أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - سياسة الميزانية والهجوم على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية















المزيد.....


سياسة الميزانية والهجوم على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 1781 - 2006 / 12 / 31 - 11:15
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


على الرغم من أن حقوق الإنسان أصبحت عبارة رائجة في الخطاب العالمي في السنوات الأخيرة، فما زال الحديث بلغة الحقوق عن الغذاء والسكن والصحة وما شابه ذلك من الأمور يواجه مقاومة أو يسبب خلطا. والسؤال الواضح هنا هو ماذا تعني؟ ماذا يعني الحق في السكن، والحق في التعليم، والحق في العمل، ... إلخ؟ هل يعني أن كل شخص يجب أن يكون له مسكن وأن يتعلم حتى مستوى الجامعة، وأن يتوفر له عمل، وأن الدولة مسؤولة عن توفير كل ذلك له؟
وقد ترجع نشأة الشكوك والتساؤلات بخصوص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى نقص المعلومات وقلة الفهم، وقد تكون ورائها دوافع إيديولوجية. ولكن مهما كان مصدرها فلا يمكن تجاهلها. فالتأكيد على الحقوق الاقتصادية والإجتماعية والثقافية وإعمالها، حتى لمن قد يعارضونها أو يتشككون فيها إيديولوجيا، يعد أداة هامة لدعم تحليلنا وفهمنا لها وتعبيرنا عنها.
وتشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية العديد من المضامين نجد من بينها الحق في العمل وحقوق العمال، والحق في الضمان الاجتماعي والحق في الغذاء الكافي والحق في السكن الملائم والحق في أعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه والحق في بيئة صحية والحق في التعليم والحقوق الثقافية والحقوق المتعلقة بالأرض.
وفي إطار مجتمع برجوازي رأسمالي مثل مجتمعنا تعتبر الميزانية العامة أداة سياسية ذات آثار عميقة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من هنا يأتي التساؤل حول واقع الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية في بلادنا في مواجهة سياسة الميزانية؟ وهل هذه السياسة تسير في اتجاه الارتقاء بهذه الحقوق أم نحو الإجهاز عليها؟
سأحاول فيما يلي استعراض بعض الخاصيات العامة لسياسة الميزانية من خلال مشروع القانون المالي لسنة 2007.
أولا: بنية النفقات العمومية
ستعرف النفقات العمومية في ظل القانون المالي لسنة 2007 زيادة بنسبة 16,41 % مقارنة مع سنة 2005 أي بمبلغ 194 مليار درهم.
ويمكن النظر إلى بنية النفقات العمومية من عدة جوانب، فيمكن تقسيمها إلى نفقات التسيير ونفقات استثمار ونفقات خدمة الدين العمومي الداخلي والخارجي، كما يمكن تقسيم هذه النفقات إلى نفقات اجتماعية ونفقات اقتصادية ونفقات سياسية وأمنية. ونشير هنا إلى الإختلالات التي تميز كل تقسيم على حدة.
فبالنسبة لتقسيم نفقات الميزانية إلى نفقات التسيير ونفقات الاستثمار ونفقات الدين الملاحظ يمكن أن نلاحظ اختلال مزمن يتمثل في هيمنة نفقات التسيير والدين العمومي على حساب نفقات الاستثمار المنتج:
فحصة نفقات التسيير تبلغ في مشروع القانون المالي لسنة 2007 حوالي 57 % أي بمبلغ 110 مليار درهم؛
بينما تحضى نفقات خدمة الدين العمومي بالمرتبة الثانية بحوالي 30 % أي بمبلغ 60 مليار درهم منها 16 % مخصصة لمدفوعات المديونية الخارجية و84 % مخصصة لمدفوعات المديونية الداخلية.
أما نفقات الاستثمار العمومي فتضل في أسفل السلم بنسبة 13 % فقط أي بمبلغ 26 مليار درهم، علما بأن هناك رصيدا بمبلغ 8 مليار درهم من اعتمادات الاستثمار المقررة في إطار ميزانية 2006 لم يتم الأمر بصرفها إلى الآن. ويؤكد لنا وجود هذا الرصيد بأن نسبة إنجاز الأهداف التنموية المعلنة في إطار ميزانية 2006 لم تتعد 68 %، نفس الشيء بالنسبة لميزانية 2005 حيث تم نقل رصيد بمبلغ 8,5 مليار درهم. كما يؤكد لنا هذا الرصيد بأن القانون المالي يضل مجرد توقعات لا يمكنه أن يؤكد لنا مصداقية الأهداف الحكومية في العديد من القطاعات، والتي لا بد من أن تتوفر لدينا حسابات ختامية حديثة للتعرف على مدى إنجاز الأهداف المرسومة(ومغلوم أن آخر قانون للتصفية قدم للبرلمان هو المتعلق بميزانية 1996 وقد قدم سنة 2001).
أما بالنسبة لتقسيم النفقات العمومية إلى نفقات اقتصادية واجتماعية وسياسية أمنية، فالملاحظ عليها هو هيمنة النفقات السياسية على حساب النفقات الاقتصادية والاجتماعية. فميزانيات البلاط والداخلية والخارجية والدفاع والعدل والوزارة الأولى والبرلمان تصل إلى حوالي 45 مليار درهم وتحضى بالأولوية بينما القطاعات الإقتصادية والمتعلقة بميزانيات الطاقة والمعادن والصناعة والتجارة وتأهيل الإقتصاد والتجارة الخارجية والشرون الإقتصادية والمندوبية السامية للتخطيط والتجهيز والنقل واعداد التراب الوطني والماء والبيئة فلا تتجاوز 9 مليار درهم.
من جهة أخرى إذا ما استثنينا قطاعات الصحة والتعليم والاسكان فإن القطاعات الاجتماعية وتشمل عشرة وزارات هي التشغيل والتنمية الإجتماعية والأسرة والتضامن والثقافة والأوقاف وقدماء المقاومين والشباب والرياضة والسياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري ومنذوبية المياه والغابات فنجدها لا تتجاوز 10 مليار درهم وهذا في الوقت الذي تستفرد فيه وزارة الداخلية بمفردها على 11,6 مليار درهم وهو ما يؤكد مرة أخرى أولوية الهاجس الأمني على القطاعات الاجتماعية كيفما كان نوعها حتى وإن تعلق الأمر بقطاع مثل وزارة الفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري.
وعموما فإن الاختلال والتفاوت الحاصل في النفقات العمومية، يقوم أساسا على عدد من العوامل نجد من بينها ما يلي:
اعتماد سياسة التمويل بالعجز كوسيلة من وسائل التراكم وتكوين رأس المال الثابت. وتقوم هذه السياسة على أساس الاستدانة المفرطة الداخلية والخارجية وكذا طبع الأوراق النقدية على أساس أن هناك موارد عاطلة كثيرة كالأراضي الزراعية والثروات الطبيعية ومنها الفوسفاط ، سيتم العمل على تثمينها وبالتالي خلق وفورات داخلية لتدارك العجز المفتعل
وتقوم هذه الفرضية على أن سياسة التمويل بالعجز ستؤدي إلى زيادة طلب الدولة على الموارد الأولية مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتحويل الموارد لصالح تراكم رأس المال. وقد أثبت الواقع أن سياسة التمويل بالعجز قد فشلت في تحقيق أهدافها (أي الزيادة في تراكم رأس المال الثابت) بل شكلت وسيلة لمراكمة الثروات في أيدي الأقلية وبالتالي اثقال فاتورة المديونيتين الداخلية والخارجية وتفاقم عجز الميزانية العامة وارتفاع معدلات التضخم وكل هذه النتائج تنعكس على الحقوق الإقتصادية والإجتماعية للطبقات المسحوقة من خلال ارتفاع العبء الضريبي والكساد والبطالة.
كما لعب الإنفاق العسكري دورا أساسيا في تزايد النفقات العمومية بمعدلات كبيرة. ونلاحظ هنا أن استمرار النزاع في المناطق الصحراوية منذ أكثر من ثلاثين سنة وما رافق ذلك من استنفار عسكري دائم، يقدم دلالة كبيرة عن دور الإنفاق العسكري في تكريس عجز الميزانية، خصوصا وأن هذه النفقات غير مولدة للمداخيل، فهي تذهب فقط كمخصصات الأجور والرواتب والمستلزمات السلعية والخدماتية الضرورية للقوات المسلحة. واستيراد السلاح والذخيرة وصيانة المعدات العسكرية. وخطورة في هذا النوع من النفقات أنه لا يتم فقط بالعملة المحلية وإنما أيضا بالعملات الأجنبية.
ويمكن أن نظيف هنا التبذير كعامل أساسي في نمو الإنفاق العمومي وبالتالي في العجز المالي. ويظهر التبذير على الخصوص في مجال الإنفاق على المباني الوزارية الفاخرة والمطارات الفخمة وشراء الآثات الفاخر والديكورات الغالية وسيارات الوزراء الفارهة، والصرف بسخاء وبالعملات الأجنبية على البعثات الوزارية والموظفين الكبار وعلى الحفلات والمآدب التي تقيمها السفارات في مختلف البلدان الأجنبية خلال الأعياد الوطنية، والسخاء الحاتمي على أعضاء السلك الدبلوماسي في الخارج ... الخ.
كما يمكن الاشارة إلى حجم نهب الموارد العمومية عبر الانفاقات المبالغ فيها أو الصفقات الخيالية، فتقدير تكاليف باهضة للمشاريع العمومية مثل السدود والطرق السيارة والبنيات التحتية يرفع من حجم النفقات العمومية ويكرس المزيد من عجز الميزانية.
ثانيا: بنية الموارد العمومية:
تزايدت الموارد العمومية في ظل مشروع القانون المالي لسنة 2007 بنسبة 8 % عن سنة 2006 أي بمبلغ 179 مليار درهم. وترجع هذه الزيادة بالأساس إلى بعض المداخيل الاستثنائية كمداخيل الخوصصة التي ستبلغ 4,5 مليار درهم والاقتراضات الداخلية بقيمة 40 مليار درهم والاقتراضات الخارجية بقيمة 8 مليار درهم.
أما بالنسبة للمداخيل العادية والتي ترتكز أساسا على المداخيل الضريبية فستعرف خلال سنة 2007 نموا متوسطا حيث تشكل كل من الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة أهم المصادر الممولة للمداخيل العادية.
(1) الإجراءات الضريبية الواردة في مشروع ميزانية 2007.
وتتمثل أهم الإضافات الضريبية الواردة في المشروع تلك المتعلقة بالضريبة على الدخل. فسيتم تخفيض النسبة القصوى للضريبة على الدخل، من 44 إلى 42 % كما سيتم رفع سقف الإعفاء الضريبي من 20.000 درهم إلى 24.000 درهم. ويحاول الخطاب الحكومي اعتبار هذا الإجراء بمثابة تحسين لرواتب الموظفين، لكن قيمة هذا التعديل الذي يتراوح ما بين 43 درهم و370 درهم حسب شرائح الدخل لا يمكنه أن يعوض بأي حال النقص الكبير الذي طرأ على مجمل المداخيل وخاصة مداخيل فئات الموضفين والأجراء غير المعنية بهذا التعديل الضريبي وهي الفئات التي يقل دخلها عن 2500 درهم، فالزيادات الكبيرة التي طرأت على الأسعار قلصت بشكل كبير من مستوى الرواتب والأجور وتقليص الضريبة على الدخل لا يعنيها.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة كانت عازمة في اطار مشروع القانون المالي لسنة 2007 على اختزال معدلات الضريبة على القيمة المضافة من أربع معدلات وهي 7 % و10 % و14 % و20 % إلى معدلين فقط وهما 10 % و 20 %، مما سيرفع المستوى العام للأسعار بشكل أكبر مما هو قائم حاليا، لكن نظرا لردود الفعل الشعبية القوية ضد ارتفاع الأسعار تم الاقتصار على الاعلان عن نية الحكومة عن إصدار المدونة العامة للضرائب وادخال ما يسمى بالجيل الثاني من الإصلاح الجبائي وهي عملية تتوخى إخضاع مواد وخدمات جديدة للضريبة على القيمة المضافة والتقليص التدريجي للإعفاءات التي تستفيد منها بعض القطاعات والتقليص من عدد نسب هذه الضريبة كما هو مخطط لها.
كما أن الحكومة كانت عازمة على تقليص معدل الضريبة على الشركات من 35 % إلى 28 % ثم إلى 20 % وكذا التقليص من نسب ضريبة الباتنتا والتقليص من عددها وتعويضها بالرسم المهني.
وإذا ما نظرنا إلى هذا الاصلاح الجبائي في كليته فسنرى أن ينطوي على خلفية إيديولوجية فهو يحابي بشكل واضح وكبير مصالح أصحاب الثروات والمداخيل الكبرى والمواد والخدمات الكمالية التي تستهلكها الطبقات الغنية بينما يكرس العبء الجبائي على ذوي المداخيل الصغرى والمتوسطة وأيضا المواد والخدمات واسعة الاستهلاك وهو في التحليل النهائي عدوان صريح على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقات المسحوقة.
(2) – تدهور الموارد العمومية:
تتدهور مداخيل الدولة سنة بعد أخرى في الوقت الذي تتزايد في النفقات العمومية نتيجة الأسباب التي أشرنا إليها، ومن بين الأسباب المباشرة لتدهور موارد الدولة هناك ما يلي:
- ضعف الطاقة الضريبية في المغرب، ونعني بالطاقة الضريبية هنا حصة المداخيل الجبائية بالنسبة للناتج الداخلي الاجمالي، حيث لا تتعدى هذه الطاقة 20 % وذلك بسبب انخفاض المستوى العام لمداخيل الأفراد، وعدم خضوع أصحاب المداخيل والثرواث الكبرى للضريبة نتيجة المحاباة والنفوذ السياسي والاقتصادي؛
- جمود النظام الضريبي وعدم تطويره وتطويعه لخدمة أهداف التنمية ، فالإصلاحات الجبائية المتنوعة التي تم اعتمادها منذ عقد الثمانينات استهدفت الشكل فقط عبر تغيير الضرائب النوعية بضرائب عامة كالضريبة على القيمة المضافة والضريبة العامة على الدخل والضريبة على الشركات؛ إلا أن أسلوب وقوع هذه الضرائب على المصادر الاقتصادية المختلفة لم يتغير، فلازال الاختلال كبيرا يظهر من خلال هيمنة الضرائب غير المباشرة على الضرائب المباشرة كما أن العبء الجبائي لا زال يقع بكل قوة على الرواتب والأجور الصغيرة والمتوسطة وعلى المواد والخدمات واسعة الاستهلاك مقارنة بالمصادر الاقتصادية الفلاحية والعقارية والتجارية والصناعية والمهن الحرة التي تحتكرها الطبقات المهيمنة.
- من أسباب تراجع المداخيل الضريبية التراجع عن مبدأ التصاعد الضريبي سواء بالنسبة للضرائب على الشركات أو الضريبة على القيمة المضافة واستبدالها بضرائب نسبية تستهدف تطبيق نفس المعدل الضريبي على جميع المكلفين وهو حيف واضح في حق ذوي المداخيل الصغرى ومحاباة لأصحاب الثروات والمداخيل الكبرى في ظل غياب ضريبة على الثروة والتركات.
- انتسار الغش والتهرب الضريبي، وهي ظاهرة ملازمة للنظام الجبائي المغربي، فارتفاع حجم التهرب الضريبي يؤدي إلى تدهور واضح في حصيلة الضرائب، حيث يتمكن الفرد المكلف بالضريبة من التخلص نهائيا منها، بعدم دفعها، أو بتقديم إقرارات ضريبية غير صحيحة؛ والمثل الواضح هنا تلك الممارسات التي يقوم بها أصحاب رخص الصيد في أعالي البحار الذين يبيعون مصائدهم في عرض البحر لبواخر أجنبية من دون إفراغها في الموانئ المغربية قصد التهرب من أداء الضرائب المستحقة عليها، وهناك أيضا التهرب القانوني من الضرائب كذلك الذي يستفيد منه كبار ملاكي الأراضي الفلاحية والذين يصدرون منتجات فلاحية عديدة دون دفع درهم واحد كضريبة لخزينة الدولة، بل نجد هؤلاء أكبر المستفيدين من مساعدات الدولة ويقودون استغلالا بشعا لاستغلال للأيدي العاملة الزراعية.
- تراجع مداخيل الرسوم الجمركية سنة بعد أخرى نتيجة تفكيك هذه الرسوم تطبيقا لإملاءات اتفاقيات مراكش حول التجارة الدولية واتفاقيات الشراكة الأورومتوسطية التي تلزم المغرب بإزالة كل الحواجز الجمركية في أفق 2010 وكذا التزامات المغرب اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية برسم اتفاقية التبادل الحر. فعواقب تراجع هذه المداخيل لن تستشعر بحدة إلا حينما لا يتبقى للمغرب ما يبيعه من مقاولات عمومية مربحة وحينما يعجز عن أداء مستحقات موظفيه ومتقاعديه.
- ويمكن أن نضيف إلى تراجع المداخيل الضريبية انعكاسات الخوصصة وبيع الدولة للمرافق العمومية، حيث أصبحت الخوصصة تطال بعض الوظائف التقليدية للدولة مثل تأمين الخدمات العمومية كالصحة العامة والتعليم الأساسي والمرافق العامة كالشوارع والجسور والمصارف والموانئ والمطارات والسكك الحديدية ومحطات الكهرباء والمياه ... الخ. فكل هذه الجوانب بدأت في إطار الخوصصة تسلم للشركات الأجنبية على الخصوص مع ما يستتبع ذلك من تحويل الأرباح بالنقد الأجنبي نحو الخارج وتكريس عجز ميزان الأداءات.
- وإذا كانت الخوصصة تؤدي إلى بعض المداخيل الاستثنائية فإنها تؤدي بالمقابل إلى حرمان الميزانية العامة من المداخيل العادية التي تدرها ممتلكات واحتكارات الدولة. ومعلوم أن مدا خيل الخوصصة إما أن تستعمل لتغطية عجز الخزينة العامة فلا يتم توظيفها في مجال الاستثمار أو توضع في صناديق لا توجد مراقبة ديموقراطية عليها ولا علاقة لها بميزانية الدولة.
- وعموما فإن المداخيل العادية تتراجع أمام تزايد المداخيل الاستثنائية لميزانية الدولة. فالمداخيل الضريبية أصبحت لا تمثل سوى 59 % فقط من ميزانية الدولة، وتعتبر هذه الظاهرة خطيرة بالنسبة للمستقبل، لأن النفقات ستبقى في تزايد مستمر.
- وأمام التدهور الحاصل في مداخيل الميزانية فلن تجد السلطات العمومية أمامها سوى المزيد من الاستدانة الداخلية والخارجية، أو الزيادة أكثر في معدلات الضرائب غير المباشرة التي تعتبر وسيلة سهلة وتستنزف القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود.
- ويخول القانون المالي الحالي إعفاءات ضريبية مهمة لقطاعات العقار والفلاحة والتصدير والسياحة ومناطق التبادل الحر، وهناك تقرير حول النفقات الجبائية يبرز حجم ما تتخلى عنه الدولة من امتيازات واعفاءات بلغت حوالي 15 مليار درهم سنة 2005، وهو ما يمثل 3,4 % من الناتج الداخلي الاجمالي.
- إن كلمة إصلاح في المغرب لا تعني بالنسبة للموظفين والطبقة العاملة وعموم الكادحين في جميع المجالات وخاصة في المجال الضريبي سوى تكريس مزيد من الحيف ومزيد من اتساع الفوارق الطبقية ومحاباة أكبر للرأسمال المحلي والأجنبي.
فالنظام الجبائي المغربي لا تقوم أهدافه على تحقيق العدالة الجبائية وتقليص الفوارق الاجتماعية بل يسعى إلى تكريس المزيد من هذه الفوارق الطبقية وظرب الحقوق الإقتصادية والإجتماعية.

ثالثا: الفشل في تحقيق الأهداف المعلنة لميزانية 2007:
تقوم الأهداف المعلنة لمشروع القانون المالي لسنة 2007 حول ثلاث محاور كما يلي:
1 – وضع شروط تنمية قوية ومستدامة لاستحداث مناصب كافية للشغل المنتج وإيجاد حل مناسب لمشكلة التشغيل خاصة الشباب الحاصل على الشهادات؛
2 – ترسيخ الإصلاحات البنيوية والقطاعية من أجل إضفاء المرونة اللازمة على الاقتصاد الوطني وتعزيز قدرته على مواجهة الظروف الطبيعية الصعبة والآثار السلبية للظرفية الاقتصادية الوطنية والدولية؛
3 – النهوض بالقطاعات الاجتماعية من أجل تعزيز تآزر المجتمع المغربي والتقليص التدريجي للعجز المسجل في مجال الولوج إلى التجهيزات والخدمات الأساسية وتحسين التوازنات المجالية عبر توجيه جغرافي أمثل للاستثمارات العمومية والخاصة.
لكن الواقع هو أن هذه الأهداف لا تعني شيئا، لأنها نفس الأهداف الجوفاء التي يتم ترديدها سنويا بعبارات مختلفة، بل نجدها في الواقع تعني العكس تماما.
فعلى مستوى التشغيل لن تصل أعداد مناصب الشغل المحدثة خلال سنة 2007 سوى إلى 7000 منصب شغل وتهم أساسا قطاعات التعليم والصحة والعدل والداخلية.
أما بالنسبة لسياسة الميزانية في مجال التعليم فإن تدهور قطاع التعليم العمومي أصبح واقعا يشاهده الجميع سواء من حيث ضعف الاعتمادات المخصصة لهذا القطاع سنة بعد سنة إلى جانب تنامي مؤسسات التعليم الخاص الباهظة والمتفاوتة الأسعار ومحتوى الدراسات المقدمة والتي تؤدي الى تفاوت طبقي صارخ في هذا المجال وتحرم الطبقة العاملة وعموم الكادحين من فرص تعليم أبنائهم. ومعلوم أن التعليم العمومي لم يعد يؤدي إلى التشغيل حيث أن أحجام حاملي الشهادات المعطلين لا زالت في تزايد مستمر.
أما بالنسبة لسياسة الميزانية في مجال الإسكان فإن مقولة ولوج السكان المعوزين إلى السكن اللائق تبقى مجرد خطاب استهلاكي، فالجميع يعلم حجم المضاربة العقارية المتفاحشة في بلادنا والتلاعب في مجال إعادة إسكان ساكنة دور الصفيح، حيث يصبح هذا المجال مرتعا لكل أشكال الفساد والاغتناء غير المشروع.
أما بالنسبة لنسبة النمو التي سجلت 7,3 % سنة 2006 نتيجة التساقطات المطرية الهامة فإنها لم تكن بنفس الإيجابية على الطبقات المسحوفة التي تواجه حاليا الزيادات المهولة في أسعار المنتجات والخدمات والتي تشكل أرباحا ضخمة للشركات ولرأس المال وهذا الواقع يطرح شكوكا حول حقيقة نسبة النمو المعلنة، فالزيادات التي حدثت تتوخى مراكمة أرباح الشركات الكبرى بشكل مفتعل لترسيخ نسبة النمو المصرح بها. كما أن نسبة النمو المعلن عنها خلال سنة 2007 والتي حددت في 3,5 % فيظهر أنها موجهة للإستهلاك فقط، فضعف السوق الداخلي والتوجه الخارجي للاقتصاد وارتفاع فاتورة الطاقة وتخلي الدولة عن القيام بدور مهم في مجال الاستثمار العمومي إضافة إلى التوترات التضخمية التي أدركت نسبة 4,1 % في شتنبر الماضي تنبئ بعدم واقعية هذه النسبة.
إن الخطاب الرسمي يتحدث عن نسبة 4,7 % من النمو خلال المرحلة 2001 – 2006 لكن واقع الكساد والبطالة وضعف مؤشرات العديد من القطاعات منها على الخصوص القطاع الفلاحي يؤكد عكس هذه النسبة بل أن نسبة النمو الحقيقية لم تتجاوز 2,5 % الا نادرا، وهذه النسبة غير كافية للتصدي للفقر والبطالة وتردي الأوضاع المعيشية لأوسع الفئات، حيث يمكن تسجيل التسريحات الهائلة التي يقبل عليها القطاع الخاص من أجل تقليص الكلفة وتشجيع الأعمال المؤقتة والهشة التي لا تخضع المقاولة لالتزامات مدونة الشغل.
أما بالنسبة لسياسة الميزانية في مجال الأجور والوظيفة العمومية فتخضع منطق الإصلاح لتعاليم المؤسسات المالية الدولية التي تعتبر بأن مستوى الأجور يعتبر مرتفعا بهدف دفع الحكومة إلى تقليصها. فيقال أن قطاع التعليم الابتدائي والثانوي يستحوذ على حوالي 26 % من نفقات التسيير.
لكن هذا الاتهام غير صحيح في الوقت الذي تتفشى فيه معدلات الأمية ويتراجع فيه مستوى التعليم بهدف خوصصته إضافة إلى أن رجال التعليم إذا كانوا يشكلون حوالي 60 % من مجموع الموظفين فإنهم لا يتقاضون سوى 26% من نفقات الميزانية، فهذا القطاع يعاني من حيف كبير في هذا المجال.
أما بالنسبة لقطاع الصحة فنجده يعاني من حيف كبير، في الوقت الذي يحتاج فيه الشعب المغربي إلى ثلاث أضعاف ما هو متوفر من أطباء وممرضين وأدوية وبنيات تحتية على امتداد التراب الوطني، إضافة إلى تراجع مجانية العلاج وتفشي المحسوبية والرشوة وتدهور البنيات الصحية التحتية.

خاتمة
الخلاصة هي أن سياسة الميزانية لا تراعي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقات المسحوقة على الخصوص سواء في شقها المتعلق بالنفقات التي تقود تدريجيا نحو المزيد من تدهور الخدمات العمومية، أو في شقها المتعلق بالموارد التي تحابي أصحاب الثروات وتعاقب ذوي الدخل المحدود. لذا فإن تحديد واضح ودقيق لمحتوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من طرف الهيئات الحقوقية في بلادنا يبقى ضروريا حتى لا تتمادى سياسات الميزانية في المزيد من ضرب هذه الحقوق.
شكلت هذه الورقة محور مداخلة في المائدة المستديرة التي نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمقر هيئة المحامين بالرباط حول موضوع الميزانية العامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يوم الأربعاء 13 دجنبر 2006.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سنة الإجهاز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بامتياز
- الاحتجاجات على ارتفاع الأسعار تعم جميع مناطق المغرب في ذكرى ...
- ارتفاع الأسعار والسياسات الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب
- رهانات اقتصادية مخزنية فاشلة وانتفاضات جماهيرية عارمة عبر ال ...
- الطبقات المسحوقة تنتفظ على الاستغلال والتفقير
- أية مصداقية للإنتخابات الجماعية في المغرب؟
- ملتقى الرباط الوطني لتنسيقيات مناهضة ارتفاع الأسعار
- موقفنا
- تحسين القدرة الشرائية للمواطنين يتطلب مراجعة شاملة للسياسة ا ...
- خلفيات حركة مناهضة ارتفاع الأسعار في المغرب
- الحرب الأمريكية الصهيونية على لبنان ودروس المقاومة
- احتجاجا على تسليع خدمات مياه الشرب والانارة
- مأزق أنظمة التقاعد في المغرب
- احتجاجا على ارتفاع الأسعار
- اختلالات زمن العولمة
- اقامة الديموقراطية في المغرب من وجهة نظر حقوقية
- المبادرات السياسية للمطالبة بدستور ديموقراطي
- المخزن يدجن الطبقة السياسية المغربية
- حصاد الهشيم لسبع سنوات من الأداء الاقتصادي
- في تقييم سبع سنوات من الأداء الاقتصادي والاجتماعي


المزيد.....




- وزير الاقتصاد الايراني يغادر طهران متوجها إلى الرياض
- مصر تطلب دعما بربع مليار دولار
- بالأرقام.. السياحة الإسرائيلية تحتضر
- -بلومبرغ-: أوروبا على حافة أزمة طاقة جديدة
- رب ضارة نافعة.. صادرات الصين تتجه نحو رقم قياسي بسبب ترامب
- السفير الروسي يقود شاحنة -أورال- الجبّارة في ليبيا معلنا دخو ...
- توقعات بتباطؤ وتيرة خفض الفائدة في آسيا بعد فوز ترامب
- أكبر 10 دول تنتج الجزر بالعالم.. الجزائر والمغرب يتصدران الع ...
- اقتصادي: العراق يمتلك قاعدة بيانات موثوقة والتعداد لا يصنع ا ...
- هل تمنع مصر الاستيراد؟


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - سياسة الميزانية والهجوم على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية