بالإمكان تحقيق نموذج ديمقراطي حقيقي في العالم العربي، من خلال دراسة العوامل المؤثرة، والتحديات التي تقف عائقًا، والنماذج البديلة التي يمكن أن تنبثق من الداخل وتتكيف مع السياقات المحلية، لتلبي الحاجة الملحّة إلى حكم رشيد يقود إلى نهضة إنسانية واقتصادية ويعيد للأمة مكانتها الحقيقية في الساحة الدولية.
راي الفقهاء المسلمين في الديمقراطية الغربية يختلف رأي الفقهاء المسلمين في الديمقراطية الغربية حسب المدارس الفقهية والمفكرين الإسلاميين، حيث يوجد تباين كبير في الآراء حول قبول الديمقراطية الغربية أو رفضها. يعود هذا التباين إلى اختلاف الفهم حول طبيعة الديمقراطية وأسسها الفلسفية ومدى توافقها مع أحكام الشريعة الإسلامية. يمكن تلخيص الآراء في ثلاثة مواقف رئيسية:
1. الرفض الكامل للديمقراطية الغربية
• الحجج: يرى بعض الفقهاء أن الديمقراطية الغربية غير مقبولة شرعًا لأنها تقوم على مبادئ تتناقض مع أحكام الشريعة، مثل فكرة "سيادة الشعب" التي تجعل الشعب مصدر التشريع بدلًا من الله، وفكرة فصل الدين عن الدولة. الفقهاء الذين يتبنون هذا الموقف يعتبرون أن الديمقراطية الغربية تؤدي إلى تشريعات قد تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وتتيح الحرية في مسائل تعد من المحظورات في الإسلام. • البديل المطروح: هؤلاء الفقهاء يدعون إلى نظام الحكم الإسلامي المستند إلى الشورى، حيث يكون الحكم وفقًا للشريعة وتحت إشراف فقهاء وعلماء الدين لضمان تطابق الأحكام مع الإسلام.
2. القبول المشروط للديمقراطية مع تعديلها
• الحجج: بعض الفقهاء يرون أن الديمقراطية يمكن قبولها إذا كانت متوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية. هؤلاء يعتبرون أن الديمقراطية الغربية ليست كلها مرفوضة، بل تحتوي على جوانب إيجابية مثل الشورى، والمساواة، والعدالة، ومشاركة الناس في اتخاذ القرارات. لكنهم يطالبون بتعديلات تضمن أن تكون الديمقراطية تحت ضوابط الشريعة، حيث لا يُسمح بالتصويت أو التشريع في مسائل قطعية، مثل أحكام العقيدة والعبادات.
• النموذج المقترح: يقترح هؤلاء نظامًا يجمع بين الديمقراطية والشورى، حيث يتم انتخاب الحاكم أو مجلس الشورى، ويشارك الناس في القرارات، لكن وفق مبادئ الشريعة الإسلامية. يرى هؤلاء الفقهاء أن النظام الديمقراطي يمكن أن يكون وسيلة لتحقيق العدالة والمساواة في المجتمع إذا كانت محدودة بضوابط الشريعة.
3. القبول الكامل للديمقراطية كتجربة إنسانية ضمن ضوابط عامة
• الحجج: يرى بعض المفكرين الإسلاميين، خاصة من التيارات الإصلاحية، أن الديمقراطية هي تجربة إنسانية تتوافق مع مبادئ الإسلام العامة كالعدالة والمساواة والشورى، ويعتبرون أنها لا تتعارض مع الإسلام بشكل جوهري. هؤلاء يرون أن القيم الديمقراطية، مثل احترام حقوق الإنسان وحرية الرأي وتداول السلطة، تتماشى مع الروح الإسلامية. فهم يعتبرون أن الديمقراطية هي وسيلة لتحقيق مقاصد الشريعة، ويمكن تطبيقها في المجتمعات المسلمة بشرط عدم مخالفة أحكام الشريعة القطعية.
• النموذج الإسلامي للديمقراطية: يدعو هؤلاء إلى تبني "ديمقراطية إسلامية" تتمحور حول مقاصد الشريعة ومبادئها العامة، ويدعون لانتخاب حاكم ونظام مؤسساتي يسمح بمحاسبة المسؤولين وتغيير السلطة عبر الانتخابات.
وفي بشكل عام، تظل هذه الآراء مجالًا واسعًا للنقاش بين الفقهاء والمفكرين الإسلاميين، ويتوقف تبني أي رأي منها على رؤية المجتمع الإسلامي وكيفية رغبته في تحقيق الحكم العادل والشرعي الذي يحقق مصالحه.
موقف الأنظمة العربية من الديمقراطية الغربية
موقف الأنظمة العربية من الديمقراطية الغربية يتسم بالتباين، وهو غالبًا موقف حذر وانتقائي، يعتمد على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل دولة، وتاريخها، وتركيبة النظام الحاكم. فيما يلي تلخيص لأبرز المواقف والاتجاهات العامة التي تتبناها الأنظمة العربية تجاه الديمقراطية الغربية:
1. الرفض والاستبدال بأنظمة تقليدية أو سلطوية
• الوصف: بعض الأنظمة العربية ترفض الديمقراطية الغربية باعتبارها نظامًا لا يتناسب مع الثقافة والقيم العربية والإسلامية، وتفضل استبدالها بنظام سلطوي أو بتقاليد الحكم العائلية والوراثية. غالبًا ما تقدم هذه الأنظمة الحجج بأن الديمقراطية قد تؤدي إلى الفوضى وعدم الاستقرار، مستشهدة بالتجارب الصعبة التي مرت بها بعض الدول التي حاولت تبني النظام الديمقراطي الغربي.
• أمثلة: بعض الدول الخليجية تعتمد النظام الملكي الوراثي، حيث يتم تداول السلطة داخل العائلة الحاكمة وتُطبق قوانين الشريعة، في حين يتم التركيز على الاستقرار والأمن كأولوية.
2. التبني المحدود لبعض الممارسات الديمقراطية • الوصف: هناك بعض الدول العربية التي تتبنى شكلًا محدودًا من الديمقراطية يتمثل في وجود مجالس نيابية أو مجالس شورية، حيث يُسمح بقدر من المشاركة السياسية، ولكن في إطار محدود وتحت إشراف النظام الحاكم. يتم تنظيم الانتخابات في هذه الدول، لكن في كثير من الأحيان تفتقر هذه الانتخابات إلى الاستقلالية، وتكون الصلاحيات الفعلية للبرلمان أو المجلس الاستشاري محدودة.
• السبب: غالبًا ما تهدف هذه الدول إلى إبقاء صورة إيجابية أمام المجتمع الدولي وإعطاء انطباع بأنها تدعم مشاركة المواطنين في الحياة السياسية، بينما يبقى النظام الحاكم محتفظًا بمعظم الصلاحيات الرئيسية.
• أمثلة: بعض الدول في شمال أفريقيا والخليج تطبق هذا النموذج، حيث يوجد برلمان أو مجلس استشاري، ولكن النظام يبقى هو المسيطر على السلطة الفعلية.
3. المواكبة الشكلية للديمقراطية الغربية • الوصف: بعض الدول العربية تبنت مظهرًا ديمقراطيًا، حيث توجد دساتير تضمن حقوق المواطنين وإجراء انتخابات، بالإضافة إلى وجود حرية نسبية في الصحافة. ولكن في الواقع، تُقيد السلطات التنفيذية هذه المظاهر الديمقراطية، ويُستخدم القانون أحيانًا كأداة للسيطرة على المعارضة. يُعتبر هذا النموذج نوعًا من الديمقراطية الشكلية، حيث يتم تنفيذ بعض مظاهر الديمقراطية الغربية كإجراء شكلي أكثر منه عملي.
• الهدف: تهدف هذه الأنظمة إلى تحسين صورتها دوليًا، واستيفاء بعض المعايير التي يتطلبها المجتمع الدولي من أجل المساعدات والشراكات الاقتصادية والسياسية، دون السماح بتحدي حقيقي للنظام الحاكم.
• أمثلة: دول عربية عديدة تقيم انتخابات دورية، ولكن المعارضة تواجه قيودًا شديدة، وتتم مراقبة الأنشطة السياسية والإعلامية بصرامة، ما يقلل من تأثير هذه الانتخابات على الحياة السياسية الفعلية.
4. التخوف من الديمقراطية كمصدر لعدم الاستقرار • التفسير: يعتبر البعض أن اعتماد الديمقراطية الغربية قد يؤدي إلى حالة من الانقسام الاجتماعي والسياسي، خاصةً في المجتمعات التي تضم مكونات قبلية أو طائفية أو عرقية متعددة. وبالتالي، تتجنب هذه الأنظمة التحول إلى الديمقراطية بشكل كامل خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى فقدان السيطرة أو تصاعد التوترات.
• الحجج: تقدم هذه الأنظمة الحجج بأن الديمقراطية الغربية قد تكون غير مناسبة للبيئة العربية؛ بسبب تعقيدات البنية الاجتماعية وضعف التجربة الحزبية والسياسية، ما قد يؤدي إلى استغلال القوى الخارجية لهذا التحول لتحقيق مصالحها.
5. محاولات التحديث التدريجي والتبني الحذر للديمقراطية
• الوصف: بعض الأنظمة العربية، خاصة التي شهدت موجات من "الربيع العربي"، تحاول تبني نهج تدريجي نحو الديمقراطية، ولكن تحت رقابة صارمة، حيث تتيح بعض الحريات السياسية والإعلامية وتسمح بتكوين الأحزاب والمشاركة السياسية، مع فرض ضوابط تضمن عدم خروج المعارضة عن سيطرة الدولة.
• التحديات: غالبًا ما تجد هذه الأنظمة صعوبة في التوفيق بين تنفيذ إصلاحات ديمقراطية حقيقية وبين الحفاظ على استقرار النظام وأمنه، حيث تخشى من تطور الديمقراطية إلى حالة من الفوضى أو الصراع على السلطة.
• أمثلة: دول مثل تونس والمغرب بدأت في تطبيق إصلاحات سياسية أكثر انفتاحًا، مع محاولات لتمكين المجتمع المدني وتقوية المؤسسات، رغم أن هذه العملية واجهت تحديات كبيرة.
وبصفة عامة فإن موقف الأنظمة العربية الحاكمة من الديمقراطية الغربية يتراوح بين الرفض الكامل والتبني التدريجي، ويظل هذا الموقف متأثرًا بعدة عوامل، منها القيم الثقافية والدينية، والتحديات السياسية والاجتماعية، وضغوط المجتمع الدولي. ورغم أن بعض الأنظمة تتبنى شكلاً من أشكال الديمقراطية أو تسمح ببعض الممارسات الديمقراطية، إلا أن الديمقراطية الفعلية بمعاييرها الغربية لا تزال تواجه صعوبات كثيرة في التطبيق العملي ضمن السياق العربي، حيث تحاول الأنظمة في الغالب الحفاظ على سيطرتها في ظل هذا التوازن الدقيق.
هل من الممكن أن يتم تطبيق نموذج ديمقراطي حقيقي في بلدان العالم العربي؟
تطبيق نموذج ديمقراطي حقيقي في بلدان العالم العربي يعد موضوعًا معقدًا يتأثر بالعديد من العوامل السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. ومع ذلك، فهناك إمكانية نظرية لتطوير نموذج ديمقراطي يتلاءم مع خصوصيات الدول العربية، ولكنه يتطلب مقاربة تراعي السياقات التالية:
1. التركيبة الاجتماعية والثقافية • التحدي: المجتمع العربي يضم تركيبات اجتماعية متنوعة تشمل القبائل، والعشائر، والطوائف الدينية، وهذا قد يؤدي إلى تعقيدات في تحقيق توافق سياسي مستقر. الصراعات الطائفية والقبلية في بعض الدول العربية، مثل العراق ولبنان، أظهرت كيف يمكن أن تؤثر هذه التركيبة في الاستقرار السياسي.
• الحل المقترح: يمكن اعتماد نظام ديمقراطي توافقي، مشابه للنموذج السويسري أو اللبناني، حيث يُشرك كل المكونات الاجتماعية في النظام السياسي بآليات دستورية تضمن التوازن بين الفئات المختلفة.
2. الدين والقيم الثقافية
• التحدي: الكثير من المجتمعات العربية ترى أن الدين جزء لا يتجزأ من هوية المجتمع وقيمه، مما قد يجعل الديمقراطية الغربية القائمة على العلمانية تبدو غريبة. كما أن الأحزاب الإسلامية السياسية تملك شعبية واسعة وتطرح بدائل قد تتعارض مع الديمقراطية الغربية.
• الحل المقترح: تبني نموذج ديمقراطي تشاركي يدمج القيم الإسلامية مع مبادئ الديمقراطية، بحيث يسمح للأحزاب الإسلامية بالمشاركة ضمن إطار قانوني يضمن حماية الحريات والحقوق الأساسية، لكن في ذات الوقت يحترم التنوع الديني والفكري.
3. التنمية الاقتصادية
• التحدي: كثير من الدول العربية تواجه تحديات اقتصادية حادة، مثل البطالة والفقر وتفاوت الثروات. هذه التحديات تجعل من الصعب تحقيق استقرار سياسي، حيث تعتبر التنمية الاقتصادية عاملاً حاسمًا في نجاح أي نظام ديمقراطي.
• الحل المقترح: تطبيق الديمقراطية الاقتصادية، والتي تركز على تحقيق العدالة الاجتماعية ودمج فئات الشعب في صنع القرارات الاقتصادية، يمكن أن يكون جزءًا من الحل. هذا سيتطلب وضع سياسات تضمن توزيعًا أكثر عدالة للثروات، وتوفير فرص اقتصادية متساوية للمواطنين . 4. ضعف المؤسسات وعدم استقرارها • التحدي: في الكثير من الدول العربية، مؤسسات الدولة، مثل القضاء والمجالس التشريعية، تفتقر إلى الاستقلالية والفعالية، ما يؤدي إلى غياب الثقة العامة في النظام السياسي. هذا الضعف المؤسسي يُعدّ من أهم العوائق أمام نجاح الديمقراطية.
• الحل المقترح: تطوير نظام ديمقراطي يعتمد على مؤسسات قوية ومستقلة، خاصةً في القضاء والإعلام والمجالس التشريعية، وتوفير قوانين تضمن استقلالية المؤسسات وتمنع التدخلات السياسية في عملها. يمكن أن يؤدي بناء مؤسسات متينة إلى تعزيز الثقة العامة في النظام وتحقيق الاستقرار السياسي.
5. التأثير الخارجي والتدخلات الأجنبية
• التحدي: العديد من الدول العربية تتعرض لتدخلات خارجية تؤثر في استقرارها السياسي، وهذا يمثل عائقًا أمام أي عملية ديمقراطية حقيقية. غالبًا ما تدعم القوى الأجنبية نظمًا سلطوية أو أنظمة ضعيفة لضمان تحقيق مصالحها.
• الحل المقترح: تبني سياسة خارجية متوازنة تعتمد على عدم الانحياز وتطوير شراكات مع الدول المجاورة والدول الكبرى على أساس الاحترام المتبادل. يجب أن يترافق هذا مع سياسات داخلية تضمن استقلالية القرار الوطني وحماية الديمقراطية الناشئة.
6. التحديات الأمنية والإرهاب
• التحدي: انتشار الجماعات المسلحة والصراعات الداخلية في بعض الدول العربية يمثل تهديدًا للأمن ويعرقل أي محاولات لإرساء نظام ديمقراطي. وجود جماعات ترفض الدولة أو تسعى لإقامة نظام موازٍ يشكل عائقًا أمام الاستقرار.
• الحل المقترح: تعزيز دولة القانون والمواطنة من خلال إصلاح الأجهزة الأمنية وتدريبها على احترام حقوق الإنسان، مع التركيز على حل النزاعات الداخلية عبر الحوار السياسي، ومنح جميع الفئات صوتًا في النظام الديمقراطي.
7. ضعف الوعي والمشاركة السياسية
• التحدي: نقص الوعي السياسي وضعف الثقافة الديمقراطية يمثل تحديًا أمام تحقيق الديمقراطية، حيث أن المجتمعات التي تفتقر إلى الوعي السياسي تكون عرضة للتلاعب وتفضل الشخصيات الكاريزمية على البرامج السياسية.
• الحل المقترح: تعزيز برامج التثقيف السياسي ودعم المجتمع المدني لتوعية المواطنين بأهمية المشاركة السياسية، وتدريبهم على ممارسة حقوقهم وواجباتهم في إطار نظام ديمقراطي.
وبشكل عام، فإن تطبيق نموذج ديمقراطي حقيقي في العالم العربي ممكن، ولكنه يتطلب تصميمًا مخصصًا يأخذ في الاعتبار الظروف الخاصة بكل دولة، من خلال التركيز على تحقيق العدالة الاجتماعية، وتطوير المؤسسات المستقلة، واحترام التنوع الثقافي والديني، وضمان التنمية الاقتصادية. من شأن تبني نماذج ديمقراطية مثل الديمقراطية التوافقية، أو الديمقراطية التشاركية، أو حتى الديمقراطية الرقمية في بعض السياقات، أن يوفر فرصًا لخلق نموذج ديمقراطي عربي يتماشى مع التحديات والخصوصيات الموجودة، وفي ذات الوقت يسعى لتحقيق العدالة والمساواة والاستقرار.
في الختام، يظل تحقيق الديمقراطية الحقيقية في العالم العربي مسارًا شاقًا ولكنه ليس مستحيلًا. فالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المعقد يفرض على الشعوب العربية تحديات جمّة، ولكنه في الوقت نفسه يفتح أمامهم فرصًا لبناء نموذج ديمقراطي أصيل، مستمد من هوية الأمة وثقافتها وواقعها الخاص. إن الديمقراطية لا تقتصر على ممارسات انتخابية أو مؤسسات سياسية، بل هي، في جوهرها، رؤية شاملة للحرية والعدالة والمساواة والمشاركة الفعالة للمواطنين في صنع القرار.
قد تكون الطريق نحو الديمقراطية في العالم العربي مليئة بالعقبات والتحديات، من انقسامات اجتماعية إلى تدخلات خارجية وصراعات إقليمية، لكنها تظل خيارًا لا بديل عنه إذا أردنا لشعوبنا أن تظل قادرة على تقرير مصيرها بشكل حر وكريم. قد لا يكون النموذج الغربي هو الحل الأمثل لكل دولة عربية، لكن يمكن لكل مجتمع أن يصيغ نسخته الخاصة من الديمقراطية التي تحترم خصوصياته وتلبي احتياجاته.
إن ما يحتاجه العالم العربي اليوم هو إرادة سياسية قوية، ورؤية استراتيجية بعيدة المدى، قادرة على تأسيس ديمقراطية شاملة تأخذ بعين الاعتبار التنوع الثقافي والاجتماعي، وتحترم الحقوق الأساسية لجميع المواطنين. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إصلاحات حقيقية، تبدأ من تعزيز المؤسسات الديمقراطية وتفعيل المشاركة الشعبية، وتنتهي بتطبيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات بطرق تضمن للجميع حياة كريمة وآمنة.
وفي النهاية، يظل الأمل قائمًا في أن الشعوب العربية، التي طالما سعت إلى الحرية والكرامة، قادرة على تحقيق التحول الديمقراطي في سياقها الخاص، محققة بذلك رؤيتها للمستقبل، حيث تصبح الديمقراطية أداة للنهضة والتقدم، ويكون التغيير السياسي حافزًا لإعادة بناء الأمة من الداخل، على أسس من العدالة والمساواة والمشاركة الحقيقية.
#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخضوع الطوعي للسلطة: دراسة فلسفية في العبودية الذاتية
-
الاستشراق الجديد: قراءة نقدية في خطاب الهيمنة الثقافية
-
إحياء الذات والأمة: فلسفة محمد إقبال في التحدي والتجديد
-
السياسة بين الدين والفلسفة: قراءة معمقة في النظريات السياسية
...
-
أزمة المعنى في الواقع العربي المعاصر: بحث في الهوية والقيم و
...
-
الصمت كوسيلة للاعتراض: دراسة في عمق السياسة العربية
-
الوعي العربي في مواجهة أزماته الوجودية: قراءة فلسفية
-
الليبرالية الأوربية على مفترق الطرق - صراع القيم ومستقبل الأ
...
-
الذكورية السياسية في الفكر الفلسفي: نقد للسلطة الجندرية وآفا
...
-
الاتجاهات الجنينية في الفلسفة المعاصرة: الأخلاق والوعي والهو
...
-
الاتجاهات الجنينية في الفلسفة المعاصرة: الأخلاق والوعي والهو
...
-
حرب المصالح : بحر الصين الجنوبي بين الطموحات الصينية والتحال
...
-
اتفاقية عنتيبي وجدلية الصراع بين دول المنبع والمصب ... المسا
...
-
الصوابية السياسية من منظور فلسفي – جدلية الحرية والأخلاق في
...
-
تحديات إدارة الأزمات في المؤسسات الحكومية: نحو استجابة فعّال
...
-
القوة والإرادة: جدلية العقل والإيمان بين الفلسفة الأوروبية و
...
-
صراع القيم وتحرير الإنسان: قراءة في العلاقة الفلسفية بين مار
...
-
من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد الأخلاقي: مسار التغيير في
...
-
صحافة المواطن في العصر الرقمي: التحديات والفرص نحو مستقبل جد
...
-
الإلحاد الإبستمولوجي بين النقد الفلسفي وآفاق الفكر الحديث
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|