أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد زكرد - إشكالية التأسيس المعرفي في الفلسفة الحديثة














المزيد.....

إشكالية التأسيس المعرفي في الفلسفة الحديثة


احمد زكرد

الحوار المتمدن-العدد: 8155 - 2024 / 11 / 8 - 00:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نشأت الفلسفة الحديثة في أوروبا في القرن السابع عشر كرد فعل على ما عرفته العصور الوسطى من هيمنة الفكر اللاهوتي الذي اعتبر المعرفة في الأساس مستمدة من الإيمان الديني، وأخضعت العقل لسلطة الكنيسة. ومع التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية والعلمية التي شهدها ذلك العصر، ظهرت الفلسفة الحديثة كحركة فكرية تحررية تهدف إلى استعادة مكانة العقل كقوة مستقلة وقادرة على فهم العالم وتفسيره، وجعلت من المعرفة الإنسانية مركز الاهتمام الفلسفي.
كان من أبرز ممثلي هذا التحول الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت René Descartes، الذي يعد "أب الفلسفة الحديثة". انطلق ديكارت من منهج الشك كسبيل للوصول إلى اليقين، حيث رأى أن الحواس قد تخدع الإنسان، وبالتالي يجب الشك فيها. ولم يترك ديكارت مجالًا خارج هذا الشك إلا للذات المفكرة نفسها، فوصل إلى مقولته الشهيرة "أنا أفكر، إذن أنا موجود" (Cogito, ergo sum)، مؤكدًا أن الوعي بالذات هو أول يقين يصل إليه العقل، ومنه ينطلق في بناء معارفه. وبهذا جعل ديكارت من العقل المصدر الأساسي للمعرفة، حيث أن الأفكار الواضحة والمتميزة التي لا يشك فيها هي ما يستند إليه العقل لتشكيل الحقيقة، وهو ما يعرف بمبدأ الوضوح والتمييز (Clarté et Distinction). العقل، بالنسبة لديكارت، نور فطري موجود في الإنسان، ويُعدّ القاسم المشترك الذي يُمكّن الجميع من الوصول إلى الحقيقة إذا استخدموه بطريقة منهجية قائمة على البداهة والتقسيم والترتيب.
وبالمقابل، ظهرت فلسفة إنجليزية تأخذ اتجاهًا مغايرًا، يتجسد في الفكر التجريبي مع الفيلسوف جون لوك John Locke، الذي قال إن العقل عند الولادة يكون مثل صفحة بيضاء (Tabula Rasa)، وأن التجربة هي التي تكتب عليه المعارف. بالنسبة للوك، ليست هناك أفكار فطرية، بل تأتي جميع المعارف من الانطباعات الحسية والتجارب التي يمر بها الإنسان. هكذا، اعتبر لوك أن الحواس هي المصدر الرئيسي للمعرفة، وأن ما يختبره الإنسان ويختزنه عبر هذه التجارب يشكل أساس الإدراك. اعتمد التجريبيون على فكرة أن العقل يكتسب المعرفة تدريجيًا من خلال التجربة، معتبرين أن المعرفة ليست تلقائية، بل بناء معقد يعتمد على إحساسات العالم الخارجي وتفاعلاتنا معه.
لم يكن هذا الجدل بين العقلانيين والتجريبيين خاليًا من النقاشات العميقة. مع ذلك، سيأتي إيمانويل كانط Immanuel Kant ليعيد النظر في هذا التعارض، عبر تأسيس فلسفته النقدية (Critique de la Raison Pure)، التي حاول فيها الجمع بين دور العقل ودور التجربة في عملية المعرفة. كانط يرى أن المعرفة ليست مجرد انعكاس للتجربة الحسية ولا نتيجة عقلية خالصة، بل هي نتاج تفاعل بين الحساسية (Sensibilité) التي تزودنا بالمادة الخام للمعرفة، والفهم (Entendement) الذي ينظم هذه المادة عبر "قوالب" قبلية مثل الزمان والمكان والسببية (Temporalité, Spatialité, Causalité). هنا، تصبح المعرفة ممكّنة من خلال هذه القوالب التي تعتبر شروطًا أساسية لفهم العالم، بحيث تتيح لنا تكوين المعرفة اعتمادًا على التفاعل بين المعطيات الحسية وبنية العقل الداخلية. قال كانط: "الحدوس الحسية بلا قوالب عقلية عمياء، والقوالب العقلية بلا حدوس حسية جوفاء"، مؤكدًا أن العقل يعتمد على الحدوس الحسية، تمامًا كما يعتمد الحواس على العقل لصياغة معنى واضح من الظواهر المحسوسة.
وفي خضم هذا الجدل، أتى الفيلسوف الألماني هيجل G.W.F. Hegel ليضيف مفهومًا جديدًا في الفلسفة المثالية، حيث اعتبر أن العقل ليس فقط قوة معرفية لفهم العالم بل هو قوة تحرك التاريخ، من خلال عملية تطور جدلي (Dialectique)، حيث تتشكل الحقيقة عبر التفاعل بين الفكرة (Thèse) ونقيضها (Antithèse) وصولاً إلى تركيب أعمق يجمعهما (Synthèse). بالنسبة لهيجل، يتحقق "العقل المطلق" عبر مراحل تطورية تمر بها الفكرة من التجريد إلى الكمال، فالعقل يتجلى عبر مسار طويل يمتد من الوعي البسيط إلى الوعي الذاتي، وصولاً إلى الوعي المطلق بالعالم. التاريخ، إذن، بالنسبة لهيجل، هو تجلٍّ للروح المطلقة، حيث تتصاعد الأفكار وتتفاعل لتصل إلى مستوى أعلى من الوعي والحقيقة.
إن جوهر الفلسفة الحديثة هو التأكيد على استقلالية العقل ودوره في بناء المعرفة البشرية، وحرية الإنسان في التفكير والتساؤل. لقد فتحت هذه الفلسفة أفقًا جديدًا يمكن للإنسان أن يبني من خلاله فهمه الخاص للعالم، متحررًا من الإملاءات الخارجية.



#احمد_زكرد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية الوضع البشري (ج 3) : الهوية الشخصية بين الثبات (الوح ...
- مقاربة فلسفية لإشكالية الوضع البشري: رحلة الإنسان نحو الوعي ...
- إشكالية اللغة في الفلسفة
- إشكالية تعليم الفلسفة و صفات استاذ مادة الفلسفة
- إشكالية الدولة بين المشروعية و اللامشروعية
- ثقافة الاختلاف نحو إرساء مواطنة كونية
- الإنسان في الفلسفة الوجودية
- إيقاط الدب الروسي من سباته، بداية تحقيق حلم العودة
- أيقاظ الدب الروسي من سباته ، بداية تحقيق حلم العودة
- إشكالية اليسار الإسلامي
- لماذا الحاجة إلى الفلسفة ؟
- ثورة الوعي ، أساس التغيير الحقيقي
- إتيقا الحوار و التسامح الديني كمدخل لتأسيس المشترك الكوني بي ...
- لمحة بانورامية حول الفلسفة المعاصرة
- إشكالية الوعي عبر تاريخ الفلسفة
- إشكالية الوضع البشري بين الخضوع للضرورة والانفتاح على الحرية ...
- تأمل حول إشكالية الحب
- إشكالية العنف بين المشروعية و اللامشروعية
- هذا هو الإنسان في زمن كورونا المستجد
- التطور التقني وتداعياته البيئية في ظل غياب الشرط الأخلاقي: ف ...


المزيد.....




- مصدر لـCNN: إيلون ماسك انضم إلى اتصال جرى بين ترامب وزيلينسك ...
- البنتاغون: دخول متعاقدين عسكريين لأوكرانيا هدفه إصلاح الأسلح ...
- إعصار رافايل يضرب كوبا.. مئات المنازل دُمرت وانقطاع الكهرباء ...
- إعلام: مدعي عام الجنائية الدولية سيخضع إلى تحقيق بمزاعم -تهم ...
- فعاليات المؤتمر الوزاري الأول لمنتدى الشراكة بين روسيا وإفري ...
- -بينها استهداف قاعدة بتل أبيب ومطار عسكري-..-حزب الله- ينفذ ...
- برلمانية أوكرانية: الشركاء الغربيون يصفون نظام زيلينسكي بـ - ...
- مشاهد توثق سلسلة انفجارات في أوديسا جنوب أوكرانيا (فيديو)
- زاخاروفا: روسيا ستقضي على التهديدات الصادرة من أوكرانيا
- العراق.. الكشف عن تفاصيل انتحار -جيفارا- بمحيط السفارة الألم ...


المزيد.....

- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد زكرد - إشكالية التأسيس المعرفي في الفلسفة الحديثة