|
الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء له طعم خاص ودلالة قوية
محمد إنفي
الحوار المتمدن-العدد: 8154 - 2024 / 11 / 7 - 13:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تضافرت عدة عوامل لإعطاء هذا الاعتراف الفرنسي طعما خاصا ودلالة قوية بفعل أبعادها المتعددة؛ إذ يمكن مقاربتها (الدلالة) سياسيا وديبلوماسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وحضاريا وتاريخيا...؛ الشيء الذي ميزه عما سبقه من الاعترافات، وبالأخص الأوروبية منها، وأساسا الاعتراف الإسباني والألماني؛ ذلك أن علاقة المغرب بهذه البلدان الأوربية الثلاث، مرت بأزمة ديبلوماسية بسبب موقفها من قضية الصحراء. وتجدر الإشارة إلى أن الأزمة مع فرنسا اختلفت، شكلا ومضونا، عن الأزمة مع إسبانيا وألمانيا. فبالنسبة لهاتين الدولتين، فإن الأزمة مع المغرب قد تمثلت في سحب هذا الأخير، رسميا، لسفيرته من كل منهما. أما مع فرنسا، فقد كانت هناك أزمة صامتة دامت لأزيد من ثلاث سنوات. وكانت هذه الأزمة الصامتة تعبر عن نفسها تارة بأساليب ملتوية وتارة بنوع من المباشرة والصدامية. وكان المغرب لا يخفي امتعاضه من بعض المواقف ولا يتردد في نهج أسلوب المعاملة بالمثل. وعلى سبيل المثال، فلما غادرت السفيرة الفرنسية الرباط في شتنبر 2022 بحجة أن مهمتها قد انتهت وأن قصر الإليزيه قد قرر تكليفها بمهمة في الاتحاد الأوروبي، انتظر المغرب إلى شهر يناير 2023، ليقوم بنفس الإجراء حيث أنهى العاهل المغربي مهام سفيره في باريس وعينه مديرا لصندوق محمد السادس للاستثمار، ليبقى منصب السفير بباريس شاغرا لمدة سنة. وحتى لما عينت فرنسا سفيرا جديدا لها في المغرب كخطوة لإنهاء الأزمة، لم يتم استقباله رسميا وظل الفتور الديبلوماسي سيد الموقف لشهور. مع إسبانيا وألمانيا، الأمر اختلف. فقد كانت الأزمة مباشرة وتمثلت في سحب المغرب لسفيرتيه من هاذين البلدين؛ مما فاجأ الكثير من المغاربة وبدأت ردود الفعل تتناسل في أوساط المجتمع المغربي من خلال تعبيرات متباينة سواء على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي أو على مستوى حديث المقاهي والجلسات الخاصة؛ إذ هناك من وصفوا الخطوة بالمغامرة، ومن تساءلوا عن قدرة المغرب على فتح أكثر من جبهة، وبالأخص مع دول من حجم ألمانيا وإسبانيا، الخ؛ وهي ردود فعل كانت كلها تدل على أن أصحابها لم يكونوا قد أدركوا أن المغرب قد تغير. وما ميز الأزمة مع هاتين الدولتين، أنها لم تدم طويلا؛ فالأزمة مع إسبانيا (ونتذكر سبب حدوثها: استقبال "بن بطوش"-إبراهيم غالي، زعيم البوليساريو- بجواز سفر جزائري مزور للاستشفاء خلال فترة كورونا دون إخبار المغرب بالموضوع) دامت سنة، إن لم تخني الذاكرة؛ أما مع ألمانيا، فقد دامت أقل من ذلك. المهم أن المياه عادت إلى مجاريها بعد توضيح كل من البلدين لموقفه من الصحراء. وهكذا، عادت سفيرة المملكة المغربية، السيدة زهور العلوي، إلى برلين، وعادت السيدة كريمة بنيعيش إلى مدريد. أما الأزمة مع فرنسا، فقد دامت أكثر من ثلاث سنوات كما أسلفنا، وتخللتها أنواع من الدسائس والمناورات تمثلت في اتهام المغرب بالتجسس على الرئيس الفرنسي باستعمال "بغسوس". وقد سخَّر الإعلام الفرنسي كل طاقاته للنيل من صورة المغرب لدى المواطن الفرنسي والأوروبي. كما أن فرنسا استعملت البرلمان الأوربي كمنصة للتهجم على المغرب واتهامه بعدم احترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام. وكان يقود هذه الهجمة الأمين العام لحزب رئيس الجمهورية الفرنسية، السيد ستيفان سيجورني، العضو في البرلمان الأوروبي باسم نفس الحزب. وهو ما أعطى للأزمة طابعا رسميا. يضاف إلى كل هذا، الأخطاء البروتوكولية والديبلوماسية التي وقع فيها الرئيس الفرنسي ووزيرته في الخارجية السيدة كاترين كولونا. فالسيد إيمانويل ماكرون سبق له أن أعلن، في الشارع العام، عن قرب زيارة له للمغرب؛ ووزيرته في الخارجية ارتكبت نفس الخطأ لما تحدثت للصحافة عن برمجة زيارة للرئيس الفرنسي إلى المغرب؛ مما حذا بالسيد ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، إلى إصدار بلاغ رسمي ينفي فيه ما جاء في تصريح الوزيرة. وارتكب الرئيس الفرنسي خطأ فادحا لما سمح لنفسه بمخاطبة الشعب المغربي مباشرة بعد رفض الدولة المغربية لمساعدة فرنسا خلال زلزال الحوز في شتنبر 2023. كل هذه الأخطاء وغيرها زادت من تعقيد الأزمة وإطالة أمدها. وكان لافتا أن يقرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تسمية الأمين العام لحزبه وزيرا للشؤون الخارجية، خلفا للسيدة كاترين كولونا، قي حكومة غابريال أتال الجديدة التي تم تشكيلها في يناير 2024. وفي فبراير الموالي، طار ستيفان سيجورني إلى الرباط بتكليف من السيد إيمانويل ماكرون بحثا عن إعادة الدفء للعلاقة بين البلدين. وخلال الندوة الصحفية المشتركة مع وزير الشؤون الخارجية المغربي، السيد ناصر بوريطة، في ختام مباحثاتهما، حرص الوزير الفرنسي على التأكيد بأن فرنسا كانت أول بلد يدعم مخطط الحكم الذاتي سنة 2007، ليضيف بأن الوقت قد حان لتحقيق تقدم احتراما للاستمرارية المنطقية لهذا الالتزام. وكانت هذه إشارة صريحة على عزم فرنسا على الخروج من المنطقة الرمادية. وتحقق التقدم الذي بشر به السيد ستيفان سيجورني بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتربع جلالة الملك محمد السادس على العرش، حيث توصل برسالة من الرئيس الفرنسي تحمل بالمناسبة الاعتراف الفرنسي الصريح بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية. وسوف يُفصِّل الرئيس إيمانويل ماكرون في هذا الاعتراف أكثر في خطابه أمام البرلمان المغربي بغرفتيه خلال زيارة الدولة التي قام بها إلى المملكة المغربية بدعوة من العاهل المغربي. خلاصة القول، الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء له قيمة كبيرة باعتباره يتميز عن باقي الاعترافات شكلا ومضمونا، بما في ذلك الاعتراف الأمريكي. وهو انتصار كبير للديبلوماسية الملكية الحكيمة والمتبصرة القائمة على بعد النظر وطول النَّفَس والرؤية الاستراتيجية الثاقبة. فالعاهل المغربي وضع شرطا أساسيا للتعاون والشراكة، يرفض الضبابية والمنزلة بين المنزلتين. ففي ذكرى "ثورة الملك والشعب" (20 غشت 2022)، وجه العاهل المغربي رسالة واضحة لجميع شركاء المغرب، القدامى منهم والجدد، وبالأخص الذين يتبنون مواقف غير واضحة من مغربية الصحراء، مؤكدا للجميع أن "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات". مكناس في 7 نونبر 2024
#محمد_إنفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مغاربة إيران عملاء وخونة أم ضحايا الخطاب التضليلي للنظام الإ
...
-
حين يسقط التحليل في آفة التعميم
-
إيران محور مقاومة أم محور مساومة؟؟؟
-
استمراء العيش في الأوهام
-
أين يتجلى دور محور المقاومة فيما يجري في غزة وفي لبنان؟
-
رسالة إلى الإخوة التونسيين: احذروا عدوى الغباء الجزائري
-
قراءة في عنوان مقالة دعائية لوكالة الأنباء الجزائرية
-
هنيئا لنشطاء التواصل الاجتماعي المغاربة بالولاية الثانية لعب
...
-
المغرب ليس مسؤولا عن أزمة الرجال في الجزائر
-
ئمتلازمة (syndrome) -المروك- حوَّلت الجزائر إلى مارستان مفتو
...
-
صدق أو لا تصدق: إيران تمثل محور المقاومة...!!! ؟؟؟
-
هنيئا لدولة لا وزن لا هبة لا مواقف بجمهورية الجزائر الجنوبية
-
أفريقيا والرؤية الملكية الجيو-استراتيجية
-
حكومة التغول وبدعة حوارات المواطنة: صيغة منقحة في الإفساد وا
...
-
التغول السياسي إفساد متعمد للمؤسسات التمثيلية
-
هل هي عدوى الغباء الجزائري، أيها السفير، أم أن للأمر علاقة م
...
-
عن إجرام النظام العسكري في حق الشعب الجزائري
-
الجزائر، طال الزمن أم قصر، ستعود إلى حجمها الطبيعي
-
رسالة مستعجلة موجهة إلى منظمة الصحة العالمية: أنقذوا الجزائر
...
-
البلطجة أسلوب حكم في الجزائر والكذب خط تحريري لإعلامها
المزيد.....
-
مصدر لـCNN: إيلون ماسك انضم إلى اتصال جرى بين ترامب وزيلينسك
...
-
البنتاغون: دخول متعاقدين عسكريين لأوكرانيا هدفه إصلاح الأسلح
...
-
إعصار رافايل يضرب كوبا.. مئات المنازل دُمرت وانقطاع الكهرباء
...
-
إعلام: مدعي عام الجنائية الدولية سيخضع إلى تحقيق بمزاعم -تهم
...
-
فعاليات المؤتمر الوزاري الأول لمنتدى الشراكة بين روسيا وإفري
...
-
-بينها استهداف قاعدة بتل أبيب ومطار عسكري-..-حزب الله- ينفذ
...
-
برلمانية أوكرانية: الشركاء الغربيون يصفون نظام زيلينسكي بـ -
...
-
مشاهد توثق سلسلة انفجارات في أوديسا جنوب أوكرانيا (فيديو)
-
زاخاروفا: روسيا ستقضي على التهديدات الصادرة من أوكرانيا
-
العراق.. الكشف عن تفاصيل انتحار -جيفارا- بمحيط السفارة الألم
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|